المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17808 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27

قصة الأرغفة
20-10-2015
اللاتماثل asymmetry
29-11-2017
هجرة إلكتروليتية electrolytic migration
7-12-2018
الاستعمالات والقيمة الغذائية للباذنجان
23/12/2022
إنتاج المعلومات
23-7-2019
أثر الإسلام في الحركة العلمية.
2023-04-05


تفسير الاية (7-13) من سورة التغابن  
  
1573   01:22 مساءً   التاريخ: 4-2-2018
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف التاء / سورة التغابن /

قال تعالى : {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7) فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (10) مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (12) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُووَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } [التغابن: 7 - 13].

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

حكى سبحانه ما يقوله الكفار فقال {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا} قال ابن عمر زعم زاملة الكذب وقال شريح زعم كنية الكذب بين الله سبحانه بعض ما لأجله اختاروا الكفر على الإيمان وهو أنهم كانوا لا يقرون بالبعث والنشور فأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بأن يكذبهم فقال {قل} يا محمد {بلى وربي} أي وحق ربي على وجه القسم {لتبعثن} أي لتحشرن أكد تكذيبهم بقوله {بلى} وباليمين ثم أكد اليمين باللام والنون {ثم لتنبؤن بما عملتم} أي لتخبرن وتحاسبن بأعمالكم وتجازون عليها {وذلك} البعث والحساب مع الجمع والجزاء {على الله يسير} أي سهل هين لا يلحقه مشقة ولا معاناة فيه.

 {فآمنوا} معاشر العقلاء {بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا} وهو القرآن سماه نورا لما فيه من الأدلة والحجج الموصلة إلى الحق فشبه بالنور الذي يهتدى به إلى الطريق {والله بما تعملون خبير} أي عليم {يوم يجمعكم ليوم الجمع} وهو يوم القيامة أي ذلك البعث والجزاء يكون في يوم يجمع فيه خلق الأولين والآخرين {ذلك يوم التغابن} وهو تفاعل من الغبن وهو أخذ شر وترك خير أو أخذ خير وترك شر فالمؤمن ترك حظه من الدنيا وأخذ حظه من الآخرة فترك ما هو شر له وأخذ ما هو خير له فكان غابنا والكافر ترك حظه من الآخرة وأخذ حظه من الدنيا فترك الخير وأخذ الشر فكان مغبونا فيظهر في ذلك اليوم الغابن والمغبون وقيل يوم التغابن غبن أهل الجنة أهل النار عن قتادة ومجاهد وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في تفسير هذا قوله ((ما من عبد مؤمن يدخل الجنة إلا أري مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا وما من عبد يدخل النار إلا أري مقعده من الجنة لو أحسن ليزداد حسرة)).

 {ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته} أي معاصيه {ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا} أي مؤبدين فيها ولا يفنى ما هم فيه من النعيم أبدا {ذلك الفوز العظيم} أي النجاح الذي ليس وراءه شيء من العظمة {والذين كفروا} بالله {وكذبوا ب آياتنا} أي بحججنا ودلائلنا {أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير} أي المال والمرجع .

ثم قال سبحانه {ما أصاب من مصيبة} أي ليس تصيبكم مصيبة {إلا بإذن الله} والمصيبة المضرة التي تلحق صاحبها كالرمية التي تصيبها وإنما عم ذلك سبحانه وإن كان في المصائب ما هو ظلم وهو سبحانه لا يأذن بالظلم لأنه ليس منها إلا ما أذن الله في وقوعه أو التمكن منه وذلك إذن للملك الموكل به كأنه قيل لا يمنع من وقوع هذه المصيبة وقد يكون ذلك بفعل التمكين من الله فكأنه يأذن له بأن يكون وقيل معناه إلا بتخلية الله بينكم وبين من يريد فعلها عن البلخي وقيل أنه خاص فيما يفعله الله تعالى أو يأمر به وقيل معناه بعلم الله أي لا يصيبكم مصيبة إلا والله عالم بها.

 {ومن يؤمن بالله} أي يصدق به ويرخي بقضائه {يهد قلبه} أي يهد الله قلبه حتى يعلم أن ما أصابه فبعلم الله فيصبر عليه ولا يجزع لينال الثواب والأجر وقيل معناه ومن يؤمن بتوحيد الله ويصبر لأمر الله يعني عند نزول المصيبة يهد قلبه للاسترجاع حتى يقول إنا لله وإنا إليه راجعون عن ابن عباس .

وقيل إن المعنى يهد قلبه فإن ابتلي صبر وإن أعطي شكر وإن ظلم غفر عن مجاهد وقال بعضهم في معناه من يؤمن بالله عند النعمة فيعلم أنها فضل من الله يهد قلبه للشكر ومن يؤمن بالله عند البلاء فيعلم أنه عدل من الله يهد قلبه للصبر ومن يؤمن بالله عند نزول القضاء يهد قلبه للاستسلام والرضاء {والله بكل شيء عليم} فيجازي كل امرىء بما عمله {وأطيعوا الله} في جميع ما أمركم به {وأطيعوا الرسول} في جميع ما أتاكم به ودعاكم إليه وفيما أمركم به ونهاكم عنه {فإن توليتم} أي فإن أعرضتم عن القبول منه {فإنما على رسولنا البلاغ المبين} أي ليس عليه إلا تبليغ الرسالة وقد فعل والمراد ليس عليه قهركم على الرد إلى الحق وإنما عليه البلاغ الظاهر البين فحذف للإيجاز والاختصار.

