المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6667 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر



سقوط بابل بيد الاخمينيين  
  
3132   02:09 مساءاً   التاريخ: 1-11-2016
المؤلف : كاظم جابر سلمان
الكتاب أو المصدر : التطورات السياسية لبلاد الرافدين القديمة
الجزء والصفحة : ص103-112
القسم : التاريخ / الامبراطوريات والدول القديمة في العراق / بابل /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-10-2016 1543
التاريخ: 31-10-2016 1462
التاريخ: 30-10-2016 2248
التاريخ: 31-10-2016 1193

أحوال العبرانيين السياسية خلال العصر الأخميني ( 539 – 331 ق. م )

 1- دور العبرانيين في سقوط بابل على يد الأخمينيين في عام 539 ق. م:

تعد مسألة سقوط بابل في عام 539 ق. م (1), على يد الأخمينيين واحدة من القضايا التاريخية التي ظلت عالقة وتحمل تحت طياتها ملابسات وألغازا لا يمكن فهمها والاستدلال عليها بدقة إلى يومنا هذا. ويرجح أن سبب ذلك يعود الى المصادر التي تناولت ذلك الحدث فهي قليلة وغير كافية لتعرفنا بحقائق الأمور التي كانت تدور في بابل عند دخول الأخمينيين إليها، وما زاد الطين بله ان قسم من تلك المصادر وعلى وجه الخصوص اليونانية منها كانت تلتزم جانب المبالغة والأسطورة وابتعدت عن ذكر حقيقة ما كان يحدث في بابل آنذاك فيما التزمت المصادر العبرية والفارسية جانب الانجراف وراء مصالحها السياسية والقومية واستخدموا أسلوب الدعاية لتبرير سياساتهم العدوانية ضد بابل وملوكها.

فالتوراة التي كانت تعد المصدر الرئيس عند العبرانيين قد نظرت الى كورش على أنه مسيح الرب المنتظر الذي جاء ليعاقب بابل والكلدانيين لأنهم رحلوهم من أورشليم الى بابل وأن إلههم ( يهوه ) هو الذي دعاه الى غزو بابل(2) .

أما بالنسبة إلى الأخمينيين فأن ملوكهم قد اعتمدوا وروجوا الأساطير الدينية لاستمالة أهواء الشعوب الخاضعة تحت سيطرتهم ليتقبلوا حكمهم الذي صبغوه بصبغة دينية من خلال اعتماد المشاعر الدينية للبلاد الخاضعة ذاتها ومن هنا فقد تجسدت سياسة الملك كورش الأخميني في التلويح بأن السبب الذي دعاه للتوجه صوب بابل واحتلالها هو أن الإله مردوخ اله بابل طلب منه أن يجهز( جيشاً بعدد الماء الموجود في النهر وبصفوف متناسقة حاملين أسلحتهم لكي يجنب بابل الكوارث ويزيح نبونائيد عن الحكم)(3) .

  لقد أدعى الطرفان الأخميني واليهودي أن احتلال بابل من كورش هو أمر مسير من الالهه وليس بدافع التوسع من كورش نفسه وأن تلك الآلهة هي التي دعته الى ذلك بمحض إرادتها وهذا بحد ذاته عمل دعائي كان الغرض منه تحقيق مصلحة سياسية خاصة , فالعبرانيون عندما أدعوا أن إلههم ( يهوه ) هـو الذي دعـا كــورش لاحتلال بابل كانت دعاية مغرضة الهدف منها استمالة كورش وكسب ثقته(4) , حتى يتمكنوا من تحقيق مآربهم التي كانت تهدف الى اذلال الملوك البابليين  الذين أذلوهم وهجروهم من وطنهم , والهدف الآخر حتى يصبح بمقدورهم العودة الى فلسطين وهذا ما حدث فعلاً بعد سنة واحد ة من دخول كورش الى بابل . أما كورش فأنه أدعى أن الإله مر دوخ هو الذي دعاه لاحتلال بابل وليس الآلـه ( يهوه ) حسب ما أدعى اليهود , ولعله كان يجدي من وراء ذلك استمالة وترضية سكان بابل وترضيهم ليكونوا اكثر واقعية لتقبل حكمه(5) , وهذه الدعاية أدت دوراً فعالاً في استتباب الأمور السياسية طيلة فترة حكمه وحكم أبنه الملك قمبيز الثاني الذي تولى العرش من بعده, ومما تقدم نستطيع القول ان أكثر المنتفعين سياسياً من وراء سقوط بابل هما الأخمينيون والعبرانيون وبما أن الأخمينيين كانوا هم أصحاب القرار لذا كان لزماً على العبرانيين أن يتوددوا لهم عن طريق تقديم العون والمساعدة من داخل بابل , وهذا يفسر ما ذهب إليه قسم من الباحثين ومن جملتهم الباحث Dubnov إلى أن كورش لم يواجه مقاومة من البابليين عند دخوله المدينة , كونه قد حصل على مساعدة قسم من سكان بابل له ,الذين ثاروا ضد حاكمـهم نبونـائيد ورحبوا بالفرس القادمين بقيادة كوبا رو(6), ويبـدو ان هـؤلاء قد اعتـمدوا في رأيهم هذا على  ما أشار اليه كـورش في أحـد نصـوصه التي جـاءت مدونـة عـلى أسطوانتـه والتـي عرفـت لـدى الباحـثين باسم ( أسطـوانة كــورش )(7) حيث ذكر :

