أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-7-2020
3346
التاريخ: 26-9-2016
1186
التاريخ: 2024-03-26
694
التاريخ: 26-9-2016
1470
|
الدعاء غير مناقض للرضا ، و كذلك كراهية المعاصي ، و مقت أهلها ، و حسم أسبابها ، و السعي في ازالتها بالامر بالمعروف و النهى عن البطالة و الغرور : أن جميع ذلك يخالف الرضا ، إذ كل ما يقصد رده بالدعاء و أنواع المعاصي و الفجور و الكفر من قضاء اللّه و قدره فيجب للمؤمن أن يرضى به.
وقد رأوا السكوت على المنكرات مقاما من مقامات الرضا ، و سموه حسن الخلق ، و هذا جهل بالتأويل ، و غفلة من أسرار الشريعة و دقائقها.
أما الدعاء ، فلا ريب في أنا قد تعبدنا به ، و قد كثرت أدعية الأنبياء و الأئمة ، و كانوا على أعلى مقامات الرضا ، و تظاهرت الآيات و تواترت الأخبار في الأمر بالدعاء و فوائده و عظم مدحه ، و اثنى اللّه - سبحانه - على عباده الداعين ، حيث قال : {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [الأنبياء : 90] , و قال : {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر : 60] , و قال : {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة : 186] .
وهو يوجب صفاء الباطن ، و خشوع القلب ، و رقة النظر، و تنور النفس و تجليها , و قد جعله اللّه - تعالى - مفتاحا للكشف ، و سببا لتواتر مزايا اللطف و الإحسان , وهو أقوى الأسباب لا فاضة الخيرات و البركات من المبادي العالية.
فان قيل : ما يرد على العبد من المكاره و البلايا يكون بقضاء اللّه و قدره ، و الآيات و الأخبار ناطقة بالرضا بقضاء اللّه مطلقا ، فالتشمر لرده بالدعاء يناقض الرضا.
قلنا : إن اللّه - سبحانه - بعظيم حكمته ، أوجد الاشياء على التسبيب و الترتيب بينهما ، فربط المسببات بالأسباب ، و رتب بعضها على بعض ، و جعل بعضها سببا و واسطة لبعض آخر، و هو مسبب الأسباب.
والقدر عبارة عن حصول الموجودات في الخارج من أسبابها المعينة بحسب اوقاتها ، مطابقة لما في القضاء ، و القضاء عبارة عن ثبوت صور جميع الأشياء في العالم العقلي على الوجه الكلي , مطابقة لما في العناية الإلهية المسماة بالعناية الأولى ، و العناية عبارة عن إحاطة علم اللّه - تعالى- بالكل على ما هو عليه إحاطة تامة ، فنسبة القضاء إلى العناية كنسبة القدر إلى القضاء.
ثم ، من جملة الأسباب لبعض الأمور الدعاء و التصدق و امثالهما ، فكما أن شرب الماء سبب رتبه مسبب الأسباب لإزالة العطش ، و لو لم يشربه لكان عطشه باقيا إلى أن يؤدى إلى هلاكه وشرب المسهل سبب لدفع الاخلاط الردية ، و لو لم يشربه لبقيت على حالها ، و هكذا في سائر الأسباب ، و كذلك الدعاء سبب رتبه اللّه - تعالى- لدفع البلايا و رفعها ، و لو لم يدع لنزل البلاء ولم يندفع.
فلو قيل : لو كان في علم اللّه - تعالى- و في قضائه السابق ، أن زيدا - مثلا- يدعو اللّه ، أو يتصدق ، عند ابتلائه ببلية كذا ، و تندفع به بليته لدعاء أو تصدق ، و دفع بليته ، و لو كان فيهما أنه لا يدعو اللّه و لا يتصدق و يبتلى بتلك البلية ، و لم يدع اللّه ، و لم يتصدق ، لم تندفع عنه البلية .
