مقا- ريح قد
مضى معظم الكلام فيها في الراء والواو والحاء ، لأنّ الأصل ذاك ، والأصل فيما نذكر
آنفا الواو أيضا ، غير انّا نكتب كلمات للّفظ. فالريح معروفة. والريحان معروف.
والريحان : الرزق. والريح : الغلبة والقوّة.
مفر- فالريحان : ماله رائحة ، وقيل
رزق ، ثمّ يقال للحبّ المأكول ريحان. والريح معروف ، وهي فيما قيل الهواء المتحرّك
، وعامّة المواضع التي ذكر اللّه تعالى فيها إرسال الريح بلفظ الواحد : فعبارة عن
العذاب ، وكلّ موضع ذكر فيه بلفظ الجمع : فعبارة عن الرحمة. وقد يستعار الريح
للغلبة- وتذهب ريحكم ، وأروح الماء : تغيّرت ريحه ، واختصّ دلك بالنتن. وريح
الغدير يراح : أصابته الريح. وأراحوا : دخلوا في الرواح.
ودهن مروّح : مطيّب الريح. وروى- لم
يرح رائحة الجنّة- اي لم يجد ريحها. والمروحة : مهبّ الريح. والمروحة : الآلة التي
بها تستجلب الريح و الرائحة : تروّح هواء. وراح فلان الى أهله : اي انّه
أتاهم في السرعة كالريح ، أو انّه استفاد برجوعه اليهم روحا من المسرّة.
مصبا- والريحان : كلّ نبات طيّب
الريح ، ولكن إذا اطلق عند العامّة انصرف الى نبات مخصوص ، واختلف فيه : فقال
كثيرون هو من بنات الواو ، وأصله ريوحان ، لكنّه ادغم ثمّ خفّف بدليل تصغيره على
رويحين. وقال جماعة هو من بنات الياء وزان شيطان ، وليس فيه تغيير بدليل جمعه على
رياحين. وراح الرجل رواحا : مات. وروّحت الدهن ترويحا : جعلت فيه طيبا طابت به
ريحه ، فتروّح اي فاحت رائحته. والريح : الهواء ، وأصلها الواو بدليل تصغيرها على
رويحة لكن قلبت ياء لانكسار ما قبلها ، والجمع أرواح ورياح ، وبعضهم يقول أرياح
وغلّطه أبو حاتم ، لانّه غير مكسورة ما قبلها ، والريح مؤنّثة على الأكثر فيقال هي
الريح ، وقد تذكّر على معنى الهواء ، فيقال هبّ الريح. وراح اليوم يروح روحا من
باب قال ، وفي لغة من باب خاف : إذا اشتدّت ريحه ، فهو رائح ، ويجوز القلب
والابدال فيقال راح كما قيل هار في هائر ، ويوم ريّح : طيّب الريح ، وليلة ريّحة
كذلك ، وقيل شديد الريح.
والتحقيق
أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة :
هو الجريان المنبعث من امر مادّي سواء كان هذا الجريان محسوسا كالريح المنبعث من
الهواء ، أو غير محسوس كالريح المنبعث من شخص من جهة محبوبيّته أو حسن سيرته أو
عظمته أو غير ذلك ، وسواء كان ذلك الجريان محسوسا بالبصر أو بالشمّ كجريان العطر
المنبعث من شيء ، وهكذا النتن.
وبين هذه المادّة ومادّة الروح
اشتقاق اكبر ، فالروح بمناسبة الواو يدلّ على جريان روحاني فيما وراء
المادّة. والريح يائيّا يدلّ على جريان في المادّة ، فانّ الكسرة مع الياء فيها
انخفاض وانكسار.
ثمّ إنّ الريح مفردا يستعمل في
العذاب كما في- ريح عاصف ، ريح فيها عذاب أليم ، الريح العقيم ، بريح صرصر عاتية.
وفي الرحمة كما في- {وَجَرَيْنَ
بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ...} [يونس : 22] ، {إِنْ
يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ} [الشورى : 33].
وفي آثار شخص وجريان أموره وظهور
قدرته وقوّته وتجلّى أشعّة وجوده ، كما في- {وَلَا
تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } [الأنفال
: 46] - فيراد محو جريان- آثار وجودهم من النظم والقدرة والعظمة والقوّة.
وكما في- {إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ } [يوسف
: 94] - يراد احساس آثار وجوده من العلم والأدب والمعرفة والروحانيّة والعظمة.
واحساس هذا الجريان في الآثار : امّا
بالحواسّ أو بالبصيرة الباطنيّة.
وأمّا استعمال صيغة الجمع في الرحمة
: فباعتبار أنّ الريح الجارية في العذاب انّما تتحقّق في مورد خاصّ استثنائي ، وهي
مفرد مخصوص.
وأمّا الجريان الطبيعي في الريح :
فانّما تحصل بسبب حركة الهواء الحارّ المنبسط من طبقة سفلى الى العليا ، أو من
أماكن باردة الى الساخنة من برّ أو بحر.
{وَلِسُلَيْمَانَ
الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ} [الأنبياء
: 81] {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً
حَيْثُ أَصَابَ} [ص : 36] ، . {وَلِسُلَيْمَانَ
الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ
: 12] جملة- تجرى بأمره ، وهكذا جملة- غدوّها شهر ، وهكذا قوله تعالى-
وسخّرنا :
تدلّ على أنّ هذا الأمر من الأمور
الخارقة للطبيعة ، ولا توافق تلك الأمور قوانين النظام الطبيعي وقواعد العلوم
الظاهريّة ، وتسمّى بالمعجزة الالهيّة. فلا يمكننا البحث عنها بما في أيدينا
من العلوم المحدودة.
ولا يخفى أنّ كون مسير الريح في
الغدوّ (قبل الزوال) مقدار مسير شهر ، وهكذا الرواح :
يطابق مسافة الفى كيلومتر ، فانّ
الراجل يسير عادة في اليوم ستّين كيلومترا.
ثمّ انّ الروح كما انّه في متن
الحياة الروحانيّة وبه تتمّ وتتقوّم الحياة المعنويّة وبانقطاعه ينقطع عالم النور
: كذلك الهواء وجريانه واقع في متن الحياة الجسمانيّة وبه قوامها واستدامتها ، وبانقطاعه
تنقطع الحركة والحياة المادّية-. {وَاللَّهُ
الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ
فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [فاطر
: 9] .... {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ
لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الجاثية : 5]... ، . {وَهُوَ
الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا} [الفرقان
: 48] .
{وَالْحَبُّ
ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ} [الرحمن : 12] , {فَأَمَّا
إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ
وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} [الواقعة : 88 ، 89] الريحان
في الأصل مصدر بمعنى الجريان- اللطيف في الحياة فيما بين الروح والريح ، اي فيما
بين الروحانيّة والمادّية ، كالسرور والفرح في الحياة ، ثمّ يطلق على ما يحصل به
تلك الحالة ، اي الّذى هو مظهر السرور والفرح ، كالنبات طيّب الريح ، والولد
المحبوب ، والحياة و- العيش المطلوب ، وحالة في سعة ومسرّة.
والفتح يدلّ على لطف الجريان ، والياء
على الانخفاض بالنسبة الى الروح ، والزيادة في المبنى تدلّ على زيادة المعنى.
فالروح هو حسن الجريان في مقام
الروحانيّة. والريحان هو حسن الجريان في ادامة الحياة والعيش. والجنّة محيط العيش.
فظهر أنّ المعاني المختلفة المذكورة
ذيل كلمات- الروح ، الريح ، الريحان انّما هي معان مجازيّة تقريبيّة خارجة عن
التحقيق.