أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-3-2022
1843
التاريخ: 22-4-2017
4466
التاريخ: 10-12-2014
6735
التاريخ: 18-4-2017
32334
|
عندما بلغ قريشاً وزعماء مكة ما أصبح فيه المسلمون المهاجرون من أمن وحرية وما حصلوا عليه من حسن الجوار والطمأنينة والراحة في أرض الحبشة ثارت ثائرة الحسد والغيظ في قلوبهم وتوجسوا خيفة من نفوذ المسلمين في الحبشة لأن أرض الحبشة قد أصبحت قاعدة قوية للمسلمين وكانت الزعامةُ المكيةُ تتخوفُ من أن يجد أنصارُ الإسلام واتباعُه منفذاً إلى بلاط النجاشي زعيم الاحباش وملِكهم ويُميلّوا قلبَه نحو الإسلام ويكسبوا تاييده للمسلمين فيؤول الامر إلى أن يعبّئ جيشاً كبيراً للقضاء على حكومة المشركين الوثنيين في شبه الجزيرة العربية وعندها تكون الكارثة.
فاجتمع أقطابُ دار الندوة مرة اُخرى للتشاور في الأمر فأستقرّ رأيهم على أن يبعثوا إلى البلاط الحبشيّ من يقدم إلى النجاشيّ ووزرائه وقواده هدايا مناسبة يستميلونهم بها ليستطيعوا من هذا الطريق التأثير على النجاشي ثم يتسنّى لهم بعد ذلك ان يقنعوه بضرورة إخراج المسلمين المهاجرين من أرضه أن يتهمونهم عنده بالسفاهة والجهل وابتداع دين جديد منكر والارتداد عن دين الآباء والاجداد!!
ولكي تتحقق خطتهم هذه على أحسن وجه ويصلوا عن طريقها إلى افضل النتائج اختاروا من بينهم رجلين ماكرين اصبح احدُهما في ما بعد من دهاقنة السياسة وهما : عمروُ بن العاص و عبد اللّه بن ابي ربيعة وقال لهما كبير المؤتمرين في ذلك الدار : إدفعا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلّما النجاشي فيهم ثم قدّما إلى النجاشيّ هداياه ثم سلاه أن يسلّمهم إليكما قبل أن يكلمهم.
فخرج موفَدا قريش حتّى قدما على النجاشي بعد أن تلقّيا هذه التعليمات.
وهناك في الحبشة دَفعا إلى كل بطريق من بطارقة النجاشيّ وقادة جيشه ووزرائه هديته وقالا لكل بطريق منهم : إنه قد ضوى إلى بلد الملك منّا غُلمان سفهاء فارقوا دينَ قومهم ولم يَدخلوا في دينكم وجاؤوا بدين مبتدَع لا نعرفه نحن ولا انتم وقد بعثنا إلى المِلِك لنكلّمه في أمرهم أشرافُ قومهم ليردَّهم اليهم فاذا كلَّمنا الملكُ فيهم فأشيروا عليه بأن يسلّمهم إلينا ولا يكلّمهم فان قومَهم أبصر بهم واعلم بما عابوا عليهم.
فأبدى اُولئك البطارقة والقادة والوزراء الطامعون الجهلة استعدادهم لمساعدة الرجلين في إنجاح مهمتهم.
ولما كان من غد دخلا على النجاشي وقدما هداياهما إليه فقبلها منهما ثم كلّماه فقالا له :
أيها الملك إنه قد ضَوى إلى بلدك منا غِلمان سفهاء فارقوا دينَ قومهم ولم يدخلوا في دينك وجاؤوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت وقد بَعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردَّهم اليهم فهم أبصر بهم واعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه.
وما أن انتهى موفدا قريش من الكلام إلاّ وقالت بطارقته حوله : صدقا أيها الملك قومُهم أبصرُ بهم وأعلمُ بما عابوا عليهم فأسلمهم إليهما فليرداهم إلى بلادهم وقومهم.