والحاصل : ان كل ما تعلقت به العناية الكلية و القضاء الازلي يحصل مقتضاه في الخارج و عالم التقدير ، إن خيرا فخير ، و إن شرا فشر، فأي فائدة في سعي العبد و اجتهاده؟ , قلنا : هذه من جملة شبهات الجبرية على كون العبد مجبورا في فعله و نفى الاختيار عنه ، و لا مدخلية لها بكون الدعاء غير مناقض للرضا ، و كونه من جملة الأسباب المرتبة منه - تعالى- لحصول مسبباتها , كالتزويج لتحصيل الولد ، و الأكل و الشرب لدفع الجوع و العطش ، و لبس الثياب لدفع الحر و البرد ، و غير ذلك.
ثم الجواب من الشبهة المذكورة و أمثالها مذكور في موضعها.
وأما إنكار المعاصي و كراهتها ، و الفرار من أهلها و من البلد الذي شاعت فيه ، فقد تعبد اللّه به عباده و ذمهم على الرضا بها ، فقال : {وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا} [يونس : 7] , و قال : {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [التوبة : 87] .
وفي بعض الاخبار: «من شهد منكرا و رضى به فكأنه قد فعله» , وفي آخر: «لو أن عبدا قتل بالمشرق و رضى بقتله آخر بالمغرب ، كان شريكا في قتله» , و في آخر: «إن العب ليغيب عن المنكر و يكون عليه مثل وزر صاحبه» ، قيل و كيف ذلك؟ , قال : «فيبلغه فيرضى به».
وأما بعض الكفار و الفجار و الفساق ، و مقتهم و الإنكار عليهم ، فما ورد فيه من شواهد الكتاب و السنة أكثر من أن يحصى.
قال اللّه سبحانه : {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ} [آل عمران : 28] , و قال : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} [المائدة : 51].
وفي الخبر: «إن اللّه أخذ الميثاق على كل مؤمن أن يبغض كل منافق» , وقال (صلى الله عليه واله) : «أوثق عرى الايمان الحب في اللّه و البغض في اللّه» , و قد تقدمت جملة من شواهد هذا في باب الحب في اللّه و البغض في اللّه.
فان قيل : المعاصي ان لم تكن بقضاء اللّه و قدره فهو محال و قادح في التوحيد ، و إن كانت بقضاء اللّه مطلقا فكراهتها و مقتها كراهة لقضاء اللّه ، و الآيات و الاخبار مصرحة بوجوب الرضا بقضاء اللّه مطلقا، و ذلك تناقض ، فكيف السبيل إلى الجمع؟ , و أنى يتأتى الجمع بين الرضا و الكراهة في شيء واحد؟.
قلنا : المقرر عند بعض الحكماء : أن الشرور الواقعة في العالم ، من المعاصي و غيرها راجعة إلى الاعدام دون الموجودات ، فلا تكون مرادة له - تعالى- ، و لا داخلة في قضائه ، و عند بعضهم أنها داخلة في قضائه بالعرض لا بالذات ، و لا ضير في كراهة ما ليس في قضاء اللّه - تعالى- بالذات.
وعند بعضهم : أنها شرور قليلة باعثة لخيرات كثيرة.
وعلى هذا ، فينبغي أن تكون مكروهة من حيث ذاتها ، و بهذه الحيثية لا تكون من قضاء اللّه و الرضا به ، و فرضه من حيث كونها باعثة لخيرات كثيرة , و التحقيق : أن الاوصاف الثلاثة ثابتة الشرور الواقعة في العالم ، اعنى انها راجعة إلى الاعدام و داخلة في قضائه تعالى بالعرض ، و شرور قليلة باعثة لخيرات كثيرة.
وعلى هذا فوجه الجمع أظهر , ثم ، لابي حامد الغزالي هنا وجه جمع آخر، لا يروى الغليل و لا يشفى العليل.
فان قيل : بغض أهل المعاصي و مقتهم موقوف على ثبوت الاختيار لهم و تمكنهم من تركهم و إثبات ذلك مشكل.
قلنا : لا اشكال فيه ، إذ البديهة قاضية بثبوت نوع اختيار للعباد في افعالهم ، ولا سيما فيما يتعلق به التكليف , والخوض في هذه المسألة مما لا ينبغي فالأولى فيها السكوت ، والتأدب بآداب الشرع ، و الرجوع إلى ما ورد من العترة الطاهرة .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|