أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-04-2015
2441
التاريخ: 3-12-2015
2556
التاريخ: 16-6-2016
6852
التاريخ: 7-11-2014
6354
|
ذكر بعض الكاتبين ان الإعجاز النفسي له أكثر من مظهر منها : الحديث عن النفس الإنسانية ، ومنها تأثير القرآن في النفس الإنسانية ، ومنها تمزيق القرآن لحواجز النفس الإنسانية (1) ، ويقيننا أن لا شيء من هذه المظاهر يطلق عليه أنه إعجاز نفسي .
أما تمزيق القرآن لحواجز غيب النفس – كما ذكر الشيخ الشعراوي – (2) ، فهذا في الحقيقة ليس إعجاز نفسيا ، وإنما يدخل في وجه آخر وهو أخبار القرآن الكريم عن الغيوب ... .
وأما حديث القرآن الكريم عن النفس الإنسانية ، سواء من حيث طبيعتها المزدوجة لأنها مادة وروح ، أم من حيث استعدادها المزدوج كذلك للخير والشر {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 7، 8] ويتفرع عن هذا مكابدته في هذه الحياة ، وإغواء الشيطان له ، وتزيين الشهوات ، فليس هذا كذلك من الإعجاز النفسي في شيء ذلكم لأن هذا حديث عن النفس الإنسانية فيه تصوير وتحذير ، حث على الخير وتنفير من الشر .
إن حديث الأطباء عن جسم الإنسان وما فيه من عجائب ، إنما هو شرح لحقيقة الجسم ، كذلك حديث القرآن الكريم عن النفس هي معلومات يجدها كلا منا في نفسه ، لكن القرآن الكريم يرغب ويرهب ، يبشر وينذر ، يعد ويحذر ، إن ذلك لا يعد إعجازا نفسياً .
بقي مظهر واحد وهو تأثير القرآن في النفس الإنسانية ، وهذا كذلك لا يسميه العلماء إعجازا نفسياً ، بل هو إعجاز روحي كما ستعرفونه إن شاء الله .
وإذا لم يكن الإعجاز النفسي شيئاً من هذا كله ، فما هو الإعجاز النفسي – إذن – كما يراه العلماء ؟
لعل من المفيد هنا أن نذكر أن الدراسات الأدبية الحديثة تتخذ أكثر من وجهة ، ومن هذه الوجهات الوجهة النفسية ، ويعنون بها دراسة النص الأدبي ، دراسة يحللون من خلالها نفسية الكاتب ، أو التي تحدث عنها الكاتب ، وهذه الوجهة مع إيجابياتها ، لكن لها سلبيات كثيرة ، إذ كاد الناس يغفلون فيها كثيراً من العناصر الجمالية في النص الأدبي ، وذلك لطغيان الجانب النفسي ، ولعلكم بدأتم تدركون الآن ما يقصده العلماء من الإعجاز النفسي ، فما هو الإعجاز النفسي في كتاب الله ، بعد أن أشرنا الى الوجهة النفسية في الأدب .
الإعجاز النفسي في آيات القرآن الكريم ، والقرآن كما نعلم جاء لتربية النوع البشري تربية تامة عامة كاملة شاملة ، أقول الإعجاز النفسي هو ما نلمحه في تلك الآيات وهي تتحدث عن أنصاف الناس ومواقفهم ومشاعرهم ، وما يفرحهم وما يحزنهم ، ما نجده من بيان لمكنونات النفس وخفاياها ، ودوافعها في آيات القرآن، الكريم ، قد يكون ذلك في القضية القرآنية ، وقد يكون ذلك في الحديث عن أعداء المسلمين ، وقد يكون ذلك في الدنيا وقد يكون في الآخرة كذلك ، فإنك لتقرآ الآية من القرآن الكريم وإذ بها تصور نفسية أولئك الذين تتحد عنهم صورة واضحة المعالم ، بينة الاتجاه ، لا تهمل جزئية ولا تنسى مشهداً .
