أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-10-2016
1385
التاريخ: 17-12-2020
2357
التاريخ: 30-10-2016
991
التاريخ: 30-10-2016
1649
|
مفهوم الملكية والدولة البابلية:
يشكل قانون (حّمورابي) والاوامر الخطية ، التي كان يصدرها أو تصدر نيابة عنه في قصره في (بابل) اهم مرجع يزودنا بمعلومات قيمة حول تركيب هيكل الدولة البابلية والطريقة التي كانت تسير بها شؤونها العامة .
ولا شك في ان (حّمورابي) لم يصدر قانونه خلال الفترة الاولى من حكمه ، وانما بعد ان مضى اكثر من ثلاثين عاما على توليه السلطة في (بابل) . والدليل على ذلك ما ذكره في مقدمة وخاتمة قانونه من اسماء مدن اقام في ربوعها دعائم السلام ودعّم الحق وارسى في مناطقها قواعد السلام التي لم تكن تخضع جميعها لنفوذه الا خلال الفترة الاخيرة من حكمه . ولكن هذا لا يعني ان الدولة البابلية كانت تسير قبل ذلك بدون قانون وانظمة تحدد مسار امورها وعلاقات افرادها الاجتماعية والاقتصادية . اذ شكلت القوانين التي صدرت قبل عهد (حّمورابي) ومعها العادات والتقاليد (العمورّية) و (الأكادية) ، القواعد الضرورية التي اعتمدها (حّمورابي) في تسيير شؤون دولته قبل ان يصدر قانونه المشهور . بدليل ان مضمون عدد كبير من الفقرات اقتبسه من القوانين السابقة لعصره .
ولكن شريعة الملك البابلي تميزت عما سبقها من القوانين ، انها وضعت بعد ان عاش (حّمورابي) فترات تجارب قاسية في الحكم . ونظرة واحدة على فقرات هذا القانون ترينا بكل وضوح انها تتضمن تنظيما موحدا لكافة العلاقات الاجتماعية التي كانت سائدة في بلاد ما بين النهرين .
وقد تناول القانون موضوع التأكيد على العناية بالزراعة والحدائق وضرورة الاهتمام بالماشية وعلفها وتنظيم الطب البيطري. وفي حالة الادعاء يجب على المدعي احضار الشهود الذين يثبتون اقواله بالوقائع . لذلك ركز على اهميتهم في المحاكمات وخطورة الاتهام بالباطل . وحدد دور القاضي في اصدار الحكم وواجباته ولعقوبات المترتبة على تراجعه عن الحكم الذي يصدره . ونظم القانون ايضا امور التجارة والديون ومشكلة بناء السفن وشؤون الملاحة والرهائن وبناء البيوت وشرائها وايجارها . كما تناول وضع العبيد واحوالهم الاقتصادية وحدد دورهم في المجتمع .
وثبت اركان الاسرة وقوى دعائمها وحدد اوضاع التبني واقتسام الارث بين الوراثة ومركز المرأة الاجتماعي وحقوق الارملة ودور الطبيب واهميته واجره . وحذر من امر خطورة الخيانة بشتى طرقها وانواعها . ونظم امر الخدمة بالجيش واكد على ضرورة تأديتها . وركز ايضا على ضرورة المحافظة على املاك الدولة (= القصر) والاله (= المعبد) والملكية الخاصة وحدد العقوبات المترتبة على السرقة . وثبت ايضا مقدار الاجر اليومي للأجراء الزراعيين وللحرفيين وحدد دور بائع الخمور وساقيها ووضع الخمارات .
وحيث ان الدولة اصبحت تخضع لقانون موحد ، صارت ادارتها مركزية تسير من القصر في (بابل) بدليل تلك الكتب الرسمية ، التي كانت ترسل منه الى مقاطعات الدولة المختلفة ، ويؤمر فيها الحكام بحسم الخلافات بين الناس . وفي هذه الحالة لابد ان يكون قد عاونه مستشارون عديدون اختصوا بإدارة الشؤون الداخلية والخارجية . حيث اختص كل منهم بحل شؤون معينة حددها له الملك بنفسه . وكان للملك نائبه على هذا الصعيد ومقر عمله ايضا في القصر وهو رئيس الكتبة ، ويمكننا ان نشبه منصبه من حيث الشكل والمضمون برئيس الديوان في الانظمة الملكية وبحامل اختام الملك وبمثابة رئيس الوزراء من الناحية العملية في عصرنا الحاضر . وكان يوجه الرسائل باسم الملك وبناء على توجيهاته ، وخاصة خلال تلك الحروب والغزوات التي استهلكت حيزا كبيراً من جهود الملك ووقته .
