أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-11-2016
951
التاريخ: 13-11-2016
1362
التاريخ: 13-11-2016
940
التاريخ: 13-11-2016
822
|
اإن تاريخ شبه الجزيرة العربية -إذا استثنينا الجزء الجنوبي منها -هو تاريخ الأحداث التي شهدتها جماعات سياسية صغيرة، قامت واحدة وراء الأخرى على طول حدود الصحراء من ساحل البحر الأحمر، إلى أطراف سورية وفلسطين وأرض الرافدين، ولم تكن هذه الدويلات مستقرة في تركيبها، وكانت قصيرة العمر، فهي في الواقع ليست سوى نتاج فرعي لعملية الاتصال والانتقال بين منطقة البداوة ومنطقة الحضارة المستقرة، فهي لم تكن فقط ملتقى ومحطا لحركات التوسع الموسمية، وإنما كانت في الوقت نفسه ستار حماية تنصبه المناطق المحيطة بالصحراء(1).
وقد شجعت الدول الكبرى التي كانت تسيطر بجوار هذه المناطق على قيام هذه الدويلات، واتخذتها درعا تتقي به من غارات البدو على تخوم حدودها، فكانت أشبه بالدويلات الحاجزة "Buffer State"، ولا ريب أن حب العربي للوفاء جعله يستطيع أن يتعامل مع هذه الأمم الغربية عنه، فكان لقاء "جعل" و"إتاوة" يترك مهنته في الغارة، ويخفر حدود حلفائه من تعدي القبائل الأخرى، وينعم في الوقت ذاته بحياة مستقرة نوعًا، ولكن الفرس والروم لم يكونوا يبقون على ثقتهم الدائمة في عرب الحدود، ولذلك كانوا يقضون أحيانًا على هذه الممالك البدوية أو يهملونها، فكانت تعود إلى حياتها الأولى(2).
ولكن بالإضافة إلى هذا العامل الجغرافي، شاركت قوى اقتصادية في تكوين شبه الجزيرة العربية في العصور القديمة، فقد كان يحد شبه الجزيرة طريقان أساسيان على حافة الصحراء، تنتقل عليها السلع من المحيط الهندي إلى موانئ فلسطين وسورية، فكان أحد هذين الطريقين التجاريين يمتد من اليمن إلى جنوب فلسطين، والثاني يمتد من الخليج العربي، ويدخل وادي الرافدين، ثم ينحرف إلى سورية قاصدا دمشق، فعلى هذين الطريقين قامت دويلات الحدود العربية(3).
ولعل من أهم هذه الدويلات "دولة الأنباط" التي قامت على الأطراف الخارجية لمنطقة فلسطين، في حوالي القرن الخامس قبل الميلاد، متخذة من "البتراء" عاصمة لها، ومكونة حضارة عربية في لغتها، أراميه في كتابتها، سامية في ديانتها، يونانية رومانية في فنها وهندستها المعمارية، وهي لذلك حضارة مركبة، سطحية في مظهر الهليني، ولكنها عربية في أساسها(4).
هذا وقد اختلف المؤرخون في الموطن الأصلي للأنباط، فذهب فريق إلى أنهم من أهل العراق، وأن لغتهم التي تركوها على آثارهم، إنما هي أراميه مختلفة عن لغة ما بين النهرين، وأنهم قد هاجروا من العراق إلى "أدوم"، وذهب فريق آخر إلى أنهم عراقيون أتى بهم "نبوخذ نصر" في القرن السادس قبل الميلاد، عندما اكتسح فلسطين، فأنزلهم "البتراء"(5)، ومجاوراتها، وذهب فريق ثالث إلى أنهم من جبل "شمر" في أواسط بلاد العرب، ثم سرعان ما نزحوا إلى العراق، وأقاموا هناك حتى دهمهم الآشوريون أو الميديون، فأخرجوهم من هناك، وأخيرًا ذهب فريق رابع إلى أنهم من شواطئ الخليج العربي(6)، بينما ذهب فريق خامس إلى أنهم من قبائل بدوية، نزحت في القرن السادس قبل الميلاد "في حوالي عام 587ق. م" إلى شرق الأردن، فنزلت أرض الآدوميين- أحفاد عيسو بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهما السلام(7)- وانتزعت منهم "البتراء" ثم سرعان ما امتدت سلطتهم إلى المناطق المجاورة(8).
