أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-10-2015
3591
التاريخ: 28-3-2016
3503
التاريخ: 8-04-2015
4125
التاريخ: 29-3-2016
3216
|
القافلة الآن في ( واقصة ) وهي مَحطَّة كبيرة وعريضة ؛ لأنَّها مَفرق يتشعَّب ، يميناً إلى الكوفة والبصرة ، وينحدر يساراً إلى غوطة الشام ، ولكنَّ المُفاجأة أوقفت الحسين فترة مِن الوقت للتداول مع الأعراب هنا ؛ لأنَّ الخُطوط كلَّها أصبحت مسدودة بأوامر صادرة مِن الشام ، راح يُنفذِّها والي الكوفة عبيد الله بن زياد ـ إنَّ الناس ملقوطون بخوف ورهبة وحذر ـ هنالك واحد منهم مشهور بمُجاهرته بحُبِّ الإمام عليٍّ ، ولكنَّه الآن يبدو كأنَّه أرنب يُفتِّش عن وجرٍ يتخبَّأ فيه ؛ لأنَّ الواصل إلى أرض واقصة هو الحسين ، سريعاً ما اقتحم زهير بن القين باب منزله ، وأقفله وراءه ، ليجد زوجته دلهم بنت عمرو واقفة وفي عينيها فرحة عيد ، ولكنَّها هَدَّأت روعه وهي تسأل :
دلهم : ماذا يُروِّعك ؟
زهير : ألم تسمعي بنزول الحسين مَحطَّة واقصة ؟!
دلهم : إنَّها البُشرى منِّي إليك ، هل أنت سعيد ؟ أم أنَّك الجازع ؟
زهير : ولكنِّي الجازع يا دلهم ؛ لقد سَدَّ المنافذ كلَّها الخليفة يزيد ، ولا أظنُّ الحسين ، ولا كلُّ مَن يشدُّ بحبل الحسين ، ناجياً مِن كفِّ يزيد وقبضة الوالي ابن زياد !!!
دلهم : ألا تُحبُّ الحسين ؟! وأبا الحسين ؟! وأُمَّ الحسين ؟! وأخا الحسين ؟! وجدَّ الحسين ؟!
زهير : وكيف أهرب مِن يزيد ؟! وقرود يزيد ؟! ومِن زياد ؟! وابن زياد ؟!
دلهم : وهل تُبدِّل السُّعود بالقرود ؟! والنعيم بالجَحيم ؟! والبطولة بالجبانة ؟! ومَن يُصدِّقك بعد الآن وأنت على نفسك تُكذِّب !!!
زهير : .... الخوف مِن الظلم !!!
دلهم : .... إنَّه الموت تحت حوافره !!!
ما كاد ابن القين يرى وجه زوجته دلهم كيف يموج بما تقول ، حتَّى هبَّ مِن مكانه إلى الخارج ـ بعد ساعة مِن الوقت ـ وكان الحسين في مُخيَّمة في واقصة ، وبين يديه أخصَّاؤه ، ومِن بينهم عون ومحمد ابنا جعفر ، وصل زهير بن القين وفي وجهه ولاء وعزم ، قَدِر ـ رأساً ـ أنْ يقرأهما الحسين :
الحسين : وما اسمك ؟
زهير : زهير بن القين ، ولكنَّ زوجتي اسمها دلهم .
الحسين : وتُحبُّها .
زهير : كالعبادة .
الحسين : يا لها مِن امرأة رائعة ! أراها كتبتك حرفاً رائعاً على شفرة السيف ، أتُراني حزرت ؟
زهير : ولكنِّي طلَّقتها ، إنِّي آتٍ مِن عند الشيخ الذي عقد زواجي ، وها أنِّي الآن قد فَككته عنده.
الحسين : وكيف يُمكن ذلك ؟
زهير : ولقد خَصصتها بكلِّ ثروتي .
الحسين : لأنَّك جئت تنضمُّ إليَّ ؟!
زهير : حتَّى لا تكون أرملة مِن بعدى ، وحتَّى لا تلقطها الحاجة .
الحسين : يبدو أنَّك صمَّمت أن تُستَشهد معي !!!
زهير : إنَّها دلهم يا سيِّدي ، أحبَّت أنْ أربط شأني بقدرك !!!
زهير : كان سيفي مقصوفاً وأصبح الآن لا يقصف .
هكذا تصرَّف زهير بن القين والتحق بالحسين ، ولم يتركه في كربلاء حتَّى انضمَّ إلى سلسلة المُستشهدين .
