أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-03-11
784
التاريخ: 28-9-2016
2408
التاريخ: 2024-03-10
696
التاريخ: 2023-02-12
1472
|
فضل الأصدقاء : الإنسان مدنيّ بالطبع ، لا يستطيع اعتزال الناس والانفراد عنهم ؛ لأنّ اعتزالهم باعثٌ على استشعار الغُربة والوحشة والإحساس بالوَهن والخُذلان إزاء طوارئ الأحداث وملمّات الزمان .
مِن أجل ذلك كان الإنسان توّاقاً إلى اتّخاذ الخلاّن والأصدقاء ، ليكونوا له سنَداً وسلواناً ، يسرون عنه الهموم ويُخفّفون عنه المتاعب ، ويشاطرونه السرّاء والضرّاء .
وقد تضافرت دلائل العقل والنقل على فضل الأصدقاء والترغيب فيهم ، وإليك طرفاً منها :
قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في حديث له : (عليك بإخوان الصدق ، فأكثر من اكتسابهم ، فإنّهم عدّة عند الرخاء ، وجنّة عند البلاء ) (1).
وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( لقد عظُمت منزلة الصديق ، حتّى إنّ أهل النار يستغيثون به ويدعونه قبل القريب الحميم ) .
قال اللّه سُبحانه مخبراً عنهم : {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء : 100، 101]. (2)
وقال بعض الحكماء : ( إنّ إخوان الصدق هُم خيرُ مكاسب الدنيا ، زينةٌ في الرخاء ، وعدّة في الشدّة ، ومعونةٌ على خير المعاش والمعاد ) .
وقيل الحكيم : أيّما أحبّ إليك ، أخوك أمّ صديقك ؟.
فقال : إنّما أحبّ أخي إذا كان صديقاً لي
واقع الصداقة والأصدقاء :
قد يحسِب الناس أنّ الصديق هو مَن يحسن مجاملتهم ويظهر البشاشة والتودّد إليهم ، ويعتبرونه خِلاّ وفيّاً وصديقاً حميماً ، فإذا اختبروا في واقعة ، أسفر عن صديق مزيّف ، وخلٍّ مُخادع عاطلٍ مِن خِلال الصداقة الحقّة وواقعها الأصيل .
ومِن هنا كثُرت شكاوى الأُدباء قديماً وحديثاً مِن تنكّر الأصدقاء وجفائهم وخذلانهم ، رغم ما يكنّونه لهم مِن حبٍّ وإخلاص .
وأغلب الظنّ أنّ سبب تلك المأساة أمران :
الأوّل : الجهل بواقع الصداقة والأصدقاء ، وعدم التمييز بين خصائص وخِلال الواقعيّين مِن المزيّفين منهم .
الثاني : اتّصاف أغلب الأصدقاء بنقاط الضعف الشائعة في الأوساط الاجتماعيّة مِن التلون والخِداع وعدَم الوفاء التي سرعان ما يكشفهما محكّ الاختبار . وقد أوضح أمير المؤمنين ( عليه السلام ) واقع الأصدقاء وأبعاد صداقتهم فيما رواه أبو جعفر الباقر ( عليه السلام ) فقال : ( قام رجلٌ بالبصرة إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرنا عن الإخوان.
فقال ( عليه السلام ) : الإخوان صنفان : إخوان الثقة ، وإخوان المكاشرة .
فأمّا إخوان الثقة : فهُم الكفّ والجناح ، والأهل والمال ، فإذا كنت مِن أخيك على حدِّ الثقة فابذل له مالك ، وبدنك ، وصافِ مَن صافاه وعادِ مَن عاداه ، واكتم سرّه وعيبه ، واظهر منه الحسَن واعلم أيها السائل ، إنّهم أقلّ مِن الكبريت الأحمر .
وأمّا إخوان المكاشرة : فإنّك تصيب لذّتك منهم ، فلا تقطعنّ ذلك منهم ، ولا تطلبنّ ما وراء ذلك مِن ضَمِيرهم ، وابذل لهم ما بذلوا لك مِن طلاقةَ الوجه ، وحلاوةَ اللسان )(3) .
وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( لا تكون الصداقة إلاّ بحدودها ، فمَن كانت فيه هذه الحدود أو شيء منها فانسبه إلى الصداقة ، ومَن لم يكن فيه شيءٌ منها ، فلا تنسبه إلى شيءٍ مِن الصداقة : فأوّلها : أنّ تكون سريرته وعلانيَته لك واحدة ، والثانية : أنْ يرى زَينك زينه وشَينك شينه والثالثة : أنْ لا تغيّره عليك ولايةٌ ولا مال .
والرابعة : أنْ لا يمنعك شيئاً تناله مقدرته .
والخامسة : وهي تجمع هذه الخِصال أنْ لا يسلّمك عند النكَبات )(4) .
وقال بعض الحكماء : المودّات ثلاث : مودّة في اللّه عزَّ وجل لغير رغبةٍ ولا رهبة ، فهي التي لا يشوبها غدرٌ ولا خيانة .
ومودّةٌ مقارنة ومعاشرة ، ومودّة رغبةٍ أو رهبة ، وهي : شرّ المودّات ، وأسرعها انتقاضاً .
وقال مهيار الديلمي :
مـا أنـا مِن صبغة iiأيّامكم ولا الـذي إنْ قـلبوه iiانقلبا
ولا ابن وجهَين ألمّ حاضراً مِـن الـصديق وألوم الغُيّبا
قلبي للإخوان شطّوا أو دنَوا وللهوى ساعف دهر أو iiنبا
مِن عاذري مِن متلاشٍ iiكلّما أذنَـب يوماً وعذَرتُ ii أذنَبا
يضحك في وجهي ملء iiفمه وإنْ أغب وذكِر اسمي ii قطّبا
يـطير لي حمامةً فإنْ iiرأى خصاصةً دبّ ورائي iiعقربا
مـا أكـثر الناس وما ii أقلّهم ومـا أقلّ في القليل iiالنُّجَبا
اختيار الصديق :
للصديق أثرٌ بالغ في حياة صديقه وتكييفه فكريّاً وأخلاقيّاً، لِما طُبِع عليه الإنسان مِن سرعة التأثّر والانفعال بالقُرَناء والأخلاّء ، ما يحفّزه على محاكاتهم والاقتباس مِن طِباعهم ونَزَعاتهم .
مِن أجل ذلك كان التجاوب قويّاً بين الأصدقاء ، وكانت صِفاتهم سريعةَ العدوى والانتقال ، تنشر مفاهيم الخير والصلاح تارة ، ومفاهيم الشرِّ والفساد أُخرى ، تَبَعاً لخصائصهم وطَبائعهم الكريمة أو الذميمة ، وإنْ كانت عدوى الرذائل أسرع انتقالاً وأكثر شيوعاً مِن عدوى الفضائل .
فالصديق الصالح : رائدُ خير ، وداعية هدى ، يهدي إلى الرشد والصلاح .
والصديق الفاسد : رائدُ شرٍّ ، وداعيةُ ضلالٍ ، يقود إلى الغيّ والفساد , وكم انحرف أشخاصٌ كانوا مثاليّين هدياً وسلوكاً ، وضلّوا في متاهات الغواية والفساد ، لتأثّرهم بالقُرَنَاء والأخلاّء المنحرفين .
وهذا ما يحتّم على كلّ عاقل أنْ يتحفّظ في اختيار الأصدقاء ، ويصطفي منهم مَن تحلّى بالخُلق المرضي والسُّمعة الطيّبة والسلوك الحميد .
خِلال الصديق المثالي :
وأهم تلك الخِلال وألزمها فيه هي :
1 - أنْ يكون عاقلاً لبيباً مبرّءاً مِن الحُمق .
فإنْ الأحمق ذميم العشرة مقيت الصحبة ، مجحف بالصديق ، وربّما أراد نفعه فأضره وأساء إليه لسوء تصرّفه وفرّط حماقته ، كما وصفه أمير المؤمنين (عليه السلام ) في حديثٍ له فقال : ( وأمّا الأحمق فإنّه لا يشير عليك بخير ، ولا يُرجى لصرفِ السوء عنك ولو أجهد نفسه وربّما أراد منفعتك فضرّك ، فموته خيرٌ مِن حياته وسكوته خيرٌ من نطقه ، وبعده خيرٌ من قُربه )(5).
2 - إنّ يكون الصديق متحلياً بالإيمان والصلاح وحسن الخلق ، فإن لم يتحلّ بذلك كان تافهاً مُنحرفاً يُوشك أنْ يغوي إخلاّءه بضلاله وانحرافه .
