أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-11-2014
834
التاريخ: 5-2-2020
459
التاريخ: 10-4-2018
605
التاريخ: 20-11-2014
1012
|
قد تضافرت الأخبار عن الأئمة الأطهار عليهم صلوات الملك الغفار بالقول بالبداء، ففي الكافي عن زرارة في الصحيح عن الباقر عليه السّلام و الصادق عليه السّلام قال ما أعبد اللّه بشيء مثل البداء.
و في رواية أخرى عن هشام بن سالم عن الصادق عليه السّلام قال: ما عظم اللّه بمثل البداء.
والأخبار بذلك كثيرة، وليس البداء ما ظنه جهال العامة العمياء و طعنوا به على الفرقة المحقة من أنه ظهور الشيء بعد خفائه و حصول العلم به بعد الجهل به، إذ ذلك لا يتفوه به إلا من عزل العقل عن الحكومة، وجوز على اللّه أن يأمر بالقبيح و يفعله و ينهى عن الحسن و يتركه كالأشاعرة كما عرفت من مذهبهم. وإنما البداء الذي ذهبوا إليه له معان صحيحة قد اتفقت عليها العقول وطابقها المنقول و دل عليها الكتاب و السنة كما استقصينا تلك المعاني في مصابيح الأنوار في حل مشكلات الأخبار نشير هنا إلى جملة منها و هي:
الأول: ما اختاره العلامة رحمه اللّه المحدث المجلسي و هو: أنهم عليهم السّلام إنما بالغوا في البداء ردا على اليهود القائلين إن اللّه قد فرغ من الأمر و على النظام، وبعض المعتزلة القائلين إن اللّه خلق الموجودات دفعة واحدة على ما هي عليه الآن معادن و نباتا و حيوانا و إنسانا، و لم يتقدم خلق آدم على خلق أولاده و التقدم إنما يقع في ظهورها لا في حدوثها و وجودها، و أخذوا هذه المقالة من أصحاب الكمون و البروز من الفلاسفة و على بعض الفلاسفة القائلين بالعقول و النفوس الفلكية و بأن اللّه تعالى لم يؤثر حقيقة إلا في العقل الأول، فهم يعزلونه تعالى عن ملكه و سلطانه و ينسبون الحوادث إلى هؤلاء، وعلى آخرين منهم قالوا إن اللّه سبحانه أوجد جميع مخلوقاته دفعة واحدة دهرية لا ترتيب فيها باعتبار الصدور، بل إنما ترتبها في الأزمان فقط، كما أنه لا تترتب الأجسام المجتمعة زمانا و إنما ترتيبها في المكان فقط. فنفوا عليهم السّلام كل ذلك و أثبتوا أنه تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29]، من اعدام شيء و إحداث آخر، و إماتة شخص و إحياء آخر إلى غير ذلك، لأن لا يترك العباد التضرع إلى اللّه و مسألته و طاعته و التقرب إليه بما يصلح أمور دنياهم و عقباهم، و ليرجوا عند التصدق على الفقراء و صلة الأرحام و بر الوالدين و المعروف و الإحسان ماو عدوا عليها من طول العمر و زيادة الرزق و غير ذلك.
وتوضيحه أن البداء المنسوب إليه تعالى معناه أن يبدو له في الشيء فيثبته بعد عدمه، أو عكس ذلك مختارا مع علمه بأصله، و علمه بأنه سيفعله في المستقبل لأغراض و مصالح و غايات سبق العلم بها على التفصيل، ولا يحدث له من معلومها شيء لم يكن معلوما له سابقا ليلزم نسبة الجهل إليه تعالى كما نطقت بذلك الأخبار، ففي الصحيح عن الصادق عليه السّلام قال: ما بدأ اللّه في شيء إلا كان في علمه قبل أن يبدو له. و عنه عليه السّلام قال: إن اللّه لم يبدله من جهل فالبدء منه سبحانه لمحو المثبت و إثبات غير المثبت مسبوق بعلمه الأزلي، و ليس البداء مخصوصا بالمحو فقط بل يشمل الإثبات كما دلت عليه الآية و الرواية، وبالجملة فمرجع البداء المذكور إلى أنه سبحانه مختار على الإطلاق في عامة الأفعال والتكوينات مستمر التصرف و الإرادات في كل الأمور و كافة الأحوال و الشئون، فعلها و تركها و إحكامها و نقصها و تقديمها و تأخيرها جليلها و حقيرها قبيلها و دبيرها، و لهذا لم يعبد اللّه و لم يعظم بشيء مثل البداء، لأن مدار استجابة الدعاء و الرغبة إليه سبحانه و الرهبة منه و تفويض الأمور إليه و التعلق بين الخوف و الرجاء و التصدق و صلة الرحم والأعمال الصالحة و أمثالها من أركان العبودية كلها على البداء.