بعد هذه الرواية الطريفة ، والتي يُحقِّق مثلها كلُّ ذي هوى في النفس يُصدِّق حِسَّه وظَنَّه ، ويميل به التفاني إلى مظهر البذل السخي ، كبذل الأُمِّ ذاتها مِن أجل ولدها ، انسحب الحسين نحو المحطَّة الثانية وهي ( الخزيميَّة ) ، ولكنَّها ما احتوته حتَّى فجعته بخبر مقتل مسلم بن عقيل ، بعد أنْ اكتشف عبيد الله بن زياد مَخبأه عند هاني بن عروة ، وكان للوالي أنْ قتل الاثنين ومثَّل بهما أبشع تمثيل ، وكان مقتل ابن عقيل في اليوم ذاته الذي ترك فيه الحسين مَحارم الكعبة ، التي بعدها ( زُبالة ) فأخبر أفواجاً مِن الناس يُريدون أنْ يروه ويسمعوه ، فانبرى إليهم ـ وهو الحزين المقبوض النفس ، ليقول لهم : إنَّه ما أتى إليهم إلاَّ ليُجسِّد أمامهم عزمه ورفضه ، وأنَّه يُدرك منذ زمن بعيد ـ أنَّ الأُمَّة بأغلبيِّتها قد ضعفت وهانت تحت قبضة الذين ذلَّلوها ، وأرهبوها ، ومنعوا عنها حقيقة التعبير ، وها هي بذاتها تستدعيه مِن الكوفة والبصرة لأنْ يمثُل أمامها ويقودها إلى حالات التحرُّر ، مع أنَّه مُتأكِّد أنَّها لا تَجْسر وتنزل إلى الساحة وتملأها بجبروتها وإرادتها ، وعِزَّتها وكرامتها ، لقد سلبوها أنَفَتَها ، واستبدلوها بالجُبن والالتفاف بالصمت والتلطي ، ومع ذلك فإنَّه أراد أنْ يُشعرها أنَّ في الذِّلِّ والركون إليه مَهلكة مِن الهوان ، تفصل الإنسان عن حقيقته ، وتُهدِّد المُجتمع بانحدار مُتردٍّ لابُدَّ أنْ تشتدَّ وطأته عليه مع تألُّب الأيَّام !!! وأراد أنْ يُظهر لها أنَّه لبَّى نداءها ـ وإنْ لم يُصدِّقها فيه ـ حتَّى يُثبت لها أنَّه الوفيُّ ؛ وحتَّى يُعلِّمها أنَّ المُلبِّي صادق في ما يُلبِّي ، وأنَّه لن يهرب مِن الساحة التي يُقدِّم فيها رفضه وعزمه ودم الشهادة ، في سبيل الأُمَّة التي وإنْ تَتلكَّأ الآن فلن تَتلكَّأ غداً بعد أنْ تَعرض أمامها حقيقة الرصد !!!
أمَّا المُرافقون الذين كان ينموا ـ قليلاً ـ عددهم مِن مَحطَّة إلى مَحطَّة ، فإنَّهم أخذوا بروعَة القول ، ولكنَّهم بقوا تائهين ، حائرين ، وكأنَّهم يستفهمون فاستدركهم الحسين بما معناه : إنَّه الواقع الحزين ! عندما تُجمِع الأُمَّة أمرها انضمُّوا إليها ، أمَّا الآن فإنَّنا مع النُّخبة المُريدة ، نكفي لمُتابعة الطريق والقيام بالمُهمَّة ، وتقديم القدوة ، وإرضاء الشهادة !!! أمَّا الذين تستدعيهم عيالهم إلى المُساندة في تحصيل العيش ، فإنِّي لهم أقول : اذهبوا خير لكم وأجدى ، سوف يطلبكم الغَد الثاني إلى تحقيق آخر أنتم دائماً بحاجة إليه .
بعد ذلك أمر الحسين بمُتابعة الطريق ، وقد انفرط قِسم وافر مِن القوم ، وبقي معه الذين مِن أمثال عون ، ومحمد ، وزهير بن القين .
بعد مسيرة مُضنية بلغوا مَحطَّة ( بطن العَقبة ) ، وقصدوا أنْ ينزلوا فيها ويتزوَّدوا بقليلٍ مِن الماء ، عندما تقدَّم منهم رجل يبدو مِن سيمائه أنَّه مُحترم في القوم ، وطلب مُقابلة الحسين ، وصادف أنَّ الحسين بالذات كان واقفاً وغارقاً في تلافيف نفسه ، فانتبه إلى الرجل وراح يسأله :
الحسين : لعلَّك لم تُشاهد بعد الحسين ؟!