" .... قواتـي اخترقت بابـــــل سلمـياً ولـــم أسمـح لأحـد أن يـثــير الفزع ( في أي مكان ) من ( بلاد سومر ) وأكد" (8) و هذا ما يشير الى أن كورش قد حصل على مساعدة كبيرة من بعض الجماعات التي كانت تسكن بابل ولا شك في أن يكون اليهود هم المعنيين بهذا الأمر بسبب الضغينة التي كانوا يكنونها للملوك البابليين لأنهم رحلوهم من أورشليم الى بابل .

اما ما ذكره هيرودوتس حول هذا الموضوع فيبدو انه كان مختلفا عما جاء في نص كورش اذ اشار الى أن البابليين قد دافعوا بشراسة وقوة عن عاصمتهم وبعد مناوشات تمهيدية بين الطرفين ارتد البابليون مع ملكهم نبونائيد  الى داخل أسوار المدينة أملين ومتصورين أن الأعداء لن يستطيعوا النيل منها لحصانة أسوارها التي ضرب بها المثل البابلي آنذاك " أن الفرس قادرون على احتلال بابل عندما يلد البغل(9) " وبعد ذلك قام الجيش الأخميني بمحاصرة المدينة لفترة من الزمن ولكن دون جدوى فقد أستطاع الملك الفارسي كورش أخيراً من إيجاد وسيلة لدخولها وذلك من خلال قيامه بوضع خطة ذكية تمثلت بتصريف مياه نهر الفرات المار من داخل المدينة حيث أمر كورش بأغلاق هذا النهر وتغيير مجراه لفترة من الزمن (10), وعندما كان البابليون منشغلين  باحتفالاتهم السنوية استطاع الجيش الأخميني من التسلل عبر النهر الذي أصبح مهجورا بسبب تغيير سريان مياهه بصورة مفتعلة وعن طريق أحد الأبواب التي تركت مفتوحة استطاعت القوات الغازية دخول المدينة في يوم (16) تشرين الأول من عام (539 ق.م) وأحكمت سيطرتها عليها (11).

أن ما أشار اليه هيرودوتس حول سقوط مدينة بابل يثير التساؤل حول بعض الأمور الجوهرية ومنها مسألة قيام البابليين باحتفالاتهم السنوية في الوقت الذي كانت فيه مدينتهم مهددة من الأخمينيين وإذا أنعمنا النظر في هذه المسألة نجد أن هذا الكلام يكاد يكون غير منطقي الا في حالة واحدة وهي أن البابليين كانوا واثقين من تحصينات مدينتهم الى الحد الذي يسمح لهم بالقيام بتلك الاحتفالات من  دون الاكتراث بخطورة تواجد القوات الغازية على أعتاب أبواب مدينتهم .

أما مسألة وجود أحد أبواب المدينة مفتوحاً في ظرف كان فيه البابليون على درجة كبيرة من الأهبة والحذر لمقاومة الغزو الأخميني, فأنه يعطي مؤشرا الى أن هناك من قام بتقديم المساعدة للفرس من داخل المدينة ومهد لهم الطريق لدخولها ولا يستبعد أن يكون اليهود المتواجدون داخل المدينة هم الذين قاموا بهذا العمل لأن ما من جماعة كانت تسكن بابل خلال هذه الحقبة الزمنية ترتبط مصالحها بسقوط بابل أكثر من اليهود المتواجدين داخل المدينة.