فغضبَ النجاشيّ وكان رجلا حكيما عادلا وقال : لاها اللّه إذن لا اُسلمهم إليهما ولا يُكادُ قوم جاوَرُوني ونَزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتّى أدعوَهم فاسألهم عما يقول هذان في أمرهم فان كانوا كما يقولان أسلمتُهُم اليهما ورددتُهم إلى قومهم وان كانوا على غير ذلك منعتهم منهما واحسنتُ جِوارَهم ما جاوروني.
ثم ارسل إلى أصحاب رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) المهاجرين إلى الحبشة فدعاهم من غير أن يعلمهم بما يريد منهم فحضروا عنده وكانوا قد قرّروا أن يكون متكلِّمُهم وخطيبهم : جعفر بن أبي طالب وقد قلِقَ بعضُ المسلمين لما قد سيقوله جعفر عند الملك وبماذا سيكلّمهُ ويجيبُه فسألوه عن ذلك فقال لهم جعفر : أقول واللّه ما علّمنا وما امرنا به نبيُنا (صـلى الله علـيه وآله) كائناً في ذلك ما هو كائن.
فالتفت النجاشيُ إلى جعفر وسأله قائلا : ما هذا الدين الّذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا ( به ) في ديني ولا في دين أحد من هذه الملل؟
فقال جعفر بن ابي طالب : أيُّها الملك كنّا قوماً أهلَ جاهلية نعبُدُ الأَصنامَ ونأكلُ الميتةَ ونأتي الفواحش ونقطعُ الارحام ونسيءُ الجوار ويأكلُ القويّ منّا الضعيف فكنّا على ذلك حتّى بعث اللّه الينا رسولا منا نعرف نسبَه وصدقه وأمانته وعَفافه فدعانا إلى اللّه لنوحِّدَه ونعبُدَه ونخلَعَ ما كنّا نعبُد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الامانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات.
وأمرنا أن نعبدَ اللّه وحدَه لا نشركُ به شيئاً وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام فصدّقناه وآمنّا به واتّبعناه على ما جاء به من اللّه فعبدنا اللّه وحده فلم نشرك به شيئاً وحرَّمنا ما حرَّم علينا وأحللنا ما أحلّ لنا فعدا علينا قومُنا فعذّبونا وفتنونا عن ديننا ليردُّونا إلى عبادة الاوثان من عبادة اللّه تعالى وان نستحل ما كنّا نستحل من الخبائث فلمّا قهرونا وظلمونا وضيّقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا أن لا نظلَم عندكَ ايها الملك .
فأثّرت كلمات جعفر البليغة وحديثه العذب تأثيراً عجيباً في نفس النجاشيّ بحيث اغرورقت عيناه بالدُموع وقال : لجعفر هل معَك ممّا جاء به عن اللّه من شيء؟
فقال جعفر : نعم فقال له النجاشيّ : فاقرأهُ عليَّ فقرأ عليه جعفر آيات من مطلع سورة مريم واستمرَّ في قراءته وبذلك بيّن نظرة الإسلام إلى مريم (عليها السلام) وطهارة جيبها وإلى مكانة المسيح (عليه السلام) وعظمة شأنه وجليل مقامه فبكى النجاشيُ حتّى اخضلّت لحيتُه بالدموع وبكت اسقافتُه حتّى بلّوا مصاحفهم بها حين ما سمعوا ما تلاه جعفر عليهم حول مريم والمسيح (عليهما السلام).
وبعد صمت قصير ساد ذلك المجلس قال النجاشي : إن هذا والّذي جاء به عيسى ليخرجُ من مشكاة واحدة وهو يقصد أن القرآن والإنجيل كلامُ اللّه وأنهما شيء واحدٌ.
ثم التفت إلى موفَدي قريش وقال لهما بنبرة قوية : انطلقا فلا واللّه لا اُسلِّمهم إليكما ولا يُكادون فخرجا من عنده.