وإذا كان العالم اليوم قد تقدم كثيرا في ميدان صور الأشعة ، كما نجد ذلك في الصورة الطبقية وغيرها ، التي تطلعنا على خفاي الجسم في أجهزته المختلفة ، وأجزائه الدقيقة في إننا نجد الآية من القرآن الكريم تطلعانا على مضمرات هذه النفس وخفاياها ، إنك لتقرأ الآية من كتاب الله وتتدبرها ، فلا تغادرها إلا وأنت أمام صورة محكمة دقيقة لهذه النفس ، وتلك – ويعلم الله – خاصية هذا الكتاب الكريم ، ولا نود أن نفصل القول هنا في هذا الوجه حتى لا يتسع الكتاب وقد ذكرناه مفصلا في كتاب إعجاز القرآن المجيد .
وإنما نود هنا أن نتوسع في ذكر الإعجاز الروحي .
فالإعجاز الروحي هو ذلكم التأثير العظيم لهذا القرآن العظيم على النفوس هيبة وحلاوة ، ورغبة ورهبة ، ولا يعرف كتاب في الدنيا كلها له من الاثر على تاليه ومستمعه ، كما لهذا القرآن حتى اولئك الذين لا يدركون معانيه ، ولا يفهمون ألفاظه ، نجدهم يتأثرون بهذا القرآن وصدق الله {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر: 23] وصدق الله {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28] .
ولعل اول من نبه على هذا الوجه في القرآن الكريم الإمام الخطابي يقول :
(قلت في إعجاز القرآن وجها آخر ذهب عنه الناس ، فلا يكاد يعرف إلا الشاذ من آحادهم ، ذلك صنيعه بالقلوب وتأثيره في النفوس ، فإنك لا تسمع كلما غير القرآن منظوما ولا منثورا ، إذا قرع السمع خلص له الى القلب من اللذة والحلاوة في حال ، من الروعة والمهابة في أخرى ما يخلص منه اليه ، تستبشر به النفوس وتنشرح له الصدور ، حتى إذا أخذت حظها منه عادة مرتاعة قد عراها الوجيب وقلق ، وتغشاها الخوف والفرق ، تقشعر منه الجلود ، وتنزعج له القلوب يحول بين النفس وبين مضمراتها وعقائدها الراسخة فيها ، فكم من عدو للرسول (صلى الله عليه واله) من رجال العرب وفتاكها أقبلوا يريدون اغتياله وقتله ، فسمعوا آيات من القرآن ، فلم يلبثوا حين وقعت في مسامعهم أن يتحولوا عن رأيهم الاول ، وأن يركنوا الى مسالمته ، ويدخلوا في دينه ، صارت عداوتهم موالاة ، وكفرهم إيمانا (3) .
وقد علمنا أن الخطابي لم يقتصر على هذا الوجه ، ولكنه ذكره مع وجوه أخرى وأهم هذه الوجوه التي ذكرها الخطابي بلاغة القرآن وبيانه ، وقد مر معنا هذا من قبل .
وإذا كان الخطابي جعل الوجه الأهم في إعجاز القرآن بلاغته وبيانه ، ولم يهمل الإعجاز الروحي ، فلقد رأينا بعض الكاتبين المحدثين جعل هذا الوجه أهم وجوه الإعجاز ولك ما عداه يقصر عنه ، ومن هؤلاء المرحوم محمد فريد وجد يقول :
(حصر المتكلمون في إعجاز القرآن كل عنايتهم في بيان ذلك الإعجاز من جهة بلاغته فكتبوا في ذلك فصولا إضافية الذيول ، وبعضهم خصها بالتأليف ، وإننا وإن كنا نعتقد أن القرآن قد بلغ الغاية من هذه الوجهة ، إلا أننا نرى أنها ليست هي الناحية الوحيدة لإعجازه ، بل ولا هي أكثر نواحي سلطانا على النفس ، فإن للبلاغة على الشعور الإنساني تسلطاً محدوداً لا يتعدى حد الإعجاب بالكلام والإقبال عليه ، ثم يأخذ هذا الإعجاب والأٌقبال عليه ، في الضعف شيئا فشيئا بتكرار سماعه به النفس فلا يعود يحدث فيها ما كان يحدثه في مبدأ توارده عليها .
وليس هذا شأن القرى، فإنه قد ثبت أن تكرار تلاوته تزيده تأثيرا ، ولكنه معجز لتسلطه على النفس والمدارك ، فوجب على الناظر في ذلك أن يبحث عن وجه إعجازه في مجال آخر يكفي لتليل ذلك السلطان البعيد المدى الذي كان ولا يزال للقرآن على عقول الآخذين به .