الثاني: ما عليه السيد الداماد و حاصله ان البداء منزلته في التكوين منزلة النسخ في التشريع، فما في الأمر التشريعي و الأحكام التكليفية نسخ فهو في الأمر التكويني و المكونات الزمانية بداء، فالنسخ كأنه بداء تشريعي، والبداء كأنه نسخ تكويني، وكما حقيقة النسخ عند التحقيق انتهاء الحكم التشريعي و انقطاع استمراره لا رفعه و ارتفاعه عن وعاء الواقع، فكذا حقيقة البداء عند الفحص البالغ إثبات الاستمرار التكويني و انتهاء اتصال الإفاضة و مرجعه إلى تحديد زمان الكون و تخصيص وقت الإفاضة، لا أنه ارتفاع المعلول الكائن عن وقت كونه و بطلانه في حد حصوله.
الثالث: ما ذكره بعض المدققين و هو أن الأمور كلها عامها و خاصها، مطلقها و مقيدها، منسوخها و ناسخها، مفرداتها و مركباتها، اخباراتها و إنشاءاتها بحيث لا يشذ عنها شيء منتقشة في اللوح، والفائض منه على الملائكة و النفوس العلوية و النفوس السفلية قد يكون الأمر العام أو المطلق حسب ما تقتضيه الحكمة الكاملة من الفيضان في ذلك الوقت و يتأخر المبيّن إلى وقت تقتضي الحكمة فيضانه فيه، وهذه النفوس العلوية و ما يشبهها يعبر عنها بكتاب المحو و الإثبات، والبداء عبارة عن هذا التغيير في ذلك الكتاب من إثبات ما لم يكن مثبتا و محو ما يثبت فيه.
الرابع: ما ارتضاه المرتضى رحمه اللّه و هو أن المراد بالبداء النسخ نفسه، وادعى أنه ليس بخارج عن معناه اللغوي. و قريب منه ما ذكره الشيخ في العدة إلا أنه صرح بأن إطلاقه على النسخ على ضرب من التوسّع و التجوّز و حمل الأخبار عليه و لا يخلو من بعد إلا أن يرجع إلى المعنى الثاني.
الخامس: ما ذكره الصدوق في التوحيد حيث قال: ليس البداء كما تظنه جهال الناس بأنه بداء ندامة، تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا، و لكن يجب علينا أن نقر للّه عز وجل بأن له البداء و معناه أن له أن يبدأ بشيء من خلقه فيخلقه قبل كل شيء، ثم يعدم ذلك الشيء و يبدأ يخلق غيره، ويأمر بأمر ثم ينهى عن مثله، أو ينهى عن شيء ثم يأمر بمثل ما نهى عنه، و ذلك مثل نسخ الشرائع و تحويل القبلة و عدة المتوفى عنها زوجها، و لا يأمر اللّه عباده بأمر في وقت إلا و هو يعلم أن الصلاح لهم في ذلك الوقت في أن يأمرهم بذلك، و يعلم في وقت آخر الصلاح لهم في أن ينهاهم عن مثل ما أمرهم به، فإذا كان ذلك الوقت أمرهم بما يصلحهم فمن أقر بأن للّه عز و جل أن يفعل ما يشاء و يؤخر ما يشاء و يخلق مكانه ما يشاء و يقدم ما يشاء و يؤخر ما يشاء و يأمر بما يشاء كيف يشاء فقد أقر بالبداء، و ما عظم اللّه بشيء أفضل من الإقرار بأن له الخلق و الأمر و التقديم و التأخير و إثبات ما لم يكن و محو ما كان. و البداء هو رد على اليهود لأنهم قالوا إن اللّه قد فرغ من الأمر، فقلنا إن اللّه كل يوم في شأن يحيي و يميت و يرزق و يفعل ما يشاء، والبداء ليس من بدأ به و إنما هو ظهور أمر تقول العرب بدا لي الشخص في طريقي أي ظهر، قال اللّه تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: 47] .
أي ظهر لهم ، و متى ظهر للّه تعالى ذكره من عبده صلة الرحم زاد في عمره، و متى ظهر له قطيعة رحم نقص من عمره و رزقه، و متى ظهر له التعفف عن الزنا زاد في رزقه و عمره.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|