عمرو بن لوذان : الأُذن عندي أبعد مِن العين .
الحسين : لو أنَّك تمزجهما لكنت السامع الرائي في آنٍ واحدٍ ، ألا تسمع الآن وأنت ترى وأنت تسمع ؟!
عمرو : يظهر أنِّي المُوفَّق في اللحظة الكبيرة ، أتقبل نُصحي أيُّها السيِّد ؟
الحسين : هل أنت مُتمكِّن مِن معرفة ذاتك ؟ هات النصيحة حتَّى أسمع .
عمرو : أنا لوذان بن أبي عكرمة ، لا يبدو لي أنَّ في خاصرة الأُفق غيمة تمطر ، فهلاَّ تعِدل عن المُجازفة ؟!
الحسين : إنَّ المُجازفة ـ يا لوذان ـ أنْ نعدل عن المُجازفة ـ أقول لك : إنَّ إرادة الله هي الفاعلة ، وهي التي تعصر الرمال وتُفجِّر منها دفق الفرات !!!
بينما كان ابن عكرمة يعصر عينيه ويضغط أُذنيه تحت وطأة ما يرى ويسمع كان ، الحسين يأمر باستئناف السير تاركاً محطَّة ( بطن العقبة ) لكلِّ البطون والأفخاذ ، التي استنجدت بها قبليَّة عمر بن الخطاب ، وأبي بكر ، وابن عفَّان ، وجعلوها بقرة تحلب اللبن في أكواب مُعاوية ويزيد وعمرو بن العاص ، بعد مشي مرحلة بزاد قليل وماء أشح ، بلغوا محطَّة ( شراف ) فأمر بنصب الخيام فيها .
صحيح أنَّهم خيَّموا في ( شراف ) وملأوا قُربهم مِن مائها ، ولكنَّ الحُرَّ بن يزيد التميمي ، كان مِن المُخيِّمين ـ أيضاً ـ في الدائرة المُشرفة على المَحطَّة ، على رأس قوَّة مؤلَّفة مِن ألف فارس ، تُراقب القافلة الصغيرة ، وتُحصي عديدها ، وتضبط أنفاسها ، ولم يُعتِّم قائدها حتَّى اقترب مِن المخيم ليدور بينه وبين الحسين حوار ناشف النَّبرات :
الحُرُّ : لن أتخبَّأ بعد الآن عليك ، حتَّى حديثك بالأمس مع لوذان عمرو بن لوذان وصل إليَّ ، نحن في الجيش لا نأخذ الأوامر بالرموز ، بلْ بالإشارة الصريحة ، نَصحك الرجل بالعدول عن المُجازفة ، ونحن الآن لا نقبض عليه ، لأنَّه نصحك ولم ينضمَّ إليك ، لو أنَّه فعل لكان الآن معك في داخل الطوق ، أُكرِّر عليك أنْ تقبل النصيحة وتستعدَّ للاستسلام لعبيد الله بن زياد ، رُبَّما تكون النجاة في الاستسلام أسهل المُجازفات .
الحسين : أنا ما جئت أُجازف يا ابن التميمي ، وأرجو أنْ تحذف اسم أبيك مِن بداية انتسابك ، اترُكه لابن مُعاوية وَصْلة كُفر ، وحَلقة مجون ، لماذا تدعي الصراحة ولا تأخذ منها أنَّ الإسلام يتبرَّأ مِن الفاسقين المَاجنين ، وأنَّ الأُمَّة تسقط في الحُفر إذ يتسلَّط عليها المُجدفون !! أنا ـ يا الحر ـ جئت أُلبِّي الأُمَّة في طلبها الصريح ، في حوزتي حمل ناقة مِن الرسائل ، إنْ تكن حُرَّاً ومؤمناً بالصراحة والحَقِّ أنثرها الآن بين يديك ؛ حتَّى ترى أنِّي أُطالب بحَقِّ القوم الذين هُمْ ضلع مِن ضلوع الأُمَّة ، إنَّهم يرفضون فِسق يزيد ، ويطلبون منِّي تحرير الأُمَّة مِن الكابوس الذي يُرهقها ويُبعدها عن المحارم !!!