والى جانب المراسلات الداخلية عرفت الدولة البابلية في عهد حّمورابي المراسلات الديبلوماسية التي جرت بينه وبين ملوك وامراء عصره ، الذين عقد معهم الاحلاف العسكرية .
وتعكس الاوامر الخطية التي كانت تصدر عن قصر (حّمورابي) وخاصة الى (سن – ادّينام) واليه عن مدن (لارسا) و (اور) و (اوروك) و (لاجاش) قوة شخصية الملك ، الذي يسهر على تنفيذ جميع اوامره ، وتذكرنا هذه التركة الوثائقية الهامة بتلك المجموعات الضخمة من الرسائل الرومانية التي وجهها (تراجان) الى (بيلينوس) : وبالرغم ان المدة الزمنية الفاصلة بين عصري الحاكمية العظيمين تزيد على الف وستمائة سنة ، نجد ان رسائلهما الى ولاتهما متشابهة جدا في الاسلوب ، وان نصوص المجموعتين الوثائقيتين الهامتين خالية تماما من الكلمات الجوفاء ، لأنها تتعلق فقط بالموضوع الهام الواجب معالجته . ثم انها كلمات واضحة غير قابلة للتأويل او الاجتهاد . ولذلك كان اسلوبها مقتضبا ويجسد حزم كل من الحاكمين .
كما انها تؤكد على ضرورة الاسراع في اتخاذ القرارات لحل المشاكل افراد شعبه اليومية ، واذا ما كانت اوامره تنفذ بالشكل الذي اراده او امر به ، ام انها كانت تحرف او تهمل (1) .
وقد جمع الملك في يديه السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ، التي عرفتها الدولة البابلية ، ولكن انجاز كل الاعمال المتعلقة بهذه السلطات ، كان يتم بواسطة معاونين له خاضعين لمراقبة البلاط الملكي ، وكان بعض هؤلاء مقيماً في القصر . فبالرغم من ادعاء (حّمورابي) انه وضع قانونه ، فلا شك في ان مجلسا تشريعياً في القصر كان عونا له في جمع القوانين المتعارف عليها وصياغة الجديد منها بما يتلاءم مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية الجديدة خلال عهده .
ولكن الملك كان بمثابة القاضي الاكبر في الدولة اي رئيس مجلس القضاء الاعلى الذي كان يتألف من الـ شيلاك – ناكّو ، وهم الـ رابيانّو ، اي القضاة وكان مقر مجلسهم في القصر . كما كانت توجد مجالس قضائية فرعية في المدن تعاون مجلس القضاء الاعلى في الفصل في الدعوى بين سكان المنطقة المعنية . وكان يحدث ان احد المتخاصمين او جميعهم يذهب الى القصر لعرض قضيته من جديد ، اذا لم يقتنع بالحكم الذي اصدره مجلس القضاء الفرعي وعندها يتدخل مجلس القضاء الاعلى واحيانا الملك بنفسه ، فيبت بالأمر ويعلم حاكم المدينة بمنطوق الحكم ويطلب اليه بصورة خطية ومقتضبة التنفيذ .
واما المعبد فقد انحسرت سلطته القضائية وتقلصت لدرجة اصبح معها دور الكهنة مقتصراً فقط على القيام بدور الشهود عند قسم المتخاصمين او احدهم اليمين امام تمثال الاله الأكبر كعنصر اثبات في قضية الخلاف القائم . ويمكننا ان نعتبر ذلك مثلا حيا للفصل بين السلطتين الزمنية والدينية .
وكان يوجد ايضا الى جانب ذلك كله مراقبون مهمتهم الاشراف على حسن سير أمور الدولة ، وكوّنوا جهازاً أشبه ما يكون بجهاز اشبه ما يكون بجهاز الشرطة في العصر الحاضر ، وعليهم السهر على احترام الناس للقوانين المرعية ، وعدم الاخلال بالأمن والحيلولة دون الحاق الضرر بسلامة بعضهم بعضا .
وكان الملك أيضاً هو القائد العام للجيش ، وكثيرا ما كان يقود الجيش بنفسه في المعارك وخاصة الحاسمة منها ، وكان يعهد الى قادة اشداء لديه قيادة العمليات العسكرية الأخرى .
وقد يبدو لأول وهلة ، ان انجازات (حّمورابي) الداخلية والخارجية ستدفعه للسير في طريق ملوك (اكّاد) في تأليههم لأنفسهم . ولكنه اكتفى بلقب رسول السلام بعث لنشر العدل وارساء دعائم الحق والسلام في البلدان . ولا شك في ان هذه العقيدة تمثل خطوة متقدمة اخرى على طريق البشرية الى الوحدانية .
