أنجبت مدينة البصرة منذ تأسيسها الكثيرين من العلماء والأدباء أغنوا المكتبة العربية بتراث ضخم، وكان شهاب الدين بن معتوق الموسوي من أدبائها المشهورين في القرن الحادي عشر للهجرة.

ولد في البصرة سنة 1025 هـ من أسرة عربية كريمة النسب. وقد غبنته كتب التاريخ فلم تعطنا شيئاً عن سيرته ودراسته ورحلاته، ولولا المقدمة التي دبجتها يراعة ابنه في مقدمة ديوانه لخفي علينا أمره وضاع جهده في مجال الأدب.

سلك ابن معتوق مسلك الشعراء المداحين، فاتصل بأمراء الحويزة ونال عطاياهم ولا سيما الامير علي خان بن كمال الدين خلف الموسوي، فكان خير عون له ولأسرته من بعده، وهو الذي قرب ولده معتوقاً وأشار عليه بجمع شعر والده وضمه في ديوان ليبقى خالداً مع دواوين شعراء العرب المشهورين.

أصيب في أخريات أيامه بمرض الفالج وتوفي سنة 1087هـ وله من العمر اثنتان وستون سنة.

شعره:

جاء ديوان ابن معتوق موزعاً على ثلاثة فصول، الأول في المدائح والثاني في المراثي والثالث في أشياء متفرقة، وقد استغرقت المدائح الجزء الكبير من الديوان، تناول الشاعر في قسم منه مدح الرسول صلى الله عليه وسلم وآل بيته الطاهرين، ومن أبرز ما يميز هذا الشعر طول النفس والمقدمات الطويلة، منه قصيدة تجاوزت مئة بيت عارض بها قصيدة البوصيري المشهورة بالبردة، جاء فيها قوله (1):

يا جيرة البان لا بنتم ولا برحت      تبكي عليكم سرورا أعين الديم

ولا انجلى عنكم ليل الشباب ولا     أفلتم يا بدور الحي من إضم

ما أحرم النوم أجفاني وحرمه      الا تغيبكم يا حاضري الحرم

غبتم فغيبتم صبحي فلست أرى     الا بقايا المت فيه لممي

صبراً على كل مر في محبتكم     يا أملح الناس ما أحلى بكم المي

رفقا بصب غدت فيكم شمائله       مشمولة منذ أخذ العهد بالقدم

حليف وجد إذا هاجت بلابله      ناجى الحمام فداوى الغم بالنغم

يشكو الظم فاذا ما مر ذكركم      أنساه ذكر ورود البان والعلم

لقد كانت زيارة ابن معتوق الى مكة والمدينة دافعاً الى نظم هذا الشعر متوخياً منه الفوز عند الله بالرضا كما صرح بذلك في قصيدة أخرى (2):

أملت فيك وزرت قبرك مادحاً     لأفوز عند الله في رضوانه

عبد أتاك يقوده حسن الرجا      حاشا نداك يعود في حرمانه

فأقبل إنابته إليك فانه         بك يستقبل الله في عصيانه

فاشفع له ولآله يوم الجزا       ولوالديه وصالحي إخوانه

صلى الإله عليك يا مولى الورى      ما حن مغترب الى اوطانه

وكان يهذب قصائده وينقحها الى أن تصبح محكمة البناء قوية السبك ثم يقدمها بين أيدي الممدوحين في مناسبات معينة من أيام السنة، وغالبا ما يصرح بمطلبه في نهايات هذه القصائد وهو المال ومؤونة العيش، من ذلك قوله في خاتمة قصيدة طويلة يمدح بها الأمير علي خان ويهنئه بعيد الفطر سنة 1078هـ (3):

لا زلت خير أب لأبناء الرجا        وطريق رزق بابه لا يرتج

فانعم بأجر الصوم وابق بنعمة      تغلي صدور الحاسدين وتوهج

وأبهج بعيد أنت أسنة غرة        منه وأبهى في القلوب وأبهج

وارفل مدى الأيام في حلل الثنا     فنداك يديها وفكري ينسج

ولابن معتوق قصائد تمتلئ بالمشاعر الصادقة في رثاء الامام الحسين عليه السلام وعدد من أمراء الحويزة الذين مدوا اليه يد العون والمساعدة وحموه من الفاقة والعوز، نذكر هنا الأبيات الآتية من قصيدة في رثاء السيد حسنين بن السيد علي سنة 1080 هـ (4):

عزيز ثوى تحت التراب بحفرة      فيا ليتها محفورة في الترائب

سقى الله مثواه بعفو ورحمة       وأولاه ستراً يوم كشف المعايب

سنبكيه ما عشنا وإن قل دمعنا      أزدناه منا بالقلوب الذوائب

فلا سلمت نفس من الوجد لم تذب      عليه ولا قلب غدا غير واجب

وله أيضاً شعر وجداني لطيف، استدعت مواقف محزنة أو مفرحة الى نظمه، منه الأبيات الجميلة الآتية في عتاب أحد أولاده وكان قد خاصمه وأراد السفر (5):

جعلتك بالسويدا من فؤادي        ومن حدقي فديتك بالسواد

هويتك واصطفيتك دون رهطي      وأولادي فكنت من الأدعاي

جهلت أبوتي وجحدت حقي     وقابلت المودة بالعناد

أتنسى حسن تربيتي ولطفي       وما سبقت اليك من الأيادي

رجوتك كالعصا لأوان شيبي       ومعتمدي اذا مالت عمادي

وان كسرت يد الحدثان عظمي       ترى منه بمنزلة الضماد

ولست أخال فيك يخيب ظني      ويخطي سهم حدسي واجتهادي

عساك علي تعطف يا حبيبي       وتهجر ما تروم من البعاد

واشتهر بنظم (المواليا) – وهو من الفنون الشعبية المستحدثة – سخره للمديح وطلب الحاجة من الممدوحين، من ذلك قوله مخاطباً السيد علي خان ابن السيد منصور خان (6):

حتام فيكم أعاني الشوق وأقاسي       وأذوب رقة وكل منكم قاسي

أما بكم من طبيب لعلة الياس        بمرهم اللطف مجروح الحشا ياسي

والى جانب المواليا نظم (البند) واستخدمه وسيلة للمديح، وهو دون شعره في جمال الصياغة وحسن التعبير (7).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الديوان ص10.

(2) الديوان ص10.

(3) الديوان ص121.

(4) الديوان ص220.

(5) الديوان ص224.

(6) الديوان ص233.

(7) ينظر الديوان ص 227 – 230.