أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-2-2017
6352
التاريخ: 11-5-2017
3683
التاريخ: 14-2-2017
4395
التاريخ: 14-2-2017
3750
|
قال تعالى : {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة : 266] .
{أ يود أحدكم أن تكون له جنة} أي بستان {من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار} أي يشتمل على النخيل والأعناب والأنهار الجارية {له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر} أي ولحقه الشيخوخة وطعن في السن {وله ذرية ضعفاء} أي أولاد صغار ناقصو القوة {فأصابها} أي أصاب تلك الجنة {إعصار} أي ريح شديدة تهب من الأرض نحو السماء مثل العمود وتسميها الناس الزوبعة {فيه نار} أي في ذلك الأعصار نار {فاحترقت} تلك الجنة .
وهذا مثل ضربه الله في الحسرة بسلب النعمة واختلف فيه على وجوه (أحدها) أنه مثل المرائي في النفقة لأنه ينتفع بها عاجلا وينقطع عنه آجلا أحوج ما يكون إليه عن السدي (وثانيها) أنه مثل للمفرط في طاعة الله تعالى بملاذ الدنيا يحصل في الآخرة على الحسرة العظمى عن مجاهد والمراد به أن حاجته إلى الأعمال الصالحة كحاجة هذا الكبير الذي له ذرية ضعفاء إلى ثمار الجنة وقد احترقت فيكون أعظم حسرة لأن الكبير الذي قد يئس من سعي الشباب في كسبه فكان أضعف أملا وأشد حسرة كذلك من لم يكن له في الآخرة عمل صالح يوصله إلى الجنة فحسرته مثل ذلك ( وثالثها ) أنه مثل للذي يختم عمله بفساد عن ابن عباس وكل هذه الوجوه تحتمله الآية {كذلك} أي كهذا البيان الذي بين لكم في أمر الصدقة وقصة إبراهيم والذي مر على قرية وجميع ما سلف {يبين الله لكم الآيات} أي الدلالات التي تحتاجون إليها في أمور دينكم {لعلكم تتفكرون} أي : تنظرون وتتفهمون .
________________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج2 ، ص189 .
هذه الآية تصلح مثلا لكل من عمل عملا صالحا ، وأتبعه بما يذهب بأجره وثوابه ، كالمن والأذى ، أو الرياء والنفاق ، والكفر والشرك ، فحال كل واحد من هؤلاء ، ومن إليهم حال من كانت له جنة ينتفع بها هو ومن يعول ، فأصابتها جائحة أودت بها ، وهو أحوج ما يكون إليها لشيخوخته ، وضعف ذريته ، وعجزهم عن القيام بشأنه وشأنهم ، ولا مورد له غير هذه الجنة .
ووجه التمثيل ان من يفعل الخير ويفسده يأتي يوم القيامة ، وهو أشد ما يكون حاجة إلى ثواب ما عمل ، ولكنه يجد عمله هباء منثورا حيث لم يقصد به وجه اللَّه ، ويصبح عاجزا لا يقدر على شيء ، تماما كالشيخ الذي احترقت جنته بعد أن أقعده الكبر عن الكسب ، وله أولاد ضعفاء يلحون عليه بطلب أقواتهم . . .
وبهذا نجد تفسير قوله تعالى : {وأَصابَهُ الْكِبَرُ ولَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ} .
وقال المفسرون : انما خص النخيل والأعناب بالذكر لأنهما أحسن الفواكه نفعا وطعما ومنظرا . . وجاء جوابهم من وحي العصر الذي عاشوا فيه ، حيث لا خوخ ولا تفاح ولا إجاص ولا برتقال . . ولو كانوا في هذا العصر لقالوا :
انما خصهما بالذكر لأنهما كانا خير الفواكه يومذاك ، وبهذا يتبين معنا ان الحكم على الأشياء الطبيعية يجب أن يكون نسبيا مقيدا بالزمان والمكان .
وتسأل : ألا يتنافى التخصيص في قوله تعالى : {جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وأَعْنابٍ} مع التعميم في قوله : {لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ} ؟ .
الجواب : من الجائز ان أشجار النخيل والأعناب هي الكثرة الغالبة في الجنة . .
ويجوز أيضا أن يكون المراد بالثمرات المنافع ، ويكون المعنى ان صاحب الجنة متمتع بجميع منافعها وفوائدها .
________________________________
قوله تعالى : {أ يود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب} "إلخ" ، الود هو الحب وفيه معنى التمني ، والجنة : الشجر الكثير الملتف كالبستان سميت بذلك لأنها تجن الأرض وتسترها وتقيها من ضوء الشمس ونحوه ، ولذلك صح أن يقال : {تجري من تحتها الأنهار} ، ولو كانت هي الأرض بما لها من الشجر مثلا لم يصح ذلك لإفادته خلاف المقصود ، ولذلك قال تعالى في مثل الربوة وهي الأرض المعمورة : { رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} [المؤمنون : 50] ، وكرر في كلامه قوله : {جنات تجري من تحتها الأنهار} فجعل المعين وهو الماء فيها لا جاريا تحتها .