هل تُصغي إليَّ ـ أيُّها القائد ـ لتعرف أين هي الصراحة ؟ وأيُّ لون تصطبغ به الصراحة ؟
الحُرُّ : أيُّ جواب تترقَّبه منِّي يُقنعني في ادِّعائك ، إذا كان هذا هو الصحيح ، فأين هم القوم يُنادونك ولا يظهرون ؟
الحسين : وإنِّي أسألك : لماذا تسدُّون المنافذ ؟! وتربطون خطوط القوافل ؟! لماذا تتحكَّمون ( بواقصة ) وتمنعونني عن السير إلى الكوفة والبصرة ؟ّ ولماذا أنت الآن في إحكام الطوق على مُخيَّمي في هذه المحطَّة ( شراف ) ؟! أليس ذلك كلُّه في الاحتياط الكبير حتَّى لا يكون للأُمَّة قدم
على خَطٍّ مِن خطوطها المُدركة ؟! ألم يكن هذا احتياطكم مُنذ خمسين سنة حتَّى هذه اللحظة الحُبلى بمآثم يزيد ؟!! يا للخطِّ السخيف الذي أضعف الأُمَّة وأزاحها عن حقيقة صراطها ؟!! يا لجَدِّي النبيِّ يرسم للأُمَّة خَطَّها ليأتي يزيد ويرقص بقروده على فيئها !!!
الحُرُّ : وماذا تُريد منِّي أنْ أقول لك ؟! اسمع : لم يُسمح لي الآن أنْ اقبض عليك ، تقدر فقط أنْ تتوجَّه إلى حيث تُريد إلاَّ دخول الكوفة والبصرة ، ارجع إلى مَكَّة إذا أردت ، سيكون ابن العاص بانتظار رجوعك ، أمَّا إذا أردت أنْ تُخيِّم في هذه الأرض ففي ( العقر ) أو في ( كربلاء)
قال الحُرُّ ذلك ولوى راجعاً إلى مُخيَّمات الجيش .
أمَّا الحسين ، فإنَّه أدرك أنَّ الساعة الحاسمة لم تبتدئ بعد قرعات ثوانيها ، إلاَّ أنَّها بين لحظة ولحظة آتية !! إمَّا في أرض ( العقر ) أو فوق الأرض التي تُسمَّى ( كربلاء ) ، يكفيها ـ وإنْ تعطش ـ أنَّها واحة تَسغب إلى الفرات !!!
تركوا ( شراف ) كأنَّهم المُفتِّشون عن غيرها لا ليُخيِّموا فيها ، بلْ ليتحصَّنوا بها ويَقلعوا منها للنِّزال والصراع ، يا للقبضة مِن الرجال !! يمتشقون السيف في وجه جَحفل مِن الجيش ، معه السيوف والرماح ، والسهام والنبال !!! والدروع المُحصَّنة بالزَّرد والخيول ، وطيور البارز المسنونة المخالب والمناسر !!! أتكون الاستعدادات الوافية قد أعدَّها والي الكوفة عبيد الله بن زياد ، لصدِّ معركة يقوم بها عشرات مِن الرجال هُمْ في رفقة الحسين ، وهُمْ الميامي ، ولكنَّهم العُزَّل ؟! أمْ أنَّها في وجه معركة ستزحف إليها البصرة بقضِّها وقضيضها ؟!!
ولكنَّ الكوفة ـ ويعرفون ـ أنَّها تنام على ترهيب ، وتخويف وتجميد ـ وكلُّها ملاقط وأغلال ـ فمِمَّا يخاف أقوام يزيد ، وأزلام زياد ، أمْ أنَّه الإرهاب الذي أتقن الفَنَّ في التمادي ، ولم يَعُد يعرف معنى الإرعواء ؟ ولكنَّ الجيش المُستعدَّ للنزال ، ستعرف كربلاء أنَّه باسم يزيد وتنفيذ ابن زياد ، يفوق الثلاثين ألفاً ، أُتراها ستتهيَّب الأجيال ؟!!
ولكنَّ الحسين تمكَّن اليوم مِن التخييم في المَحطَّة المُسمَّاة ( العُذَيب ) ، لقد استقبله فيها ثلاثة مُناصرين قصدوا أنْ يُلبُّوا عنصر الوفاء عمر بن خالد الصيداوي ، مجمع العائدي وابنه ، وجنادة بن الحارث السماني .
