كان هذا الملأ يجتمع منذ زمن قصي في دار الندوة التي كانت تقع قرب الكعبة من جهة الشمال(1). ولعل الغرض من اقامتها قرب الكعبة هو اسباغ شيء من الحرمة عليها. ولم تكن دار الندوة من الابنية العامة، بل هي ملك خاص لبني عبد الدار، توارثوها حتى صارت لعكرمة بن عامر بن هشام الذي باعها لمعاوية بن أبي سفيان بمائة الف دينار (2). وليس في الكتب اشارة الى سلطة مالكي دار الندوة او الرسوم التي كانوا يتقاضونها.

كانت قريش لا تقضي امرا الا في دار الندوة، فهي اشبه بمجلس الشيوخ، تجري فيها المناقشات والمباحثات في الأمور المهمة، كالاشتراك في الحروب، أو عقد المعاهدات والاتفاقات، او تجهيز القوافل وتنظيمها. ويروى أيضاً ان الفتيات اذا ان بعضهن بلغن ادخلن فيها فشقت جيوبهن(3). ومعنى هذا انه كان يجري فيها ما يشبه عند الاغريق الإقرار بالوصول الى سن المواطنة.

يروي ابن جريج وابن اسحاق انه لم يكن يدخلها من قريش من غير ولد قصي الا ابن اربعين سنة للمشورة. وكان يدخلها ولد قصي كلهن اجمعون، وحلفاؤهم (4). ولا ريب في ان هذا النص قد ينطبق على الاوضاع أيام قصي، وكان عدد أولاده محدودا؛ ولا يمكن ان ينطبق على أيام ظهور الإسلام، اذ اصبح عدد احفاد قصي كبيراً. ويلاحظ ان كتب السيرة روت واحد من اجتماعات دار الندوة، انعقد للنظر في امر المسلمين؛ فروى ابن اسحاق أن الاجتماع حضره، من بني عبد شمس، عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، وابو سفيان بن حرب؛ ومن بني نوفل بن عبد مناف، طعيمة بن عدي وجبير بن مطعم والحرث بن عامر بن نوفل؛ ومن بني عبد الدار، النضر بن الحارث بن كلدة؛ ومن بني اسد بن عبد العزى، أبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود بن المطلب وحكيم بن حزام؛ ومن بني مخزوم، أبو جهل؛ ومن بني سهم، نبيه ومنبه ابنا الحجاج؛ ومن بني جمح، امية بن خلف، أي من كل قبيلة بين الواحد والثلاثة.

ولكن ذلك لم يكن ليراعي بدقة، فقد دخلها حكيم بن حزام وعمره خمسة عشر سنة (5). ودخلها أبو جهل وعمره ثلاثون سنة (6).

لم تكن للملأ سلطات تنفيذية، فكان لابد ان تكون قراراته بالأجماع اذا اريد تنفيذها. ولكن بمقدور الاكثرية اذا اقرت قرارا ان تقاطع معارضيها، او تستخدم الضغط الجماعي ضدهم.

وبجانب هذا، كان لكل قبيلة ناد او مجلس خاص تجري فيه المسامرات والمناقشات. وقد أشار القرآن الكريم الى النوادي في بعض الآيات (فليدع ناديه * سندع الزبانية) (العلق 17-18)؛ (وتأتون في ناديكم المنكر) (العنكبوت 29)؛ ويبدو ان لكل قبيلة رئيس، فكان نبيه ومنبه ابنا الحجاج سيدي بن سهم (7).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)     الازرقي : ج2 ص74.

(2)     ياقوت الحموي: معجم البلدان ج2 ص524، عن ابن الكلبي. ويقول مصعب الزبيري ان حكيم بن حزام اشتراها من هشام ثم باعها لمعاوية (نسب قريش : 254)؛ ابن سعد : ج1 قسم 1 ص45؛ انظر أيضاً ابن الاثير : اسد الغابة ج2 ص41؛ وياقوت : ج2 ص524.

(3)     الطبري: ج2 ص242؛ الاشتقاق: ص97؛ المنمق : 19؛ ابن سعد 1/71.

(4)     الازرقي : ج1 ص61. 

 (5)    الطبري : ج2 ص243. ابن هشام : ج2 ص93.

(6)     (2)     ابن عساكر : تاريخ دمشق ج4 ص419؛ نسب قريش واخبارها، للزبير بن بكار : 356، 371.

(7)     الاشتقاق لابن دريد : ص78.