 {الله لا إله إلا هو} ولا تحق العبادة إلا له {وعلى الله فليتوكل المؤمنون} والتوكل تفويض الأمور إليه والرضاء بتقديره والثقة بتدبيره وقد أمر الله عباده بذلك فينبغي لهم أن يستشعروا ذلك في سائر أحوالهم.

_________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج10 ، ص31-33.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

 {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى ورَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} . بيّنا طريقة القرآن في إمكان البعث ، ورد شبهات المنكرين وان من أبدع الخلق من لا شيء يهون عليه أن يجمع أجزاءه بعد تفرقها ، وبسطنا الكلام في أساليب شتى عند تفسير آيات البعث ، منها الآية 4 من سورة يونس ج 4 ص 132 فقرة {الحساب والجزاء حتم}.

وتسأل : لقد دعا رسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) إلى الايمان بالبعث ، وخاصمه فيه عبدة الأوثان . . وبديهة ان البينة على من ادعى ، واليمين على من أنكر ، وهذا المبدأ إلهي إنساني حيث أقرته جميع الشرائع ، وعليه تكون البينة على الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) ، فما هو الوجه ليمين الرسول مع ان المفروض ان يجابه المنكرين بالحجة الدامغة لا باليمين ؟ . ثم هل يثبت البعث بمجرد اليمين ؟ .

الجواب : أولا ان اللَّه سبحانه حكى عن المنكرين انهم سألوا النبي عن البعث كمستخبرين لا كمجادلين في هذا الموقف ، ولم يقولوا : من يحيي العظام وهي رميم ، كما جاء في سورة يس ، أو يقولوا : أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون كما في سورة الصافات ، وحيث اكتفى المنكرون بمجرد السؤال اكتفى اللَّه ورسوله بمجرد الجواب مع التأكيد باليمين . . ولما قالوا في موقف آخر : من يحيى العظام وهي رميم ، قال لهم : يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ليأتي الجواب على وفق السؤال في كل من الموقفين .

ثانيا : ان الذين كفروا ومعهم المنافقون كانوا يعتقدون ان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) لا يريد لهم الخير والإصلاح ، وانما يريد من دعوته الاستعلاء والتفضل عليهم تماما كما اعتقد الكافرون من قبل بني اللَّه نوح : {فَقالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ} - 24 المؤمنون . فأقسم النبي ان دعوته دعوة الحق ، ومعنى هذا انه لا يريد إلا الحق . ومثله قول شعيب لقومه حين ظنوا به ظن السوء : {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ} 88 هود .

{فَآمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ والنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا} . ما دام البعث حقا ، والحساب والجزاء حقا فعلى كل إنسان أن يؤمن باللَّه ورسوله والنور أي القرآن ، وانما وصفه سبحانه بالنور لأنه يخرج الناس من ظلمات الجهل والكفر إلى نور العلم والايمان ، ويهديهم إلى سبيل السلام : {قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وكِتابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ ويُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ ويَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} - 16 المائدة . {واللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ} . يحصي اللَّه سبحانه على عباده أقوالهم وأفعالهم وأهدافهم ومقاصدهم في الحياة الدنيا ، ويعاملهم يوم القيامة بحسبها ، ان خيرا فخير ، وان شرا فشرّ .

وسمي اليوم الآخر بيوم الجمع حيث يجمع اللَّه فيه الخلائق للحساب والجزاء ، وبيوم التغابن أيضا حيث يربح المحق نفسه ، ويخسرها المبطل .

{ومَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ ويَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ ويُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ والَّذِينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وبِئْسَ الْمَصِيرُ} . بعد أن ذكر سبحانه أنه جامع الناس ليوم لا ريب فيه - قال : ان الناس في هذا اليوم نوعان : الأول آمن باللَّه ورسله وكتبه ، وتزود الأعمال الصالحة من دنياه لآخرته ، وهذا النوع من الناس يفوز غدا بمغفرة اللَّه ورضوانه ، وبنعيم لا ينتهي أمده . ولا ينقص مدده . والنوع الثاني ضالتّه الدنيا يطلبها انّى كانت وتكون غير مكترث بدين أو ضمير ، ولا بحلال أو حرام ، وهذا النوع في الآخرة من الخاسرين ، مأواه جهنم وساءت مصيرا .

{ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} . يدل ظاهر الآية ان كل شر في الدنيا هو بقضاء اللَّه وقدره . . وهذا يتنافى مع قوله تعالى : {وما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} - 30 الشورى . وأجبنا عن هذا مفصلا عند تفسير

الآية 78 من سورة النساء ، ويتلخص الجواب بأن أية كارثة يكون مصدرها الطبيعة كالزلزال والقحط فإنها تنسب إلى الطبيعة مباشرة ، واليه تعالى بواسطة إيجاده للطبيعة ، وهذه هي المعنية بقوله تعالى : {ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} وأية مصيبة يكون مصدرها الإهمال وفساد الأوضاع فإنها تنسب إلى سوء اختيار المهمل والمفسد ، وهي التي عناها سبحانه بقوله : {وما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} .

{ومَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} . ان اللَّه سبحانه يعامل الإنسان بما يختاره لنفسه ، فإن اختار لها الهدى والخير ، وسلك صراطه القويم - أخذ اللَّه بيده وشمله بعنايته ، وله عنده ثواب المهتدين ، وان اختار الضلال ، وسلك إليه سبيله خذله اللَّه وأوكله إلى نفسه ، ثم يرده إلى عذاب السعير {واللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} . يعلم من يرحم نفسه فيرحمه ، ومن يعرضها للهلاك عامدا فيهلكه {وأَطِيعُوا اللَّهً وأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} . على الرسول البلاغ ، وعلينا السمع والطاعة .

وتقدم مثله في العديد من الآيات ، منها الآية 92 من سورة المائدة ج 3 ص 123 {اللَّهُ لا إِلهً إِلَّا هُو وعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} . وهو كافي المتوكلين عليه ، وولي المخلصين له .

____________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7 ، ص340-342. 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى: {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير} ذكر ركن آخر من أركان كفر الوثنيين وهو إنكارهم الدين السماوي بإنكار المعاد إذ لا يبقى مع انتفاء المعاد أثر للدين المبني على الأمر والنهي والحساب والجزاء ويصلح تعليلا لإنكار الرسالة إذ لا معنى حينئذ للتبليغ والوعيد.

والمراد بالذين كفروا عامة الوثنيين ومنهم من عاصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) منهم كأهل مكة وما والاها، وقيل: المراد أهل مكة خاصة.

وقوله: {قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم} أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يجيب عن زعمهم أن لن يبعثوا، بإثبات ما نفوه بما في الكلام من أصناف التأكيد بالقسم واللام والنون.

و{ثم} في {ثم لتنبؤن} للتراخي بحسب رتبة الكلام، وفي الجملة إشارة إلى غاية البعث وهو الحساب وقوله: {وذلك على الله يسير} أي ما ذكر من البعث والإنباء بالأعمال يسير عليه تعالى غير عسير، وفيه رد لإحالتهم أمر البعث على الله سبحانه استبعادا، وقد عبر عنه في موضع آخر من كلامه بمثل قوله: {وَهُو الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُو أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27].

والدليل عليه ما عده في صدر الآيات من أسمائه تعالى وصفاته من الخلق والملك والعلم وأنه مسبح محمود، ويجمع الجميع أنه الله المستجمع لجميع صفات الكمال.

ويظهر من هنا أن التصريح باسم الجلالة في الجملة أعني قوله: {وذلك على الله يسير} للإيماء إلى التعليل، والمفاد أن ذلك يسير عليه تعالى لأنه الله، والكلام حجة برهانية لا دعوى مجردة.

وذكروا أن الآية ثالثة الآيات التي أمر الله نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقسم بربه على وقوع المعاد وهي ثلاث: إحداها قوله: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُو قُلْ إِي وَرَبِّي} [يونس: 53] 53، والثانية قوله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ: 3] ، والثالثة الآية التي نحن فيها.

قوله تعالى: {فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير} تفريع على مضمون الآية السابقة أي إذا كنتم مبعوثين لا محالة منبئين بما عملتم وجب عليكم أن تؤمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزله على رسوله وهو القرآن الذي يهدي بنوره الساطع إلى مستقيم الصراط، ويبين شرائع الدين.

وفي قوله: {والنور الذي أنزلنا} التفات من الغيبة إلى التكلم مع الغير ولعل النكتة فيه تتميم الحجة بالسلوك من طريق الشهادة وهي أقطع للعذر فكم فرق بين قولنا: والنور الذي أنزل وهو إخبار، وقوله: {والنور الذي أنزلنا} ففيه شهادة منه تعالى على أن القرآن كتاب سماوي نازل من عنده تعالى، والشهادة آكد من الإخبار المجرد.

لا يقال: ما ذا ينفع ذلك وهم ينكرون كون القرآن كلامه تعالى النازل من عنده ولو صدقوا ذلك كفاهم ما مر من الحجة على المعاد وأغنى عن التمسك بذيل الالتفات المذكور.

لأنه يقال: كفى في إبطال إنكارهم كونه كلام الله ما في القرآن من آيات التحدي المثبتة لكونه كلام الله، والشهادة على أي حال آكد وأقوى من الإخبار وإن كان مدللا.

وقوله: {والله بما تعملون خبير} تذكرة بعلمه تعالى بدقائق أعمالهم ليتأكد به الأمر في قوله: {فآمنوا} والمعنى: آمنوا وجدوا في إيمانكم فإنه عليم بدقائق أعمالكم لا يغفل عن شيء منها وهو مجازيكم بها لا محالة.

قوله تعالى: {يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن} إلخ، {يوم} ظرف لقوله السابق: {لتبعثن ثم لتنبؤن} إلخ، والمراد بيوم الجمع يوم القيامة الذي يجمع فيه الناس لفصل القضاء بينهم قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} [الكهف: 99] ، وقد تكرر في القرآن الكريم حديث الجمع ليوم القيامة، ويفسره أمثال قوله تعالى: } إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } [الجاثية: 17] ، وقوله: {فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [البقرة: 113] ، وقوله: {إِنَّ رَبَّكَ هُو يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [السجدة: 25] ، فالآيات تشير إلى أن جمعهم للقضاء بينهم.