ومن بين الأمور الأخرى التي ذكرها هيرودتس مسألة تغير مجرى نهر الفرات فهي ليست المرة الأولى التي يذكر فيها تغير مجرى هذا النهر فسبق ورود اشارة الى قيام الملكة الآشورية ( بتكريس ) بهذا العمل عن طريق حفر القنوات الجانبية(12). وأن ما قام به كورش هو تقليد لما قامت به هذه الملكة وعليه فأن ما ذكره المؤرخ اليوناني حول مسألة سقوط بابل يشير الى أن هنالك من قدم العون للأخمينيين من داخل المدينة والا لما استطاع هؤلاء دخولها بهذه السهولة لحصانة أسوارها ومقدرتها على مقاومة الحصار للتحسبات التي وضعها البابليون من خلال خزن المواد في المخازن وقيامهم بشراء الحبوب اللازم توافرها لأفشال ذلك الحصار(13) .

يتفق معظم الباحثين على أن القوات الأخمينية احتلت سبار في يوم ( 14 تشرين الأول ) وبعد يومين من هذا التاريخ أي في يوم (16 تشرين الأول) دخلت تلك القوات مدينة بابل(14) وهذا بدوره يعطي شكاً حول وجود خيوط للخيانة داخل المدينة, فمن غير المعقول أن يقطع الجيش الأخميني ومهما كانت كثافته العددية المسافة بين سبار وبابل والبالغة حوالي 90 كم(15) , ويحتل مدينة محصنة تحصيناً متقناً خلال مده يومين فقط اذ أن عملا كهذا وفي ذلك الوقت يعد أمراً ليس بالسهل على الاطلاق هذا إذا ما اخذنا بنظر الاعتبار تحويل مجرى نهر الفرات الذي يحتاج إلى جهد ووقت كبيرين  وعليه فأن مما لا شك فيه أن ذلك الجيش قد حصل على دعم من عناصر محلية خائنة داخل المدينة(16) .

ان ما ذكرناه أنفاً لا يمكن أن يكون مقنعاً الا في حالة واحدة فقط وهي لو أننا افترضنا أن المعركة  التي حدثت بين الطرفين في مدينة اوبس والتي قتل فيها قائد الجيش البابلي ( بلشاصر) (17), كانت معركة فاصلة أبيد فيها الجيش البابلي وأنظم من تبقى منه الى الجيش الغازي بحيث أن المدينة باتت فارغة ولم يبق فيها سوى الملك المنسحب من أرض المعركة(18) ومعه نفر قليل من الجند الذين وجدوا ان لا جدوى من مقاومتهم للأخمينيين الذين أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من دخول بابل ، وهذا بدوره قد أعطى دافعاً لمن كانوا يسكنون بابل وممن كانت مصالحهم تتفق مع دخول كورش اليها فبادر هؤلاء الى فتح الأبواب الى جيش كورش ليدخلها فدخلها بترحيب من تلك المجموعة من سكان المدينة .                       

أن سقوط بابل بهذه السهولة كان أمراً مفاجئاً حتى بالنسبة للفرس أنفسهم ويبدو أنهم كانوا يتوقعون أن المدينة ستقاوم فترة طويلة من الزمن نتيجة لامتلاكها حصونا وأسوارا قوية لا يمكن لأقوى الجيوش آنذاك أن تتسلل من خلالها بسهولة , ولعل خير ما يدل على ذلك هو تأخر دخول كورش لها حيث دخلها بعد سبعة عشر يوماً من سقوطها على يد قائد جيشه كوبارو(19). ومع ذلك فأننا لم نحصل على أي نص يشير الى أن اليهود قد شاركوا كورش أو قدموا له العون أثناء احتلاله بابل, الا أن سير الأحداث التاريخية المصاحبة لهذه الفترة كانت تلمح الى أن هناك رتلا خامسا كان يعمل بحزم وبتخطيط من أجل إسقاط الحكم البابلي(20) الذي أصبح عاجزا عن المقاومة ولا يستبعد أن يكون جل هؤلاء من عناصر الجالية اليهودية التي كانت تقطن المدينة آنذاك حيث أن حقيقة الواقع الاجتماعي في مدينة بابل تنم عن هذا الاستنتاج الواقعي حيث أن الجالية اليهودية في المدينة ترى نفسها من المغلوب على أمرها وأنها واقعة تحت ظلم واستبداد الملوك البابليين واستبدادهم وعليه فأنها تساند أي قوة ومن أي جهة كانت تميل للأيفاع بالبابليين والتخلص من سيطرتهم فوجدوا في الأخمينيين القوة التي ستنقذهم وتخلصهم من تسلط الملوك البابليين فضلاً عن وعود الأخمينيين لهم بالعودة الى أرض الميعاد ( فلسطين ) وإعادة بناء المعبد ولعل خير دليل على أنهم قدموا العون للأخمينيين هو المرسوم الذي خصهم به الملك كورش بعد سنة من دخوله بابل والقاضي بعودتهم الى فلسطين مع تحمله نفقة رحلتهم الى هناك وبناء هيكلهم .

