أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-11-2014
![]()
التاريخ: 14-11-2014
![]()
التاريخ: 2-12-2014
![]()
التاريخ: 2-12-2014
![]() |
تجلّت عناية الباحثين والعلماء لتتكرس عن حياة زيد (عليه السلام) إنّما ليستدلّ بها عمّا بدأ به من مجدٍ وانتهى إليها من شهادةٍ، لذلك بدأ الدارسون بتدوين سيرته وأقواله وما قيل فيهما وعنه، ودراسة ذلك لتكون في متون الكتب والمصادر؛ لما يتمتع به من قابليات فذّة، فقد كانت إرادته صلبة في الحقّ، وإخلاصه لدين الحق كآبائه الطاهرين، فلم تأخذه في مقارعة الظلم لومة لائم، ولم يتهاون مع الأمويين فيما استهانوا به من حقوق المسلمين، فكان من الثائرين دفاعًا عن الكرامة حتى تبلورت فكرة الثورة لتراوده عليه السلام، إذ كان متواجدًا ومقيمًا في أرض العراق مستقر العدد الأكبر من شيعة آل البيت (عليهم السلام) وخاصةً الكوفة، وكانت بدايات الثورة عندما غضب الحاكم الأمويّ هشام بن عبد الملك على والي العراقخالد بن عبد الله القسريّ بسبب وشايات في حقّ خالد، فقام بعزله وكلّف مكانه رجلاً من ألدّ أعداء خالد القسري، وهو يوسف بن عمر الثقفي وكان واليًا على اليمن، وكان يُحب أن يتشبه بالحجاج وهو من قرابته، فكان أول ما فعله يوسف عندما دخل العراق القبض على خالد القسريّ والتحفظ على كلّ أمواله ومحاسبته عليها، وفي أثناء المحاسبة ادّعى بعضهم على خالد أنّه قد أودع جزءًا من ماله وهي وديعة عند زيد بن علي، فأرسل للحاكم هشام بذلك فـــألحَّ علىزيد بن علي بالتوجه إلى الكوفة ليتحقّق من هذه التهمة، وذهب زيد بن علي إلى الكوفة واستبانت براءته من تلك التهمة، وظلّ زيد بن علي مقيمًا بالكوفة، وقال أهل التّاريخ: كان السّبب في خروجه وخلعه طاعة بني مروان أنّه وفد على هشام بن عبد الملك شاكيًا من خالد بن عبد الملك بن الحرث بن الحكم، أمير المدينة فجعل هشام لا يأذن له، وزيد يرفع إليه القصص، وكلّما رفع إليه قصّة كتب هشام في أسفلها ارجع إلى أرضك فيقول زيد: واللّه لا أرجع إلى ابن الحرث أبدا[1].
يقول المقرم: كان السبب الوحيد الدافع للشهيد زيد (عليه السلام) على هذه النهضة، تنبيه الأمة على زلات ولاة الأمر وتعريفهم مضار تلك السطوة الغاشمة وذلك الحكـم الجـائر، ولولا نهضة الهاشميين في سائر الأنحاء والأزمان لذهب الدين الحنيف، وبهذا فقد أفاد هذا النهوض الأمة وزاد شعورها إحساساً بما عليه من القوة والإرادة، وإليه يُشير الإمام الصادق (عليه السلام) بقوله: «خير الناس بعدنا من ذاكر بأمرنا ودعا إلى ذكرنا»، وكون زید (عليه السلام) قاصداً تلك الغاية، وهذا ما يؤكده حديث أهـل البيت المتواتر: «إنما دعا إلى الرضا من آل محمد، ولو ظفر لوفى بما دعا إليه، إنما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه»، وقوله لجابر بن عبد الله الأنصاري: إني شهدت هشاماً ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يسبُّ عنده فوالله لو لم يكن إلا أنا لخرجت عليه[2]، وتلك إشارة أن الحاكم الظالم لا يمضي بمنهاج السماء، ولا يعمل به، ولا يأخذ ممّا أوصى به الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) ، وأنّه معلنٌ فسقه ومجونه؛ لذلك فقد حقَّ الخروج عليه سيرًا بما دعا إليه الإسلام.
