أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-2-2020
4637
التاريخ: 4-2-2020
330
التاريخ: 6-08-2015
692
التاريخ: 6-2-2020
560
|
قال تعالى : { يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 39]
هذا الأصل - الذي
يعد من المعارف العليا تجاه ما عرف من اليهود ، من سيادة القدر على كل شيء حتى
إرادته سبحانه - يستفاد بوضوح من قوله سبحانه : { يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء
وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَاب }
وهذه الآية هي الأصل في البداء في مقام الثبوت ويكفي في إيضاح دلالتها ،
نقل كلمات المحققين من المفسرين ، حتى يقف القارئ على أن القول بالبداء بالمعنى
الصحيح ، مما أصفقت عليه الأمة .
1 - روى الطبري (
ت 310 ه ) في تفسير الآية عن جمع من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يدعون الله
سبحانه بتغيير المصير وإخراجهم من الشقاء - إن كتب عليهم - إلى السعادة ، مثلا كان
عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول وهو يطوف بالكعبة : اللهم إن كنت كتبتني في
أهل السعادة فأثبتني فيها ، وإن كنت كتبتني على الذنب [ الشقاوة ] فامحني وأثبتني
في أهل السعادة ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب .
وروى نظير هذا
الكلام عن ابن مسعود ، وابن عباس ، وشقيق وأبي وائل ( 1 ) .
روي عن ابن زيد
أنه قال في قوله سبحانه : { يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء } بما ينزل على الأنبياء ،
{وَيُثْبِتُ } ما يشاء مما ينزله إلى الأنبياء وقال : { وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَاب
} لا يغير ولا يبدل " ( 2 ) .
2 - قال الزمخشري
( ت 528 ه ) : { يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء } ينسخ ما يستصوب نسخه ويثبت بدله ما
يرى المصلحة في إثباته أو ينزله غير منسوخ ( 3 ) .
3 - ذكر الطبرسي (
471 - 548 ه ) : لتفسير الآية وجوها متقاربة وقال : " الرابع أنه عام في كل
شيء ، فيمحو من الرزق ويزيد فيه ، ومن الأجل ، ويمحو السعادة والشقاوة ويثبتهما .
(روى ذلك ) عن عمر بن الخطاب ، وابن مسعود ، وأبي وائل ، وقتادة . وأم الكتاب أصل
الكتاب الذي أثبتت فيه الحادثات والكائنات.
وروى أبو قلابة عن
ابن مسعود أنه كان يقول : اللهم إن كنت كتبتني في الأشقياء فامحني من الأشقياء..."
(4) .
4 - قال الرازي (
ت 608 ه ) : إن في هذه الآية قولين : القول الأول : إنها عامة في كل شيء كما
يقتضيه ظاهر اللفظ قالوا : إن الله يمحو من الرزق ويزيد فيه ، وكذا القول في الأجل
والسعادة والشقاوة والإيمان والكفر وهو مذهب عمر وابن مسعود ، والقائلون بهذا
القول كانوا يدعون ويتضرعون إلى الله تعالى في أن يجعلهم سعداء لا أشقياء . وهذا
التأويل رواه جابر عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
والقول الثاني :
إن هذه الآية خاصة في بعض الأشقياء دون البعض . ثم قال : فإن قال قائل : ألستم
تزعمون أن المقادير سابقة قد جف بها القلم وليس الأمر بأنف ، فكيف يستقيم مع هذا
المعنى ، المحو والإثبات ؟ قلنا : ذلك المحو والإثبات أيضا مما جف به القلم ،
فلأنه لا يمحو إلا ما سبق في علمه وقضائه محوه (5) .