من باب آخر نعرف أن اليهود من الشعوب التي كانت تضع مصالحها فوق كل الاعتبارات والقيم , فعلى الرغم مـن الانجازات التي جناهـا القسم الأكبر منهم فــي  أثناء تواجدهم في بابل والتي دفعت ببعض أنبيائهم بالدعوى الى بابل وملكها بالسلام (21) نجد أن ذلك كان ينم عن مصالحهم السياسية آنذاك وليس حباً ومودةً الى بابل  وعند استقرائهم للأحداث السياسية آنذاك وجدوا أن عزم كورش على إسقاط بابل هو أمر مؤكد لذا اقتضت مصلحتهم أن يتخلوا عن الملك البابلي وربطوا مصيرهم بالملك كورش الذي اعتبر المسيح المنتظر الذي جاء ليخلصهم من تسلط الحاكم البابلي وهكذا فقد فعلوا مع الأخمينيين عندما وجدوا أن الإسكندر الكبير كان عازماً على إسقاط الحكم الأخميني في الشرق فدعوا له كما دعوا لكورش من قبل .

بعد دخول كوبا رو بابل قام بعزل نبونائيد فوراً عن العرش(22) , وبعد فترة قصيرة من هذه الأحداث وصل كورش الى بابل وأعتبرها واحدة من مراكزه الملكية (23), وأطلق على نفسه لقب ملك بابل وسومر وملك الجهات الأربع على غرار ما كان يفعله الملوك العراقيون(24) , اذ ورد في أحد نصوصه " أنا كورش , ملك العالم , الملك العظيم الملك القوي ملك بابل , ملك سومر وأكد . ملك الجهات الأربع (25) " كما أدعى أنه أستقبل استقبالا حافلاً من سكان مدينة بابل عند دخوله المدينة . " عندما دخلت بابل كصديق ( و ) أقمت وسط تهليل وفرح مقر الحكم في القصر الحاكم "(26) .

ان هذا الاستقبال الذي تلقاه كورش من الجماهير الموجودة داخل مدينة بابل في أثناء دخولها حسب زعمه ربما يكون نتيجة لتعاون كوبا رو وجيشه مع بعض العناصر الموجودة داخل المدينة والتي كانت تنتظر وقوع مثل هذا الحدث ولا نستبعد أن يكون جل هؤلاء من اليهود الذين كانوا تواقين لسماع أخبار سقوط بابل عدوتهم الأولى .