وقوله: {ذلك يوم التغابن} قال الراغب: الغبن أن تبخس صاحبك في معاملة بينك وبينه بضرب من الإخفاء.

قال: ويوم التغابن يوم القيامة لظهور الغبن في المعاملة المشار إليها بقوله: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله} وبقوله: {إن الله اشترى من المؤمنين} الآية، وبقوله: {الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا} فعلموا أنهم غبنوا فيما تركوا من المبايعة وفيما تعاطوه من ذلك جميعا.

وسئل بعضهم عن يوم التغابن فقال: تبدو الأشياء لهم بخلاف مقاديرهم في الدنيا.

انتهى موضع الحاجة.

وما ذكره أولا مبني على تفسير التغابن بسريان المغبونية بين الكفار بأخذهم لمعاملة خاسرة وتركهم معاملة رابحة، وهو معنى حسن غير أنه لا يلائم معنى باب التفاعل الظاهر في فعل البعض في البعض.

وما نقله عن بعضهم وجه ثان لا يخلو من دقة، ويؤيده مثل قوله تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17] ، وقوله: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق: 35] ، وقوله: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ } [الزمر: 47] .

ومقتضى هذا الوجه عموم التغابن لجميع أهل الجمع من مؤمن وكافر أما المؤمن فلما أنه لم يعمل لآخرته أكثر مما عمل، وأما الكافر فلأنه لم يعمل أصلا، والوجه المشترك بينهما أنهما لم يقدرا اليوم حق قدره.

ويرد على هذا الوجه ما يرد على سابقه.

وهناك وجه ثالث وهو أن يعتبر التغابن بين أهل الضلال متبوعيهم وتابعيهم فالمتبوعون وهم المستكبرون يغبنون تابعيهم وهم الضعفاء حيث يأمرونهم بأخذ الدنيا وترك الآخرة فيضلون، والتابعون يغبنون المتبوعين حيث يعينونهم في استكبارهم باتباعهم فيضلون، فكل من الفريقين غابن لغيره ومغبون من غيره.

وهناك وجه رابع وردت به الرواية وهو أن لكل عبد منزلا في الجنة لو أطاع الله لدخله، ومنزلا في النار لو عصى الله لدخله ويوم القيامة يعطى منازل أهل النار في الجنة لأهل الجنة، ويعطى منازل أهل الجنة في النار لأهل النار فيكون أهل الجنة وهم المؤمنون غابنين لأهل النار وهم الكفار والكفار هم المغبونون.

وقال بعض المفسرين بعد إيراد هذا الوجه: وقد فسر التغابن قوله ذيلا: {ومن يؤمن بالله - إلى قوله - وبئس المصير} انتهى.

وليس بظاهر ذاك الظهور.

وقوله: {ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا - إلى قوله - وبئس المصير} تقدم تفسيره مرارا.

وقوله تعالى : {مَا أَصاب مِن مّصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللّهِ ومَن يُؤْمِن بِاللّهِ يهْدِ قَلْبَهُ واللّهُ بِكلِّ شىْءٍ عَلِيمٌ (11) وأَطِيعُوا اللّهَ وأَطِيعُوا الرّسولَ فَإِن تَوَلّيْتُمْ فَإِنّمَا عَلى رَسولِنَا الْبَلَغُ الْمُبِينُ (12) اللّهُ لا إِلَهَ إِلا هُو وعَلى اللّهِ فَلْيَتَوَكلِ الْمُؤْمِنُونَ}:

شروع فيما هو الغرض من السورة بعد ما مر من التمهيد والتوطئة وهو الندب إلى الإنفاق في سبيل الله والصبر على ما يصيبهم من المصائب في خلال المجاهدة في الله سبحانه.

وقدم ذكر المصيبة والإشارة إلى الصبر عليها ليصفو المقام لما سيندب إليه من الإنفاق وينقطع العذر.

قوله تعالى: {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم} المصيبة صفة شاع استعمالها في الحوادث السوء التي تصحب الضر، والإذن الإعلام بالرخصة وعدم المانع ويلازم علم الإذن بما أذن فيه، وليس هو العلم كما قيل.

فظهر بما تقدم أولا أن إذنه تعالى في عمل سبب من الأسباب هو التخلية بينه وبين مسببيه برفع الموانع التي تتخلل بينه وبين مسببه فلا تدعه يفعل فيه ما يقتضيه بسببيته كالنار تقتضي إحراق القطن مثلا لولا الفصل بينهما والرطوبة فرفع الفصل بينهما والرطوبة من القطن مع العلم بذلك إذن في عمل النار في القطن بما تقتضيه ذاتها أعني الإحراق.

وقد كان استعمال الإذن في العرف العام مختصا بما إذا كان المأذون له من العقلاء لمكان أخذ معنى الإعلام في مفهومه فيقال: أذنت لفلان أن يفعل كذا ولا يقال: أذنت للنار أن تحرق، ولا أذنت للفرس أن يعدو، لكن القرآن الكريم يستعمله فيما يعم العقلاء وغيرهم بالتحليل كقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء: 64].

وقوله: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} [الأعراف: 58] ، ولا يبعد أن يكون هذا التعميم مبنيا على ما يفيده القرآن من سريان العلم والإدراك في الموجودات كما قدمناه في تفسير قوله: {قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت: 21] .