أمَّا رفيقهم الكبير فهو الشاعر الكبير الطرماح بن عدي ، قالوا : نحن أربعة آلاف ، تقدر أنْ تضرب بنا ساعة تأمر ، فهبَّ اليهم الحسين وعينه كبيرة ، وعزمه أكبر ، وهو يقول : الحسين : هنالك قرد يمنعكم مِن الوصول ، ولكنِّي لا أطلب إرهاقكم بلا جدوى ، لو أنَّكم تصوير وافٍ لحَجم الأُمَّة ، لكانت اختفت مُنذ زمن بعيد هذه الذئاب مِن حول الحظيرة !!! افهموا عليَّ وكونوا خميرة مِن الخَمائر ... ستفعلون في غَدٍ آخر ما لا تتمكَّنون مِن فعله الآن ... وليس الغَد بغير وعيكم ووعي الأُمَّة ... أرجوا أنْ تُراقبوني فقط كيف سأتصرَّف في اللحظة الحاسمة ، وأنا ـ ساعَتْئِذ ـ لكم وللأُمَّة التي أُقدِّم لها الرفض مع عُنصر الضمان !!!
بالحقيقة ، إنَّهم فهموا الرمز وانكفأوا يُراقبون مِن بعيد ، أمَّا الطرماح فإنَّه طرح نفسه على الحسين كأنَّه يبكي ..
الطرماح : ألا تظنُّ أنَّ جبلي طيِّ : أجأٌ وسًلمى ، يتمكَّنان مِن حمايتك في ساعتي المِحنة والضيم ؟!!!
الحسين : إنَّه قلبك الكبير أيُّها الشاعر ، ولكنَّ للأُمَّة مطلباً آخر تشتري به حقيقتها منِّي ، ولا تشتري سلامتي الصغيرة . افهمني ـ يا طرماح ـ وروِّ شِعرك مِن أطيب المناهل !!!
وكان النزول في كربلاء ، يا للحصون المُدَّرعة ! ويا للعطش المَشروب ! يَنزُّ عليه الفرات بالماء الفرات ، ويا للرماح المُشرعة ، تصهل بها الخيل مِن عِزٍّ إلى عِزٍّ ، تتنادى به السهول الفيحاء ، مَدَّاً إثر مَدٍّ نحو الكوفة ، والبصرة ، في انسياب يخضرُّ بدجلة ، ويرتفع شامخاً بالجبال المُشرئبَّة فوق الخليل ، ويا للجيش ! يُكْفكف الأرض ويصونها بالدفاع عن شرف تُحاول أنْ تدوسه زُمرة مِن الخارجين على السَّدَّة الرفيعة ، التي يحرسها بالمَجد خليفة عاهر ، تَمرَّغ بالرذيلة والآثام ، اسمه يزيد بن مُعاوية ، جامع الرايات باسم الإسلام في كربلاء الإسلام !!! ويا للدعيِّ يُمرِّغ الخلافة بانتسابه إليها ، كأنَّ الله ما أنزل القرآن إلاَّ ليلفَّه به في لِفافة الإرث ، ولِفافة الحَقِّ ، ولِفافة البيان !!
واستلم زمام القتال ـ على رأس جيش أكثر مِن ثلاثين ألفاً ـ عمر بن سعد بن أبي وقَّاص ، وبقي يجول ويصول ، مِن هِلَّة مُحرَّم حتَّى العاشر منه ، ولم يترك ساحات الرمال إلاَّ مُقفلة تمام الإقفال على السيِّد الإمام ، اللابس الحِبْرة اليمانيَّة المشقوقة ، والمُمتشق سيفاً يُلعلع به ، كأنَّه مقدود مِن مقالع الجحيم !!!
لقد ببقي الفارس يَخضُّ الحسام الأبيض بيمينه ، والتهديد الأحمر بيساره ، والعَزم والزخم الاشهبين برأسه وتَلعة عُنقه ، حتَّى هوى والأحمر القاني صبغة حِبرته ، ومِلء كفَّيه يغبُّ منه عطشه ، ليس إلى الفرات وحسب ، بلْ إلى قنِّينة يملأها منه ليهديها إلى الرجل الآخر الغائب وراء أكثر مِن ألفي سنة ، حتَّى يغمس قلمه بحبرها ، ويخطَّ ملحمة أُخرى غير إلياذته العظيمة ، تكون تعبيراً حيَّاً عن ملحمة إنسانيَّة واقعيَّة تقرأها الآن كربلاء .
|
|
كل ما تود معرفته عن أهم فيتامين لسلامة الدماغ والأعصاب
|
|
|
|
|
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|