وبعد فترة قصيرة من دخوله مدينة بابل قام كورش بمجموعة من الاجراءات السياسية والعمرانية كان الغرض منها استمالة قلوب الشعب البابلي الموجود داخل المدينة خلال هذه الحقبة الزمنية من تاريخ بابل فأعاد بناء واصلاح الأبنية التي دمرت وقام برفع اعمال السخرة عن كاهل الشعب و التي سبق أن فرضها الملوك البابليون عليهم وسمح للكهنة والمستوطنين في بابل في العودة الى العبادات الدينية التي كانت سائدة قبل اعتلاء نبونائيد العرش البابلي(27), إذ جاء في أحد النصوص المدونة على ( أسطوانة كورش ) " سكان بابل ( الذين ) بعكس إرادة الألـه ( نير ) الا ليق بهم جعلتهم يرتاحون من عنائهم ورفعت ( عنهم ) السخرة "(28) ومن أجل أن يجعل البابليين يقبلون باحتلاله لهم ويقبلوه خليفة شرعيا لنبونائيد قام الملك الأخميني كورش بأخذ يد الأله مردوخ في احتفالات عيد رأس السنة الجديدة معلناً بأنه خادم له (29), بعد ذلك بادر الى مكافئة العناصر التي ساندته في احتلال المدينة حيث عين كوبا رو الحاكم البابلي الخائن حاكماً على بابل وجعله نائباً له في حالة غيابه عن المدينة ومع ذلك فأن سياسة الترضية هذه لم تدم طويلاً فبعد مضي أشهر قلائل نجد أن كوبا رو قد أزيح عن الحكم ليحل محله قمبيز أبن الملك كورش ملكاً على بابل(30) .

أما المكافأة الثانية التي قدمها كورش فكانت من نصيب اليهود عرفاناً بالجميل والخدمة التي قدموها له في أثناء حربه ضد نبونائيد اذ كان لهم الفضل الكبير في احتلال بابل خلال مده زمنية قصيرة جداً ونتيجة لذلك فقد كافأهم بأن سمح لهم بالعودة الى فلسطين وأعطاهم الحق في أعادة بناء الهيكل مرة أخرى (31), وقام بتنصيب دانيال الشخصية اليهودية المعروفة وزيرا في بلاطه الملكي (32) , ومن المحتمل أن يكون ذلك ضمن شروط خاصة أتفق عليها الطرفان قبل احتلاله بابل .

ان معلوماتنا عن سقوط بابل مستقاة من ثلاث مصادر رئيسة هي الكتابات الفارسية المتمثلة بأسطوانة كورش والتي أشرنا اليها سابقاً والكتابات الاغريقية التي ألتزمت جانب المبالغة والكتابات العبرانية التي اتصفت بكونها متناقضة ومتذبذبة وغير دقيقة ففي بعض الأحيان نجدها تنصح اليهود بعدم الخيانة وتدعوهم الى الوقوف بجانب البابليين فقد ورد في نص من التوراة " أطلبوا سلام المدينة التي سبتكم اليها وصلوا لأجلها الى الرب(33) "، وحذرتهم من الانخراط تحت تأثير الدعاية الفارسية التي تدعوهم الى الخيانة حيث جاء في أحد النصوص " فلا تسمعوا أنتم لأنبيائكم وعرافيكم وحاكميكم وعاقليكم وسحرتكم قائلين لا تخدموا ملك بابل"(34)  ومن جهة أخرى نجد هناك نصوصا كانت تتشفى بسقوط بابل وتهلل فرحاً لأجل ذلك اذ جاء في أحد هذه النصوص " أخبروا في الشعوب وأسمعوا وارفعوا راية , أسمعوا لا تخافوا قولوا أخذت بابل أنسحق مردوخ خربت أوثانها انسحقت أصنامها , لأنه قد طلعت عليه أمة من الشمال هي التي تجعل أرضها مخربة فلا يكون فيها ساكن من انسان الى حيوان هربوا وذهبوا بعيداً "(35)  ولعل هذا التناقض في الكتابات اليهودية ناتج من تعدد مصالحهم واتجاهاتهم السياسية والمذهبية.

كان من بين أهم الاجراءات السياسية التي قام بها كورش بعد دخوله بابل عام 539 ق . م هي أنه عكس السياسة الدينية التي انتهجها نبونائيد من قبل والتي كان من نتائجها أن ملئت بابل بالتماثيل والعبادات المختلفة وأعداد كبيرة من الكهنة والأسرى , وتماشياً مع سياسته التي كانت تهدف الى ترضية سكان مدينة بابل فقد سمح لجميع المبعدين من أوطانهم وديارهم بالعودة اليها (36), اذ جاء في أحد النصوص العائدة الى الملك كورش " الآلهة المقيمة هناك أعادتها الى مساكنها والهة سومر وأكد التي جلبها نبونائيد لإغضاب سيد الآلهة , بناء على مردوخ السيد العظيم جعلتها تتخذ في معابدها المكان الذي يفرح قبلها  أنا كذلك جمعت كل العبادات في المساكن وقد قمت بإعادتهم الى مساكنهم "(37) .