انتصار الحضارة العمورّية البابلية وشعور (حّمورابي) القومي :
كانوا (العمورّيين) يشكلون الاكثرية الساحقة من سكان بلاد ما بين النهرين ، قبل بداية العصر السومري الجديد (= اور الثالثة) . ويعني ذلك ان جذورهم الحضارية كانت ضاربة في تربة بلاد ما بين النهرين وفي بلاد الشام قبل نشوء الدولة البابلية القديمة بمدة طويلة من الزمن . وكانت هذه الحقيقة من أهم الاسباب التي سهلت على (العمورّيين) تسلم السلطة في مدينتي (بابل) و (ماري) . ومكنت حّمورابي من احراز الانتصارات العسكرية على العيلاميين وما تبقى من امراء المدن السومرية ، وأصبحت اللهجة (العمورّية البابلية) في عصر المملكة البابلية القديمة وبخاصة في عهد (حّمورابي) وخلفائه لغة الدولة الرسمية وأداة المعاملات التجارية الوحيدة . فبعد ان كانت هذه اللهجة مقتصرة على عامة الشعب أخذت أيضاً تحتل مكانها كلغة الطقوس الدينية الى جانب اللغة السومرية الكهنوتية في جميع معابد المملكة . ثم حلّت مكانها نهائيا في كثير من معابد (سومر) و (أكّاد) . ويمكننا تشبيهها باللغة الالمانية التي أصبحت بواسطة الدعوة اللوثرية بديلة عن اللاتينية في الكنائس البروتستانتية في المانيا .
وكان (حّمورابي) فخوراً بـ (لهجته العمورّية) ، لدرجة انه الغى اسماء العلم الأجنبية في اسرته واستعاض عنها بلقب (أبو) أو (شيخ) (2) . ولا شك في ان ذلك كان ردة فعل طبيعية ضد العيلاميين والسومريين والبؤر البشرية الغريبة الاخرى في البلاد .
وانتصرت في عصر المملكة البابلية القديمة أيضاً الديانة (العمورّية) وآلهتها بطقوسها وتعاليمها في صراعها ضد الآلهة السومرية ، وصار مردوك هو الاله القومي لمدينة (بابل) واله عامة الشعب وسيطرت تعاليمه على أفكار شعوب ما بين النهرين خلال الفترات اللاحقة من تاريخ غرب آسية القديم . واثر كهنته على الأوضاع الداخلية في أعظم امبراطوريات الشرق القديم ، وهي الامبراطورية الآشورية.
ونضج الانتاج الفكري في عهد الدولة البابلية . فعلى صعيد الأدب والشعر مثلا الفت الملاحم ووضعت الاشعار وغيرها من النصوص الادبية الاخرى أو ترجمت عن السومرية مثل ملحمة جلجامش وهبوط الربة عشتار الى العالم السفلي التي رفدت أساطير الآلهة الاغريقية بمادة غنية من المواضيع والأفكار .
واهتم البابليون أيضاً بالعلوم الطبيعية كالفلك والطب والصيدلة والحساب والهندسة وأسسوا المدارس لتعليم الأطفال أصول الكتابة وتثقيفهم في الدين والعلوم . وبقيت هذه الحضارة تشكل الطابع المميز لكافة الحقب اللاحقة في تاريخ غرب آسية القديم ، لانها انتشرت في كافة أنحاء النصف الغربي من عالم الشرق القديم وضربت جذورها الروحية والمادية في تربة هذه الأقطار ، بعد أن اعتمدت الحضارة الأكادية أساسا لها . وقد مكنها هذا الشمول من الصمود في وجه جميع الغزوات التي تعرضت اليها المنطقة خاصة على يد الكاشيين والحثيين والحوريين – الميتانيين والعبريين والهكسوس والميديين والفرس وأخيرا أمام المد الاغريقي بقيادة الاسكندر وبعده الهجمة الرومانية . ولقد وجد الاسكندر نفسه ، بالرغم من الأفكار المثالية التي ادعى انها كونت أسباب غزوة للعالم القديم ، اسيرا للحضارة البابلية ومعبد مردوك وعلوم كهنته في مدينة (بابل).
_________________________
1) Neyer, Ed., Geschichte des Altertums, 1. Band, 2. Hälfte, 449.
2) Schmökel, H., Kulturgeschichte des Alten Orient, s. 94-96.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
وفد كلية الزراعة في جامعة كربلاء يشيد بمشروع الحزام الأخضر
|
|
|