5 - قال القرطبي (
ت 671 ه ) - بعد نقل القولين وأن المحو والإثبات هل يعمان جميع الأشياء أو يختصان
ببعضها - : مثل هذا لا يدرك بالرأي والاجتهاد ، وإنما يؤخذ توقيفا ، فإن صح فالقول
به يجب أن يوقف عنده ، وإلا فتكون الآية عامة في جميع الأشياء ، وهو الأظهر - ثم
نقل دعاء عمر بن الخطاب في حال الطواف ودعاء عبد الله بن مسعود ثم قال : روي في
الصحيحين عن أبي هريرة قال : سمعت النبي ( صلى الله عليه وآله ) يقول : " من
سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره ( أجله ) فليصل رحمه" (6).
6 - قال ابن كثير
( ت 774 ه ) بعد نقل قسم من الروايات : ومعنى هذه الروايات أن الأقدار ينسخ الله
ما يشاء منها ويثبت منها ما يشاء ، وقد يستأنس لهذا القول بما رواه الإمام أحمد عن
ثوبان قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : " إن الرجل ليحرم الرزق
بالذنب يصيبه ولا يرد القدر إلا بالدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر " ثم
نقل عن ابن عباس : " الكتاب كتابان ، فكتاب يمحو الله منه ما يشاء ويثبت عنده
ما يشاء ، وعنده أم الكتاب " ( 7 ) .
7 - روى السيوطي (
ت 911 ه ) عن ابن عباس في تفسير الآية : هو الرجل يعمل الزمان بطاعة الله ، ثم
يعود لمعصية الله فيموت على ضلالة ، فهو الذي يمحو ، والذي يثبت : الرجل يعمل
بمعصية الله تعالى وقد سبق له خير حتى يموت وهو في طاعة الله سبحانه وتعالى . ثم
نقل ما نقلناه من الدعاء عن جماعة من الصحابة والتابعين ( 8 ) .
8 - ذكر الآلوسي (
ت 1270 ه ) عند تفسير الآية قسما من
الآثار الواردة حولها وقال : أخرج ابن مردويه وابن عساكر عن علي - كرم الله وجهه -
أنه سأل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن قوله تعالى : { يَمْحُو اللّهُ مَا
يَشَاء . . . } الآية فقال له عليه الصلاة والسلام : " لأقرن عينك بتفسيرها ،
ولأقرن عين أمتي بعدي بتفسيرها : الصدقة على وجهها ، وبر الوالدين واصطناع المعروف
، محول الشقاء سعادة ، ويزيد في العمر ، ويقي مصارع السوء " ثم قال : دفع
الإشكال عن استلزام ذلك ، بتغير علم الله سبحانه، ومن شاء فليراجع ( 9 ) .
9 - قال صديق حسن
خان ( ت 1307 ه ) في تفسير الآية : وظاهر النظم القرآني العموم في كل شيء مما في
الكتاب ، فيمحو ما يشاء محوه من شقاوة أو سعادة أو رزق أو عمر أو خير أو شر ويبدل
هذا بهذا ، ويجعل هذا مكان هذا .
لا يسأل عما يفعل
وهم يسألون . وإلى هذا ذهب عمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عباس وأبو وائل وقتادة
والضحاك وابن جريج وغيرهم . . . ( 10 ) .
10 - قال القاسمي
( ت 1332 ه ) : تمسك جماعة بظاهر قوله تعالى : { يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء
وَيُثْبِتُ } فقالوا : إنها عامة في كل شيء كما - يقتضيه ظاهر اللفظ - قالوا يمحو
الله من الرزق ويزيد فيه ، وكذا القول في الأجل والسعادة والشقاوة والإيمان والكفر
( 11 ) .
11 - قال المراغي
( ت 1371 ه ) في تفسير الآية : وقد أثر عن أئمة السلف أقوال لا تناقض بل هي داخلة
فيما سلف ثم نقل الأقوال بإجمال ( 12 ) .