وكيف كان فلا يتم عمل من عامل ولا تأثير من مؤثر إلا بإذن من الله سبحانه فما كان من الأسباب غير تام له موانع لو تحققت منعت من تأثيره فإذنه تعالى له في أن يؤثر رفعه الموانع، وما كان منها تاما لا مانع له يمنعه فإذنه له عدم جعله له شيئا من الموانع فتأثيره يصاحب الإذن من غير انفكاك.

وثانيا: أن المصائب وهي الحوادث التي تصيب الإنسان فتؤثر فيه آثارا سيئة مكروهة إنما تقع بإذن من الله سبحانه كما أن الحسنات كذلك لاستيعاب إذنه تعالى صدور كل أثر من كل مؤثر.

وثالثا: أن هذا الإذن إذن تكويني غير الإذن التشريعي الذي هو رفع الحظر عن الفعل فإصابة المصيبة تصاحب إذنا من الله في وقوعها وإن كانت من الظلم الممنوع فإن كون الظلم ممنوعا غير مأذون فيه إنما هومن جهة التشريع دون التكوين.

ولذا كانت بعض المصائب غير جائزة الصبر عليها ولا مأذونا في تحملها ويجب على الإنسان أن يقاومها ما استطاع كالمظالم المتعلقة بالأعراض والنفوس.

ومن هنا يظهر أن المصائب التي ندب إلى الصبر عندها هي التي لم يؤمر المصاب عندها بالذب والامتناع عن تحملها كالمصائب العامة الكونية من موت ومرض مما لا شأن لاختيار الإنسان فيها، وأما ما للاختيار فيها دخل كالمظالم المتعلقة نوع تعلق بالاختيار من المظالم المتوجهة إلى الأعراض فلإنسان أن يتوقاها ما استطاع.

وقوله: {ومن يؤمن بالله يهد قلبه} كان ظاهر سياق قوله: {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله} يفيد أن لله سبحانه في الحوادث التي تسوء الإنسان علما ومشية فليست تصيبه مصيبة إلا بعد علمه تعالى ومشيته فليس لسبب من الأسباب الكونية أن يستقل بنفسه فيما يؤثره فإنما هو نظام الخلقة لا رب يملكه إلا خالقه فلا تحدث حادثة ولا تقع واقعة إلا بعلم منه ومشية فلم يكن ليخطئه ما أصابه ولم يكن ليصيبه ما أخطأه.

وهذه هي الحقيقة التي بينها بلسان آخر في قوله: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد: 22].

فالله سبحانه رب العالمين ولازم ربوبيته العامة أنه وحده يملك كل شيء لا مالك بالحقيقة سواه، والنظام الجاري في الوجود مجموع من أنحاء تصرفاته في خلقه فلا يتحرك متحرك ولا يسكن ساكن إلا عن إذن منه، ولا يفعل فاعل ولا يقبل قابل إلا عن علم سابق منه ومشية لا يخطىء علمه ومشيته ولا يرد قضاؤه.

فالإذعان بكونه تعالى هو الله يستعقب اهتداء النفس إلى هذه الحقائق واطمئنان القلب وسكونه وعدم اضطرابه وقلقه من جهة تعلقه بالأسباب الظاهرية وإسناده المصائب والنوائب المرة إليها دون الله سبحانه.

وهذا معنى قوله تعالى: {ومن يؤمن بالله يهد قلبه}.

وقيل: معنى الجملة: ومن يؤمن بتوحيد الله ويصبر لأمر الله يهد قلبه للاسترجاع حتى يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، وفيه إدخال الصبر في معنى الإيمان.

وقيل: المعنى: ومن يؤمن بالله يهد قلبه إلى ما عليه أن يفعل فإن ابتلي صبر وإن أعطي شكر وإن ظلم غفر، وهذا الوجه قريب مما قدمناه.

وقوله: {والله بكل شيء عليم} تأكيد للاستثناء المتقدم، ويمكن أن يكون إشارة إلى ما يفيده قوله: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد: 22] .

قوله تعالى: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين} ظاهر تكرار {أطيعوا} دون أن يقال: أطيعوا الله والرسول اختلاف المراد بالإطاعة، فالمراد بإطاعة الله تعالى الانقياد له فيما شرعه لهم من شرائع الدين والمراد بإطاعة الرسول الانقياد له وامتثال ما يأمر به بحسب ولايته للأمة على ما جعلها الله له.

وقوله: {فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين} التولي الإعراض، والبلاغ التبليغ، والمعنى: فإن أعرضتم عن إطاعة الله فيما شرع من الدين أوعن إطاعة الرسول فيما أمركم به بما أنه ولي أمركم، فلم يكرهكم رسولنا على الطاعة فإنه لم يؤمر بذلك، وإنما أمر بالتبليغ وقد بلغ.

ومن هنا يظهر أن أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما وراء الأحكام والشرائع من تبليغ رسالة الله فأمره ونهيه فيما توليه من أمر الله ونهيه، وطاعته فيهما من طاعة الله تعالى كما يدل عليه إطلاق قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ } [النساء: 64].