نهضته واستشهاده (عليه السلام)
نهضت الثورة بمضامينها، وحقّقت أهدافها وإن انتهت باستشهاد زيد بن علي عليه السلام، لكنَّ ضحالة السلطة الغاشمة وما تعاملت به بعيدًا عن الإسلام والقيم العربيّة جعل الإمام الصادق (عليه السلام) يُنبئهم بعاقبة التمرّد على حرمات الله قائلًا: «إن الله عزّ ذكره، أذن في هلاك بني أمية بعد إحراقهم زيدًا بسبعة أيّام» [3].
وخلاصة الحادثة أنّ زيدًا (عليه السلام) قد أصاب جبهته الشريفة سهمٌ غادرٌ في أثناء المعركة وفي جنح الليل الدامس حتى وصل إلى دماغه الشريف فحلّت الكارثة في أصحابه وأصابهم الحزن والهلع فطلبوا له الطبيب لينظر حاله فانتزع منه السهم عندها مضى شهيدًا، وذلك يوم الجمعة الثاني من صفر سنة 122 هـ، وقام أصحابه بمواراته بنهر هناك فقطعوا ماءه، وحفروا فيه قبرا وواروا الجسد الطاهر فيه، وذلك خوفاً على بدنه من التمثيل ثم أجروا الماء، وتفرّق أصحاب زيد في الليل، ولكن عيون السلطة الجائرة راقبت تحركاتهم حتى انتهى وصول أمره إلى يوسف بن عمر الثقفي - قائد جيش هشام - فأستخرجه، وصلبه، وبعث برأسه إلى هشام بن عبد الملك الذي أرسله إلى المدينة فعُلّقَ عند قبر الرسول (صلى الله عليه وآله) وسلم، ثم طيف به في مصر، فسرقه بعض الأنصار ودفنه–أما الجسد الطاهر فقد صلب على جذع شجرة وأحاط به حرس مكثف مخافة أن يسرق ويدفن وبقي مصلوبًا على هذا الحال طيلة أربع سنوات ولما مات هشام وولي من بعده الوليد بن يزيد كتب إلى حاكم الكوفة يوسف بن عمر كتابا يأمر به بأن ينزل الجثمان المقدس ويحرقه بالنار وقام والي الكوفة بإحراق الجسد وذره في الفرات.
لم تمر الحادثة على قلب الإمام الصادق (عليه السلام) إلا بالغصة والقهر، فقد روى الصدوق بسنده عن حمزة بن حمران قال: دخلت إلى الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) فقال لي: يا حمزة من أين اقبلت؟ قلت من الكوفة. فبكى (عليه السلام) حتى بلّت دموعه لحيته. فقلت: يا ابن رسول الله مالك أكثرت البكاء؟ فقال ذكرت عمّي زيداً وما صنع به فبكيت. فقلت له: وما الذي ذكرت منه؟ فقال: ذكرت مقتله وقد أصاب جبينه سهم، فجاءه ابنه يحيى فانكبّ عليه وقال له: أبشر يا أبتاه فانّك ترد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلّم وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم ؟ قال أجل يا بنيّ ثم دعا بحدّاد فنزع السهم من جبينه فكانت نفسه معه فجيء به إلى ساقية تجري عند بستان زائدة، فحفر فيها ودفن، أجري عليه الماء. وكان معهم غلام سندي لبعضهم فذهب إلى يوسف بن عمر من الغد فأخبره بدفنهم إيّاه فأخرجه يوسف بن عمر فصلبه في الكنّاسة أربع سنين ثم أمر به فاُحرق بالنار وذرِّي في الرياح، فلعن الله قاتله وخاذله وإلى الله جلّ اسمه أشكو ما نزل بنا أهل بيت نبيه بعد موته وبه نستعين على عدوّنا وهو خير مستعان[4].
وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام) للصدوق بسنده عن عبدالله بن سيابة قال: خَرَجْنَا ونَحْنُ سَبْعَةُ نَفَرٍ فَأَتَيْنَا الْمَدِينَةَ فَدَخَلْنَا عَلَى أَبِي عَبْدِ الله الصَّادِقِ (عليه السلام) فَقَالَ لَنَا
أَ عِنْدَكُمْ خَبَرُ عَمِّي زَيْدٍ فَقُلْنَا قَدْ خَرَجَ أَوْ هُوَ خَارِجٌ قَالَ فَإِنْ أَتَاكُمْ خَبَرٌ فَأَخْبِرُونِي فَمَكَثْنَا أَيَّاماً فَأَتَى رَسُولُ بَسَّامٍ الصَّيْرَفِيِّ بِكِتَابٍ فِيهِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ زَيْدَ بْنَ عَلِيٍّ (عليه السلام) قَدْ خَرَجَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ غُرَّةَ صَفَرٍ فَمَكَثَ الْأَرْبِعَاءَ والْخَمِيسَ وقُتِلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وقُتِلَ مَعَهُ فُلَانٌ وفُلَانٌ فَدَخَلْنَا عَلَى الصَّادِقِ (عليه السلام) فَدَفَعْنَا إِلَيْهِ الْكِتَابَةَ فَقَرَأَهُ وبَكَى ثُمَّ قَالَ إِنَّا لِلهِ وإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى أَحْتَسِبُ عَمِّي إِنَّهُ كَانَ نِعْمَ الْعَمُّ إِنَّ عَمِّي كَانَ رَجُلًا لِدُنْيَانَا وآخِرَتِنَا مَضَى واللهِ عَمِّي شَهِيداً كَشُهَدَاءَ اسْتُشْهِدُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) وعَلِيٍّ والْحَسَنِ والْحُسَيْنِ صلوات الله عليهم[5].
ففي كشف الغمة من كتاب دلائل الحميري عن جابر قال سمعت أبا جعفر عليه السلاميقول: لَا يَخْرُجُ عَلَى هِشَامٍ أَحَدٌ إِلَّا قَتَلَهُ فَقُلْنَا لِزَيْدِ هَذِهِ الْمَقَالَةَ فَقَالَ إِنِّي شَهِدْتُ هِشَاماً ورَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) يُسَبُّ عِنْدَهُ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ ولَمْ يُغَيِّرْهُ فَوَ اللهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا أَنَا وآخَرُ لَخَرَجْتُ عَلَيْهِ[6].
وفي كفاية الأثر للخزّاز: بسنده عن محمّد بن مسلم قال: دَخَلْتُ عَلَى زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ (عليه السلام) فَقُلْتُ إِنْ قَوْماً يَزْعُمُونَ أَنَّكَ صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ قَالَ ولَكِنِّي مِنَ الْعِتْرَةِ قُلْتُ فَمَنْ يَلِي هَذَا الْأَمْرَ بَعْدَكُمْ قَالَ سِتَّةٌ مِنَ الْخُلَفَاءِ والْمَهْدِيُّ مِنْهُمْ. قَالَ ابْنُ مُسْلِمٍ: ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى الْبَاقِرِ (عليه السلام) فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ فَقَالَ صَدَقَ أَخِي زَيْدٌ سَيَلِي هَذَا الْأَمْرَ بَعْدِي سَبْعَةٌ مِنَ الْأَوْصِيَاءِ والْمَهْدِيُّ مِنْهُمْ ثُمَّ بَكَى (عليه السلام) وقَالَ كَأَنِّي بِهِ وقَدْ صُلِبَ فِي الْكُنَاسَةِ يَا ابْنَ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) قَالَ وَضَعَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَدَهُ عَلَى كَتِفِي وقَالَ يَا بُنَيَّ يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِكَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ زَيْدٌ يُقْتَلُ مَظْلُوماً إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ حُشِرَ إِلَى الْجَنَّة[7].
وفي حديث طويل عن يحيى بن زيد قال: رَحِمَ اللهُ أَبِي زَيْداً كَانَ واللهِ أَحَدَ الْمُتَعَبِّدِينَ قَائِمٌ لَيْلَهُ صَائِمٌ نَهَارَهُ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ حَقَّ جِهَادِه[8].