استنادا لهذه السياسة الصريحة الواضحة أصدر كورش أوامره بعودة اليهود من بابل الى فلسطين مع السماح لهم بإعادة بناء معبدهم وأمر بإعادة الآنية المقدسة التي جلبها نبوخذ نصر ووضعها في معابد بابل(38) , والبالغ عددها حوالي 5400 قطعة (39).

كان من بين الأحتمالات القائمة أن الميل الكبير الذي أظهره كورش نحو يهود بابل كان نتيجة ثلاثة عوامل مهمة أولها رغبة الملك لمجازات اليهود على ما قدموه له من خدمات خلال حملته العسكرية ضد بابل, والثاني الإقرار الملفت للنظر ما بين الديانة اليهودية والمعتقدات الفارسية(40) , أما الاحتمال الثالث فكان يتمثل برغبة كورش بتأمين الجزء الأساسي القريب من تخوم مصر(41) , وعلى الرغم من أن الحظ لم يحالف كورش في تحقيق هدفه في احتلال مصر بعد أن أحتل بابل الا أنه استطاع أن يهيئ كل المقومات المطلوبة لتحقيق هذا الأمر وفي مقدمتها أنه هيأ له حلفاء أوفياء قرب وادي النيل وهذا بدوره ساعد خليفته قمييز بالاضطلاع بهذا الدور في عام 525 ق . م(42) .

كان الجيش الفارسي مضطراً للعبور من فلسطين للهجوم على  مصر  وكان عليه أن يتوقف في فلسطين وبالتحديد في أورشليم قبل قيامه بذلك الهجوم ومن هنا كان على كورش تكوين قاعدة عسكرية محكمة في هذه  المنطقة أو على الأقل أن يجعل منها منطقة محايدة وربما يكون هذا هو السبب وراء سماح كورش بعودة اليهود الى فلسطين (43) .

ويرد احد الباحثين سبب تسامح الفرس مع اليهود على انه يعود الى أسباب دينية بحته حيث علل ذلك على اساس عطف كورش عليهم باعتبار معتقدهم مشابه لمعتقده(44) ،ويرى آخر عكس ذلك اذ أشار إلى أن الصلة كانت مقطوعة نهائياً بين اليهودية والزرادشتيه(45) , ديانة الفرس فكلا الطرفين كان في طريق مخالفة فكهنة الزرادشتيه كانوا يرون أن اليهود لا يمثلون خطراً دينياً بالنســبة لهم فالديـانة اليـهودية عنصـرية لبـني إسرائيل فقط , وليست تبشيريه كالمسيحية ولم يسع اليهود لكي يهودو الفرس وهم العنصر الأقوى(46) ,وهذا ما يسقط ذلك الشعار الزائف الذي دعى به يهود بابل كورش المسيح المنتظر.

 في حين ذهب بعض الباحثين إلى إعطاء تعليل مختلف تماماً عما ورد حول الأسباب التي كانت تقف وراء أصدار كورش لمرسومه الخاص بعودة اليهود الى فلسطين اذ ذكروا أن ذلك تم بطريقة مخطط لها من ( زور بابل ) الذي ذكر على أنه حفيد الملك يهوياكين ملك يهوذا والذي نقل الى بابل مع مجموعة من اليهود الذين أسرهم نبوخذ نصر عام 597 ق ، م . حيث عمد الى دفع أخته بالزواج من الملك كورش والتي أستطاعت بعد ذلك اقناع الملك الفارسي على اصدار هذا المرسوم(47) , وخلاصة القول أن أتفاق الفرس واليهود على أسقاط بابل كان ليس لصلة عرقية أو دينية أنما هو ألتقاء مصالح ضد عدو مشترك .

  أن المعلومات التي بين أيدينا والتي تخص هذه الأحداث غير دقيقة ولا تفي بالغرض العلمي المطلوب لأن ما جاء في سفر عزرا والذي يخص الأعلان الذي أصدره كورش يثير الحيرة كون ذلك الأعلان جاء مكررا في نصين مختلفين من حيث الصيغة والمضمون ويرى بعض الباحثين أن النص الذي جاء في سفر عزرا ( 5 : 13 – 15 ) هو تلخيص محرف للنص الوارد في سفر عزرا ( 6 : 3 – 5 ) والمحفوظ في ميديا المكان الذي كانت تحفظ فيه الوثائق الرسمية للدولة الفارسية والتي جاءت غالبيتها مدونة بالخط الأرامي واللغة الفارسية(48) .