الظاهر في أن طاعة الرسول فيما يأمر وينهى مطلقا مأذون فيه بإذن الله، وإذنه في طاعته يستلزم علمه ومشيته لطاعته، وإرادة طاعة الأمر والنهي إرادة لنفس الأمر والنهي فأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ونهيه من أمر الله ونهيه وإن كان فيما وراء الأحكام والشرائع المجعولة له تعالى.

ولما تقدم من رجوع طاعة الرسول إلى طاعة الله التفت من الغيبة إلى الخطاب في قوله: {رسولنا} وفيه مع ذلك شيء من شائبة التهديد.

قوله تعالى: {الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون} في مقام التعليل لوجوب إطاعة الله على ما تقدم أن طاعة الرسول من طاعة الله، توضيح ذلك أن الطاعة بمعنى الانقياد والائتمار للأمر والانتهاء عن النهي من شئون العبودية حيث لا أثر لملك المولى رقبة عبده إلا مالكيته لإرادته وعمله فلا يريد إلا ما يريد المولى أن يريده ولا يعمل إلا ما يريد المولى أن يعمله فالطاعة نحو من العبودية كما يشير إليه قوله: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} [يس: 60] ، يعاتبهم بعبادة الشيطان وإنما أطاعوه.

فطاعة المطيع بالنسبة إلى المطاع نوع عبادة له، وإذ لا معبود إلا الله فلا طاعة إلا لله عز اسمه أومن أمر بطاعته فالمعنى: أطيعوا الله سبحانه إذ لا طاعة إلا لمعبود ولا معبود بالحق إلا الله فيجب عليكم أن تعبدوه ولا تشركوا به بطاعة غيره وعبادته كالشيطان وهوى النفس وهذا معنى كون الجملة في مقام التعليل.

وبما مر يظهر وجه تخصيص صفة الألوهية التي تفيد معنى المعبودية، بالذكر دون صفة الربوبية فلم يقل: الله لا رب غيره.

وقوله: {وعلى الله فليتوكل المؤمنون} تأكيد لمعنى الجملة السابقة أعني قوله: {الله لا إله إلا هو}.

توضيحه: أن التوكيل إقامة الإنسان غيره مقام نفسه في إدارة أموره ولازم ذلك قيام إرادته مقام إرادة موكلة وفعله مقام فعله فينطبق بوجه على الإطاعة فإن المطيع يجعل إرادته وعمله تبعا لإرادة المطاع فتقوم إرادة المطاع مقام إرادته ويعود عمله متعلقا لإرادة المطاع صادرا منها اعتبارا فترجع الإطاعة توكيلا بوجه كما أن التوكيل إطاعة بوجه.

فإطاعة العبد لربه اتباع إرادته لإرادة ربه والإتيان بالفعل على هذا النمط وبعبارة أخرى إيثار إرادته وما يتعلق بها من العمل على إرادة نفسه وما يتعلق بها من العمل.

فطاعته تعالى فيما شرع لعباده وما يتعلق بها نوع تعلق من التوكل عليه، وطاعته واجبة لمن عرفه وآمن به فعلى الله فليتوكل المؤمنون وإياه فليطيعوا، وأما من لم يعرفه ولم يؤمن به فلا تتحقق منه طاعة.

وقد بان بما تقدم أن الإيمان والعمل الصالح نوع من التوكل على الله تعالى.

____________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج19 ، ص265-272.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

يوم التغابن وظهور الغبن :

في أعقاب تلك الآيات التي بحثت مسألة الخلقة والهدف من الخلق ، جاءت هذه الآيات لتكمل البحث الذي يطرح قضية المعاد والقيامة ، حيث يقول تعالى : {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا} .

(زعم)  من مادة (زعم) - على وزن طعم - تطلق على الكلام الذي يحتمل أو يتيقن من كذبه ، وتارة تطلق على التصور الباطل وفي الآية المراد هو الأول .

ويستفاد من بعض كلمات اللغويين أن كلمة (زعم) جاءت بمعنى الإخبار المطلق(2) ، بالرغم من أن الاستعمالات اللغوية وكلمات المفسرين تفيد أن هذا المصطلح قد ارتبط بالكذب ارتباطا وثيقا ، ولذلك قالوا (لكل شيء كنية وكنية الكذب ، الزعم) .

على أي حال فإن القرآن الكريم يأمر الرسول الأكرم في أعقاب هذا الكلام بقوله : {قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير} .

إن أهم شبهة يتمسك بها منكرو المعاد هي كيفية إرجاع العظام النخرة التي صارت ترابا إلى الحياة مرة أخرى ، فتجيب الآية الكريمة : ذلك على الله يسير لأنهم في البداية كانوا عدما وخلقهم الله ، فإعادتهم إلى الوجود مرة أخرى أيسر . .

بل احتمل بعضهم أن القسم ب‍ {وربي} هو بحد ذاته إشارة لطيفة إلى الدليل على المعاد ، لأن ربوبية الله تعالى لابد أن تجعل حركة الإنسان التكاملية حركة لها غاية لا تنحصر في حدود الحياة الدنيا التافهة .

بتعبير آخر إننا لولم نقبل بمسألة المعاد ، فان مسألة ربوبية الله للإنسان ورعايته له لا يبقى لها مفهوما البتة .

