أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-11-2014
3553
التاريخ: 5-11-2014
7679
التاريخ: 5-11-2014
4384
التاريخ: 5-11-2014
2548
|
قال قوم : إنّا إذا تَلونا القرآن وتأمّلناه وجدنا معظم كلامه مبنيّاً ومؤلّفاً من ألفاظ قريبة ودارجة في مخاطبات العرب ومستعملة في محاوراتهم ، وحظّ الغريب المشكل منه بالإضافة إلى الكثير من واضحه قليل ، وعدد الفِقَر والغُرَر من ألفاظه بالقياس إلى مباذله ومراسيله عدد يسير ، الأمر الذي لا يشبه شيئاً من كلام البلغاء الأقحاح من خطباء مصاقع وشعراء مفلّقينَ ، كان ملء كلامهم الدرر والغرر والغريب والشارد .
لكن الغرابة على وجهين ـ كما ذكره أبو سليمان حمد بن محمّد الخطابي في كتابه ( معالم السنن ) قال : الغريب من الكلام إنّما هو الغامض البعيد من الفهم ، كما أنّ الغريب من الناس إنّما هو البعيد عن الوطن المنقطع عن الأهل ، والغريب من الكلام يقال به على وجهين :
أحدهما : أن يراد به أنّه بعيد المعنى غامضه لا يتناوله الفهم إلاّ عن بُعد ومعاناة فكر .
والوجه الآخر : أن يراد به كلام مَن بعدت به الدار مِن شواذّ قبائل العرب ، فإذا وقعت إلينا الكلمة من لغاتهم استغربنا (1) .
والغريب في القرآن إنّما هو من النوع الثاني ؛ ومِن ثَمّ لم يخلّ بفصاحته ، والقرآن لم يستعمل إلاّ ما تعارف استعماله عند العرب وتداولوه فيما بينهم ، ولكن في طبقة أعلى وأرفع من حدّ الابتذال العامي ، فلا استعمل الوحشي الغريب ولا العامي السخيف المرتذل (2) ، على حدّ تعبير عبد القاهر الجرجاني في أسرار البلاغة (3) .
قال التفتازاني : والغرابة كون الكلمة وحشية ، غير ظاهرة المعنى ، ولا مأنوسة الاستعمال ، فمنه ما يحتاج في معرفته إلى أن ينقر ويبحث عنه في كتب اللغة المبسوطة ، كتَكَأكَأتم وافرنقعوا في قول عيسى بن عمر النحوي ، هاجت به مِرّةٌ وسقط من حماره فوثب إليه قوم يعصرون إبهامه ويؤذّنون في أُذنه ، فأفلت من أيديهم وقال :
( مالكم تَكَأكَأتم عليَّ كما تَتَكَأكَأون على ذي جِنّة ، افرنقعوا عنّي! ) .
فجعل الناس ينظرون إليه ويقول بعضهم لبعض : دعوه فإنّ شيطانه يتكلّم بالهندية ! (4) .
قال : ومنه ما يحتاج إلى أن يُخرّج له وجه بعيد ، نحو مُسرّج في قول العجّاج :
ومُـقلةً وحـاجباً iiمـزجّجا وفاحماً ومَرسِناً مُسرّجا (5)
لم يُعلم أنّه مأخوذ من السيف السريجي في الدقة والاستواء ، أو من السراج في البريق واللمعان .
قال : والوحشي قسمان ، غريب حسن وغريب قبيح ، فالغريب الحسن هو الذي لا يُعاب استعماله على العرب ؛ لأنّه لم يكن وحشياً عندهم ، وذلك مثل شرنبث واشمخرّ واقمطرّ (6) وهي في النظم أحسن منه في النثر ، ومنه غريب القرآن والحديث .
والغريب القبيح يُعاب استعماله مطلقاً ( حتى على العرب ) ويُسمّى الوحشيّ الغليظ ، وهو أن يكون مع كونه غريب الاستعمال ثقيلاً على السمع كريهاً على الذوق ، ويُسمّى المتوعّر أيضاً ، وذلك مثل جحيش واطلخمّ الأمر وجفخت (7) وأمثال ذلك (8) .
والخلاصة : القرآن كما يترفع عن الاسترسال العامي المرتذل ، كذلك يبتعد عن استعمال غرائب الألفاظ المتوعّرة بمعنى وحشيها غير مأنوسة الاستعمال ولا مألوفة في متعارف أهل اللسان المترفّعين .
قال الخطابي : ليست الغرابة ممّا اشترطت في حدود البلاغة ، وإنّما يكثر وحشيّ الغريب في كلام الأوحاش من الناس والأجلاف من جفاة العرب ، الذين يذهبون مذاهب ( العنهجية ) (9) ولا يعرفون تقطيع الكلام وتنزيله والتخيّر له ، وليس ذلك معدوداً في النوع الأفضل من أنواعه ، وإنّما المختار منه النمط الأقصد الذي جاء به القرآن ، وهو الذي جمع البلاغة والفخامة إلى العذوبة والسهولة .