قال الراوي فقلت: فَقُلْتُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ هَكَذَا يَكُونُ الْإِمَامُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللهِ إِنَّ أَبِي لَمْ يَكُنْ بِإِمَامٍ ولَكِنْ مِنْ سَادَاتِ الْكِرَامِ وزُهَّادِهِمْ وكَانَ مِنَ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ قُلْتُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ أَمَا إِنَّ أَبَاكَ قَدِ ادَّعَى الْإِمَامَةَ وخَرَجَ مُجَاهِداً فِي سَبِيلِ اللهِ وقَدْ جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) فِيمَنِ ادَّعَى الْإِمَامَةَ كَاذِباً فَقَالَ مَهْ يَا عَبْدَ اللهِ إِنَّ أَبِي (عليه السلام) كَانَ أَعْقَلَ مِنْ أَنْ يَدَّعِيَ مَا لَيْسَ لَهُ بِحَقٍّ وإِنَّمَا قَالَ أَدْعُوكُمْ إِلَى الرِّضَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ عَنَى بِذَلِكَ عَمِّي جَعْفَراً قُلْتُ فَهُوَ الْيَوْمَ صَاحِبُ الْأَمْرِ قَالَ نَعَمْ هُوَ أَفْقَهُ بَنِي هَاشِمٍ[9].
وكان الوليد هو الذي أمر بإنزال جثمان زيد الشهيد - بعد أن بقي أربع سنوات على أعواد المشانق - وأمر بإحراقه.
وقد كان تشديد الحراسة من السلطة على جثمان زيد - خشية إنزاله من قبل العلويين - دليلًا على وجود فعّاليات منظّمة ضد الحكم القائم، وكان الإمام الصادق (عليه السلام) يعاتب الشيعة على عدم تصدّيهم لإنزال جثمان زيد الشهيد عليه السلام.وعندما اشتدّت المعارضة كتب الوليد إلى عامله في الكوفة يوسف بن عمر: خذ زيد بن علي (عليه السلام) وأحرقه بالنار ثم انسفه في اليمّ ونفّذ يوسف ما أمره سيّده فأحرق جسد زيد بن علي وذره في نهر الفرات[10].
وذكر السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة خمسة أقوال مختلفة حول سبب خروج زيد بن علي (عليه السلام) على حكام الأمويين ويمكن تلخيصها بالآتي[11]:
أولاً: إنّ سبب خروجه كان بسبب الجفاء المفرط الذي تعرض له من قبل هشام بن عبد الملك.
ثانياً: إنّ سبب خروجه كان للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث شاعت المحرمات والفسق والفجور في عصر بني أُمية.
ثالثاً: إنّ سبب خروجه كان نتيجةً ما قام به خالد بن عبد الله القسري وابنه يزيد إذ ادعيا مالاً لهم عند زيد وغيره لما سأل يوسف بن عمر عن ودائعهم، فكتب يوسف بذلك الى هشام فأرسل هشام زيداً الى الكوفة ليجمع يوسف بينه وبين خالد فلما انقضى امر هذه الدعوى وخرج زيد من الكوفة لحقه الشيعة وحملوه على الخروج.
رابعاً: إن قيامه كان بسبب وشاية ابن لخالد الى هشام بن عبد الملك، بأن زيداً وجماعة يريدون خلعه فاغلظ له هشام في القول.
خامساً: إن سبب خروجه لأنّ أهل الكوفة كتبوا إليه أن أقدم إلينا فقدم عليهم.
ولعلّ تحقق أكثر من حادثة ممّا ذكر آنفاً أدّى إلى تراكم الظلامات فدعاه ذلك إلى الخروج والثورة.
وبعد ذكر السيد للأقوال علّق بقوله إن الذي دعا زيداً إلى الخروج إنّما هو اباء الضيم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا طلب ملك وإمارة وانه خرج موطناً نفسه على القتل مع غلبة ظنه بانه يقتل فاختار المنية على الدنية وقتل العز على عيش الذل كما فعل جده الحسين (عليه السلام) الذي سن الاباء لكلّ أبي.[12]
شذرات من حياته الجهادية
أحيا زيد (عليه السلام) بسيرته وثورته -على الطغاة من حكام بني أمية- ضمير الأمة بعد ثورة جده الإمام الحسين بن علي عليهما السلام، وأبانَ لها سطوته وثباته في الدفاع عن الحق، وقد نذر لذلك نفسه ليكون مثال الأمة في رفض الاضطهاد والتسلط والثورة عليهما؛ لذلك تعرّض بسبب تذمره من الظلم الأموي لحملة واسعة من المواجهة وما تبعها من أحداث[13]، فقام على طغاة عصره ناقماً على ظلمهم وطالباً للحق الذي سلبوه من أصحابه الشرعيين، فدعا للرضا من آل محمد (عليهم السلام).