ومن في قوله : من نخيل وأعناب للتبيين ويفيد معنى الغلبة دون الاستيعاب ، فإن الجنة والبستان وما هومن هذا القبيل إنما يضاف إلى الجنس الغالب فيقال جنة العنب أو جنة من أعناب إذا كان الغالب فيها الكرم وهي لا تخلو مع ذلك من شجر شتى ، ولذلك قال تعالى ثانيا : {له فيها من كل الثمرات} .
والكبر كبر السن وهو الشيخوخة ، والذرية الأولاد ، والضعفاء جمع الضعيف ، وقد جمع تعالى في المثل بين إصابة الكبر ووجود الذرية الضعفاء لتثبيت مسيس الحاجة القطعية إلى الجنة المذكورة مع فقدان باقي الأسباب التي يتوصل إليها في حفظ سعادة الحياة وتأمين المعيشة ، فإن صاحب الجنة لو فرض شابا قويا لأمكنه أن يستريح إلى قوة يمينه لو أصيبت جنته بمصيبة ، ولو فرض شيخا هرما من غير ذرية ضعفاء لم يسوء حاله تلك المساءة لأنه لا يرى لنفسه إلا أياما قلائل لا يبطىء عليه زوالها وانقضاؤها ، ولو فرض ذا كبر وله أولاد أقوياء يقدرون على العمل واكتساب المعيشة أمكنهم أن يقتاتوا بما يكتسبونه ، وأن يستغنوا عنها بوجه ! لكن إذا اجتمع هناك الكبر والذرية الضعفاء ، واحترقت الجنة انقطعت الأسباب عنهم عند ذلك ، فلا صاحب الجنة يمكنه أن يعيد لنفسه الشباب والقوة أو الأيام الخالية حتى يهيىء لنفسه نظير ما كان قد هيأها ، ولا لذريته قوة على ذلك ، ولا لهم رجاء أن ترجع الجنة بعد الاحتراق إلى ما كانت عليه من النضارة والأثمار .
والإعصار الغبار الذي يلتف على نفسه بين السماء والأرض كما يلتف الثوب على نفسه عند العصر .
وهذا مثل ضربه الله للذين ينفقون أموالهم ثم يتبعونه منا وأذى فيحبط عملهم ولا سبيل لهم إلى إعادة العمل الباطل إلى حال صحته واستقامته ، وانطباق المثل على الممثل ظاهر ، ورجا منهم التفكر لأن أمثال هذه الأفاعيل المفسدة للأعمال إنما تصدر من الناس ومعهم حالات نفسانية كحب المال والجاه والكبر والعجب والشح ، لا تدع للإنسان مجال التثبت والتفكر وتميز النافع من الضار ، ولو تفكروا لتبصروا .
___________________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج2 ، ص333-334 .
مثال للإنفاق الملوث بالرياء والمنّة :
هنا يضرب القرآن مثلاً آخر يبيّن حاجة الإنسان الشديدة إلى الأعمال الصالحات يوم القيامة ، وكيف أنّ الرياء والمنّ والأذى تؤثّر على الأعمال الصالحات فتزيل بركتها .
يتجسّد هذا التمثيل في صاحب مزرعة مخضرة ذات أشجار متنوّعة كالنخيل والأعناب ، وتجري فيها المياه بحيث لا تتطلّب السقي ، لكن السنون نالت من صاحبها وتحلّق حوله أبناؤه الضعفاء ، وليس ثمّة ما يقيم أودهم سوى هذه المزرعة ، فإذا جفّت فلن يقدر هو ولا أبناؤه على إحيائها ، وفجأةً تهبّ عاصفة محرقة فتحرقها وتبيدها . في هذه الحالة ترى كيف يكون حال هذا العجوز الهرم الذي لا يقوى على الإرتزاق وتأمين معيشته ومعيشة أبنائه الضعفاء ؟ وما أعظم أحزانه وحسراته ! .
{أَيودّ أحدكم أن تكون له جنّة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار فيها من كل الثمرات وأصابه الكبرُ وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت . . .} .
إنّ حال أُولئك الذين يعملون عملاً صالحاً ثمّ يحبطونه بالرياء والمنّ والأذى أشبه بحال من تعب وعانى كثيراً حتّى إذا حان وقت اقتطاف النتيجة ذهب كلّ شيء ولم يبق سوى الحسرات والآهات . وتضيف الآية : {كذلك يبيّن الله لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون} .
لمّا كان منشأ كلّ تعاسة وشقاء ـ وعلى الأخصّ كلّ عمل أحمق كالمنّ على الناس ـ هو عدم أعمال العقل والتفكير في الاُمور ، فإنّ الله في ختام الآية يحثّ الناس على التعمّق في التفكير في آياته {كذلك يبيّن اللهُ لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون} .
_________________________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج2 ، ص128-129 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|