قال : وقد يُعدّ من ألفاظ الغريب في نعوت الطويل (10) نحو من ستين لفظة أكرها بشع شنع ، كالعشنّق والعشنّط والعنطنط ، والشوقب والشوذب والسلهب ، والقوق والقاف ، والطوط والطاط ... فاصطلح أهل البلاغة على نبذها وترك استعمالها في مرسل الكلام ، واستعملوا الطويل ، وهذا يدلّك على أنّ البلاغة لا تعبأ بالغرابة ولا تعمل بها شيئاً (11) .
وبعد ، فالذي جاء منه في القرآن الشيء الكثير ، هو الغريب العذب والوحش السائغ ، الذي أصبح بفضل استعماله ألوفاً ، وصار من بعد اصطياده خلوباً . دون البعيد الركيك والمتوعّر النفور ، الذي لم يأتِ منه في القرآن شيء ، ممّا جاء في كلام أمثال ذاك النحوي المتكلّف عيسى بن عمر .
والسبب في ازدحام غرائب الألفاظ وعرائس الكلمات في القرآن ؛ هو ارتفاع سبكه عن مستوى العامّة الهابط ، واعتلاء أُسلوبه عن متناول الأجلاف المبتذل .
القرآن اختصّ بإحاطته على عوالي الكلمات الفصحى ، وغوالي العبارات العليا ، لا إعواز في بيانه ولا عجز ولا قصور ، الأمر الذي يُنبئك عن علم شامل بأوضاع اللغة وكرائم الألفاظ ، دليلاً على أنّه من ربّ العالمين المحيط بكلّ شيء ، هذا أوّلاً .
وثانياً : احتواؤه لِما في لغات القبائل من عرائس الغرائب ، كانت معهودةً في أقطار اختصّت بوضعها ، ومعروفة في أمصار توحّدت في استعمالها ؛ ومِن ثَمّ كانت غريبةً في سائر البقاع والبلدان .
وقد استعمل القرآن كلّ هذه اللغات ، فتعارفت القبائل بلغات بعضها من بعض ، وبذلك توحّدت اللغة ، وخلصت من التشتّت والافتراق ، وهذا من فضل القرآن على اللغة العربية .
___________________________
(1) هامش غريب القرآن للطريحي ، المقدمة : هـ .
(2) كقول العامة : ايش ، بمعنى أي شيء . وانفسد بمعنى فسد .
(3) قال الجرجاني : وربما استُسخف اللفظ بأمر يرجع إلى المعنى دون مجرد اللفظ ، كما يُحكى من قول عبيد الله بن زياد لمّا دُهش : ( افتحوا لي سيفي ) ! وذلك أنّ الفتح خلاف الإغلاق ، فحقّه أن يتناول شيئاً هو في حكم المغلق المسدود ، وليس السيف بمسدود ، وأقصى أحواله أن يكون في الغمد بمنزلة الثوب في العِكم ( كالعِدل : نمط تجعل المرأة فيه ذخيرتها ، وبمعنى الجُوالِق ) والدرهم في الكيس والمتاع في الصندوق ، والفتح في هذا الجنس يتعدى أبداً إلى الوعاء المسدود على الشيء الحاوي له ، لا إلى ما فيه ، فلا يقال : افتح الثوب ( أسرار البلاغة : ص 3 ـ 4 ) .
(4) المطوّل طبعة اسلامبول : ص18 ، وراجع الفائق للزمخشري : ج2 ص241 . نسب الجاحظ ذلك إلى أبي علقمة ، حدّث به ذلك في بعض طرقات البصرة .
والمعنى : مالكم اجتمعتم عليّ كما تجتمعون على مجنون ، تفرّقوا عنّي .
(5) المُقلة : حدقة العين ، والمزجّج كمعظّم : المدقّق المرقّق ، والفاحم : الشعر الأسود ، والمَرسن كمجلس : موضع الرسن من أنف الناقة ، شاع استعماله في مطلق أنف الإنسان .
(6) الشرنبث كغضنفر : الغليظ الكفّين والرجلين . واشمخرّ : طال . واقمطرّ : اشتدّ .
(7) والجحيش : المُنعزل عن الناس بمعنى الفريد ، واطلخمّ الأمر :اشتبك واشتبه ، مأخوذ من الطلخوم بمعنى الماء الآجن . وجفخت : تكبّرت .
(8) المطوّل : طبعة اسلامبول ص18 .
(9) العنهج لغة في العمهج بمعنى الإبل الضخم الطويل ، والعنهجية : كناية عن سلوك طرائق وَعِرة بعيدة المدى ، إما تعسفّاً أو تفنّناً لا لغرض معقول .
(10) أي كل ذلك ينعت به الطويل بمختلف أطواره ، كالعشنّق يوصف به الطويل الذي ليس بضخم ولا مثقّل ، والعشنّط : الشابّ الظريف الحسن الجسم ، والشوذب : الطويل الحسن الخلق ... وهكذا .
(11) بيان إعجاز القرآن : ص 37 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|