انظر كيف يصوّر القرآن ندم النادمين على مخادنة الغاوين والمضلّلين وأسفَهم ولوعتهم على ذلك : {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا } [الفرقان : 27 - 29] .
وعن الصادق ( عليه السلام ) عن آبائه قال : ( قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : المرء على دين خليله ، فلينظر أحدُكم مَن يُخالِل ) (6) .
وعن أبي جعفر ( عليه السلام ) عن أبيه عن جدّه ( عليه السلام ) قال : ( قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : مجالسةُ الأشرار تُورث سُوء الظنِّ بالأخيار ، ومجالسة الأخيار تلحق الأشرار بالأخيار ، ومجالسة الإبرار للفُجّار تلحق الأبرار بالفُجّار ، فمَن اشتبه عليكم أمرُه ، ولم تعرفوا دينه ، فانظروا إلى خُلطائه ، فإنْ كانوا أهل دين اللّه ، فهو على دين اللّه ، وإنْ كانوا على غيرِ دين اللّه فلا حظّ له مِن دين اللّه ؛ إنّ رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) كان يقول : مَن كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يؤاخين كافراً ، ولا يخالطن فاجراً ، ومَن آخى كافراً ، أو خالَط فاجراً كان كافراً فاجراً )(7) .
وهكذا يحذَر أهل البيت ( عليهم السلام ) عن مخادنة أنماط مِن الرجال اتّسموا بأخلاقٍ ذميمة وسجايا هابطة باعثة على النفرة وسوء الخلّة .
وعن أبي عبد اللّه عن أبيه ( عليهما السلام ) قال : ( قال لي أبي عليّ بن الحسين (عليه السلام ) : يا بني ، انظر خمسة فلا تُصاحبهم ، ولا تحادثهم ، ولا ترافقهم ، فقلت : يا أبه ، مَن هُم ؟ عرّفنيهم .
قال : إيّاك ومصاحبة الكذّاب فإنّه بمنزلة السراب يُقرّب لك البعيد ويُبعّد لك القريب ، وإيّاك ومصاحبة الفاسق فإنّه بايعك بأكلة أو أقلّ مِن ذلك ، وإيّاك مِن مصاحبة البخيل فإنّه يخذلك في ماله أحوَج ما تكون إليه ، وإيّاك ومصاحبة الأحمق فإنّه يُريد أنْ ينفعك فيضرّك ، وإيّاك ومصاحبة القاطع لرحمه فإنّي وجدتّه ملعوناً في كتاب اللّه عزّ وجل في ثلاث مواضع ) (8) .
وقال أبو العتاهية :
اصحب ذو العقل وأهل الدين فالمرءُ منسوبٌ إلى القرين
وقال أبو نؤاس :
ولـقد نهَزت مع الغواة ii بدَلوِهم وأسَمَت سرْح اللهوِ حيثُ أساموا
وبـلغتُ مـا بلَغ امرؤٌ iiبشبابه فـإذا عـصارة كـلّ ذاكَ iiأثام
3 - أنْ يكون بين الصديقين تجاوبٌ عاطفي ورغبةٌ متبادلة في الحبّ والمؤاخاة ، فذلك أثبتُ للمودّة وأوثَق لعُرى الإخاء ، فإنْ تلاشت في أحدهما نوازع الحبّ والخِلّة وهَت علاقة الصداقة وغدا المجفو منها الحريص على توثيقها عرضةً للنقد والازدراء .
قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( زُهدُك في راغبٍ فيك نُقصانُ عقلٍ (حظ) ورغبتُك في زاهدٍ فيك ذلُّ نفس ) .
وقال الشهيد الأوّل رحمه الله :
غـنينا بنا عن كلّ مَن لا ii يُريدنا وإنْ كـثُرت أوصـافه iiونُعوته
ومَن صدّ عنّا حسبُه الصدُّ والقلا ومَـن فـاتنا يـكفيه أنّا ii نفوته
وقال الطغرائي :
جامِل أخاك إذا استربت ii بودّه وانظر به عقب الزمان العائدِ
فـإنْ استمرّ به الفساد ii فخلِّهِ فـالعضوُ يُقطعُ للفسادِ ii الزائدِ
_____________________
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|