وفي هذا الصدد يقول المقرم: دخل الكوفة في شهر شوال سنة مائة وعشرين وقيل تسع عشرة، فأقـام بالكوفة خمسة عشر شهراً، وفي البصرة شهرين، فأخذت الشيعة وغيرهم يختلفون إليه يبايعونه، فبلغ ديوانه خمسة وعشرين ألفاً، وقيل أربعون ألفاً، كلّهم من أهل الكوفة، وبايعه من أهل المدائن والبصرة وواسط والموصل والجزيرة والري وخراسان وجرجان خلق كثير، وفيمن بايعه من أهل الكوفة نصر بن خزيمة العبسي، ومعاوية إسحاق بن زيد بن حارثة الأنصاري، وحجية الأجلح الكندي، وكان نصـر عـلى إحـدى مجنبيته، وكان معمر بن خيثم وفضيل الرسان يدخلان الناس عليه وعليهم براقع لئلا يعرف موضع زيد[14].
ولعلّنا نقف على مسببات هذه النهضة الهاشمية لفتى العلويين إنّما ننتهي إلى غايةٍ مثلى تدعو إلى إحياء السنة وإقامة العدل هدياً على طريق الثائرين ونصرةً للدين الإسلاميّ؛ لذلك بقت منزلة زيد (عليه السلام) حاضرةً في ميادين العلم والعطاء، فقد وَثّقه الكَثير مِن كبار علمائنا وَمدحوه وبيّنوا مكانته نذكر منها:
1- قال الشيخ المفيد في الإرشاد: "وكان زيد بن علي بن الحسين(عليه السلام) عين إخوته بعد أبي جعفر (عليه السلام) وأفضلهم، وكان عابداً، ورعاً، فقيهاً سخيّاً شجاعاً، وظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويطالب بثارات الحسين عليه السلام[15].
وقال في موضع آخر: واعتقد كثير فيه ـ كثير من الشيعة ـ الإمامة، وكان سبب اعتقادهم ذلك فيه خروجه بالسيف يدعو إلى الرضا من آل محمّد (صلى الله عليه وآله) فظنّوه يريد بذلك نفسه، ولم يكن يريدها له، لمعرفته (عليه السلام) باستحقاق أخيه للإمامة من قبله، ووصيّته عند وفاته إلى أبي عبد اللّه عليه السلام[16].
2- قال الشهيد الأوّل في القواعد: جاز أن يكون خروجهم بإذن إمام واجب الطاعة، كخروج زيد بن علي عليه السلام[17].
3- قال الشيخ عبد اللطيف: كان زيد بن علي (عليه السلام) جليل القدر، عظيم المنزلة، ورد في مدحه روايات كثيرة[18].
4- قال صاحب كفاية الأثر: كان زيد بن علي معروفاً بالستر والصلاح، مشهوراً عند الخاصّ والعامّ، وهو بالمحلّ الشريف الجليل، وكان خروجه على سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا على سبيل المخالفة لابن أخيه، وإنّما وقع الخلاف من جهة الناس: وذلك أنّ زيد بن علي (عليه السلام) لمّا خرج، ولم يخرج جعفر بن محمّد (عليه السلام) توهّم من الشيعة أنّ امتناع الإمام جعفر (عليه السلام) كان للمخالفة، وإنّما كان لضرب من التدبير[19].
5- مدحه ابن داود في رجاله بقوله: شهد الصادق (عليه السلام) بالوفاء والترحّم على زيد، وذلك آية جلالته[20].
6- قال المجلسي في مرآة العقول:دلّت أكثر الأخبار على كون زيد (عليه السلام) مشكوراً، وأنّه لم يدّع الإمامة، وأنّه كان قائلاً بإمامة الباقر (عليه السلام) والصادق عليه السلام، وإنّما خرج لطلب ثأر الحسين عليه السلام، وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان يدعو إلى الرضا من آل محمّد (صلى الله عليه وآله) ، وأنّه كان عازماً على أنّه إن غلب على الأمر فوّضه إلى أفضلهم وأعلمهم، وإليه ذهب أكثر أصحابنا، بل لم أرَ في كلامهم غيره، وقيل: إنّه كان مأذوناً من قبل الإمام سرّاً[21].