وهذه الجمل والكلم
الدرية المضيئة عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان والمفسرين ، تعرب عن الرأي العام
بين المسلمين في مجال إمكان تغيير المصير بالأعمال الصالحة والطالحة ، ومنها
الدعاء والسؤال ، وأنه ليس كل تقدير حتميا لا يغير ولا يبدل ، وأن لله سبحانه
لوحين : لوح المحو والإثبات ولوح " أم الكتاب " والذي لا يتطرق التغيير
إليه هو الثاني دون الأول ، وأن القول بسيادة القدر على اختيار الإنسان في مجال
الطاعة والمعصية ، قول بالجبر الباطل بالعقل والضرورة ومحكمات الكتاب . ومن جنح
إليه لزمه القول بلغوية إرسال الرسل وإنزال الكتب {ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ
كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص: 27] .
وكما أنه سبحانه
يداه مبسوطتان ، كذلك العبد مختار في أفعاله لا مسير ، وحر في تصرفاته لا مجبور ، له أن يغير مصيره ومقدره بحسن فعله
وجودة عمله ، ويخرج اسمه من الأشقياء ، ويدخله في السعداء ، كما أن له أن يخرج
اسمه من السعداء ويدخله في الأشقياء بسوء عمله .
فالله سبحانه كما
يمحو ويثبت في التكوين ، فيحيي ويميت ، كذلك يمحو مصير العبد ويغيره حسب ما يغير
العبد بنفسه ( فعله وعمله ) لقوله سبحانه : {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا
بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } [الرعد: 11] ، كل ذلك لأجل أن
يديه مبسوطتان ، وأن العبد حر مختار ، قادر على تغيير القضاء ، وتبديل القدر ،
بحسن فعله أو سوئه ، كما دلت عليه الآيات والروايات .
وليس في ذلك أي
محذور ولا مخالفة للعقل ولا الكتاب والسنة ، بل تغيير القضاء بحسن الفعل وتغيير
القدر بسوئه ، هو أيضا من قدره وقضائه وسننه التي لا تبديل لها ولا تغيير، فالله
سبحانه إذا قدر لعبده شيئا وقضى له بأمر ، فلم يقدره ولم يقض به على وجه القطع
والبت ، بحيث لا يتغير ولا يتبدل ، بل قضى به على وجه خاص ، وهو أن القضاء والقدر
يجري عليه، ما لم يغير العبد حاله ، فإذا غير حاله بحسن فعله أو سوئه ، يتغير
القضاء ويتبدل القدر ، ويخلف قضاء وقدر آخر مكانهما الأول ، وكل هذه أيضا قضاء
وقدر منه ، كما لا يخفى .
وهذا ( البداء في
الثبوت ) أولى من التسمية بالمحو والإثبات ، والتغيير والتبديل في الكون وفي مصير
الإنسان ، غير أن المحو والإثبات في الكون بيد الله سبحانه ، يتصرف فيه حسب
مشيئته، ولا دخل لإرادة الإنسان وفي صلاح فعله وفساده ، وأما التغيير في مصير
الإنسان فيتوقف تعلق المشيئة عليه ، على كيفية حال العبد وكيفية عمله من حسن أو
قبح .
_________________
( 1 ) الطبري : التفسير ( جامع البيان ) 13 : 112 - 114
.
( 2 ) الطبري : التفسير ( جامع البيان ) 13 : 112 - 114
.
( 3 ) الزمخشري ،
الكشاف 2 : 169 .
( 4 ) الطبرسي ، مجمع البيان 6 : 398 .
( 5 ) تفسير الرازي 10 : 64 - 65 .
( 6 ) القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن 5 :
329 .
( 7 ) ابن كثير ، التفسير 2 : 520 .
( 8 ) السيوطي ، الدر المنثور 4 : 660 لاحظ ما نقله في
المقام من المأثورات.
( 9 ) الآلوسي ، روح المعاني 13 : 111 .
( 10 ) صديق حسن خان ، فتح البيان 5 : 171 .
( 11 ) القاسمي ، المحاسن والتأويل 9 : 372 .
( 12 ) المراغي ، التفسير 5 : 155 - 156 .
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|