__________

(1) حول سقوط بابل ينظر: فص1, ص18-20 من الرسالة

(2) سفر أرميا 50: 6– 10.

(3) Fingan . J., op. cit., p. 229. Saggs. H. W. Mesopotamien.

 لوساني: المصدر السابق ,ص17        p . 228 – 229.

(4)  بدايتي , بادي : كورش كبير , أنشارات وأنشكاه طهران 354 , طهران 1335, ص 206 – 207 .

- Schneider . W. Babylon... 78 – 79.

(5) المصدر نفسه, ص 208.

(6) History the jews,Vol,1  .p. 332 – 333.             

(7)  أكتشفت هذه الأسطوانة في عام 1889 م من الباحث الأتاري هرمز رسام وهي موجودة الأن في المتحف البريطاني وتتكون من ستة أجزاء الجزء الأول يمثل الأسطر من ( 1 – 9 ) ويتضمن مقدمة تاريخية كذلك يتضمن شرح دور الأله مردوخ وتحقيق الأمور الكبيرة لبابل على افتراض أن كورش سوف يسيطر على بابل . أما الجزء الثاني فأنه يشمل الأسطر من ( 20 – 22 ) ويتضمن البروتوكول الملكي وسلالة علم الأنساب أما الجزء الثالث ويشمل الأسطر من ( 22 – 34 ) وقد أشار هذا الجزء الى أصلاحات كورش . أما الجزء الرابع قد تضمن الأسطر من ( 34 – 35 ) وهي تشير الى الصلات التي يخاطب بها كورش مردوخ لنفسه وولايته . أما الجزء الخامس فقد أشتمل على الأسطر ( 38 – 45 )  وهو يشير الى النشاطات البنائية لكورش في بابل للمزيد من المعلومات ينظر:

- Wieschofer . J. Ancient Persia. New York 1999. p. 44 – 45.

- John son . P. civilization of the Holy Land. London 1979 p. 75. ANET pp. 313.

  (8) Saggs H . W. Mesopotamien .p. 229. Wieschofer. J .op cit p. 44. Kuhrt. Op cit p. 607

(9) الشيخلي: المصدر السابق , ص 335 .

(10) لوساني : المصدر السابق , ص 16 . – Sykes . p., op. cit., p .151.                                             

(11) Welter . J. H. Ancient Babylonia . New York 1913 p. 132. , Sykes. p., op. cit., p .152.                                             

 ((  ملرش : أي ,ال :قصة الحضارة في سومر وبابل, ترجمة : عطا بكري  ,بغداد  ,1971 , ص91 .

(12) Lioyds . S. Twin River. Oxford. 1961. p. 77.

(13)  الأحمد , سامي سعيد : سلالة بابل الحديثة , ص 176 .

(14)   غزاله , هديب : الدولة البابلية الحديثة . ص 164 .

- الأحمد , سامي سعيد : سلالة بابل الحديثة . ص 176 .

(15)  الأحمد , سامي سعيد : " الصراع خلال الألف الأول 933 – 331 ق . م "  في الصراع العراق الفارسي . بغداد . 1983 . ص 80 – 81 .

(16)  ينظر , فص 1 . ص19 من الرسالة .

(17) Cray . In (CAH) op cit. p. 12. Lioyd. S . Op cit p.  79.

(18) Walter . J., op. cit., p. 137. Olmstead. History of Persia (1959) p. 51

(19) الجاف , حسن: الوجيز في تاريخ إيران , ج1,بغداد 2003 , ص 41 .

(20) سفر أرميا 29:8 -9.

(21)  أختلفت الأراء حول مصير الملك نبونائيد بعد دخول الأخمينيين الى بابل حيث أشارت بعض المصادر الى أنه أسر وقتل في بابل فيما أشارت مصادر أخرى الى أنه نفي في مقاطعة كلمان ينظر. الأحمد, سامي سعيد : الصراع.. , ص 82 , فيما يرى اخر أن كورش عينه حاكماً على تلك المقاطعة ينظر  : باقر , طه : المقدمة,ج1 , ص 557 .