7- قال عبد اللّه الأفندي في الرياض: كان زيد سيّداً كبيراً عظيماً في أهله وعند شيعة أبيه، والروايات في فضله كثيرة، كما يظهر من مطاوي كتب الرجال وغيرها، ولقد أورد الشيخ حسن بن علي الطوسي في آخر كتاب أسرار الصلاة فصلاً في أحوال زيد، وذكر الأخبار في مجده وفضائله[22].
8- قال الشيخ البهائي في آخر رسالته المعمولة في إثبات وجود القائم (عليه السلام) إنّا معاشر الإماميّة لا نقول في زيد رضوان الله عليه إلاّ خيراً[23].
9- قال الشيخ عبد النبيّ الكاظمي في تكملة الرجال: اتفق علماء الإسلام على جلالته وثقته وورعه وعلمه وفضله[24].
هذه نماذج من أقوال العلماء في حقه وجميعها مادحة له ولشخصه وقيامه، وهي بلا شك مستندة إلى الأثر الصحيح المروي عن أهل بيت العصمة من قبيل ما ورد في الكافي بسند صحيح عن أبي هاشم الجعفري قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن المصلوب، فقال: أما علمت أنّ جدّي صلّى على عمّه[25].
10- وروى الشيخ الصدوق في أماليه بسنده الصحيح عن أبي الجارود زياد ابن المنذر، قال: إنّي لجالس عند أبي جعفر محمّد بن علي الباقرعليه السلام، إذ أقبل زيد بن عليعليه السلام، فلمّا نظر إليه أبو جعفر ـ وهو مقبل ـ قال: هذا سيّد من أهل بيته، والطالب بثأرهم، لقد أنجبت أمٌّ ولدتك يا زيد[26]. هذه وغيرها من الروايات التي مدحته وأظهرت علو مكانته.
فإنّ هذه الدلائل وغيرها كثيرةً وقد أجمعت على مكانته الإنسانيّة والعلمية، وتحدثت بتاريخه العريق وآثاره النبيلة، بل كشفت عن سمو ذاته وفتوته، وهو يخطُّ مسار مجده.
[1] رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين، دفتر انتشارات اسلامي، ايران- قم، 1409هـ: 1/73.
[2] يُنظر: زيد الشهيد، المقرم: 95-96.
[3] الكافي ط - الإسلامية، ج8، ص: 161
[4] بحار الأنوار: 46 / 172.
[5] عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج1، ص: 252
[6] كشف الغمة في معرفة الأئمة ط - القديمة، ج2، ص: 140
[7] كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص: 310
[8] بحار الأنوار ط - بيروت، ج46، ص: 199
[9] بحار الأنوار، المجلسي: 46/199-200.
[10] أعلام الهداية، المجمع العالمي لأهل البيت ع- لجنة التأليف: 8/83.
[11] يُنظر: اعيان الشيعة: 11/ 26 – 31.
[12] المصدر السابق: 11/31.
[13] الحياة السياسية والفكرية للزيدية في المشرق الإسلامي، عمرجي: 50/47.
[14] زيد الشهيد، المقرم: 126-127.
[15] الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، ج2، ص: 171
[16] الارشاد، المفيد: 2/172.
[17] القواعد والفوائد: 2/207، القاعدة: 221.
[18] زيد الشهيد للمقرّم: 42.
[19] كفاية الاثر: 305.
[20] رجال ابن داود: 100 [663]، القسم الأوّل.
[21] مرآة العقول، المجلسي: 1/261.
[22] رياض العلماء وحياض الفضلاء، الميرزا عبدالله افندي الاصبهاني: 2/327.
[23] رياض العلماء وحياض الفضلاء،الميرزا عبدالله افندي الاصبهاني: 2/327.
[24] تكملة الرجال، ج 1، الشيخ عبد النبي الكاظمي، ص 527
[25] الكافي ط - الإسلامية، ج3، ص: 215
[26] آمالي الصدوق: 415، ح544.
|
|
حقن الذهب في العين.. تقنية جديدة للحفاظ على البصر ؟!
|
|
|
|
|
"عراب الذكاء الاصطناعي" يثير القلق برؤيته حول سيطرة التكنولوجيا على البشرية ؟
|
|
|
|
|
جمعية العميد تعقد اجتماعها الأسبوعي لمناقشة مشاريعها البحثية والعلمية المستقبلية
|
|
|