ويعتقد البعض أن عبارة وذلك على الله يسير ترتبط بإخبار الله تعالى عن أعمال البشر يوم القيامة ، التي جاءت في العبارة السابقة ، ولكن يبدو أنها ترجع إلى المضمون الكلي للآية . (أصل البعث وفرعه) الذي هو الإخبار عن الأعمال التي تكون مقدمة للحساب والجزاء .

ولابد أن تكون النتيجة كما قررتها الآية اللاحقة وأنه بعد أن ثبت أن المعاد حق : {فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير} .

وبناء على ذلك يأمرهم البارئ أن يعدوا أنفسهم بالإيمان والعمل الصالح ، ويستعدوا للبعث ويوم الجزاء .

والإيمان هنا لابد أن يرتكز على ثلاثة أصول : (الله) و(الرسول) و(القرآن) التي تتضمن الأمور الأخرى جميعا .

التعبير عن القرآن الكريم بأنه {نور} في آيات متعددة ، وكذلك {أنزلنا} شاهدان آخران على ذلك . رغم وجود روايات متعددة عن أهل البيت {عليهم السلام} فسرت كلمة {نور} في الآية - مورد البحث - بوجود الإمام ، ويمكن أن ينظر إلى هذا التفسير على أن وجود الإمام يعتبر تجسيدا عمليا لكتاب الله ، إذ يعبر عن الرسول والإمام ب‍ {القرآن الناطق} فقد جاء في ذيل إحدى هذه الروايات عن الإمام الباقر قوله عن الآية : {وهم الذين ينورون قلوب المؤمنين} (3) .

وتصف الآية اللاحقة يوم القيامة بقولها : {يوم يجمعكم ليوم الجمع} (4) فإن أحد أسماء يوم القيامة هو(يوم الجمع)  الذي ورد كرارا بتعبيرات مختلفة في القرآن الكريم ، منها ما جاء في الآية (49) و(50) من سورة الواقعة : قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم .

ثم يضيف تعالى {ذلك يوم التغابن} (5) أي اليوم الذي يعرف فيه (الغابن) بالفوز عن (المغبون) بالغلبة ، وهو اليوم الذي ينكشف فيه من هم الناس الذي غبنوا وخسرت تجارتهم ؟

اليوم الذي يرى فيه أهل جهنم مكانهم الخالي في الجنة ويأسفون لذلك ، ويرى أهل الجنة مكانهم الخالي في النار فيفرحون لذلك ، فقد ورد في أحد الأحاديث أن لكل إنسان مكانا في الجنة وآخر في النار ، فحينما يذهب إلى الجنة يعطى مكانه في جهنم إلى أهل جهنم ، ويعطى مكان الجهنمي في الجنة إلى أهل الجنة (6) .

والتعبير ب‍ {الإرث} في الآيات القرآنية ربما يكون ناظرا إلى هذا المعنى .

ثم يتحدث القرآن الكريم عن أحوال المؤمنين في ذلك اليوم {يوم القيامة} أو{يوم التغابن} قائلا : ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم .

وستتنزل النعم الإلهية والبركات بتحقق الشرطين الأساسيين ، الإيمان والعمل الصالح . فتحل المغفرة والتجاوز عن الذنوب التي تشغل تفكير الإنسان أكثر من أي شيء آخر ، وكذلك دخول الجنة ، وذلك هو الفوز العظيم الذي لا فوز بعده .

ثم يقول تعالى : والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير .

وهناك عاملان أساسيان للشقاء يذكرهما القرآن ، هما الكفر والتكذيب بالآيات الإلهية ، وهما النقيضان الواقعيان للإيمان والعمل الصالح .

والاختلاف الأول الذي تذكره الآية بين أهل الجنة وأهل النار هو ذكره الغفران والعفو لأهل الجنة بينما لم يذكر ذلك لأصحاب النار .

والاختلاف الآخر هو التأكيد على خلود أهل الجنة في النعيم بقوله {أبدا} بينما اكتفى بالنسبة لأهل النار بذكر الخلود والبقاء فقط ، فقد يكون هذا الاختلاف للإشارة إلى أن الذين خلطوا الإيمان بالكفر سوف يخرجون من النار والعذاب آخر المطاف ، أو إشارة لغلبة رحمته على غضبه ، علما أن بعض المفسرين يعتقد أن عدم ذكر {أبدا} في الجملة الثانية كان نتيجة لذكرها في الجملة الأولى .

وقوله تعالى : {والله بكل شيء عليم {11} وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلغ المبين {12} الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون}

كل ما يصيبنا بإذنه وعلمه :

في أول آية مورد البحث يشير القرآن إلى أصل كلي عن المصائب والحوادث الأليمة التي تصيب الإنسان ، ولعل ذلك يعود إلى أن الكفار كانوا دائما يتذرعون بوجود المصائب والبلايا لنفي العدالة الإلهية في هذا العالم ، أو يكون المراد أن طريق الإيمان والعمل الصالح مقرون دائما بالمشاكل ، ولا يصل الإنسان المؤمن إلى مرتبة مقاومتها ، وبذلك يتضح وجه الارتباط بين هذه الآية وما قبلها .