وعند المساء تكلَم عمرو بن العاص ـ وكان إمرء خدّاعاً ما كرا ـ مع رفيقه عبد اللّه بن ربيعة في الامر وقال له : واللّه لآتيَنّ غداً عنهم بما استأصل به خضراءهم ( وهو يعني أنه سيأتي بحيلة تقضي على جذور المهاجرين بالمرة ) ولاُخبرنَّه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد. ( أي على خلاف ما يعتقد النصارى في المسيح ).
فنهاه عبد اللّه عن ذلك وقال : لا تفعل فانّ لهم أرحاماً وان كانوا خالفونا ولم ينفع نهي عبد اللّه له.
ولمّا كان من الغد دخلا على النجاشي مرة اُخرى فقال له عمرو متظاهراً هذه المرة بالدفاع عن عقيدة النصارى وهي دين الملك واهله ومنتقداً رأي المسلمين.
أيها الملك إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولا عظيماً. فارسل إليهم فسلهم عما يقولون فيه.
فارسل النجاشيُ اليهم ليسألهم عنه وهو الملك المحنَّك الّذي لا يأخذ الأمور على ظواهرها ومن غير تحقيق ودراسة فأدرك المسلمون بفطنتهم أنه سيسألهم هذه المرة عن موقفهم من المسيح (عليه السلام) فاتفقوا أن يكون جعفر متكلمهم وخطيبهم وعندما سألوه عما سيجيب به الملك قال : أقول واللّه ما قال اللّه وماجاءنا به نبيُنا.
فلما دخلوا على النجاشيّ قال لجعفر بن ابي طالب : ماذا تقولون في عيسى بن مريم؟
فقال جعفر : نقول فيه الّذي جاءنا به نبينا (صـلى الله علـيه وآله) : هو عبد اللّه ورسوله وروحه وكلمته القاها إلى مريم العذراء البتول.
فسرّ النجاشي لكلام جعفر ورضي به وقال : هذا واللّه هو الحق واللّه ما عدا عيسى بن مريم ما قلتَ.
ولكنَّ حاشيته لم تَرضَ بهذا الكلام ولم تقبل بما قاله الملكُ ولكنّه لم يعبأ بهم وأيّد مقالة المسلمين ومنحهم الحرية الكاملة والأمان الكامل قائلاً لهم : اذهبوا فانتم آمنون في أرضي من سبّكم غُرمَ من سبّكم غرمَ ما اُحب أنّ لي دبراً من ذهب وإني آذيتُ رجلا منكم.
وردّ على موفَدي قريش هداياهما قائلا لهما : ردّوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي بها فواللّه ما أخذ اللّه مني الرشوة حين ردّ عليّ مُلكي فآخذ الرشوة فيه وما أطاع الناس فيَّ فاُطيعهم فيه .
فخرج مبعوثا قريش مقبوحين مردوداً عليهما ما جاء به يجرّان اذيال الخيبة .
وينبغي ان نسجّل هنا موقفا آخر من مواقف ابي طالب في تأييد المسلمين ونصرة الدين الحنيف.
فقد أرسل ابو طالب أبياتاً للنجاشيّ يحثُّه على الدفع عن المهاجرين وحسن جوارهم وتلك الابيات هي :
ألا لَيتَ شِعري كيفَ في النأي جعفرٌ
وعمروٌ واعداء العدو : الأقاربُ؟
وهل نالتَ افعال النجاشيّ جعفراً
وأصحابه أو عاق ذلك شاغبُ؟
تَعلّم ابيتَ اللعنَ انك ماجِدٌ
كريمٌ فلا يشقى لَديك المجانبُ
تعلّم بانَ اللّه زادك بسطةً
وأسبابَ خير كلّها بك لازب
وأنك فَيضٌ ذو سجال غزيرة
يَنالُ الاُعادي نفعهُا والاقارب
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|