(22) .Dobnov. S. op cit p. 333- 334    

(23)  إبراهيم , جابر خليل: " منطقة الموصل في فترة الاحتلال الأجنبي : الأخميني والسلوقي والفرثي " موسوعة الموصل الحضارية, الموصل 1991 , ص 129 .

(24). J. op cit p. 45. ANET . pp. 313 – 316 Wieschofer

(25) Ibid p. 45. BURN. A. R. "Persia and the Greeks" London. 1962. P .59.

(26)Macqueen .C.Babylon.London.1969.P213.

(27) Burn . A. R., op. cit., p. 132 - Trever. A. A op cit p. 113 – 114...

(28) Chirshman ., op. cit., p.132

(29) Gray , in ( CAH) ., op. cit., p. 14. Smith, op. cit., p. 118.

(30) حتي , فيليب . تاريخ سوريا وفلسطين ولبنان, ص 242. بفن, مصدر سابق ص                61, الجاف, مصدر سابق, ص 41. – Johnson . Op cit p. 74.

(31) غزاله , هديب : الدولة البابلية الحديثة ,  ص65.                                                                

(32) سفر أرميا 29:7.

(33) سفر أرميا 29: 7 – 9.

(34)  السفر نفس 50 : 1 – 3 .

(35) Trever . A. A., op. cit., p. 113.

- Kuhrt . A., op. cit., p. 660.

(36) Wieschofer. J., op. cit. p. 45. ANET. p. 369.

(37) Schneider . W. "Babylon is everywhere" London 1963 p. 78 – 79. Sykes, op. cit., p. 153.

- فاضل , عبد الأله ": أهم الشخصيات ودورها في تاريخ العراق " في كتاب العراق قديمه وحديثه , بغداد 1998 , ص 140 , الهاشمي , رضا جواد , الأحمد , سامي سعيد : الشرق القديم, ص 100 .

(38) بدايتي: المصدر السابق, ص 213.

(39) بورتر : المصدر السابق , ص 89 – 90 .

 (40) Wieschofer . J. op cit p. 45 – 46. Trever. Op cit pp. 114. Kuhrt. Op cit p. 665 – 666.

- لم يستطع الأخمينيون أن يعتمدوا على حليف لا يؤمن جانبه مثل فينيقيا اذ ا استطاعوا أن يركنوا الى حليف أخر أقل شأناً في فلسطين وهم اليهود وقد تودد لهم كورش وأطمعهم في أن يسمح لهم بإعادة بناء أورشليم وهو أمر التمسوا من عون فينيقيا في إتمامه عن طريق تزويدهم بالأخشاب الا أن فينيقيا رفضت ذلك . للمزيد من المعلومات ينظر: إبراهيم , نجيب ميخائيل : ج3 , المصدر السابق , ص 111 .

(41) بدايتي : المصدر السابق , ص 214 – 215  , بورتر : , المصدر السابق , ص157 .

- Ackroyd . P. Two old Testament Historical problems of the Early Persian period. In JENS vol 17 Number 1. 1958. p. 14 – 15.

(42) ينظر: فص 1, ص       

(43) بورتر : , المصدر السابق , ص 157  .

(44)  الزرادشتيه : وهي ديانة فارسية كانت تتخذ لها الهين أحدهما يمثل النور والخير والأخر يمثل الظلام والباطل والشر وهذا الأخير يشبه الشيطان ويسمى " أهيرمان " والأول كان يسمى " أهوار أزاد " حول هذا الموضوع ينظر : باقر , طه : المقدمة , ج2 , ص 516 – 518 .

(45) عبد العليم: المصدر السابق, ص 173.

(46)  الموسوي , جواد مطر: مصدر سابق , ص 3, العبيدي ,محسن حمزة: التحالف الفارسي اليهودي عبر العصور التاريخية, مجلة جامعة الموصل , العدد 2 , الموصل1981 ص,46.

(47)  حول موضوع التناقض والأختلاف الكبير حول المعلومات التاريخية التي جاءت في التوراة لا سيما ما جاء في سفر عزرا ينظر :

- Whitly . C. F. "the call and Mission of Isaiah" in JENS vol, 18, 1959.

       .P .38 – 47

 (48) Ackroyd . P. R. Historical problems of the Early Achamenian "period in ORINTALY vol .20, 1984 p. 177.

 




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).