ويرى المسعودي أن السريانيين إنما هم من النبط، وأن أهل "نينوى"-وكذا بابل- من السريان والنبط كذلك(9)، ويذهب أستاذنا الدكتور سعد زغلول(10)، إلى أن المسعودي من بين آرائه العبقرية التي كانت مصدر إلهام "ابن خلدون" في "مقدمته"، نظرية تقول: إن النبط وملوكها ترجع في أنسابها إلى "نبيط بن هامش" ومنهم كل العرب البائدة من عاد وثمود وجديس وطسم وعمليق، إلى جانب "عيلام في الأهواز وفارس" و"نبيط في بابل والعراق"، فكأنه ربط بين تاريخ بلاد العرب القديم جميعًا.
غير أن الأمر، إن كان صحيحًا بالنسبة إلى القبائل العربية في بلاد العرب والعراق فقد يحتاج -فيما نظن- إلى إعادة نظر، فيما يختص بعيلام وفارس، وقد سكنتهما شعوب هندو أوربية، وليست عربية على أي حال.
ومهما يكن من أمر، فإن النبط الذين أشار إليهم الإخباريون، إنما هم من بقايا الآراميين في العراق والشام، وهم- وإن كانوا يتكلمون بلهجات ربما كانت عربية، إلا أنها بكنة غربية عن العربية- ربما كانوا غير النبط الذين نتحدث عنهم وقد عاشوا في العربية الحجرية، ولهم كتابات دونت بالآرامية، وأن فريقًا منهم قد عاش في "تدمر"(11).
وأما استعمال الأنباط للغة الآرامية، فلأنها اللغة الشائعة في ذلك العصر، بل إننا نرى الآرامية، منذ حوالي عام 500ق. م، قد أصبحت لغة المراسلات الدولية في منطقة الشرق الأدنى القديم، كما أصبحت اللغة التي يستعملها سكان منطقة الهلال الخصيب -وكذا الأنباط(12)- كما أنها سوف تصبح لغة المسيح وشعبه فيما بعد(13)، فضلا عن أن الحروف العربية لم تكن قد وجدت بعد(14)، ومن ثم فلا عجب إذا ما دون الأنباط أو غيرهم من العرب بالآرامية- لغة الفكر والثقافة- وتكلموا بلغة أخرى هي لغة اللسان، وقد كان الأعاجم في الإسلام يتكلمون بألسنة أعجمية، ويدونون باللسان العربي، لسان العلم والفكر والقرآن الكريم.
__________________
(1) سبتينو موسكاتي: المرجع السابق ص201.
(2) عبد المنعم ماجد: المرجع السابق ص83-84، الاصطخري: مسالك الممالك ص14
(3) موسكاتي: المرجع السابق ص201.
(4) فيليب حتى: المرجع السابق ص426.
(5) هناك "بتراء" أخرى في نجد تقع إلى الغرب من "بريدة" بحوالي 136 كيلا، ومن الرياض 620 كيلا عن طريق بريدة، 580 كيلا عن طريق عنيزة.
(6) جرجي زيدان: المرجع السابق ص81.
(7) انظر عن الأدوميين: كتابنا إسرائيل ص342-344، وكذا عدد 24: 18، يشوع 15: 1، صموئيل أول 8: 14، إسرائيل ولفنسون: تاريخ اللغات السامية ص104-105
وكذاM. Noth, Op. Cit., P.154-155. وكذا A. Lods, Op. Cit., P.58
(8) P.K. Hitti, Op. Cit., P.67
(9) مروج الذهب 1/ 23، 238-242، 2/ 25-26.
(10) سعد زغلول عبد الحميد: في تاريخ العرب قبل الإسلام ص136، وكذا مروج الذهب 2/ 25-26
"دار الأندلس، بيروت 1973".
(11) جواد علي 3/ 13-14".
(12) انظر: J. Cantineau, Le Nabateen, 2vols, Paris, 1930, 1932
(13) انظر: C.C. Torrey, Our Translated Gospehs, N.Y., 1936
(14) فيليب حتى: المرجع السابق ص427.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|