العلة في نظرنا واضحة لا تحتاج لكثير تأمل وهي أن القرآن روح من أمر الله تعالى {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} [الشورى: 52] فهو يؤثر بهذا الاعتبار تأثير الروح في الأجساد فيحرك ويتسلط على أهوائها ، واما تأثير الكلام في الشعور فلا يتعدى سلطانه حد إطرابها ولحصول على إعجابها ...
إن للقرآن فوق البلاغة والعذوبة والحكمة والبيان (روحانية) يدركها من لاحظ له في فهم الكلام وتقدير الحكمة وإدراك البلاغة ، ألا ترى أن الطفل والعامي كيف يعتريهما تهيب عند تلاوته ولو بغير صوت حسن حتى إنهما لا يكادان يفرقان بين ما هو قرآن وما ليس بقرآن فيما إذا أراد التالي أن يغشهما ؟ .
هذه الروحانية تظهر ظهورا جليا عندا تكون آية من آياته جاءت على سبيل الاستشهاد والاقتباس في صحفة كبيرة ، فإنك ترى تلك الآية تتجلى لك من بين السطور وخلال التراكيب كأنه الشمس في رابعة النهار ومهما كانت درجة تلك الصفحة من البيان ومنزلتها من جمال الأسلوب وجزالة الألفاظ .
هذه الروحانية تظهر للعراف باللغة وللجاهل بها ، أما ظهورها للعرف فبين لا يحتاج لبيان ، وأما ظهورها للجاهل بها من الامم الأعجمية فبتأثيرها ونتيجتها) (4) .
مناقشة هذا الوجه :
نحن لا ننكر تأثير القرآن على النفوس ، فتلك قضية بدهية ، ولكن الذي نناقشه هنا ، أن نعد هذا الوجه وجها منفصلا عن بيان القرآن وبلاغته ، وبديع نظمه ، وإذن فنحن ننكر أن نعد هذا الوجه الأول من وجوه الإعجاز فوق بلاغته وبيانه ، والذي نراه جديرا بالقبول أن هذا الوجه ناشئ عن بلاغة القرآن ، وعلو شأنه و وبديع نظمه ، وترتيب حروفه في كلماته ، وكلماته في جمله ، وجمله في آياته ، وآياته في سوره .
ولنا من واقعنا خير دليل على ما نقول فقد نستمع الى الشعراء فتتأثر بهم ونعجب بما يقولون ، ولكننا نجد لأحدهم في قصيدته أو أبيات منها ما لا نجده لغيره وقد نستمع الى الخطباء فيهز أعطافنا ومشاعرنا أحدهم أكثر من الآخرين وهكذا ونحن نقرأ لكتاب القصة والمقالة .
وحينما نبحث عن سبب ذلك لكه ، فلن نجد سببا مقنعاً ، إلا ما وافق إليه أحدهم من حسن الديباجة ، واختيار الالفاظ ، وجرس الكلمات واقتناص المعاني وترتيب الجمل .
وإذا كان ذلك واضحاً في كلام الناس، فإن كلام الله تبارك وتعالى ، وهو في أعلى طبقات البلاغة حري أن يكون له ذلك الأثر وصدق الله {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود: 1] وصدق الله {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا} [الرعد: 31] (5) .
فالإعجاز الروحي – إذن – إن أردنا أن نعده وجها من وجوه الإعجاز فهو ناشئ عن الصبغة البيانية السامية ، والأسلوب الرفيع ، النظم البديع .
وإذا كان هذا يصدق على الإعجاز الروحي ، فغنه يصدق على الإعجاز النفسي ، إن الإعجاز النفسي ، والإعجاز الروحي كليهما ناشئان عن الصبغة البيانية للقرآن الكريم التي تتمثل في أصوات حروفه وترتيبها في كلماته ونظم هذه الكلمات في جمله .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- البيان في إعجاز القرآن / الخالدي / ص 338 .
2- المعجزة (1/108) .
3- ثلاث رسائل في إعجاز القرآن ، ص70 .
(4) دائرة معارف القرن العشرين (7/675) .
(5 ) انظر البيان القرآني / د . محمد رجب البيومي / ص 247) .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|