يقول تعالى أولا : {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله . فما يجري من حوادث كلها بإذن الله لا تخرج عن إرادته أبدا ، وهذا هو معنى (التوحيد الأفعالي) وإنما بدأ بذكر المصائب باعتبارها هي التي يستفهم عنها الإنسان دائما وتشغل تفكيره . وعندما نقول يقع ذلك بإرادة الله ، فإنما نعني ( الإرادة التكوينية) لا الإرادة التشريعية .

وهنا يطرح سؤال مهم وهو: إن كثيرا من هذه الحوادث والكوارث التي تنزل بالناس تأتي من ظلم الظالمين وطغيان الجبابرة ، أو أن الإنسان يبتلي بها بسبب الغفلة والجهل والتقصير . . . فهل أن ذلك كله بإذن الله ؟

للإجابة على هذا السؤال نرجع إلى مجموع الآيات التي وردت في هذا المجال ، فنلاحظ أنها عرضت المصائب على نوعين :

الأول : ما يكون جزءا من طبيعة تكوين الإنسان كالموت والحوادث الطبيعية الأخرى ، وهذه لا يستطيع الإنسان أن يدفعها عنه ، فيقرر القرآن الكريم بأن ذلك يقع بإذن الله .

الثاني : هو تلك المصائب التي تأتي من تقصير الإنسان ومن عمل يده ، وله الدور الأساسي في تحققها ، وهذه يقول القرآن : إنها تصيبكم بسبب أعمالكم(7) .

وبناء على ذلك فليس للإنسان أن يستسلم للظلم والجهل والفقر .

ومن البديهي أن إرادة الله تتدخل في جميع الأمور حتى تلك الخاضعة لإرادة الإنسان وفعله ، إذ لا تأثير لجميع الأسباب إلا بإذنه ، وكل شيء خاضع لإرادته وسلطانه ، ويبشر القرآن المؤمنين بقوله : ومن يؤمن بالله يهد قلبه .

فالمؤمن لا تهزمه المصائب ولا ييأس ولا يجزع . والله يهدي الإنسان حينما يكون شكورا لنعمه ، صابرا على بلائه ، مستسلما لقضائه .

ولهداية القلوب معاني كثيرة منها (الصبر) و(التسليم) و(الشكر) و(الرضي) وقول : {إنا لله وإنا إليه راجعون} وعندما يذكر المفسرون أحد هذه الأمور ، فإنما يريدون بيان مصداق من مصاديق الآية لا معناها الكلي .

وتقول الآية في نهاية المطاف {والله بكل شيء عليم} .

وقد يراد من هذا التعبير الإشارة إلى الهدف من وراء هذه الامتحانات والاختبارات الصعبة ، وهو إيقاظ الناس وتربيتهم وإعدادهم لمجابهة الغرور والغفلة ، وسيؤثر ذلك حتما ويدفع الإنسان إلى طاعة الله ورسوله ، وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول .

لا يخفى أن إطاعة الرسول فرع عن إطاعة الله تعالى وطاعة الرسول تقع في طول طاعة الله ، فهما في خط واحد ، وهذا ما جعله يكرر كلمة إطاعة .

وإذا ما حاولنا الذهاب أبعد من ذلك ، فإن طاعة الله تتعلق بأصول القوانين والتشريعات الإلهية ، بينما طاعة الرسول في تفسيرها وفي المسائل التنفيذية وفي التفاصيل ، فعلى هذا تكون الأولى هي الأصل ، والثانية فرع .

ثم يضيف قائلا : فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين .

نعم ، إن الرسول ملزم بتبليغ الرسالة ، وسيتولى البارئ جل شأنه محاسبتكم ، وهذا نوع من التهديد الخفي الجاد .

ويشير القرآن الكريم في الآية اللاحقة إلى قضية التوحيد في العبودية ، التي تشكل المبرر الطبيعي لوجوب الطاعة ، إذ يقول تعالى : {الله لا إله إلا هو} وبما أنه كذلك إذا : {على الله فليتوكل المؤمنون} .

فليس غير الله يستحق العبودية ، لأنه لا مالك ولا قادر ولا عالم غيره ، والغنى كله له ، وكل ما لدى الآخرين فمنه وإليه ، فيجب الرجوع له والاستعانة به على كل شيء .

____________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج10 ، 232-238.

2- مجمع البحرين ، مادة (زعم).

3 - تفسير نور الثقلين ، ج 5 ، ص 341 .

4 – (يوم يجمعكم) متعلقة ب‍ {لتبعثن} أو بجملة {لتنبئن} أو{خبير} أو أنها متعلقة بجملة محذوفة مثل } أذكر } لكن هذا

بعيد . والمناسب هو أحد الاحتمالات السابقة .

5 – (التغابن) من باب تفاعل ، وعادة ما يأتي في حالة وجود طرفين تتعارض وتزاحم وهذا المعنى بالنسبة ليوم القيامة

ربما لظهور نتائج تعارض المؤمنين والكفار ، أي يوم القيامة يوم ظهور التغابن ، ويستفاد من بعض كلمات أهل اللغة أن باب

التفاعل لا يأتي دوما بهذا المعنى ، فهنا بمعنى ظهور الغبن (مفردات الراغب - مادة غبن) .

6 - نور الثقلين ، ج 3 ، ص 532 .

7- لمزيد الايضاح يراجع ، ذيل الاية 22 من سورة الحديد ، وذيل الاية 30 من سورة الشورى ، وذيل الاية 165 من سورة ال عمران.

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .