أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-9-2016
1620
التاريخ: 20-9-2016
1293
التاريخ: 5-7-2019
1590
التاريخ: 20-9-2016
1390
|
ومن جملة القواعد الفقهيّة قاعدة « لا رهن إلاّ مقبوضا ».
وهو أمور :
الأوّل : قوله تعالى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] .
الثاني : رواية محمّد بن قيس عن ابي جعفر عليه السلام قال : « لا رهن إلاّ مقبوضا ». (1)
وما رواه العيّاشي في تفسيره ، عن محمّد بن عيسى ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « لا رهن إلاّ مقبوضا » (2).
في بيان المراد من هذه القاعدة :
ظاهر هذه الجملة في الرواية نفي حقيقة الرهن بدون القبض ، كما هو شأن لا النافية للجنس ، فبناء على ذلك يكون القبض من مقوّمات حقيقة الرهن ، وبدونه لا يتحقّق الرهن.
ولا بدّ في توضيح المرام من بيان أمور :
الأوّل : بيان حقيقة الرهن عرفا وشرعا.
فنقول : قد عرّفه بعض بأنّه وثيقة لدين المرتهن (3). وهذا التعريف له مأخوذ من المعنى اللغوي ، إذ هو في اللغة عبارة عن وضع شيء عند شخص ليكون نائبا عمّا أخذ منه ، وهذا عبارة أخرى عمّا ذكر في القاموس في معنى الرهن ، قال فيه : الرهن ما وضع عندك لينوب مناب ما أخذ منك (4).
وأنت خبير بأنّ مرجع هذا إلى التعريف المذكور ، وينطبق على أخذ المرتهن الوثيقة من المديون لدينه.
وأيضا يقول في القاموس : وكلّ ما احتبس به شيء فرهينة. (5) وهذا أيضا يرجع إلى ذلك التعريف.
والى ما ذكرنا يرجع ما ذكروه من الحبس ، والدوام ، والثبات في سائر كتب اللغة (6).
وهذا المعنى اللغوي الذي ذكرناه هو المتفاهم العرفي من هذه الكلمة أيضا ، فمن موارد اتّفاق العرف واللغة بل الشرع أيضا.
وخلاصة الكلام : أنّ الرهن شرعا وعرفا ولغة عبارة عمّا يستوثق به المرتهن الدائن من ماله ، وقد ورد هذا المعنى في باب جواز الارتهان والاستيثاق من ماله في عدة روايات :
منها : رواية عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن السلم في الحيوان والطعام ويرتهن الرجل بماله رهنا ، قال : « نعم استوثق من مالك » (7).
ومثله رواية داود بن سرحان عن أبي عبد الله (8).
ومنها : رواية سماعة ، عن أبي عبد الله عليه السلام عن الرهن يرهنه الرجل في سلم إذا أسلم في طعام أو متاع أو حيوان : فقال عليه السلام : « لا بأس بأن تستوثق من مالك » (9). وروايات أخر بهذا المضمون (10).
فمنها : ما عن دعائم الإسلام عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « لا يكون الرهن إلاّ مقبوضا » (11).
وقال عليه السلام أيضا في رواية أخرى : « ولا بأس برهن الحلي والطعام والأموال كلّها إذا قبضت وإن لم تقبض فليس برهن » (12).
وعرّفه بعض بأنّه عبارة عن دفع العين للاستيثاق على الدين (13). وقيل بأنّه عقد شرع للاستيثاق على الدين.
وكلّ هذه التعاريف يرجع إلى معنى واحد ، وهو أنّه بالمعنى الاسم المصدري هو المعنى الأوّل ، وسائر التعاريف إمّا لبيان المعنى المصدري ، أو لبيان ما ينشئ به هذا المعنى. ولا يهمّنا بيانها وشرحها والنقض والإبرام فيها بعد وضوح المقصود منها.
وأمّا « القبض » وأنّه ما المراد منه؟ وإن بسطوا الكلام فيه في الكتب المفصّلة ، ولكنّ الظاهر أنّه لا يحتاج إلى هذا التطويل.
لأنّ الظاهر من هذه الكلمة التي جعلها الشارع موضوعا لأحكام ـ من قبيل كون تلف المبيع قبل تحقّقه للمشتري من مال بائعه ، أو قالوا بشرطيته في صحّة السلم والسلف ، أو بشرطيّته في صحّة الهبة وأمثال ذلك ـ هو كون المقبوض تحت سيطرة القابض ، بحيث أن يكون له منع كلّ أحد من التصرّف فيه.
فمعنى قوله عليه السلام : « لا رهن إلاّ مقبوضا » عدم تحقّق الرهن شرعا قبل أن يكون مقبوضا للمرتهن ، أي لا يترتّب عليه آثار الرهن الصحيح وأحكامه إلاّ بعد أن يقبض المرتهن العين المرهونة عن الراهن ، ويخرج عن تحت سلطنة الراهن ويدخل تحت سيطرة المرتهن.
ثمَّ إنّه وقع الكلام في أنّ القبض على تقدير اشتراط الرهن به هل دخيل في ماهيّته وحقيقته ، أو شرط شرعي لصحّته من دون دخله في تحقّق حقيقته وماهيّته ، أو شرط للزومه؟
فبناء على الأوّل لا يتحقّق مسمّى الرهن لغة وعرفا إلاّ بعد حصول القبض من طرف المرتهن.
وبناء على الثاني يحصل المسمّى بدونه ، ولكن شرعا لا يترتّب آثار الشرعيّة عليه إلاّ بعد حصول القبض.
وبناء على الثالث ـ هو عدم اشتراط الرهن بالقبض أصلا لا مسمّاه ولا صحّته بل لزومه فقط ـ فالرهن قبل القبض صحيح وتترتب عليه آثاره إلاّ أنّه جائز لكلّ واحد من الراهن والمرتهن ولا يحصل اللزوم إلاّ بالقبض.
وهناك قول آخر وهو عدم دخل القبض لا في صحّته ولا في لزومه ، وهو المحكي عن جماعة من أعاظم الفقهاء منهم الشيخ في أحد قوليه (14) ، والعلاّمة (15) ، وولده (16) ، وابن إدريس (17) ، والمحقّق (18) والشهيد (19) الثانيان ، وجماعة أخرى (20) ، بل نسبه في السرائر إلى أكثر المحصّلين (21) ، وفي كنز العرفان إلى المحقّقين (22).
أمّا القول الأوّل أي كون القبض داخلا في ماهية الرهن وحقيقته ومسمّاه ، فيوجّه بأنّ حقيقة الرهن هو كون الشيء وثيقة عنده لحفظ ماله ، بحيث لو لم يؤدّ المديون يستوفي دينه منه ، فلا يذهب ماله من البين.
وأنت خبير بأنّ هذا المعنى لا يتحقّق إلاّ بالقبض الخارجي لا باستحقاق القبض لانّه ليس بأزيد من استحقاق الدين على المديون.
وبعبارة أخرى : كونه وثيقة عنده مناف مع عدم كونه مقبوضا له وكونه خارجا عن تحت يده وسلطانه.
وفيه : أنّ الرهن من العقود العهديّة ، وهو عبارة عن التعاهد بينهما أي الدائن والمديون أن يكون الشيء الفلاني وثيقة دينه ، والقبض من طرف المرتهن وإقباض الراهن خارجا من آثار ذلك العقد والتعاهد ، وأحكامه كسائر العقود والمعاملات.
مثلا البيع عبارة عن التعاهد بين مالك المبيع والمشتري بأن تكون العين الفلاني ملكا للمشتري بإزاء ما يعطى للبائع من الثمن ، وأمّا قبض المشتري للمبيع أو قبض البائع للثمن فمن آثار تلك المعاملة ، بمعنى أنّه يجب على كلّ واحد من المتعاملين إقباض ما ملكه للآخر له ، لا أنّ القبض والإقباض جزء حقيقة البيع.
وهكذا الأمر في سائر العقود المملكة وغيرها كالنكاح مثلا ، فإنّ تمكين الزوجة للبضع ليس داخلا في حقيقة النكاح بل هو من آثاره وأحكامه ، فحقيقة الرهن وماهيته تحصل بنفس العقد الجامع لشرائطه التي نذكرها عمّا قريب إن شاء الله تعالى.
وأمّا القول الأخير ، أي عدم اشتراط صحّة الرهن بالقبض بل بعد وقوع العقد صحيحا ومن أحكامه وجوب اقباض الراهن العين المرهونة للمرتهن من دون توقّف صحّته على القبض.
فيردّه الأخبار المتقدّمة ، وعمدتها قوله عليه السلام : « لا رهن إلاّ مقبوضا » في رواية محمّد بن قيس .
وقوله عليه السلام فيما رواه في دعائم الإسلام : « وإن لم يقبض فليس برهن » .
ويمكن أيضا الاستدلال بظاهر قوله تعالى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ } [البقرة: 283] .
لأنّه إن لم يكن القبض دخيلا في صحّة الرهن يلزم ان يكون القيد مستدركا ، وكون القيد للإرشاد إلى أنّ كمال التوثّق لا تحصل بدونه خلاف ظاهر التقييد ، بل ظاهره أنّ الرهن المشروع هو أن تكون العين المرهونة مقبوضا.
وأيضا يدلّ على اشتراط صحّة الرهن بالقبض ما رواه العيّاشي في تفسيره عن محمّد بن عيسى ، وقد تقدّم.
ويؤيّد ما ذكرنا حكاية الجواهر عن الطبرسي الإجماع على الاشتراط (23).
فبناء على ما ذكرنا يكون أصحّ الأقوال هو القول الثاني ، أي كونه شرطا لصحة الرهن.
منها : أنّه لو قبضه من غير إذن الراهن لا يصحّ الرهن ، لكونه بدون إذنه يكون قبضا غير مشروع ، ويكون وجوده كالعدم.
وذلك من جهة أنّ القبض بناء على هذا يكون كالقبض في الصرف من متمّمات العقد ، وبه يكون العقد صحيحا ومؤثّرا ، وقبله لا أثر له ولا استحقاق للمرتهن ، فيكون قبضه وأخذه قبل ذلك تصرّفا في مال الغير بدون إذنه وطيب نفسه ، فيكون حراما ، فلا يترتّب عليه الأثر.
وكذلك لو أذن في قبضه لكن رجع عن إذنه قبل أن يقبض المرتهن ، أي قبض المرتهن بعد رجوع الراهن عن إذنه يكون كالعدم ، لأنّه بعد رجوعه ينعدم الإذن فيكون من قبيل القبض بدون الإذن.
نعم لو كان الرجوع عن إذنه بعد قبض المرتهن فلا أثر لرجوعه ، لأنّ رجوعه يكون بعد تماميّة العقد وصيرورة المرتهن ذا حقّ ، لوقوع العقد صحيحا بعد الإذن ووجود آثاره التي منها صيرورة المرتهن ذا حقّ على العين المرهونة ، ورجوعه بعد ذلك ليس من أسباب سقوط حقّه.
ومنها : أنّه لو مات الراهن ، أو جنّ ، أو أغمي عليه قبل القبض وبعد وقوع العقد ، فلو قلنا بأنّ القبض شرط صحّة العقد ـ كما اخترناه ـ فلا يصحّ العقد ، بل يبطل ولا يكون له أثر.
أمّا بناء على أن يكون شرط اللزوم لا الصحّة ، فهل يبطل بوقوع أحد هذه الأمور ، لأنّه بناء على هذا يكون من قبيل العقود الجائزة التي تبطل بخروج أحد المتعاقدين عن صلاحيّة كونه طرفا للمعاملة بأحد هذه الأمور أو بغيرها.
والسرّ في ذلك : أنّ العقود الجائزة متقوّمة بالإذن ، ولذلك قد يعبّر عنها بالعقود الإذنيّة ، فإذا خرج عن صلاحيّة الإذن بموت أو جنون أو إغماء أو غير ذلك ، فلا يبقى إذن فيكون باطلا قهرا ، أو لا يبطل ويرجع أمره إلى وليّه أو وارثه ، فإن أقبض أو أذن في القبض يكون صحيحا ، وإلاّ يكون باطلا؟
والظاهر هو الثاني ، لأنّ المفروض أنّ عقد الرهن وقع صحيحا وترتّب عليه آثاره ، أي صارت عين المرهونة وثيقة عند المرتهن ، ولا تخرج عن كونها وثيقة إلاّ بفسخ الراهن ، أو من يقوم مقامه عن وليّه أو وارثه ، فالبطلان لا وجه له.
وقياسه على العقود الجائزة بالذات ، كالوكالة والعارية والوديعة لا وجه له ، لما ذكرنا من أنّها متقوّمة بالإذن وإذا خرج عن صلاحيّة الإذن فبقاء يبقى بلا إذن ، ولا يمكن بقاؤه بدون الإذن.
وما نحن فيه ليس كذلك ، بل بناء على أن يكون القبض شرط اللزوم لا الصحّة
فالرهن صحيح ولكن ليس بلازم ، فيكون كالمعاملة اللازمة التي فيها الخيار ، فيجوز للوارث أو الولي فسخه ، وهذا غير بطلانه بنفسه من دون الفسخ.
وأمّا التفصيل بين موت الراهن والمرتهن ببطلانه في الأوّل ، وانتقال حقّ القبض إلى الورثة في الثاني ، بأن يقال : إنّ العين المرهونة وثيقة الدين ، والدين باق ، فلورثة المرتهن حقّ استيفاء الرهن للاستيثاق من مالهم فهذا حقّ ينتقل إليهم. وأمّا الراهن إذا مات فينتقل المال إلى ورثته وليس للمرتهن حقّ عليهم ، والمفروض أنّ الرهن غير لازم ، لأنّ القبض شرط اللزوم ولم يحصل فقهرا يبطل الرهن.
ففيه : أنّ هذا المال ، أي العين المرهونة وقع متعلّقا لحقّ المرتهن لصحّة الرهن على الفرض ، فله حقّ الإبقاء ما لم يفسخ ورثة الراهن ، ولا يبطل من عند نفسه. وجواز فسخهم لأجل أنّ المفروض أنّ القبض شرط اللزوم وهو لم يحصل ، وإلاّ مقتضى كون الرهينة متعلّقة لحقّ المرتهن عدم جواز استرجاعهم لها ، لأنّه تصرف ينافي حقّ الغير وإتلاف له ، فلا فرق بين موت الراهن والمرتهن.
فرع : لو قبض المرتهن الرهن ثمَّ أخذه الراهن بإذن من المرتهن أو بدون إذنه ، أو صار في يد غيرهما بإذن منهما أو بدون الإذن ، لا يبطل الرهن وإن قلنا بأنّ القبض شرط في صحّة الرهن.
وذلك لأنّ الشرط حصول القبض لا استدامته وقد حصل. وكذلك لو قلنا بأنّه شرط للزومه لا لصحّته ، فاللزوم يحصل أيضا بتحقّق القبض ولا يعتبر دوامه.
وادّعى في الجواهر عدم وجدانه الخلاف في هذا الحكم ، وقال بعد ذلك : بل الإجماع بقسميه عليه ، بل لعلّ المحكي منهما مستفيض أو متواتر (24). نعم للمرتهن استحقاق مطالبته ممّن كان بيده ، لأنّه متعلّق حقّه ولا يسقط حقّه بصيرورته في يد غيره ، سواء كان بإذنه أو بدون إذنه.
وعلى كلّ حال ليس استدامة القبض شرطا للصحّة ، وإن قلنا بأنّ أصل القبض شرطا لها ، للأدلّة المقدّمة من الآية والروايات والإجماعات.
وذلك لما ذكرنا من تحقّق الإجماع على عدم شرطيّة الاستدامة ، بل يكفي في تحقّق الصحّة أصل وجود القبض ، فلو عاد الرهن إلى الراهن أو تصرّف فيه تصرّفا لا ينافي كونه رهنا لم يخرج عن حقّ الرهانة ، لعدم ما هو مسقط لهذا الحقّ بمثل هذه الأمور.
فرع : ولو رهن ما هو في يد المرتهن وتحت استيلائه ، ولو كانت يده واستيلاؤه غصبا لزم الرهن ، سواء قلنا بأنّ القبض شرط للصحّة أو شرط للزوم ، وذلك لحصول الشرط أي القبض ، فأخذه من المرتهن وإقباضه له ثانيا يكون من قبيل تحصيل الحاصل.
ولا ينافي ذلك ما تقدّم مت عدم صحّة الرهن لو كان القبض بدون إذن الراهن ، لأن القبض بدون الإذن بمنزلة العدم ، خصوصا على تقدير كونه في يد المرتهن غصبا ، أي غصبه بعد عقد الرهن لا ما غصبه قبل الرهن ، لأنّه في الأخير إذا ورد الرهن على ما هو المغصوب يخرج عن كونه غصبا للزومه مع الرضا بالبقاء ، وذلك لملازمة إرهان ما في يد المرتهن سواء كان غصبا أو وديعة أو عارية مع الإذن والرضا بكونه في يده بقاء أي من حين وقوع الرهن ، فلا يحتاج إلى الأخذ وإقباضه من جديد ، لما ذكرنا من كونه من قبيل تحصيل الحاصل.
وإلاّ لو لم يكن كما ذكرنا ، وكان الرضا والإذن بقاء أيضا بمنزلة العدم ، فلا يفيد في تصحيح الرهن ما ذكره صاحب الجواهر من عدم تناول دليل شرطية القبض لمثل المقام (25).
لأنّه بعد أن فرضنا أنّ مثل هذا القبض بمنزلة العدم في نظر الشارع مع أنّ القبض شرط شرعي لصحّة الرهن ، فكيف يمكن القول بعدم تناول دليل الشرطيّة لمثل المقام ، وهل هذا إلاّ التناقض؟!
فرع : لو رهن مالا غائبا عن مجلس الرهن ، وقال مثلا أرهنتك المال الفلاني الموجود في بلد آخر غير البلد الذي هما فيه ، فلا يتحقّق الرهن شرعا إلاّ بإقباض نفسه ذلك المال للمرتهن ، أو بإقباض وكيله إن قلنا بأنّ القبض شرط الصحّة ، ولا يصير لازما إلاّ بإقباضه كذلك هو ، أو وكيله إن قلنا بأنّه شرط اللزوم.
وذلك من جهة أنّ القبض الذي قلنا أنّه شرط الصحّة أو اللزوم عبارة عن استيلاء القابض ووقوعه تحت يده وسيطرته ، فما دام الرهن يكون غائبا كيف يستولي عليه كي يحصل القبض.
نعم لو كان للمرتهن وكيل في بلد المال ويأمره قبض المال هناك خصوصا إذا كان للراهن أيضا وكيل يقبضه إيّاه ، فلا شكّ في حصول القبض. ولكن هذا الفرض خارج عن محلّ الكلام.
وأيضا لو كان هذا المال قبل إيقاع عقد الرهن في قبض المرتهن فأوقعا الرهن فلا يحتاج إلى قبض جديد ، وإن كان فعلا حال وقوع الرهن غائبا. ولكن هذا أيضا خارج عن محلّ الكلام.
وذلك لما تقدّم أنّ هذا من قبيل استدامة قبض الحاصل ، فيكون تجديده من قبيل تحصيل الحاصل ، فحيث أنّه مع غياب الرهن عن مجلس عقد الرهن لا يمكن تحقّق القبض المعتبر في صحّته أو لزومه ، إلاّ في الموارد التي ذكرنا خروجها عن محلّ البحث ، فلا يصحّ أو لا يكون لازما على القولين في اعتباره فيه.
فرع : لو كان ما جعله رهنا مشاعا فلا يجوز تسليمه إلى المرتهن إلاّ برضاء شريكه ، لأنّه تصرّف في مال الغير فلا يجوز بدون رضاه ، نعم لو كان المرتهن هو نفس الشريك فلا يأتي هذا ، وهو واضح.
ثمَّ إنّ الراهن لو سلّمه إلى المرتهن ، فهل يحصل القبض بذلك وإن أثم بتسليم حصّة الغير بدون إذنه ورضاه ، أم لا؟ لا يبعد كفاية ذلك في حصول القبض المعتبر في الصحّة أو اللزوم ، للصدق العرفي وحصول الاستيثاق ، غاية الأمر لا يجوز للمرتهن التصرّف فيه بدون إذن شريك الراهن ، كما أنّه كان لا يجوز له التصرّف فيه بدون إذن الراهن أيضا وإن كان له وحدة.
ولا فرق فيما ذكرنا بين أن يكون مال المشاع المذكور منقولا أو غير منقول ، وأمّا كون التسليم ممنوعا شرعا والمانع الشرعي كالمانع العقلي فكأنّه لم يسلم.
ففيه : أنّ الممنوع شرعا هو تسليم حصّة الشريك ، وهذا منهي عنه وحرام ، فمتعلّق الحرمة والجواز في الحقيقة شيئان وإن كانا يوجدان بفعل واحد ، ولذلك لو باع هذا المال المشاع يصحّ في حصّة نفسه ، ويكون فضوليّا بالنسبة إلى حصّة الآخر ، فلا مانع من وقوع القبض الصحيح وإن صدر منه حرام أيضا. نعم لو كان الإقباض عبادة لما يقع لانضمامه مع المحرّم ، فلا يمكن فيه قصد القربة مع الالتفات إلى انضمامه على ما هو محرّم ، لأنّه من قبيل باب اجتماع الأمر والنهي بناء على كون التركيب بين متعلّقيهما انضماميّا.
وما ذكرنا بناء على دلالة النهي في المعاملات على الفساد ، وأمّا بناء على العدم فالقبض وإن كان منهيّا عنه لكنّه صحيح ، فيترتّب عليه أثره وهو اللزوم أو الصحة بناء على القولين في المسألة.
هذا كلّه لو كان القابض هو نفس المرتهن الذي هو غير الشريك ، أمّا لو وكّل الشريك في القبض ، أو كان المرتهن هو نفس الشريك فلا مانع ويحل القبض الصحيح قطعا ، والسرّ فيه واضح لا يحتاج إلى البيان والإيضاح.
فرع : لا إشكال في صحّة رهن الأعيان المملوكة التي يصحّ بيعها ويمكن قبضها ، سواء كانت مشاعة أو منفردة.
أمّا لو رهن دينا فهل ينعقد ، أم لا؟
فيه خلاف ، والمشهور قائلون بعدم الصحّة ، بل ادّعى عليه الإجماع في السرائر (26) ، والغنية (27).
وعمدة ما ذكروا في وجه عدم صحة جعل الدين رهنا بعد الإجماع انصراف أدلّة اعتبار القبض في صحة الرهن أو لزومه عن مثل التديّن قبل قبضه ، فقوله عليه السلام : « لا رهن إلاّ مقبوضا » وكذلك قوله تعالى ( فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ ) لا يشمل رهن الدين قبل قبضه.
وأمّا بناء على عدم اعتبار القبض لا في الصحّة ولا في اللزوم ، فالعمدة فيه أنّ الرهن بعد ما كان الغرض من تشريعه الاستيثاق من ماله ودينه ـ كما هو وارد في أدلّة تشريعه من الروايات المتعدّدة أنّه عليه السلام يقول : « لا بأس به استوثق من مالك » (28) ـ فلا بدّ وأن يكون فيما يمكن قبضه قبضا حسّيا ، وإن لم يكن القبض فعلا شرطا في صحّته أو لزومه ، ولذلك ترى أنّ القائلين بعدم اعتبار القبض لا في صحّته ولا في لزومه يقولون مع ذلك باشتراط كونه عينا ، وهم كثيرون.
وإذا كان الأمر كذلك وانصرف عقد الرهن إلى ما يمكن قبضه قبضا حسّيا ـ إذ لا شكّ في أنّ الغرض من الرهن الذي هو الاستيثاق من دين المرتهن يحصل من العين لا من الدين إلاّ قليلا ـ فدليل { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] لا يشمل غير مورد ما يمكن قبضه قبضا حسّيا.
ثمَّ إنّهم ذكروا هاهنا وجوها للزوم كون المرهون عينا خارجيّا ، كلّها غير خال عن الخلل ولذلك تركنا ذكرها.
فرع : لا يجوز رهن ما لا يملك كالخمر والخنزير لعدم حصول الغرض عن الرهن به ، إذ الغرض من الرهن استيفاء المرتهن دينه من العين المرهونة عند عدم إمكان الوصول إلى الراهن ، وهذا لا يمكن فيما لا يملك. وكذلك فيما لا يملكه الراهن بدون اجازة مالكه ، لعين ما ذكرنا من عدم استيفاء دينه منه بدون إجازة مالكه. وكذا لا يجوز رهن الحرّ لعين الدليل ، أي لعدم جواز بيعه. وكذا لا يجوز رهن الوقف لعدم جواز بيعه. وكذا لا يجوز رهن الأراضي الخراجيّة لعدم جواز بيعها.
نعم لو كانت فيها آثار من الأبنية والأشجار ، وقلنا بجواز بيعها تبعا للآثار ، فلا مانع من الإرهان بها أو جعل نفس الآثار الموجودة فيها رهنا دون الأراضي المشغولة بها ، فلا مانع.
وخلاصة الكلام : أنّ الغرض من تشريع الرهن هو أنّه لو امتنع الاستيفاء من الراهن لفلس أو لغيره يستوفي المرتهن دينه من العين المرهونة ، فلا بدّ وأن يكون قابلا للبيع كي يستوفي منه ، فكلّ ما لا يصحّ بيعه لأحد الأسباب المذكورة أو لغيرها فلا يصحّ رهنه.
فرع : ولو رهن ما هو المشاع بينه وبين غيره في عقد واحد نفذ في حصّته ، ويقف في حصّة الغير على إجازته ، ويكون حال ما لو رهن مال لمنفرد مع مال آخر لآخر في عقد واحد.
والإشكال عليه ـ بأنّ العقد واحد ، فلا يمكن أن يكون بالنسبة إلى بعض العين المرهونة أو بالنسبة إلى إحدى العينين صحيحا ، وبالنسبة إلى البعض الآخر أو العين الأخرى باطلا أو موقوفا على إجازة المالك ـ ليس إلاّ الإشكال المعروف في تبعّض الصفقة في البيع ، والجواب في كلا المقامين واحد ، وهو انحلال العقد بالنسبة إلى كلّ من المبيع والمرهون.
فرع : الظاهر عدم جواز رهن المصحف أو العبد المسلم عند الكافر. لقوله تعالى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141] في رهن العبد.
وأمّا المصحف فإنّه وإن لم يرد فيه نصّ في المقام ولا في باب البيع إلاّ أنّ الأصحاب تمسّكوا لعدم جواز بيعه من الكافر وكذلك رهنه بالأولويّة القطعيّة.
والإنصاف أنّه كذلك ، لأنّ تسلّط الكافر على القرآن أعظم وهنا للإسلام من تسلّطه على العبد المسلم ، بل يمكن أن يقال بعدم جواز بيع كتب الأحاديث المرويّة عن النبي صلى الله عليه واله أو عن أحد الأئمّة المعصومين ، وكتب الأدعية والزيارات ككتاب الصحيفة السجادية وأمثالها.
وأمّا ما ذكره بعض أعاظم الفقهاء والأساطين كالشيخ (29) ، والمحقّق (30) ، والعلاّمة (31) ، والشهيدين (32) من أنّه يصحّ رهن ما ذكر ، ويوضع على يد مسلم فرارا من تسلّط الكافر عليه ، لأنّ استيفاء الكافر دينه ببيع المسلم أي المالك أو من يأمره المالك بذلك ، ومثل هذا لا يعدّ من تسلّط الكافر على المذكورات ، وليس سبيلا منه عليها.
فيه : أنّه لا شبهة في أنّ الرهن يوجب ثبوت حقّ للمرتهن على المرهون المسمّى بحقّ الرهانة ، وهو الذي يكون سببا لمنع المالك عن التصرّفات في العين المرهونة.
ويمكن أن يقال ثبوت مثل هذا الحقّ للكافر على العبد المسلم سبيل عليه ، كما أنّ ثبوته على المصحف يكون أيضا كذلك ، سواء كانت العين المرهونة في يد مسلم ، أو كانت في يد نفس الكافر.
فرع : لو رهن ما يسرع إليه الفساد ـ أي قبل حلول الدين ـ فتارة يمكن منع تطرّق الفساد إليه ، وأخرى لا يمكن. أمّا في الصورة الأولى فالرهن صحيح ، غاية الأمر يجب على الراهن إصلاحه والمنع عن تطرّق الفساد إليه ، وذلك لأنّ مئونة حفظ ماله عليه. وأمّا في الصورة الثانية فإن اشترط على الراهن جواز بيعه عند ما أحسّ بأنّه لو بقي يتطرّق إليه الفساد ويستوفي دينه عن الثمن ، أو يجعل ثمنه رهنا عنده ، فلا مانع أيضا لحصول الاستيثاق بذلك ، كما أنّه لو شرط الراهن عدم بيعه فباطل.
وأمّا لو لم يكن شرط في البين من الطرفين ، لا من المرتهن على البيع ، ولا من الراهن على عدم البيع ، فالظاهر هي الصحة وذلك لإمكان أن يقال بأن يجبره الحاكم على البيع إن لم يكن هو نفسه مقدّما على البيع ، جمعا بين الحقين ، أي حقّ الراهن والمرتهن.
ولا فرق فيما ذكرنا بين أن يكون الحال معلوما قبل الرهن ، أو طرأ بعد الرهن ما يقتضي فساد العين المرهونة ، لأنّه على جميع التقادير يجب بيع الراهن وجعل ثمنه رهنا ، جمعا وحفظا للحقّين ، سواء كان سبب طروّ الفساد قبل حلول أجل الدين معلوما ، أو حصل السبب بعد الرهن.
نعم في صورة شرط عدم البيع في الصورة الأولى ـ أي فيما إذا كان سبب إسراع الفساد معلوما من أوّل الأمر ـ فالأظهر هو البطلان ، لأنّ ذلك الشرط خلاف ما هو المقصود والغرض من الرهن ، وهو استيثاق المرتهن من ماله ، فيكون الرهن باطلا من أوّل الأمر.
وأمّا في الصورة الثانية ـ أي فيما حصل سبب إسراع الفساد إلى العين المرهونة بعد الرهن ـ فلم يكن الشرط خلاف مقتضى عقد الرهن ووقع صحيحا ، والاستيثاق بقاء يحصل بإجبار الراهن على البيع وجعل بدله رهنا.
كلّ ذلك فيما إذا كان الإسراع إلى الفساد معلوما ، إمّا وجدانا أو ثبت بأمارة شرعيّة وظنّ معتبر. وأمّا الظنّ غير المعتبر فهو في حكم الشكّ ، بل هو هو إلاّ أن يكون بمرتبة ينافي الاستيثاق ، فللمرتهن رفع أمره إلى الحاكم وإجباره على البيع وجعل ثمنه رهنا ، أو المرتهن يأخذه ويبدله برهن آخر.
نعم لو شرط عدم البيع في هذه الصورة الثانية حتّى على تقدير الفساد فأيضا يكون الرهن باطلا ، لأنّ هذا الشرط خلاف مقتضى عقد الرهن يقينا ، فالشرط فاسد قطعا. وأمّا فساد العقد مبنى على كون الشرط الفاسد مفسدا للعقد أم لا. ولا بدّ من القول بفساد العقد في مثل هذا المقام ، لأنّ هذا الشرط مناف مع ما هو مضمون العقد ، فمرجع هذا الشرط إلى عدم قصد مضمون العقد.
فرع : يجوز أن لا يكون الرهن ملكا للراهن ، بل له أن يرهن مال الغير بإجازة مالكه ، فيبيعه المرتهن بعد حلول أجل الدين إن لم يؤدّه الراهن المديون عصيانا أو لعدم تمكّنه من الأداء.
ثمَّ إنّه هل لمالكه الرجوع عن إذنه بعد وقوع الرهن بإذنه قبل حلول الأجل ، أو بعده ، أم لا؟ وجهان ، بل قولان (33).
وجه الأوّل : هو أنّ المالك مسلّط على ماله ، وليس ما يوجب قصر سلطنته وعدم تمكّن رجوعه كما في موارد العارية ، له أن يستردّ ماله متى شاء ، وليس ملزما ببقائه وإبقائه بملزم شرعي أو عقلي.
ووجه الثاني : هو أنّ الإذن في الشيء إذن في لوازمه ، فإذنه في كونه رهنا ملازم عرفا مع التزامه بكونه عند المرتهن وثيقة لدينه الى حلول الأجل ، فإذا لم يؤدّ المديون دينه ـ عصيانا أو لعدم تمكّنه وتعذّر الأداء لفلس أو لغيره ـ فله أن يبيع الرهن ويستوفي دينه منه ، فمثل هذا الالتزام من لوازم الإذن في رهن ماله عرفا. ولا بدّ في حصول الغرض من الرهن من القول بلزوم هذا الالتزام وعدم جواز الرجوع عنه ، وإلاّ يكون الإذن وجعله رهنا لغوا وبلا فائدة ، وبناء العرف والعقلاء على لزوم هذا الالتزام الضمني.
هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الوجه الثاني.
ولكن أنت خبير بأنّ هذه كلّها وجوه استحسانيّة لا يمكن رفع اليد بها عن سلطنة المالك ، وإجباره على عدم التصرّف في ماله ببيع أو هبة أو ردّه إلى ما كان من محلّ استعمالاته في حوائجه. نعم لو لم يرجع عن إذنه إلى أن باعه المرتهن لاستيفاء دينه ، فله الرجوع إلى الراهن المديون مخيّرا بين أخذ قيمته التي باعه المرتهن بتلك القيمة ، وبين أخذ قيمته الواقعيّة.
فلو كان الثمن الذي به باع الرهن أقلّ من قيمته الواقعيّة ، فله الرجوع إلى الراهن بقيمته الواقعيّة ، كما أنّه لو كان الثمن أزيد من قيمته الواقعيّة له أخذ الثمن ، والوجه في جميع الصور معلوم.
فرع : لو رهن عصيرا فصار خمرا عند المرتهن فلا شكّ في زوال ملكيّة الراهن ، لأنّ الشارع أسقط ماليّة الخمر وملكيّته ولكن حقّ الاختصاص باق ، فله تخليله ومنع غيره عنه ، فإن كان لهذا الحقّ اعتبار عند العقلاء بحيث يمكن أن يكون وثيقة لدين المرتهن فلا يبطل الرهن ويبقى وثيقة عنده ، وأمّا إذا لم يكن قابلا للاستيثاق به فبقاؤه هنا لا معنى له ويكون لغوا ، فهل للمرتهن مطالبة عوضه كي يكون رهنا عنده أم لا؟
الظاهر أنّه ليس له مطالبة ذلك ، لأنّ الذي وقع عليه الرهن صار تالفا أو بمنزلة التالف ، ولم يشترط المرتهن أن يعوّضه شيئا آخر يكون رهنا عند تلف الأوّل بدلا له ، فليس في البين شيء آخر يلزم الراهن بذلك.
نعم لو انقلب إلى الخلّ بعد ما صار خمرا فهل يبقى على كونه رهنا ، أو يعود رهنا بعد ما خرج ، أو كونه رهنا يحتاج إلى عقد جديد لبطلان العقد الأوّل لعدم بقاء موضوعه وهو ملكيّة العين المرهونة والزائل لا يعود؟ وجهان.
وجه بقائه رهنا هو أن الملكيّة وإن زالت لإسقاط الشارع ماليّة الخمر ، ولكن حقّ الأولويّة باق ، ولذا لو أخذه بدون رضاء المالك يكون غصبا ، فإن رجع إلى كونه مالا يرجع إلى كونه ملكا لمن زال ملكيّته ، فكذلك بالنسبة إلى كونه رهنا أنّها تعود إلى حالتها الأولى ، وكونها رهنا بعد زوال تلك الحالة بواسطة إسقاط الشارع ماليّتها.
وبعبارة أخرى نقول : فكما أنّ الأولويّة باعتبار الملك باقية وإن خرجت عن الملك ، فيعود إلى كونها ملكا له بعد عودها إلى الملكيّة بواسطة صيرورتها مالا ، فكذلك باقية باعتبار كونها وثيقة ورهنا وإن خرجت عن كونها وثيقة ورهنا بواسطة سقوطها عن الملكيّة ، فتعود بعودها إلى الملكيّة.
وفيه : أنّ هذا قياس مع الفارق ، والفرق هو أنّ الملكيّة ، لا تزول بجميع مراتبها ، بل تبقى مرتبة ضعيفة منها تسمّى بالأولويّة ، ولذلك لو أخذه غيره منه بدون إذنه أو رضائه يكون غصبا ، ولذلك لو عاد ماليّته يصير ما كان مملوكا له بالمرتبة الضعيفة ملكا تامّا قابلا لجميع التصرّفات الجائزة تكوينا وتشريعا ، بخلاف الوثاقة والرهانة فإنّها تزول بجميع مراتبها ولا يبقى منها شيء ، فلا بدّ لرجوعها من سبب جديد.
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ التوثّق أيضا لا يزول بجميع مراتبه ، بل تبقى مرتبة ضعيفة منه وهي إمكان تحصيل ماله ودينه منها ولو بتخليلها ، وهذا عند العرف والعقلاء مرتبة من الاستيثاق من ماله ، فإذا رجع إلى كونه ملكا يرجع إلى كونه رهنا ووثيقة تامّة. هذا وجه بقائه.
وأمّا وجه عدم بقائه هو زوال الملكيّة ، فقهرا يزول كونها رهنا ووثيقة. وممّا ذكرنا يظهر لك ما هو الحقّ في المقام ، وهو بقاء مرتبة من الاستيثاق بعد أن صار العصير المرهون خمرا ، بل المعروف هو أنّ كلّ عصير أرادوا أن يجعلوه خلاّ صار أوّلا خمرا ثمَّ يصير خلاّ ، فلو قلنا إنّ الرهانة تزول بصيرورة العصير خمرا ولا تعود بصيرورته خلاّ ، يلزم منه عدم صحة جعل العصير ـ الذي بناؤهم على جعله خلاّ ـ رهنا من أوّل الأمر ، لكونه لغوا لأنّه تزول ولا تعود ، وهو ممّا لا يمكن الالتزام به.
فرع : لو رهن على دينه مالا ، ثمَّ استدان من ذلك المرتهن دينا آخر ، جاز جعل ذلك الرهن رهنا على الدين الثاني أيضا ، فيكون رهنا على الاثنين. ولا فرق في ذلك بين أن يكون الدين الثاني مساويا مع الدين الأوّل في القدر والجنس ، أو مخالفا معه في الاثنين ، أو في أحدهما.
وذلك من جهة أنّه كان له من أوّل الأمر أن يجعله رهنا على دينين في ذمّته لشخص ، فكذلك لا مانع من جعله رهنا عليهما بالتقديم والتأخير بأن يجعله على أحدهما ثمَّ يجعله على الآخر فيما بعد. ولا فرق أيضا بين أن يكون الدينان كلاهما موجودين في زمان الرهن الأوّل ، أو وجد الثاني بعد الرهن الأوّل كما هو المفروض والمذكور في المقام ، وجميع ذلك لعدم التنافي بين كونه رهنا أوّلا ، وبين جعله رهنا ثانيا على الدين الثاني.
إن قلت : إذا امتنع الراهن من أداء دينه الأوّل مثلا ، أو أفلس ، فحيث يجوز بيع الرهن لاستيفاء حقه فلو لم يزد قيمة الرهن على الدين الأوّل فلا يبقى محلّ للاستيثاق من الدين الثاني.
قلنا : أوّلا أنّه ينقض عليه بأنّه لو تلف الرهن قبل حلول الأجل أيضا لا يبقى محلّ للاستيثاق ، ولا شكّ في صحّة الرهن وإن تلف فيما بعد ، ولا يشترط في صحّة بقاء العين المرهونة إلى زمان حلول الأجل وإمكان استيفاء الدين ببيعها.
وثانيا : بأنّه يجوز جعلها رهنا على الاثنين من أوّل الأمر بعقد واحد يقينا وبلا خلاف ، مع أنّه لا فرق في ورود هذا الإشكال بينهما ، لأنّه فيما إذا كان الرهن لدينين بعقد واحد إذا حلّ أجل أحد الدينين قبل الآخر ولم يؤدّ الراهن لفلس أو غيره ، فللمرتهن بيعه واستيفاء دينه منه ، فلا يبقى موضوع للاستيثاق من دينه الآخر.
وثالثا : حيث أنّ المفروض أنّ الدين الأوّل والثاني من شخص واحد ، فإذا كانت العين المرهونة قيمتها وافية بكلا الدينين فيستوفي الاثنين ، وإن كانت أقلّ فيكون حاله حال الرهن الذي يكون قيمته أقلّ من الدين ، ولا إشكال في صحّته إجماعا ، لأنّه يستوثق بذلك الرهن شطرا من ماله.
فرع : الرهن لازم من طرف الراهن وجائز من طرف المرتهن ، وادّعى في التذكرة الإجماع على ذلك (34) وقال في الجواهر : بلا خلاف أجده فيه (35).
والدليل على ذلك ـ مضافا إلى الإجماع ـ أصالة اللزوم في جميع العقود العهديّة التي منها الرهن. وحيث التزم الراهن يكون ماله رهنا عند الدائن ووثيقة لماله ، فالتزامه بذلك يكون برعاية حفظ مال الدائن فيكون له حقّا على المديون ، فيجب على المديون الوفاء بهذا الإلزام والوقوف عند ما التزم به ، فليس له التصرّف في العين المرهونة إلاّ بإذن المرتهن ولا إتلافها ولا نقلها بالنواقل الشرعيّة المنافية لحقّ المرتهن ، كلّ ذلك لأجل أنّ للمرتهن حقّ الاستيثاق من ماله بعد وقوع هذا العقد. وهذا معنى اللزوم من طرف الراهن.
وأمّا الجواز من طرف المرتهن من جهة أنّ لكلّ ذي حقّ إسقاط حقّه فللمرتهن أن يسقط حقّه ـ أي حقّ استيفاء دينه من الرهن ـ وله أن يبرئه فيسقط ما في ذمّته من الدين ، فلا يبقى محلّ وموضوع للرهن.
والحاصل : أنّ الراهن حيث التزم للمرتهن بإعطاء الوثيقة لدينه ، فأخذه من المرتهن أو التصرّفات المنافية لكونه وثيقة ـ من إتلافه أو نقله إلى الغير ـ لا يجوز بدون إذن المرتهن ، وإذنه في بعض الأحيان في مثل تلك التصرّفات المذكورة يكون كاشفا عن إسقاط حقّه ، أو إبرائه.
ثمَّ إنّه لو أبرأه عن بعض الدين الذي وقع الرهن عليه ، فهل يبطل الرهن بتمامه ، أو يبقى بتمامه ، أو يقسط بالنسبة إلى المقدار الباقي من الدين فيبقى ، والمقدار الساقط بالإبراء فيسقط؟ وجوه ، بل أقوال.
وكذلك تأتي هذه الاحتمالات أو الوجوه فيما لو أدّى بعض الورثة نصيبه من دين مورّثه ، فعلى التقسيط يلزم القول بفكّ نصيبه من العين المرهونة ، وعلى القول بعدم التقسيط وبقائه رهنا على الباقي من الدين لا ينفكّ شيء من الرهن.
وأمّا احتمال فكّ الرهن بتمامه بأداء بعض الدين أو إبراء البعض ، فبعيد إلى الغاية ، لأنّ الغاية من الرهن هو الاستيثاق من جميع ماله ، لا من بعض دينه.
أقول : الظاهر هو التقسيط فيبطل الرهن بالنسبة إلى المقدار الذي أدّى من الدين ، أو أبرأه الدائن من ذلك المقدار ، وذلك من جهة أنّ ظاهر عقد الرهانة أنّ كلّ جزء من أجزاء هذه العين المرهونة مقابل لما يماثله من أجزاء الدين المشاعة ، فنصفه مقابل الثلث وهكذا ، بمعنى أنّ المرتهن له أن يستوفي تمام دينه من تمام هذه العين المرهونة ، ونصفه من نصفه وهكذا ، فإذا استوفى نصفه أو ابرأ المديون عن نصف دينه ، فقهرا يبطل الرهن بالنسبة إلى ذلك المقدار ، لأنّ المفروض أنّه لم يبق لذلك المقدار موضوع كي يستوفي المرتهن حقّه من الرهن فينفكّ من العين المرهونة ما هو مقابل ذلك المقدار.
وأمّا احتمال كون مجموع الرهن مقابلا لكلّ جزء من أجزاء الدين ، بأن يكون كلّ جزء من أجزاء الرهن متعلّقا للدين ، فهذا احتمال غير مفهوم.
لأنّه إن أريد منه تعلّق تمام الدين بكلّ جزء من أجزاء العين المرهونة فهذا غير معقول ، لعدم إمكان استيفاء تمام الدين من كلّ جزء من أجزاء الرهن. وإن أريد منه أنّ تمام الدين تعلّق بالرهن بنحو الانبساط فهذا يرجع إلى ما قلنا من أنّ كلّ جزء مشاع من الدين مقابل لمثله من الأجزاء المشاعة للعين المرهونة ، وهذا هو عين التقسيط. وما ذكرنا فيما إذا كان كلّ واحد من الراهن والمرتهن واحدا.
وأمّا فيما إذا تعدّدا ، فتارة يكون الراهن متعدّدا دون المرتهن ، وأخرى بالعكس ، وتارة كلاهما متعدّدان. والأوّل قد يكون التعدّد من أوّل الأمر ، وتارة يحصل بعد وقوع عقد الرهن وتماميّته.
أمّا الأوّل : أي فيما إذا كان الراهن متعدّدا من أوّل الأمر ، كما إذا كان شريكان رهنا مالا لهما في دين عليهما ، فالظاهر أنّ إطلاق الراهن ينصرف إلى كون نصيب كلّ واحد منهما رهنا لدين نفسه ، فلو كان ذلك المال الذي رهناه بينهما بالسوية مثلا ، أي لكلّ واحد منهما نصفه ، فلو أدّى أحدهما ما عليه من الدين يفتكّ نصف ذلك الرهن. ولا ينافي ذلك كون الرهن مشاعا بينهما ، لأنّ الذي يفتكّ أيضا نصفه المشاع الذي كان يملكه وجعله رهنا على دينه ، فإذا أدّى دينه يخرج عن كونه رهنا قهرا.
وأمّا إذا حصل التعدّد بعد وقوع الرهن ، كما إذا رهن المورّث ماله على دينه ثمَّ مات وانتقل الرهن إلى ورثته ، فالمال يبقى رهنا ما لم يؤدّ الورثة دين الميّت ، فيصير الراهن متعدّدا حسب تعدّد الورثة.
فلو أدّى بعض الورثة نصيبه من الدين فهل يفتكّ نصيبه من المال ، أم لا؟
يمكن أن يقال بعدم فكّ شيء من الرهن في هذا الفرض ، وذلك لأنّ المورّث جعل مجموع المال رهنا لمجموع الدين ، فما دام شيء من الدين باقيا ولو كان جزء يسيرا لا يفتكّ شيء من الرهن ، لتعلّق حقّ الدائن بمجموع العين المرهونة ، وله أن يستوفي جميع دينه من هذه العين ، فما لم يؤدّ الدين تماما وكان باقيا شيئا منه ـ وإن كان مقدارا قليلا ـ لا يسقط حقّه المتعلّق بالمجموع.
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ حقّ الدائن وإن تعلّق بالمجموع ولكن بمعنى أنّ كلّ جزء من الرهن بإزاء ما يساويه من الدين ، فيكون كلّ جزء من الرهن مقابل مثله من الدين من الكسور ، فنصف الرهن مقابل نصف الدين وهكذا ، كما تقدّم في بيان تقسيط الدين على الرهن أو بالعكس.
وأمّا لو كان المرتهن متعدّدا دون الراهن ، كما إذا رهن عند شخص فمات المرتهن وانتقل الدين إلى ورثته ، فلكلّ واحد من الورثة حقّ استيفاء حصّته من الدين من مجموع الرهن كما كان لمورّثهم ، فما دام لم يؤدّ الراهن حقّ جميع الورثة لا يفتكّ شيء من الرهن ، إلاّ على القول بالتقسيط من أوّل الأمر ، أي بالنسبة إلى نفس المورّث.
فبناء على القول بالتقسيط لو أدّى حقّ بعض الورثة يفتكّ من الرهن بتلك النسبة. هذا إذا كان التعدّد حاصلا بعد وقوع الرهن كما في المثل المذكور.
وأمّا إذا كان تعدّد المرتهن من الأوّل ، كما إذا استدان من اثنين فجعل مالا رهنا على كلا الدينين ، فلا شبهة في تعلّق حقّ كلّ واحد من الدائنين ـ أي المرتهنين ـ بذلك المال بنسبة دينه إلى مجموع الدينين ، فإن كان الدينان متساويين في المقدار من جنس واحد أو القيمة وإن كان من جنسين ، فلكلّ واحد من المرتهنين حقّ استيفاء دينه من نصف الرهن. وإن كانا مختلفين بحسب القيمة فيستحقّ كلّ واحد منهما من الرهن بنسبة قيمة ماله إلى مجموع القيمتين ، فلو كان دين أحدهما عشرة مثلا والآخر عشرين ، فصاحب العشرة يستحقّ ثلث الرهن. وهكذا في جميع صور الاختلاف ، والوجه واضح.
فرع : الرهن أمانة مالكيّة عند المرتهن ، فيد المرتهن عليه يد أمانة لا يد ضمان ، فلو تلف الرهن في يد المرتهن وبدون تعدّ ولا تفريط لا يضمن ، لأنّ سبب الضمان في المفروض هي يد غير المأذونة. وفي المقام ليس كذلك إذ هو أمانة مالكيّة ، أي يكون عند المرتهن بإذن المالك ، فيكون من قبيل العين المستأجرة التي سلمها المالك إلى المستأجر لاستيفاء المنفعة منها ، والمفروض أنّه ليس تعدّ ولا تفريط في البين كي يقال بخروج اليد عن كونها أمانة وصيرورتها عادية.
فلا تكون يد المرتهن على الرهن مشمولة لقاعدة « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤديها » ، لأنّ المراد باليد في تلك القاعدة هي اليد غير المأذونة ، أو إذا كانت مأذونة ولكن صدر من ذي اليد تعدّ أو تفريط ، والمفروض في المقام أنّ اليد مأذونة وليس تعدّ ولا تفريط في البين ، وليس من موجبات الضمان ما هاهنا سبب وموجب آخر من إتلاف ، أو تعدّ ، أو تفريط ، أو عقد ، أو غير ذلك.
وقد حكى الإجماع من جماعة على عدم ضمان المرتهن فيما إذا تلف الرهن عنده.
قال في الجواهر ـ في شرح عبارة الشرائع « [ الرهن ] أمانة في يده لا يضمنه لو تلف منه بغير تفريط » ـ ، بلا خلاف أجده فيه بيننا (36).
ولكن أنت خبير بأنّ عدم الخلاف ـ وإن تحقّق وحصل ـ لا يكون من الإجماع المصطلح الأصولي الذي أثبتنا حجيّته مع وجود هذه المدارك ، أي كون عدم ضمانه مفاد القاعدة الأوّليّة ، وهو عدم وجود سبب للضمان في البين ، ووجود أخبار صحيحة صريحة دالّة على عدم الضمان. وبعض الأخبار التي تدلّ على الضمان ليست قابلة لأن تعارض الطائفة الأولى ، لخروجها مخرج التقيّة لموافقتها للعامّة.
الطائفة الأولى ، أي الأخبار الدالّة على عدم ضمان المرتهن لو تلف الرهن عنده بدون تعدّ ولا تفريط :
منها : ما رواه جميل بن درّاج ، عن الصادق عليه السلام قال : قال أبو عبد الله عليه السلام في رجل رهن عند رجل رهنا فضاع الرهن ، قال : « هو من مال الراهن ، ويرجع المرتهن عليه بماله » (37).
ومنها : ما رواه أبان بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال في الرهن : « إذا ضاع من عند المرتهن من غير أن يستهلكه رجع بحقه على الراهن فأخذه وان استهلكه ترادّا الفضل بينهما » (38).
وروى هذه الرواية بطرق آخر ، كما هو مذكور في الوسائل (39).
ومنها : ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يرهن عند الرجل الرهن فيصيبه توى أو ضياع قال : « يرجع بماله عليه » (40).
ومنها : ما رواه إسحاق بن عمّار ، عن أبي إبراهيم عليه السلام قال : قلت : الرجل يرتهن العبد فيصيبه عور ، أو ينقص من جسده شيء على من يكون نقصان ذلك؟ قال : « على مولاه ». قلت : إنّ الناس يقولون : إن رهنت العبد فمرض أو انفقأت عينه فأصابه نقصان من جسده ينقص من مال الرجل بقدر ما ينقص من العبد ، قال : « أرأيت لو أنّ العبد قتل قتيلا على من يكون جنايته؟ » قال : جنايته في عنقه (41).
ومنها : ما رواه الحلبي أيضا ، في الرجل يرهن عند الرجل رهنا فيصيبه شيء أو ضاع قال : « يرجع بماله عليه » (42).
ومنها : ما رواه إسحاق بن عمّار أيضا ، قال : قلت لأبي إبراهيم عليه السلام الرجل يرهن الغلام أو الدار فتصيبه الآفة ، على من يكون؟ قال : « على مولاه ـ ثمَّ قال : ـ أرأيت لو قتل قتيلا على من يكون؟ » قلت : هو في عنق العبد قال : « ألا ترى فلم يذهب مال هذا ـ ثمَّ قال : ـ أرأيت لو كان ثمنه مائة دينار فزاد وبلغ مأتي دينار لمن كان يكون؟ » قلت : لمولاه قال : « كذلك يكون عليه ما يكون له » (43).
وأخبار آخر ذكرها في الوسائل (44) تدلّ أو تؤيّد ما ذكرنا ، من عدم ضمان المرتهن لو تلف الرهن عنده من دون تعدّ منه ولا تفريط ومن غير أن يستهلكه.
الطائفة الثانية : ما ادّعى أنّ ظاهرها ضمان المرتهن وان لم يكن تعدّ أو تفريط :
فمنها : ما رواه أبي حمزة ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول على عليه السلام « يترادّان الفضل » فقال عليه السلام « كان على عليه السلام يقول ذلك » قلت : كيف يترادّان؟ فقال : « إن كان الرهن أفضل ممّا رهن به ثمَّ عطب ردّ المرتهن الفضل على صاحبه ، وإن كان لا يسوى ردّ الراهن ما نقص من حقّ المرتهن قال : وكذلك كان قول على عليه السلام في الحيوان وغير ذلك » (45).
ومنها : ما رواه ابن بكير قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام في الرهن؟ فقال : « إن كان أكثر من مال المرتهن فهلك أن يؤدّى الفضل إلى صاحب الرهن ، وإن كان أقلّ من ماله فهلك الرهن أدّى إليه صاحبه فضل ماله ، وإن كان الرهن سواء فليس عليه شيء » (46).
ومنها : ما رواه محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الرهن إذا كان أكثر من مال المرتهن فهلك ، أن يؤدّى الفضل إلى صاحب الرهن. وإن كان الرهن أقل من ماله فهلك الرهن ، أدّى إلى صاحبه فضل ماله. وإن كان الرهن يسوى ما رهنه ، فليس عليه شيء (47).
ومنها : ما رواه عبد الله بن حكم قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل رهن عند رجل رهنا على ألف درهم والرهن يساوي ألفين وضاع ، قال : « يرجع عليه بفضل ما رهنه ، وإن كان أنقص ممّا رهنه عليه رجع على الراهن بالفضل ، وإن كان الرهن يسوى ما رهنه عليه فالرهن بما فيه » (48).
ولا شكّ في أنّ لهذه الطائفة ظهور إطلاقي في ضمان المرتهن وإن لم يكن من طرفه استهلاك أو تعدّ أو تفريط ، ولكن يقيّد هذا الإطلاق بالطائفة الأولى بحمل الثانية على مورد التفريط ، كما حملها الصدوق (49) والشيخ (50) وغيرهما على ذلك ، فلا تعارض في البين. وهذا جمع عرفي يرفع التعارض.
مضافا إلى إعراض الأصحاب جميعا عن هذه الطائفة الثانية فتسقط عن الحجيّة كما هو المقرّر في الأصول ، وأنّ إعراض الأصحاب كاسر كما أنّ عملهم برواية جابر لضعف سندها.
مضافا إلى أنّها موافقة للعامّة وهذا أيضا موجب لسقوط حجّيتها ، مع وجود المعارض المخالف فلا ينبغي أن يشكّ في هذا الحكم ، أى عدم ضمان المرتهن لو تلف الرهن عنده من غير تعدّ ولا تفريط.
فرع : يجوز للمرتهن اشتراء الرهن من الراهن بما رهن عليه ، أو بغيره بلا إشكال. ولا كلام سواء كان البائع هو نفس الراهن أو من يقوم مقامه ، كما إذا كان وكيله أو وليّه.
نعم ربما يقال بعدم جواز ابتياعه من نفسه لو كان هو الوكيل عن قبل المالك الراهن ، وذلك لأحد وجهين :
الأوّل : اتّحاد البائع والمشتري. وهو واضح البطلان ، لأنّهما مختلفان باعتبار الأصالة والوكالة.
الثاني : انصراف الوكالة إلى البيع من غيره لا من نفسه. وهذا دعوى بلا برهان ، فإنّ الإطلاق يشمله كما يشمل غيره ، وعدم خصوصيّته فيه تكون مانعة من شمول الإطلاق له ، خصوصا فيما إذا كان الفرض من توكيل الراهن إيّاه بيعه بثمنه من أيّ مشتر كان ، كما هو المراد غالبا في أمثال هذه الموارد.
فإذا أعطى متاعه للدلاّل لأن يبيعه ليس نظره إلى أن يبيعه من شخص خاصّ بل من أيّ مشتر كان ، بل المراد أخذ ثمنه ، ولذلك لو اشتراه الدلاّل لنفسه بقيمته الواقعيّة من دون غبن ولا خسارة يكون البيع صحيحا ، ولا وجه للإشكال فيه.
ودعوى الانصراف إلى البيع من غيره لا أساس لها. نعم لو صرّح بذلك وقيّد الوكالة بأن يكون وكيلا في بيعه من غير نفسه فله ذلك ، وحينئذ لا يجوز بيعه من نفسه. وهذه مسألة لا اختصاص لها بباب الرهن ووكالة المرتهن من قبل الراهن ، بل تأتي في مطلق الوكلاء في مطلق المعاملات ، في البيوع والإجارات وغيرهما ، بل تأتي في كونه وكيلا في إيصال الحقوق إلى مستحقّيها ، كالزكوات ، والأخماس ، والصدقات الواجبة غير الزكاة ، وردّ المظالم ، والصدقات المستحبّة وغير ذلك.
فرع : لو تصرّف المرتهن في الرهن بدون إذن الراهن خرجت يده عن كونها يد أمانة وصارت يد ضمان ، وذلك من جهة صيرورتها يد تعدّ وغير مأذونه ، فتكون مشمولة لعموم « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤديها » (51).
فلو كان تصرّفه فيه باستيفاء منفعة منه ، كركوب الدابّة أو سكنى الدار مثلا ، فعليه أجرة المثل ، ولو كان بأكل الثمرة وكلّ نماء منفصل فيكون ضامنا لتلك المنفعة المنفصلة.
وذلك النماء المنفصل ـ كثمرة الشجرة وطيب الماشية وصوف الأغنام وأمثال ذلك ـ فإن كان مثليّا فضمانه بالمثل ، وإن كان قيميّا فبالقيمة على قواعد باب الغصب.
وأمّا بالنسبة إلى نفس العين المرهونة فتكون مضمونة عنده ، فلو بقيت سالمة عنده بدون أيّ نقص فيها فيردّها ، وإن تلفت أو تلف شيء من صفاتها أو بعضها يكون ضامنا للتالف على قواعد باب الغصب ، من كونه ضامنا لمثله في المثليّات ، ولقيمته في القيميّات من قيمة يوم التلف ، أو وقت التعدّي ، أو وقت المطالبة ، أو وقت الأداء على اختلاف الأقوال في ضمان المغصوب القيمي ، فكلّ على مبناه.
وخلاصة الكلام : أنّ العين المرهونة بعد ما كانت أمانة في يد المرتهن إذا كانت في يده بإذن الراهن ، لو تصرّف المرتهن فيها بدون إذن الراهن تخرج عن كونها أمانة ويجرى عليها أحكام الغصب.
وما ذكرنا كان مقتضى القواعد الأوّلية في باب الغصب والأمانات ، وقد وردت أيضا مطابقا لما ذكرنا من كون منافع العين المرهونة للمالك الراهن روايات :
منها : ما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « قضى أمير المؤمنين عليه السلام في كلّ رهن له غلّته أنّ غلّته تحسب لصاحب الأرض مما عليه » (52).
ومنها : ما رواه محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السلام : « إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال : في الأرض البور يرتهنها الرجل ليس فيها ثمرة فزرعها وأنفق عليها ماله أنّه يحتسب له نفقته وعمله خالصا ، ثمَّ ينظر نصيب الأرض فيحسبه من ماله الذي ارتهن به الأرض حتّى يستوفي ماله ، فإذا استوفى ماله فليدفع الأرض إلى صاحبها » (53).
وروايات أخر ذكرها صاحب الوسائل في الباب العاشر من أبواب أحكام الرهن (54).
فرع : لا يجوز للمرتهن التصرّف في الرهن بدون إذن الراهن كما تقدّم في الفرع السابق ، ولكن قد يقال بأنّه لو كان للرهن مئونة فأنفق المرتهن عليه ، مثل أن كان الرهن دابّة مثلا فعلفها فله أن يركبها ، أو كان شاة فله أن يشرب حليبها ، أو بستانا ونخيلا فسقاها فله أن يأكل من ثمرها.
وبعبارة أخرى : له أن ينتفع بالرهن عوض النفقة التي يبذلها له.
والكلام في هذا المقام تارة باعتبار القواعد الأوليّة فيما إذا كان مال الغير تحت يده بإذن صاحبه أو لحقّ له في ذلك ، وأخرى باعتبار النصوص الواردة في هذه المسألة.
فنقول : أمّا بالاعتبار الأوّل : فلا شكّ في أنّ نفقة المال على صاحبه ، وتسمّى بنفقة الملك ، فإن تصدّى غيره إمّا بإذن منه ، أو لوجوبه عليه من جهة لزوم حفظ حيوان المحترم فيما لم يكن هناك من ينفق عليه ولم يقصد كونه مجانا ، فيكون ما أنفق في ذمة المالك. فحينئذ لو استوفى منفعة ذلك المال الذي جعل رهنا ، سواء كانت من النماءات المنفصلة أو المتّصلة أو لم يكن شيء منهما بل كان صرف انتفاع له مالية عند العقلاء والشرع ، فإن كانت تلك المنفعة مساوية مع ما بذله يتهاتران قهرا ، وعند العدم يردّ الزائد على الراهن فيما إذا كانت المنفعة زائدة ، ويأخذ منه إن كانت النفقة أزيد ، وهذا أمر مسلّم.
وأمّا بالاعتبار الثاني : أي النصوص الواردة في المقام ، فظاهرها جواز الانتفاع بالرهن لو أنفق عليه ، سواء كان الإنفاق مساويا مع الانتفاع بحسب القيمة ، أو كانا متفاضلين.
فمنها : رواية أبي ولاّد قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأخذ الدابّة والبعير رهنا بماله له أن يركبه؟ قال : فقال عليه السلام : « إن كان يعلفه فله أن يركبه ، وإن كان الذي رهنه عنده يعلفه فليس له أن يركبه » (55).
ومنها : رواية السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن على : قال : « قال رسول الله صلى الله عليه واله : الظهر يركب إذا كان مرهونا ، وعلى الذي يركبه نفقته ، والدّر يشرب إذا كان مرهونا ، وعلى الذي يشرب نفقته » (56).
والروايتان مطلقتان تشملان صورة تساوى النفقة مع المنفعة المستوفاة وعدم تساويهما ، وأيضا مطلقتان بالنسبة إلى صورة إذن الراهن في التصرّف وعدمه.
ولكنّ الإنصاف أنّه لا يمكن الأخذ بهذين الإطلاقين ، مع إعراض جلّ الأصحاب عنهما ، ومخالفتهما للقواعد المقرّرة في باب استيفاء منافع مال الغير بدون إذنه ، أو مع إذنه ولكن لم يقصد المالك كونه مجانا.
فالأحسن حمل الروايتين على صورة تساوى النفقة مع المنفعة المستوفاة وكون المرتهن مأذونا عن قبل الراهن ، بقرينة أنّه رهنه ولم ينفق عليه ، حيث أنّ بناء العرف والعادة أنّهم إذا رهنوا حيوانا ولم ينفقوا عليه على أنّ للمرتهن التصرّف والانتفاع به عوض إنفاقه عليه.
فرع : يجوز للمرتهن استيفاء دينه ممّا في يده من الرهن إن مات الراهن وخاف جحود الورثة للدين أو الرهانة ، لو اعترف بأنّ ما في يده رهن من قبل الميّت على دين في ذمّته ، وليست له بيّنة مقبولة بحيث يكون قادرا على إثبات دينه وأنّ ما في يده رهن عليه ، وذلك لحفظ ماله وعدم تضييعه. وقد تقدّم أنّ أصل تشريع الرهن لأجل هذه الجهة.
وأما الإشكال على هذا ـ بأنّ الرهن بعد موت الراهن انتقل إلى الورثة ، وليس للمرتهن استيفاء دينه من مال غير المديون ، لأنّ المديون هو الميّت لا الورثة ـ فليس بشيء لأنّ الرهن ينتقل إلى الورثة بما هو متعلّق لحقّ الغير ، فإنّ ملكيّة الوارث ليس بأشدّ من ملكيّة المورث لأنّه فرعه ، وما كان له ينتقل إلى وارثه لا ما ليس له.
فكما أنّه لو كان حيّا وكان استيفاء الدين منه متعذّرا لفلس ، أو كان متعسّرا لمطل كان للمرتهن استيفاء دينه من ذلك الرهن ولو كان بدون رضاء المالك الراهن وإذنه ، فكذلك الأمر بعد انتقاله إلى الورثة.
هذا ، مضافا إلى ادّعاء الإجمال على هذا الحكم (57) نعم لو أقرّ واعترف بأنّ ما عنده مال الميّت وهو رهن عنده على دين له في ذمّة الميّت ، فيؤخذ بإقراره وللورثة انتزاع ما في يده ، وعليه إثبات أنّه رهن على دين له في ذمّة الميّت على قواعد باب القضاء.
وقد وردت رواية أيضا في كلا الأمرين. فالأوّل أي جواز استيفاء دينه ممّا في يده إن لم تكن له بيّنة ، أي : ليس قادرا على الإثبات. والأمر الثاني أي لو اعترف وأقرّ بأنّ ما في يده للميّت يؤخذ منه ويكلّف بالبيّنة على قواعد باب القضاء.
وهي مكاتبة سليمان بن حفص المروزي ، أو عبيد بن سليمان كتب إلى أبي الحسن عليه السلام في رجل مات وله ورثة ، فجاء رجل فادّعى عليه مالا وأنّ عنده رهنا ، فكتب عليه السلام : « إن كان له على الميّت مال ولا بيّنة عليه ، فليأخذ ماله بما في يده ، وليردّ الباقي على ورثته. ومتى أقرّ بما عنده أخذ به وطولب بالبينة على دعواه وأوفى حقّه بعد اليمين ، ومتى لم يقم البيّنة والورثة ينكرون ، فله عليهم يمين علم يحلفون بالله ما يعلمون أنّ له على ميّتهم حقّا » (58).
وظاهر هذه الرواية جواز استيفاء المرتهن دينه من الرهن من غير تقييده بالعلم أو الظنّ بجحود الورثة أو خوف الجحود ، بل جعل موضوع جواز الاستيفاء فيها هو أن يكون له على الميّت مال ولم تكن له بيّنة على أنّ الميّت مديون له وهذا الذي عنده رهن على دينه.
ولكن تعليق الحكم على أن يكون له مال في ذمّة الميّت مع عدم البيّنة ، له ظهور عرفي في أن يكون ماله بواسطة عدم البيّنة في معرض الإتلاف ، وهذا هو المراد من خوف جحود الورثة ، فلا يحتاج إلى العلم بجحودهم ، بل بصرف الاحتمال العقلائي بحيث يكون موجبا لسلب الاطمئنان يجوز بيعه واستيفاء دينه منه. وعلى هذا أيضا ادّعى الإجماع في مجمع البرهان (59) وشرح الإرشاد (60) والقول بأنّ الرواية مطلقة من ناحية الخوف لا أساس له.
فرع : لو مات المرتهن ولم يعلم بوجود الرهن في تركته ولم يعلم تلفه في يده بتفريط منه ، فلا يحكم بكونه في ذمّته ، وذلك لعدم الدليل على ضمانه لأصالة برأيه ذمّته. وبصرف أنّه كان عنده لا يثبت ضمانه ، لاحتمال تلفه من دون تعدّ وتفريط من قبله ، فيكون تمام تركته لوارثه إذا لم يعلم أنّ فيها من الرهن شيء.
وخلاصة الكلام : أنّ يد المرتهن حيث أنّها أمانيّة مالكيّة فلا تشمله قاعدة « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤديها ». وقاعدة الإتلاف لا تأتي ، للشكّ في موضوعها وأنّ المرتهن أتلفه ، فلا موجب للضمان.
نعم لو ثبت وجدانا أو تعبّدا وجوده في التركة ، يجب على الورثة ردّه إلى الراهن أو ورثته مع تميّزه أو يكون شريكا مع الورثة مع المزج أو الخلط الذي لا يمكن فصله عنها ويكون الفصل متعذّرا بل وإن كان ممكنا ولكن كان متعسرا.
ولذلك قال بعض أساتيذنا في هذا المقام : نعم لو علم أنّه قد كان موجودا في أمواله الباقية إلى بعد موته ، ولم يعلم أنّه بعد باق فيها أم لا ، كما إذا كان سابقا في صندوقه داخلا في الأموال التي كانت فيه وبقيت إلى زمان موته ، ولم يعلم أنّه قد أخرجه وأوصله إلى مالكه أو باعه واستوفى ثمنه أو تلف بغير تفريط منه أم لا ، لم يبعد أن يحكم ببقائه فيها ، فيكون بحكم معلوم البقاء.
وحاصل هذا الكلام : أنّه بواسطة جريان استصحاب البقاء في التركة الموجودة يحكم بوجوب إخراجه إلى الراهن ، وكونه شريكا مع الورثة فيما إذا لم يتميّز ولم نقل بإخراجه بالقرعة.
ولا يتوهّم أنّه دائما يكون الأمر من هذا القبيل ، لأنّه دائما بعد أخذ الرهن وقبضه من طرف المرتهن يدخل في جملة أمواله التي تكون تحت يده ، غاية الأمر تكون يده على الرهن أمانيّة ، وعلى أمواله مالكيّة. وهذا لا يوجب فرقا في المقام ، لأنّه لا شغل لنا بكون اليد من أيّ القسمين ، بل المقصود هو وجود الرهن في التركة وبقاؤه إلى ما بعد وفاته ، وهذا المعنى يثبت بالاستصحاب في جميع الموارد.
وذلك من جهة أنّ الاستصحاب في غير الصورة المفروضة يكون مثبتا ، لأنّ بقاءه في التركة في غير هذه الصورة المذكورة من لوازم بقاء العين المرهونة عقلا ، وإلاّ فبقاؤه في التركة الموجودة ليس عين بقائه ولا من لوازمه الشرعيّة ، وذلك لإمكان أن يكون باقيا ولم يتلف ، ولكن أودعه عند شخص أمين ، أو أخفاه ، أو دفنه في مكان لحفظه ، وكتب اسم ذلك الشخص أو ذلك المكان ولكن ضاع الكتاب بعد موته ، ولم يطلع الورثة على ذلك الكتاب كي لا يقال أنّه صار ضامنا لتفريطه بواسطة عدم الكتابة.
وعلى كلّ حال بصرف وصوله إلى يد المرتهن لا يمكن إثبات أنّه في التركة الموجودة باستصحاب بقائه وعدم تلفه ، وأيضا لا يمكن إثبات كونه في ذمّة المرتهن لكي يؤدّي من تركته ، لأصالة عدم تلفه أو عدم تفريطه وإن تلف.
ولا شكّ في أنّ مع وجوده وعدم تلفه ، أو عدم تفريطه وإن تلف ، لا يكون المرتهن ضامنا ، لكون يده يد أماني لا ضماني فيها ، إلاّ مع التعدّي والتفريط ، وهما منفيّان بالأصل ، فيكون جميع التركة للورثة ظاهرا حسب الأصول الجارية في المسألة ، وإن كان في الواقع بعضها للراهن ، كما هو الحال في جميع صور خطاء الأصول والأمارات ، بناء على ما هو الحقّ عندنا من عدم صحّة جعل المؤدّي في الأصول والأمارات وبطلان القول بالتصويب.
وقد ذكر في الجواهر لهذا الفرع ستة صور :
الأولى : هي العلم بوجود العين المرهونة في التركة.
وحكمها واضح ، وهو أنّه لو عرف متميّزا عن غيره من دون اشتباه مع غيره ومن دون خلط ولا مزج ، فيجب على الورثة ردّه إلى الراهن المالك له. وأمّا مع الخلط المتعسّر فصله أو المزج ، فيكون شريكا مع صاحب الآخر المخلوط أو الممزوج ، ومع الاشتباه فالقرعة أو التصالح.
الثانية : أن يعلم أنّه كان عند الميّت ولم يعلم كونه في التركة أو تلف بغير تفريط أو لا.
وحكمها أصالة براءة ذمّة الميّت ، لاحتمال تلفه بغير تفريط ، فلا ضمان. وأيضا لاحتمال كونه في التركة مع عدم تقصير الميّت في الوصية به والإشهاد عليه ، كي لا يكون ضامنا من هذه ، إذ ترك الوصيّة والإشهاد بمنزلة الإتلاف يوجب الضمان.
وأمّا التركة فحيث ليس أمارة أو أصل يثبت كونه فيها ، لاحتمال تلفه بغير تفريط فيحكم بظاهر الحال أنّ جميعها للورثة ، وأصالة عدم تلفه وبقائه مثبت بالنسبة إلى كونه في التركة ، فمقتضى عمومات الإرث كون جميع ما صدق عليه عنوان « ما تركه الميّت » لورثته.
ولا يتوهّم أنّ كون جميع المال من مصاديق « ما ترك » مشكوك ، فلا يمكن التمسّك بمثل هذا العموم ، لأنّها من الشبهة المصداقيّة لنفس العامّ.
وذلك لأنّ يد الميّت عليها أمارة الملكيّة ، فيصدق عنوان « ما ترك » على الجميع. نعم لو علمنا أنّه كان فيما ترك إلى زمان الموت ، ولكن احتملنا تلفه بغير تفريط بعد ذلك وصدق ما ترك على الجميع مشكوك ذلك العلم.
الثالثة : أن يعلم كونه عنده كذلك ، ولكن ليس في التركة قطعا.
وحكمها عدم ضمان الميّت ، لاحتمال أن يكون تلف بغير تفريط ، فالضمان مشكوك ومورد جريان البراءة. وأمّا التركة فالمفروض أنّه ليس فيها قطعا ، وأيضا من المحتمل أنّه قبل موته رده إلى صاحبه ، أو باعه واستوفى دينه منه.
الرابعة : أن يعلم تلفه في يده ، ولكن لم يعلم أنّه بتفريط أو لا.
فحكمها أيضا عدم الضمان ، لأنّ الضمان في هذه الصورة متوقّف على التفريط ، والأصل عدمه.
الخامسة : أن يعلم أنّه كان عنده إلى أن مات وأنّه لم يتلف منه ، إلاّ أنّه لم يوجد في التركة.
وحكمها مع عدم تقصير من قبل الميّت بترك الوصية والإشهاد براءة ذمّة الميّت وكون جميع التركة للورثة. نعم لو ادّعى الراهن على الورثة أو على غيرهم كونه في يدهم أو أنّهم أتلفوا ، فيرجع المسألة إلى باب القضاء ، ويجرى فيها أحكام القضاء من كون المدّعى عليه البيّنة ، والمنكر عليه اليمين.
السادسة : مثل الصورة الخامسة عينا إلاّ أنّه يحتمل التلف بعد الموت. وحكمها مثل الصورة السابقة عينا إلاّ أن يدّعى الراهن تقصير الميّت في الوصيّة أو في ترك الإشهاد ، فيرجع المسألة إلى القضاء ، ويجرى فيها موازينها. أو يدّعى إتلاف الورثة أو غيرهم ، فأيضا يرجع إلى باب القضاء ، ويجرى فيها موازينها.
هذا كلّه فيما إذا علم بأصل الرهن وأنّ لهذا الدين كان رهنا (61).
وأمّا إذا شكّ في أنّه هل كان لهذا الدين رهن أم لا ، فلا شكّ في أماريّة اليد وأنّ جميع المال للميّت وانتقل منه إلى الورثة ، والأصل عدم تحقّق رهن في البين.
فرع : لو صار مفلسا وحجر عليه ، أو مات وما يملكه في الأولى لا يفي بديونه كما هو المفروض ، وفي الصورة الثانية تركته لا تفي بديونه ـ وقد لا يكون له مال أو تركة غير ما رهن عند بعض الديان ـ فهل المرتهن مقدّم على سائر الديّان في استيفاء دينه من العين المرهونة عنده؟ فإن فضل شيء فالفاضل لسائر الغرماء ، أو كلّهم شركاء فيها تتوزّع بينهم بنسبة حصص ديونهم ، أو يفصّل بين أن يكون الراهن حيّا وقد حجر عليه لفلس أو غيره فالأوّل ، وبين أن يكون ميّتا فالثاني؟
أقول : أمّا فيما إذا كان الراهن حيّا ، فالظاهر عدم الخلاف في أنّ المرتهن أحقّ من سائر الغرماء باستيفاء دينه منها ومقدّم عليهم ، مضافا إلى أنّ هذا هو علّة تشريع الرهن ، لقولهم : في أكثر أخبار الباب : « لا بأس به استوثق من مالك » (62) ومعلوم أنّ الاستيثاق لا يحصل إلاّ بتقديمه على سائر الغرماء ، بل لفظ « الرهن » يفيد هذا المعنى.
وأمّا فيما إذا كان ميّتا ، فالمشهور قائلون أيضا بتقديم المرتهن على سائر الغرماء ، ولكن هناك روايتان ظاهرتان في عدم تقديم المرتهن على سائر الغرماء ، بل كلّهم شركاء في العين المرهونة بنسبة ديونهم :
إحديها : رواية عبد الله بن الحكم قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أفلس وعليه دين لقوم ، وعند بعضهم رهون وليس عند بعضهم ، فمات ولا يحيط ماله بما عليه من الدين ، قال عليه السلام : « يقسّم جميع ما خلف من الرهون وغيرها على أرباب الدين بالحصص » (63).
الثانية : رواية سليمان بن حفص المروزي قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام في رجل مات وعليه دين ولم يخلف شيئا إلاّ رهنا في يد بعضهم ، فلا يبلغ ثمنه أكثر من مال المرتهن ، أيأخذ بماله أو هو وسائر الديّان فيه شركاء؟ فكتب عليه السلام : « جميع الديّان في ذلك سواء ، يتوزّعونه بينهم بالحصص » (64).
ولا شكّ في ظهور هاتين الروايتين في عدم أحقّية المرتهن في استيفاء دينه من العين المرهونة وتقديمه على سائر الغرماء ، ولكنّهما حيث أعرض المشهور عن العمل بهما ـ مع أنّهما مخالفان لحقيقة الرهن والغرض منه وعلّة تشريعه ، للأخبار الكثيرة الواردة في أنّ تشريعه لاستيثاق الدائن من مال (65).
هذا ، مضافا إلى ضعف سند مكاتبة سليمان بن حفص المروزي ـ فلا مجال للعمل بهما والأخذ بمضمونهما ، فلا بدّ إمّا من حملهما على ما لا ينافي تقديم المرتهن على سائر الغرماء وإن كان الراهن ميّتا ، أو طرحهما.
نعم لو أعوز الرهن ولم يكن وافيا وقصر عن الدين وزاد الدين ، فيكون المرتهن شريكا مع سائر الغرماء بالنسبة إلى الزائد.
فرع : لو أذن المرتهن بيع العين المرهونة فباعها المالك ، فهل يكون عوضه رهنا وإن لم يشترط ذلك ، أم لا؟
أقول : لا إشكال في أنّ حقّ الرهانة متعلّق بنفس العين المرهونة ومتقوّم به ، ولذلك لو تلف لا يبقى محلّ لذلك الحقّ ، فلو باع وصار ملكا لشخص فإن كان مع ذلك متعلّقا لحقّ المرتهن ، فلم ينتقل إلى المشتري ملكا طلقا ، وهو خلاف الفرض ، لأنّ المفروض أنّه بعد إذن المرتهن يرتفع المانع من صحة البيع ، وينتقل الرهن إلى المشتري ملكا تامّا لا علاقة للمرتهن به أصلا.
وأمّا كون عوضه متعلّقا لحقّ المرتهن فيحتاج إلى سبب جديد ، لأنّ الحقّ الأوّل انعدم بانضمام متعلّقه عقلا ، ولا يعقل بقاؤه بدون المتعلّق ، والعوض موضوع آخر ، فكونه متعلّقا لحقّ الرهانة حقّ جديد ، ويحتاج إلى جعل وسبب جديد.
ولذلك لو أذن وشرط في ضمن عقد لازم كون عوضه رهنا ، يكون رهنا بسبب الشرط ، ولا مجال لجريان استصحاب بقاء الحقّ بالنسبة إلى عوض الرهن بعد بيع نفسه ، لأنّ الحقّ كان متعلّقا بعين الرهن ، وبنقله إلى الغير انعدم ذلك الحقّ ، وحدوث الحقّ بالنسبة إلى عوضه فردا آخر من الحقّ مسبوق بالعدم فيستصحب عدمه ، على فرض تسليم الشكّ في حدوثه.
وأمّا استصحاب الجامع بين الفردين ، فهو من القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلّي الذي لا نقول بصحّته ، والمسألة محرزة في الأصول ، وقد نقّحناه في كتابنا « منتهى الأصول » (66).
نعم ربما يكون الشرط شرطا ضمنيّا حسب متفاهم العرف من الكلام ، أو يكون الإذن في البيع مبنيّا عليه حسب ما بينهما من القرائن المحتفّة بالكلام.
وعلى كلّ حال سقوط حقّه بوقوع البيع لا بالإذن فيه ، لأنّه لم يسقط حقّه ، وإنّما نقول بسقوطه من جهة انعدام متعلّقه وعدم معقوليّة بقائه ، ولا ينعدم إلاّ بنفس البيع خارجا لا بالإذن فيه.
وممّا ذكرنا ظهر أنّ للمرتهن الرجوع عن إذنه قبل البيع ، لأنّه قبله حقّه باق لم يسقط ، فله أن يرجع عن إذنه إذ الإذن ليس من العقود اللازمة كي يجب الوفاء به والبقاء عنده. نعم لو قيل بسقوط حقّه بصرف الإذن فيصير أجنبيا عن الرهن ، ويصير كما لم يكن رهن من أوّل الأمر ، فلا وجه يبقى للرجوع.
ثمَّ إنّ ما ذكرنا فيما لو كان إذن المرتهن قبل حلول الأجل ، وأمّا لو كان بعد حلول الأجل فحيث أنّ المرتهن كان له أن يستوفي دينه من ثمنه بأن يبيعه هو بنفسه ، أو يوكل غيره في بيعه ، أو يبيعه المالك بإذنه ، فإذنه بالبيع لا ينافي حقّ الاستيفاء من ثمنه ، فبإذنه لا يسقط مثل هذا الحقّ. وهذا ليس من حقّ الرهانة كي يقال بعدم معقوليّة بقائه بعد البيع ، بل من آثار حقّ الرهانة الذي كان له قبل البيع ، وهذا واضح جدّا.
فرع : لو أذن الراهن للمرتهن في بيع الرهن ، فتارة يكون بيعه قبل حلول الأجل ، وأخرى بعده.
أمّا الأوّل : فليس للمرتهن التصرّف في الثمن بدون إذن الراهن ، لدخوله بعد البيع في ملك الراهن بمقتضى المعاوضة ، والمفروض أنّه قبل حلول الأجل فلا يستحقّ فعلا على الراهن شيئا من قبل دينه ، فيكون حال ثمن الراهن حال سائر أحوال الراهن ، ليس للمرتهن إليها سبيل.
وأما بقاؤه رهنا عند المرتهن مثل معوّضه ، فقد تقدّم في الفرع السابق أنّه يحتاج إلى جعل وإرهان جديد ، لعدم معقوليّة بقاء الحقّ المتعلّق بمعوّضة بعد نقله ملكا طلقا إلى المشتري ، والمفروض أنّه ليس هناك سببا وجعلا جديدا في البين.
نعم لو اشترط شرطا جديدا على الراهن ـ بأن يكون العوض بعد البيع رهنا عنده وقلنا بلزوم الوفاء بالشرط مطلقا أو كان الشرط على الراهن في ضمن عقد لازم ، فيجب على الراهن جعله رهنا مثل معوّضة ، أو كان بنحو شرط النتيجة بأن يكون العوض رهنا ، وبنينا على تأثير الشرط في حصول مثل هذه النتيجة ـ يكون رهنا بمحض هذا الشرط ، ولا يحتاج إلى جعل جديد من قبل الراهن.
وأمّا الثاني : أي إذا كان البيع بعد حلول الأجل ولم يكن شرط في البين ، فإن كان الراهن ممتنعا عن أداء دينه بمال آخر أو بهذا الثمن ، فللمرتهن بيعه واستيفاء دينه من هذا الثمن ، فإن زاد عن دينه يسلم الفاضل إلى الراهن المالك ، وإن نقص يطالبه بالنقيصة.
ولكن هذا مع فقد الحاكم أو عدم اقتداره وان كان لعدم بسط يده ، وأمّا إن كان وكان مبسوط اليد فيجب الرجوع إلى الحاكم لإلزامه بالبيع والإذن فيه للمرتهن أو لغيره ، لقوله عليه السلام : « مجاري الأمور بيد العلماء » ولأدلّة أخرى تدلّ على أنّ الحاكم هو ولي الممتنع ، ولأنّ من عدم مراجعة الحاكم وبيعه بنفسه ـ من دون إذن المالك أو الحاكم الذي له الولاية على الجهات العامّة ـ ربما يلزم منه الهرج والمرج.
وأمّا إذا لم يكن الراهن ممتنعا عن أداء دينه وأراد إعطاء ذلك من مال آخر ، فليس للمرتهن إلزامه باستيفاء دينه من خصوص ثمن الرهن ، وهو واضح.
فرع : لو شرط المرتهن على الراهن في عقد الرهن أن يكون الرهن مبيعا بالدين الذي وقع عليه الرهن إن لم يؤدّ الدين إلى وقت كذا ، فهل هذا الشرط صحيح ويؤثّر في صيرورته مبيعا وملكا للمرتهن عوض دينه الذي يطلب من الراهن ، أو فاسد لا أثر له؟ وعلى الأخير وكون هذا الشرط فاسدا هل يوجب فساد عقد الرهن الذي وقع هذا الشرط في ضمنه أم لا؟ أقوال :
أمّا الأوّل ـ أي كون هذا الشرط فاسدا ـ فالظاهر أنّه إجماعيّ. وقال في الجواهر لم يصحّ قولا واحدا (67).
وجه الفساد والبطلان هو كون الرهن علّق على عدم أداء الدين في وقت كذا ، والتعليق موجب لبطلان البيع إجماعا ، فيكون هذا الشرط فاسدا لا اثر له شرعا.
مضافا إلى أنّ هذا من قبيل شرط النتيجة ، أي كون الرهن مبيعا ، ولم يثبت أنّ هذا الشرط يكون من أسباب وقوع الرهن مبيعا ، بل الظاهر أنّ للبيع أسبابا خاصّة لا يصحّ إلاّ بها ، فوقوعه بالشرط ولو لم يكن معلّقا لا يخلو من الإشكال.
وأمّا الثاني ـ أي فساد عقد الرهن ـ وجهه أنّه لو قلنا بأنّ فساد الشرط موجب لفساد العقد الذي وقع هذا الشرط في ضمنه ـ وبعبارة أخرى إنّ الشرط الفاسد مفسد للعقد الذي وقع في ضمنه ـ فواضح ، لأنّ المفروض أنّ هذا الشرط ، أي صيرورة الرهن مبيعا فاسد ، فالرهن الذي وقع هذا الشرط في ضمنه فاسد.
وأمّا لو لم نقل بأنّ فساد الشرط يسري إلى العقد ، والشرط الفاسد ليس بمفسد كما هو المختار عندنا ، فيكون فساد الرهن لكونه موقّتا ، أي يكون انتهاء زمانه تعذر الأداء أو عدمه. وإن لم يكن متعذّرا بل كان ميسورا ولكن الراهن يماطل في الأداء والتوقيت في الرهن بغير الأداء مبطل إجماعا ، ولأنّ التوقيت بغير الأداء والوفاء مناف للاستيثاق الذي هو علّة تشريع الرهن ، وذلك لأنّه لو خرج الرهن عن ملك الراهن حال تعذّر الأداء أو حال عدمه وإن لم يكن متعذّرا أو متعسّرا عليه ، فلا يمكن استيفاء الدين به ويخرج عن كونه رهنا.
ولكن الإنصاف أنّه لو لم يكن الشرط الفاسد مفسدا للعقد ـ كما هو الصحيح عندنا ـ ولم يكن إجماع في المسألة لكان هذا التعليل لا يخلو عن المناقشة ، لأنّ الرهن مع مثل هذا الشرط يكون موجبا للاستيثاق قطعا ، لأنّ الراهن إمّا يؤدّي أو يكون هذا الرهن ملكا للمرتهن عوض دينه ، وعلى كلا التقديرين يكون ماله محفوظا إمّا بالأداء وإمّا بعوضه وهو نفس الرهن.
ثمَّ إنّه لو تلف مثل هذا الرهن في يد المرتهن ، فإن كان التلف قبل صيرورته بيعا فاسدا فلا ضمان ، لأنّ « ما لا يضمن بصحيحة لا يضمن بفاسده ». ومعلوم أنّ الرهن إذا تلف في يد المرتهن في العقد الصحيح لا ضمان له لأنّه أمانة مالكيّة ، ففي الفاسد كذلك.
وأمّا لو تلف بعد تعذّر الأداء وصيرورته بيعا فاسدا ، فيكون المرتهن ضامنا ، لقاعدة « كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده » ومعلوم أنّ البيع يضمن بصحيحه بضمان المسمّى فيضمن بفاسده.
والدليل على صحّة هاتين القاعدتين وتماميّتهما ذكرنا في بعض مجلّدات هذا الكتاب. وأمّا تطبيقهما على هذا المورد ففي غاية الوضوح ، ولا يحتاج إلى أزيد ممّا بيّنّا.
فرع : منافع العين المرهونة وكلّ ما يحصل منها من الفوائد تكون لمالك الرهن ، سواء كانت تلك المنافع والفوائد متّصلة أو منفصلة ، وسواء كانت بالاكتساب أو بغيره. وما كانت بالاكتساب كحيازة العبد المرهون ، أو غزل الجارية المرهونة مثلا ، وهذا واضح ، لأنّ كون منافع الملك للمالك ينبغي أن يعدّ من الضروريّات ، وليس محلاّ للإشكال والخلاف.
وإنّما الكلام وقع في أمر آخر ، وهو أنّ المنافع التي للعين المرهونة مطلقا من أيّ قسم كانت ـ أي متّصلة كانت أو منفصلة كانت ، موجودة حال وقوع عقد الرهن عليها أو تجدّدت وحصلت بعد الرهن ، شرط المرتهن أو لم يشترط ـ كلّها داخلة في الرهن ، أو لا يدخل كلّها مطلقا إلاّ إذا اشترط أو يفصّل بينهما والتفصيل أيضا أقسام؟
أقول : لا ينبغي أن يشكّ في دخول المنافع المتّصلة التي ليس لها وجود مستقلّ في قبال ذوات المنفعة ، بل تعدّ من أوصافها وأعراضها في الرهن. والعمدة في دليل ذلك هو شمول اللفظ لها ، فإذا قال الراهن : رهنتك هذا الغنم على الدين الفلاني. فسمنه أو كمّيته الموجودة فعلا ، أو ما يتجدّد بعد العقد من وزنه وطوله وعرضه كلّها مشمولة لهذه اللفظة ، ويدلّ عليها بالدلالة التضّمنيّة فوقع العقد عليها.
وأمّا ما عدا ذلك فلا بدّ أن ينظر أنّ اللفظ يدلّ عليها في متفاهم العرف بحيث وقع إنشاء الرهن بتوسيط تلك اللفظة عليهما فداخل ، وإلاّ فخارج. وهذا هو الضابط الكلّي الذي يجب رعايته ولا يجوز التعدّي عنه إلاّ لأحد أمرين : إمّا الإجماع على دخول شيء في الرهن وإن لم يكن مشمولا للفظ أو على خروج شيء يكون مشمولا له ، وإمّا الاشتراط من الطرفين الراهن والمرتهن بدخوله أو خروجه.
وممّا ذكرنا تعرف أنّ ما ذكره في الشرائع من دخول الحمل المتجدّد بعد الارتهان في رهن الأمّ (68) ليس كما ينبغي ، إلاّ أن يشترط أو يكون إجماع عليه ، وكذلك الثمر في النخل والشجر.
فلو رهن بستانا ، العين المرهونة هي الأرض مع ما فيها من النخيل والأشجار ، وأمّا أثمار تلك النخيل والأشجار فهي خارجة عن الرهن ، وكلّ ذلك لأجل خروجها عن مفهوم اللفظ عرفا ، فلم يقع إنشاء الرهن عليها ، فلا بدّ من دخولها في الرهن إمّا الاشتراط أو الإجماع.
وكذلك اللبن في الضرع خارج عن رهن الشاة أو البقرة مثلا ، لخروجه عن مفهوم الشاة عرفا ، مضافا إلى أنّ كون الحليب رهنا ـ خصوصا فيما إذا كان أجل الدين طويلا ـ لا يخلو عن إشكال.
نعم مثل الصوف والوبر والشعر المتّصلة بالحيوان المرهون والأوراق والأغصان حتّى اليابسة منها والسعف في النخيل ، الظاهر دخولها فيه ، لأنّها تعدّ عرفا من أجزاء العين المرهونة.
فإذا أنشأ الراهن المالك رهانة حيوان أو رهانة نخل أو شجر فالإنشاء يقع على مجموع ذلك الحيوان أو ذلك الشجر ، فجميع أجزاء ذلك الحيوان أو ذلك الشجر يدخل تحت إنشاء الرهن.
وأمّا الشيء الخارج عن المرهون فلا يقع تحت الإنشاء ولا يكون رهنا ، إلاّ بالاشتراط أو الإجماع كما تقدّم ، فما يكتسب العبد المرهون بالحيازة أو بغيرها حيث يكون خارجا عن مسمّى العبد فلا يقع تحت إنشاء الرهن.
وقوله عليه السلام في رواية إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه سأله عن رجل ارتهن دارا لها غلّة لمن الغلّة؟ قال : « لصاحب الدار » (69) أجنبي عن المقام ، وروايات أخر بهذا المضمون أيضا (70) ولكن كلّها في مقام رفع توهّم أنّ المرتهن يستحقّ منافع العين المرهونة ، فلا ربط لها بالمقام وهو دخولها في الرهن أو عدم دخولها فيه.
قال في الشرائع : من أنّه لو حملت الشجرة أو الدابّة أو المملوكة بعد الارتهان كان الحمل رهنا كالأصل على الأظهر (71) لا أظهريّة فيه ، وإن كان هو الأشهر بين المتقدّمين. وأمّا رأس الجدار ومغرس الأشجار إن أريد بالأوّل موضع الجدار من الأرض الذي بنى الجدار عليه ، وأريد بالثاني موضع غرس الشجر من الأرض ، فالظاهر خروجها عن رهن الجدار والشجر.
وخلاصة الكلام موارد الشكّ كثيرة ، ولا بدّ من مراعاة ذلك الضابط الذي ذكرنا ، فإذا بقي الشكّ ولم يحصل اليقين بانطباق ذلك الضابط في مورد فمقتضى الأصل عدم دخوله في الرهن ، لأنّ الناس مسلّطون على أموالهم.
فرع : لو رهن لقطة ممّا يلقط كالخيار والباذنجان وما يشبههما من المخضّرات والفواكه التي لها لقطات وقد يمتزج بعضها ببعض ، فإن كان حلول الدين والحقّ قبل تجدّد اللقطة التالية فلا إشكال في صحته ، لاجتماع شرائط الصحّة ، لأنّها عين خارجيّة متموّلة يمكن بيعها عند حلول الدين واستيفاء الحقّ منها إن لم يؤدّ الراهن الدين من جهة تعذّره أو تعسّره أو من جهة مماطلته ، فالمقتضي للصحّة موجود والمانع مفقود.
وأمّا إن كان بعد تجدّد التالية فربما يختلط الأولى التي صارت رهنا بالثانية ، فإن كانتا متميّزتين فأيضا لا إشكال في صحّته ، لعين ما ذكرنا من وجود المقتضي وفقد المانع في الصورة السابقة.
وأمّا إن لم تكونا متميّزتين بحيث صار الاختلاط سببا للاشتباه بين كونها من اللقطة التي جعلت رهنا أو من التي لم تجعل ، فربما يتوهّم بل قيل بالبطلان. ونسب إلى الشيخ (72) لتعذّر الاستيفاء لعدم جواز بيعه عند حلول الأجل لكونه مجهولا. ولكن الأصحّ الصحّة وفاقا لجمع من أساطين الفقه كالعلاّمة (73) والشهيدين (74) وجامع المقاصد (75) وغيرهم (76) وذلك لأنّ استيفاء الحقّ ليس طريقه منحصرا بالبيع ، بل يمكن بالصلح ولو قهرا بعد القسمة تعيّنه أي ما هو المرهون ، فيجوز بيعه لارتفاع الجهل حكما ، بل يمكن من أوّل الأمر أن يصالح المرتهن مع شريكه صاحب اللقطة التالية بمال ، وهذا المقدار من الجهل لا يضرّ بصحّة الصلح.
هذا ، مضافا إلى أنّ اعتبار وجود هذه الشرائط واجتماعها يكون في حال إيقاع الرهن بمعنى حال إنشاء عقد الرهن يجب أن تكون العين المرهونة معيّنة معلومة قابلة لأن تباع.
وأمّا الجهل العارض المتجدّد لا يضرّ بصحّة الرهن ، مثلا لو رهن عينا معلومة متموّلة على دين ثمَّ اختلطت تلك العين أو امتزجت بمال آخر متجانس أو غير متجانس بحيث لا يمكن تميّزهما وانفصالهما ، لا يكون ذلك موجبا لبطلان الرهن ، بل يجري على الرهن حكم الشركة ، فيقتسمان المرتهن أو الراهن أو كليهما مع صاحب المال الآخر ، ويتصالحان في اختصاص كلّ واحد من الشريكين بأحد القسمين ، فيبيع المرتهن بإذن الراهن حصّته عن المال المختلط أو الممتزج ، ويستوفي حقّه منه ، ولا يبقى إشكال في البين.
فرع : إذا كان الرهن من مستثنيات الدين كدار سكناه ودابّة ركوبه جاز بيعه واستيفاء دينه منه ، وأدلّة الاستثناء ناظرة إلى عدم جواز أخذها بعنوان أنّه مطلوب ومديون ، وأمّا إذا هو أخرجه من تحت يده وسلطانه بعنوان أن يكون وثيقة عند الدائن فلا تشمل مثل هذا المقام.
وبعبارة أخرى : استثناء المستثنيات في الدين لأجل الإرفاق على المديون وعدم التضييق عليه ، وقال الله تعالى { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ } [البقرة: 280] وأمّا إذا هو بنفسه ضيق على نفسه وباع داره السكنى وظلّ رأسه لأجل أداء دينه فلا مانع منه ، بل ربما يعدّ من كرائم الأخلاق وعلوّ الهمّة وكمال الورع.
وما رواه إبراهيم بن هاشم ـ أنّ محمد بن أبي عمير كان رجلا بزازا فذهب ماله وافتقر ، وكان له على رجل عشرة آلاف درهم ، فباع دارا له كان يسكنها بعشرة آلاف درهم وحمل المال إلى بابه فخرج إليه محمد بن أبي عمير فقال : ما هذا؟ فقال : هذا مالك الذي لك علىّ. قال : ورثته؟ قال : لا ، قال : وهب لك؟ قال : لا ، فقال : هو من ثمن ضيعة بعتها؟ فقال : لا ، فقال : ما هو؟ فقال : بعت داري التي أسكنها لأقضي ديني.
فقال محمد بن أبي عمير حدثني ذريح المحاربي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « لا يخرج الرجل من مسقط رأسه بالدين » ارفعها فلا حاجة لي فيها ، والله وإنّي لمحتاج في وقتي هذا إلى درهم واحد (77) ـ لا يدلّ على أنّ المديون لو باع داره السكنى لوفاء دينه لا يجوز ، أو يكون بيعه باطلا.
وإنّما ظاهر كلام الصادق عليه السلام أنّه لا يلزم المديون ببيع داره لأجل وفاء دينه ، لأنّه نهى عن إخراجه بالدين ، ولا تعرّض في الرواية لما إذا باع المديون داره السكنى من عند نفسه عن غير إلزام الدائن إيّاه ، وأمّا عدم قبول ابن أبي عمير ثمن الدار فهو من علوّ نفسه ، وشدّة ورعه وتقواه ، ومواساته مع إخوانه المؤمنين.
فرع : لو وفى بيع بعض الرهن بالدين فلا يجوز بيع الزائد ، بل يقتصر على بيع المقدار الذي يفي بالدين ، وذلك من جهة أنّ الغرض من الرهن هو استيفاء المرتهن دينه منه ، فإذا حصل هذا الغرض ببيع البعض فتصرّف المرتهن في البعض الآخر وإجبار المالك على بيعه وسلب سلطنته على ماله منه يكون بلا وجه وبلا دليل ، فيقدر المالك على منعه من ذلك.
نعم لو لم يمكن التبعيض ، كما إذا كان درّة لا يرغب أحد في شراء بعضها ، أو يكون ضررا على المالك ، فيباع الكلّ ويعطى الفاضل للمالك.
فرع : لا تبطل الرهانة بموت الراهن ولا بموت المرتهن ، بل ينتقل الرهن إلى ورثة الراهن ولكن مشغولا بحقّ المرتهن ، وذلك من جهة أنّ ما تركه الميّت ينتقل إلى ورثته ، فإن كان ما تركه ملكا طلقا ليس متعلّقا لحقّ أحد كذلك ينتقل إلى الورثة طلقا ، وإن كان متعلّقا لحقّ الغير أيضا كذلك ينتقل ، وكذلك ينتقل ما تركه المرتهن من حقّ أو مال إلى ورثته.
وفي المقام ما تركه الميّت هو حقّ الرهانة ، فنسبة ورثة الراهن إلى الرهن نسبة نفس الراهن أي المالكيّة ، ونسبة ورثة المرتهن أيضا كذلك نسبة نفس المرتهن ، أي يكون لهم حقّ الرهانة.
نعم يمكن هاهنا أن لا يشاء منهم الراهن على كون الرهن بيدهم ، فله أخذه من يدهم وإعطائه لأمين إن اتّفق الورثة عليه ، وإلاّ يرجع الأمر إلى الحاكم ويكون الأمر بيده ، فيسلّمه إلى من يرتضيه ويكون من صلاح الطرفين. وإن فقد الحاكم تصل النوبة إلى عدول المؤمنين.
فرع : إذا ظهر للمرتهن أمارات الموت ، يجب عليه الوصيّة بالرهن وتعيين الراهن والعين المرهونة والإشهاد كسائر الودائع ، لأنّ الرهن أمانة مالكيّة عند المرتهن ، فيجب عليه حفظها وإن أفرط يضمن ، كما هو الحال في سائر الأمانات.
وواضح أنّ ترك الوصيّة بل الإشهاد وعدم تعيين الراهن والمرهون كثيرا ما يوجب تلف الرهن وضياعه وعدم الوصول الى مالكه وهو الراهن ، فمن مقدّمات حفظه وعدم ضياعه في الفرض الإشهاد وتعيين الرهن والراهن ، فلو ترك المذكورات يكون مفرطا وضامنا.
فرع : لو استدان من شخص دينارا برهن ، وأيضا استدان من ذلك الشخص دينارا آخر بلا رهن ، فأعطى لذلك الشخص دينارا واحدا ، فقال الدافع الراهن : إنّ الدفع كان لأجل ذي الرهن. وقال القابض : كان وفاء للآخر الفاقد الرهن.
فتارة : يدّعي الدافع تعيين نيّة أحدهما المعيّن عن ذي الرهن أو فاقده ، فلا شكّ في قبول قوله ، لأنّه أبصر بما نوى. ولا يعلم نيّته إلاّ من قبله ، وقد حقّقنا في أبواب الدعاوي أنّ دعوى المدّعي الذي لا يعلم دعواه إلاّ من قبله يسمع ، ولا يكلّف بالبيّنة بل يوجّه إليه اليمين.
وأخرى : يدّعي بأنّي نويت وفاء ديني فقط ، من دون النظر إلى خصوص كلّ واحدة من الخصوصيّتين ، أي كون الدينار ذي الرهن أو فاقده ، فهاهنا وجوه واحتمالات :
الأوّل : التوزيع بمعنى أنّ الدينار يوزّع على الدينارين ، فيكون أداء نصف كلّ واحد منهما ، فلو أعطى نصف دينار بقصد ذي الرهن يفتكّ الرهن ، لأنّه بإعطائه النصف بقصد ذي الرهن أدّى ذي الرهن تماما.
وقد اختار هذا الوجه في جامع المقاصد (78) ، ووجّهه بأنّ عدم برء الذمّة من شيء منهما محال ، لأنّه قبض هذا المقدار من دينه قبضا صحيحا قطعا ، وتعيين أحدهما ترجيح بلا مرجّح ، فلا بدّ وأن نقول بالتوزيع.
والثاني : بقاء التخيير الذي كان له من الأوّل ، لأنّه لم يعيّن فله أن يصرفه الآن بعد الأداء إلى ما شاء منهما بنيّة جديدة.
والثالث : القرعة لتعيين أنّ الأداء كان لأيّ واحد منهما. والقول بالقرعة مضافا إلى أنّ جريانها موقوف في كلّ مورد على عمل الأصحاب بها في ذلك المورد ، من المحتمل القريب أن يكون مورد جريانها فيما إذا كان له واقع غير معلوم وصار مشتبها ، فلا يشمل مثل المقام الذي في عالم الثبوت مجهول أنّه أداء لأيّ واحد من الدينارين ، هل لذي الرهن أو لفاقده ، وقد حقّقنا هذا المطلب في قاعدة القرعة (79).
وأمّا القول الثاني ، أي بقاء التخيير الذي كان له قبل الإعطاء إلى ما بعد الإعطاء ، فله أن يصرفه إلى ما شاء منهما. فاختاره فخر المحقّقين في الإيضاح قائلا إنّه تصرّف اختياري له من غير توقّف على اختيار أحد له ، وهو غير موقوف على غير الاختيار والدفع فيفعله متى شاء (80).
وهو غريب ، لأنّه وإن كان غير موقوف على غير الاختيار والدفع أي على شيء آخر غير هذين ، وهو موقوف على هذين فقط.
ولكن أنت خبير بأنّ توقّفه على الاختيار ليس على مطلق الاختيار في أيّ وقت كان ، بل يكون موقوفا على الاختيار حال الدفع ، وإلاّ بعد ما دفع يقع الدفع على ما هو عليه ، ولا يتغيّر الشيء بعد وقوعه عمّا هو عليه وقع.
والأصحّ هو الوجه الأوّل أي التوزيع ، لأنّه مديون لذلك الشخص بدينارين ، وكون أحدهما ذي رهن والآخر فاقده لا دخل له بعالم المديونيّة. فإذا أعطاه في المفروض دينارا فقد أدّى نصف ما عليه من دون ملاحظة خصوصية أخرى ، فقد برئت ذمّته من نصف ما عليه.
وحيث أنّ ذمّته كانت مشغولة بدينار ودينار المتميزان بعنوان آخر غير عنوان الدينيّة ، فبرئت ذمّته من نصف كلّ واحد منهما ، لأنّ كلّ واحد منهما ممّا عليه ، والمفروض أنّ ذمّته برئت من نصف ما عليه ، وهذا عين التوزيع.
وقد ذكر العلاّمة في القواعد موارد كلّها من هذا القبيل (81) ، أي يكون من قبيل التوزيع ، أو بعد الوقوع يصرفه إلى ما شاء.
مثلا من جملة ما ذكره في القواعد : لو كان لزيد عليه مائة ولعمرو مثلها ووكّلا شخصا يقبض لهما ودفع المديون لزيد أو لعمر وفذاك ، وإلاّ فالوجهان : أي لو أعطى المديون مائة بقصد أداء دين زيد ، أو بقصد أداء دين عمرو فهو ، أي يتعيّن بالقصد ، وإلاّ أي لم يقصد أحدهما فيأتي الوجهان ، أي التوزيع أو يصرفه بعد الأداء إلى ما شاء منهما.
وأيضا من جملة ما ذكره من نظائر المقام قوله : لو تبايع المشركان درهما بدرهمين وسلم مشتري الدرهم درهما ، ثمَّ أسلما فإن قصد المشتري الذي أدّى درهما أداء الأصل فلا شيء عليه ، لأنّه أدّى ما عليه والدرهم الزائد رباء ، وبعد أن أسلما لا يجوز للبائع أخذه ولا للمشتري ، لحرمة الربا أخذا وعطاء في الإسلام. وأمّا لو قصد المشتري أداء الفضل ولا الأصل ، فالأصل ليس رباء يجب عليه أدائه ، وما أعطى بعنوان الفضل حيث كان في زمان كفرهما وشركهما نافذ لا مانع. وإن لم يقصد شيئا منهما لا الأصل ولا الفضل ، فيأتي الوجهان أي التوزيع أو صرفه إلى واحد منهما شاء ، والنتائج معلومة.
وقد ذكر نظيرا آخر في المقام ، وكذلك صاحب الجواهر ذكر بعض نظائر المقام (82) ، ولكن الفقيه المتدبّر يفهم الفرق بين بعض ما ذكراه ومورد البحث ، فلا نطول الكلام.
فرع : لا إشكال في تحقّق الرهن بالعقد والمعاطاة. أمّا وقوعه بالعقد فربما يكون من القطعيّات ، بل من ضروريّات الفقه.
وإذا كان بالعقد فيحتاج إلى الإيجاب والقبول اللفظيين ، والإيجاب من الراهن ، وهو كلّ لفظ أفاد هذا المعنى أي جعل عين متموّل وثيقة لدينه ، بحيث لو تعذّر أو تعسّر أداء دينه ، أو ماطل من دون تعذّر أو تعسّر يستوفي الدائن حقّه من تلك العين التي عنده وثيقة ماله.
فلو قال : رهنتك ، أو قال : أرهنتك ـ من باب الإفعال بناء على أنّها لغة مستعملة ، لا شاذّة مهجورة بلغ شذوذها حدّ المنع من استعمالها في مقام إنشاء المعاملات ـ أو قال : هذا رهن عندك ، أو قال : هذا وثيقة عندك على الدين الفلاني أو على مالك الذي في ذمّتي ، أو غيرها ممّا يفيد هذا المضمون يكفي في تحقّق الإيجاب.
ولا يعتبر فيه العربيّة بل يصحّ إنشاؤه بكلّ لغة ، لشمول العمومات له ، ولم يدّع أحد الإجماع على لزوم كونه بالعربيّة كما ادّعى في عقد النكاح كي يكون مخصّصا للعمومات ومقيّدا للإطلاقات.
وأمّا القبول : فهو عبارة عن كلّ لفظ دالّ على مطاوعة المرتهن ذلك الإيجاب الصادر من الراهن.
وأمّا وقوعه بالمعاطاة ، فلما ذكرنا في وجه عدم اعتبار العربيّة من شمول الإطلاقات لها ، وليس إجماع مخصّص أو مقيّد للإطلاقات. هذا ، مضافا إلى وجود السيرة العمليّة بين المسلمين في رهونهم بالمعاطاة ، كما أنّه جار في الأسواق ومعاملاتهم.
فرع : لو اختلف الراهن والمرتهن في قدر الدين ، فقال الراهن : إنّ هذه العين رهن على المائة مثلا ، وقال المرتهن : إنّها رهن على الألف مثلا ، فالقول قول الراهن حسب قواعد باب القضاء ، لأنّ المرتهن يدّعي الزيادة ، والأصل عدم اشتغال ذمّة الراهن بأزيد ممّا يقرّ ويعترف بوقوع الرهن عليه ، فيكون قول الراهن مطابقا للحجّة الفعليّة ، فهو المنكر والمرتهن هو المدّعي ، فالبيّنة عليه ، وعلى الراهن اليمين.
وحكى عن الإسكافي تقديم قول المرتهن ما لم تزد دعواه عن قيمة الرهن (83). ولكن المشهور على الأوّل ، وهو الأقوى لوجوه :
الأوّل : ما ذكرنا أنّه مقتضى قواعد باب القضاء وقوله صلى الله عليه واله : « البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر » (84).
الثاني : دعوى ابن زهرة (85) وابن إدريس (86) الإجماع على تقديم قول الراهن :
الثالث : دلالة روايات معتبرة عليه ، وقد عقد في الوسائل بابا في تقديم قول الراهن عند الاختلاف فيما على الرهن (87).
منها : صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في رجل يرهن عند صاحبه رهنا لا بيّنة بينهما فيه ، فادّعى الذي عنده الرهن أنّه بألف ، فقال صاحب الرهن : أنّه بمائة ، قال عليه السلام : « البيّنة على الذي عنده الرهن أنّه بألف ، وإن لم يكن له بيّنة فعلى الراهن اليمين » (88).
ومنها : موثّقة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا اختلفا في الرهن فقال أحدهما : رهنته بألف ، وقال الآخر : بمائة درهم ، فقال : يسأل صاحب الألف البيّنة ، فإن لم يكن بيّنة حلف صاحب المائة (89).
ومنها : رواه عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل رهن عند صاحبه رهنا لا بيّنة بينهما ، فادّعى الذي عنده الرهن أنّه بألف ، وقال صاحب الرهن : هو بمائة ، فقال عليه السلام : « البينة على الذي عنده الرهن أنّه بألف ، فإن لم يكن له بيّنة فعلى الذي له الرهن اليمين أنّه بمائة » (90).
وأنت خبير بأنّ هذه الروايات ظاهرة بل صريحة في أنّ القول هو قول الراهن الذي يقول بأنّ الدين أقلّ ، وأمّا المرتهن الذي يقول بأنّ الدين أزيد وهو الألف مثلا هو المدّعي ، وعليه البيّنة.
نعم هنا رواية أخرى ، وهي ما رواه السكوني عن جعفر عليه السلام عن أبيه عليه السلام عن عليّ عليه السلام في رهن اختلف فيه الراهن والمرتهن ، فقال الراهن : هو بكذا وكذا ، وقال المرتهن : هو بأكثر ، قال على عليه السلام : « يصدق المرتهن حتّى يحيط بالثمن ، لأنّه أمينه » (91).
وظاهر هذه الرواية مخالف لما يقوله المشهور ، ومطابق لفتوى الإسكافي ، وذلك لأنّ ظاهر الرواية وجوب تصديق المرتهن ما لم تزد دعواه على ثمن الرهن ـ كما هو تعبير جامع المقاصد (92) ـ أو ما لم يستغرق ما يدّعيه ثمن الرهن كما هو عبارة الشرائع (93).
والفرق بين العبارتين أنّه بناء على التعبير الأوّل إذا كان دعوى المرتهن بمقدار ثمن الرهن لا أقلّ ولا أكثر تقبل ، لأنّها لم تزد على ثمن الرهن. وبناء على التعبير الثاني لا تقبل ، لأنّها تستغرق ثمن الرهن ، وظهور الرواية بل صريحه الثاني ، لقوله عليه السلام :
« يصدّق المرتهن حتّى يحيط بالثمن » فبناء على خروج الغاية عن المغيّى حكما ـ كما هو الظاهر ـ فإذا أحاطت بالثمن ، لا تقبل وإن لم تزد عليه فعبارة الشرائع أوفق مع الرواية.
وعلى كلّ الظاهر أنّ مستند الإسكافي في فتواه هذه الرواية.
ولكن هذه الرواية لا يمكن الاستناد والاعتماد عليها لوجوه :
الأوّل : ضعف سندها كما هو معلوم.
الثاني : معارضتها بما هو أقوى سندا وأصرح دلالة.
الثالث : موافقتها لفتوى المخالفين.
الرابع : إعراض المشهور عنها.
ولذلك حملها الشيخ على أن الأولى للراهن أن يصدّق المرتهن (94). لكنّه عجيب ، لأنّ الراهن حيث يدري بكذب دعوى المرتهن كيف يكون الأولى أن يصدّق المرتهن ، بل ربما يقع من تصديقه في ضيق شديد ، وذلك فيما إذا كان ما يدّعيه من الزيادة كثيرا بحيث يكون أداؤه على الراهن في غاية الصعوبة.
فالأولى الإعراض عنها وعدم الاعتناء بها ، كما صنع المشهور ، ويكون مقتضى القواعد المقرّرة في الأصول في باب تعارض الروايات.
فرع : قال في الشرائع : لو اختلفا في متاع فقال أحدهما ـ أي المالك ـ : هو وديعة ، وقال القابض : هو رهن ، أنّ القول قول المالك ، وقيل : قول الممسك ، والأوّل أشبه (95) ، انتهى. لأنّه مطابق مع الأصل ، أي : أصالة عدم كونه رهنا ، وذلك لأنّه يحتاج إلى جعل وإنشاء من قبل المالك وقبول من قبل المرتهن ، أي وقوع عقد الرهانة.
وهذا أمر غير معلوم الصدور منهما ، فيستصحب عدمه ، فقول المالك الذي ينكر الرهانة ويقول وديعة مطابق للحجّة الفعليّة ، فهو المنكر ، إذ هذا هو الميزان في تشخيص المدّعي والمنكر.
لا يقال : كما أنّ الأصل عدم كونه رهنا كذلك مقتضى الأصل عدم كونه وديعة فيتعارضان.
لأنّ عدم الوديعة في المقام لا أثر له ، لأنّ الطرفين ـ أي المالك والقابض ـ معترفان بأنّه ملك لزيد مثلا الذي يدّعي أنّه وديعة ، وأيضا الطرفان معترفان بعدم ضمان اليد لو وقع التلف عليه.
فاستصحاب عدم كونه وديعة لا يثبت شيئا ، بخلاف أصالة عدم كونه رهنا ـ بعد الفراغ عن كونه مال مدّعي كونه وديعة ـ يثبت طلقيّته عن قيد الرهانة ، ويأخذه عن مدّعي الرهينة متى شاء.
هذا ، مضافا إلى صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في رجل رهن عند صاحبه رهنا ، فقال الذي عنده الرهن : أرهنته عندي بكذا وكذا ، وقال الآخر : إنّما هو عندك وديعة ، فقال : « البيّنة على الذي عنده الرهن أنّه بكذا وكذا ، فإن لم يكن له بيّنة فعلى الذي له الرهن اليمين » (96).
ودلالة هذا الصحيح على مقالة المشهور ، أي قبول قول من ينكر الرهن الذي هو المالك واضحة. وبعبارة أخرى : يدلّ على أنّ القابض الممسك للمتاع مدّع وعليه البيّنة ، والمالك المدّعي أنّه وديعة منكر للرهن فعليه اليمين أنّه ليس برهن إن لم تكن بيّنة للقابض على أنّه رهن.
ولكن في الوسائل بعد ما ذكر الصحيح قال : وحمله الشيخ على أنّ عليه البيّنة في مقدار ما على الرهن ، لا على أنّه رهن ، لما يأتي (97).
ومقصوده ممّا يأتي رواية ابن أبي يعفور ، ورواية عبّاد بن صهيب اللتان سنذكر هما إن شاء الله تعالى.
وبناء على ما حمل عليه الشيخ تكون الصحيحة أجنبيّة عن فتوى المشهور ، ولا تكون معارضة لرواية عبّاد بن صهيب ، ولا لرواية ابن أبي يعفور.
أمّا الأوّل ، أي رواية عبّاد بن صهيب ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام من متاع في يد رجلين أحدهما يقول : استودعتكه ، والآخر يقول : هو رهن ، قال : فقال عليه السلام : « القول قول الذي يقول هو أنّه رهن إلاّ أن يأتي الذي ادّعى أنّه أودعه بشهود » (98).
وأمّا الثاني ، أي رواية ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « فإن كان الرهن أقلّ ممّا رهن به أو أكثر أو اختلفا فقال أحدهما : هو رهن وقال الآخر : هو وديعة قال : على صاحب الوديعة البيّنة ، فإن لم يكن بيّنة حلف صاحب الرهن » (99).
وهاتان الروايتان ظاهرتان في تقديم قول مدّعي الرهن وأنّ عليه اليمين إن لم يأت المالك بالبيّنة على أنّه وديعة ، فلو قلنا بمقالة الشيخ في صحيحة محمّد بن مسلم فلا تعارض بينهما وبين الصحيحة ، فيجب الأخذ بهما والقول بخلاف القول المشهور ، أي تقديم قول القابض على المالك ، كما هو مفاد هاتين الروايتين.
ولكن حيث أنّ حمل الشيخ خلاف ظاهر الصحيحة ، فيقع التعارض بين الصحيحة وبينهما ، ويجب تقديم الصحيحة وترك العمل بهما ، لإعراض المشهور عن العمل بهما.
بل ربما يدّعي الإجماع على ترك العمل بهما ، فيوجب خروجهما عن الحجيّة بل ربما يقال بموافقتهما للتقيّة. وهذا على تقدير صحته وجه آخر وجيه ، لعدم حجيّتهما ولزوم طرحهما.
فما ذهب إليه الشيخ في الاستبصار (100) ، والصدوق في المقنع (101) على ما حكى عنها مستندا إلى هاتين الروايتين من تقديم قول القابض ـ أي من يدّعي الرهن ـ بأنّ الحلف وظيفته ، وعلى من يدّعي أنّه وديعة ـ أي المالك ـ البيّنة في غاية الضعف.
وقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ التفصيل الّذي حكى عن أبي حمزة من أنّ المالك الراهن إن اعترف للقابض بالدين فالقول قول القابض ، وأمّا إن أنكر أصل الدين وقال : إنّي وضعت متاعي عنده أمانة فالقول قول المالك الراهن (102) ، لأنّ إنكاره لأصل الدين على فرض تسليم أنّه موجب للظنّ بأنّه ليس برهن ، وكذلك إقراره بأصل الدين على فرض أن يكون موجبا للظنّ بأنّه رهن لا وديعة لا يوجب عدم جريان الأصول الشرعيّة كأصالة عدم كونه رهنا.
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ إقراره بالدين أمارة شرعا على أنّ ما بيد الدائن من مال المديون رهنا. ولكن هذه دعوى بلا بيّنة ولا برهان ، مضافا إلى أنّ ظهور الصحيحة يردّ هذا الاحتمال.
وكذلك التفضيل الذي نسب إلى ابن الجنيد الإسكافي (103) من الفرق بين صورتي اعتراف القابض للمالك بكونه أمانة في يده ثمَّ صارت رهنا ، وصورة ادّعائه أنّه من أوّل الأمر أعطاه بعنوان الرهن.
ففي الصورة الأولى : القول قول المالك. وفي الثانية : القول قول القابض ، وذلك من جهة جريان أصالة عدم كونه رهنا حتّى في الصورة الثانية ، مضافا إلى إطلاق الصحيحة وشمولها لكلتا الصورتين لو فرضنا عدم صحّة حمل الشيخ ، كما هو المفروض.
فرع : لو أذن المرتهن للراهن في بيع الرهن ورجع واختلفا ، فقال المرتهن : رجعت قبل البيع ، وقال الراهن : رجعت بعد البيع ، فالمشهور على أنّ القول قول المرتهن.
ووجّه في الشرائع قول المشهور وفتواهم بقوله : إذ الدعويان متكافئان (104) ، أي دعوى عدم تقديم الرجوع على البيع من طرف الراهن ، مع دعوى عدم تقدّم البيع على الرجوع من طرف المرتهن متكافئان ، أي استصحاب عدم وجود الرجوع إلى زمان وجود البيع الذي مفاده ثبوت موضوع الصحّة مع استصحاب عدم وجود البيع إلى زمان الرجوع الذي مفاده فساد البيع متكافئان متعارضان ، فيتساقطان ويجري استصحاب بقاء الرهانة.
وهذه المسألة من حيث الشكّ في تقدّم الرجوع على البيع أو تقدّم البيع على الرجوع من صغريات المسألة المعروفة : أصالة تأخّر الحادث فيما إذا علم بوجود حادثين وشكّ في المتقدّم والمتأخّر منهما ، ولها صور كثيرة.
لأنّ الحادثان إمّا متضادّان لا يمكن اجتماعهما كالحدث والطهارة ، فلا بدّ وأن يكونا متعاقبين. وإمّا يمكن اجتماعهما ، أي يكون وجود كلّ واحد منهما في زمان وجود الآخر كموت متوارثين. ومورد بحثنا حيث يمكن أن يكون زمان رجوع المرتهن متّحدا مع زمان وقوع البيع.
وعلى كلّ واحد من الفرضين إمّا أن يكون كلاهما مجهولي التاريخ أو لا ، بل يكون أحدهما معلوم التاريخ. أمّا كون كلاهما معلوم التاريخ فخارج عن الفرض ، لأنّه لو كان كذلك لا يبقى شكّ في البين.
ونحن حقّقنا هذه المسألة بشقوقها في كتابنا « منتهى الأصول » في تنبيهات الاستصحاب (105) ، وقد رجّحنا جريان الاستصحاب في مجهولي التاريخ في كليهما ، فيتساقطان بالتعارض.
وفيما نحن فيه إذا فرضنا أنّ الرجوع والبيع كلاهما مجهولا التاريخ فالاستصحابان يتعارضان ، فإذا تساقطا تصل النوبة إلى الأصول الآخر ، كأصالة الصحّة في البيع ، أو أصالة بقاء الرهانة في طرف من يدّعي فساد البيع بالرجوع وهو المرتهن ، فيقع التعارض بين هذين الأصلين ، فإذا تساقطا لعدم ترجيح أحدهما على الآخر يكون المرجع هو عموم « الناس مسلّطون على أموالهم » لأنّ كونه مال الراهن معلوم ولا شكّ في كونه ملكا له.
ولكن ربما يقال بتقديم أصالة بقاء الرهانة على أصالة صحّة البيع الواقع في الخارج ، وذلك من جهة أنّ صحّة البيع الواقع في الخارج مشروط شرعا بسبق الإذن من المرتهن ، لأنّ تصرّف الراهن في الرهن ممنوع شرعا وإن كان ملكه إلاّ بإذن المرتهن فنفوذ ، تصرّفاته بالبيع أو بغيره مشروط بهذا الشرط ـ أي سبقه بالإذن ـ والأصل عدمه ، بخلاف أصالة بقاء الرهانة فإنّ هذا الأصل غير مشروط بشيء إلاّ اليقين بحصول الرهن والشكّ ، وهذا اليقين والشكّ حاصل بالوجدان ، فموضوع هذا الاستصحاب حاصل ، وليس مشروطا بشرط آخر ، فلا يجري في عوض استصحاب بقاء حقّ الرهانة أصالة صحّة البيع كي يتعارضان.
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ جريان أصل العدم في سبق الإذن مبني على تقدّم الرجوع على البيع ، كي يرتفع الإذن الصادر من المرتهن ، وإلاّ لو كان الرجوع متأخّرا عن البيع لا يبقى محلّ لجريان أصالة عدم سبق الإذن. والمفروض أنّ أصالة عدم تقدّم الرجوع على البيع يجري ، ولكن يسقط بالمعارضة مع أصالة عدم تقدّم البيع على الرجوع.
ففي الحقيقة أصالة عدم سبق الإذن يسقط بمعارضتها مع أصالة عدم تقدّم الرجوع على البيع ، إذ مفاد أصالة عدم سبق الإذن على البيع هو تقدّم الرجوع عليه ، فيتعارضان ويتساقطان ، فلا تجري أصالة عدم سبق الإذن كي تكون مانعة عن جريان أصالة الصحّة.
وأفاد في المسالك (106) ـ في وجه ترجيح أصالة بقاء الرهانة على أصالة الصحّة في جانب البيع الصادر يقينا ـ بأنّ الرهانة سابقا قبل وجود البيع كانت معلوم الوجود ، لوقوعها سابقا جامعة لجميع الشرائط ، وإنّما حصل الشكّ في طروّ المبطل ، وأمّا صحّة البيع الواقع في الخارج فمشكوكة من أوّل وجوبه ، ولم يكن البيع معلوم الصحّة في زمان ، فتكون أصالة بقاء الرهانة أقوى من هذه الجهة من أصالة الصحّة.
ولكن أنت خبير بأنّ هذا الفرق كان فارقا وصحيحا لو كان مدرك أصالة الصحّة هو استصحاب الصحّة ، لأنّ موضوع الاستصحاب هو اليقين بوجود شيء سابقا والشكّ في بقائه ، وهذا المعنى في حقّ الرهانة في مورد البحث موجود ، وليس في صحّة البيع موجودا.
وأمّا لو لم يكن مدرك أصالة الصحّة وموضوعها هو القطع بوجود شيء والشكّ في بقائه ، بل كان المدرك لها هو بناء العقلاء على أنّ العمل المركّب الذي صدر عن المكلّف ـ وشكّ في أنّه هل وجد صحيحا وجامعا للأجزاء والشرائط وفاقدا للموانع أم لا بل فيه اختلال ـ على أنّه وجد صحيحا وتامّا ليس فيه اختلال.
فهذا الفرق الذي ذكره في المسالك لا أثر له ولا يثمر فائدة في المقام ، بل لو شكّ في صحّة العقد والبيع الموجود في الخارج من جهة اختلال فيه ، لاحتمال فقد جزء أو شرط أو وجود مانع ، فالعقلاء لا يعتنون بهذه الاحتمالات ويبنون على الصحّة ، فهذا الكلام من المسالك لا يخلو عن غرابة.
نعم يمكن أن يقال : إنّه في هذا المورد وجد أمران يقينا فنشكّ في بقائهما ، أحدهما : الرهن فإنّه وجد جامع للشرائط يقينا ، وبعد وجود البيع نشكّ في بقائه ، لأنّه إن كان البيع الواقع عن إذن المرتهن ووقع صحيحا فزال الرهن قطعا ، وإلاّ إن لم يقع صحيحا فباق قطعا.
وذلك من جهة أنّ مزيل الرهن هو البيع الصحيح ، لا الإذن بالبيع ، وحيث نشكّ في وقوع البيع صحيحا فنشكّ في بقاء الرهن ، فيكون موردا للاستصحاب.
ثانيهما : الإذن ، فإنّه وجد وصدر عن المرتهن يقينا ، ونشكّ في بقائه إلى آخر زمان وقوع البيع ، لاحتمال كون الرجوع المعلوم الوقوع قبل البيع ، فنشكّ في بقاء الإذن إلى آخر زمان البيع ، فيكون موردا للاستصحاب. وهذان الاستصحابان متعارضان لا يجتمعان فيتساقطان ، فيبقى المجال لجريان أصالة عدم سبق العقد بالإذن ، ومع جريان هذا الأصل لا يبقى مجال لجريان أصالة الصحّة ، لاشتراط الصحّة بسبق الإذن ، وفرضنا أنّ الأصل عدمه.
نعم لو لم يجر هذا الأصل فلا مانع من جريان أصالة الصحّة ، لأنّ احتمال كون البيع عن غير إذن المرتهن وبدونه لا يضرّ بجريان أصالة الصحّة ، بل يكون مورد جريانها هو فيما إذا احتمل فقد جزء أو شرط أو وجود مانع.
نعم يمكن أن يقال : إنّ جريان أصالة الصحّة في البيع لا ينافي بقاء الرهانة وعدم تأثير البيع في النقل والانتقال ، لعدم حصول شرطه وهو إذن المالك ، فالصحّة هاهنا عبارة عن أنّ العقد وقع تامّ الأجزاء والشرائط ، ولكن تأثيره في النقل موقوف على إذن المالك ، مثل الصحّة التي قالوا بها في باب الفضولي ، ومثل هذه الصحّة لا ينافي استصحاب بقاء الرهانة ولا تعارض بينهما ، خصوصا مع ملاحظة جريان أصالة عدم وقوع البيع في حال الإذن.
وجميع ما ذكرنا فيما إذا كان كلاهما ـ أي الإذن والرجوع ـ مجهولي التاريخ.
وأمّا إذا كان أحدهما معلوم التاريخ ، فإن قلنا بعدم جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ ، لأنّه لا شكّ هناك ، لأنّه قبل زمان حدوثه الذي هو زمان معيّن معلوم ومقطوع العدم ، وبعد زمان حدوثه معلوم الوجود ، فلا يبقى مورد للاستصحاب ، فيكون استصحاب مجهول التاريخ بلا معارض ، ويجري ويترتّب عليه آثاره.
وإن قلنا بجريانه بالنسبة إلى زمان مجهول التاريخ لتماميّة أركانه ، فيكون حاله حال الصورة الأولى. والمسألة مفصّلة ومشروحة مذكورة في كتابنا « منتهى الأصول » (107).
فرع : الظاهر أنّه ليس للمرتهن إلزام الراهن بالوفاء بعين الرهن ، وذلك لأنّ ذمّته مشغولة بالدين وهو كلّي له أن يطبّق على أيّ فرد من تلك الطبيعة التي في ذمّته.
فلو كان مثلا دينه الذي في ذمّته عشرة دنانير ، فأرهن عنده ورقة ماليّة هي من الأوراق التي تسمّى ورقة عشرة دنانير ، فليس للمرتهن أن يلزم الراهن بإعطاء هذه الورقة التي عنده ، إذ الذي يطلبه المرتهن هي عشرة دنانير الكلّي الذي له مصاديق متعدّدة ، منها عشرة أوراق كلّ واحدة منها دينار واحد ، ومنها ورقتين كلّ واحدة منها خمسة دنانير ، ومنها ورقة واحدة هي عشرة ، وخصوصيات هذه الأوراق ملك للراهن ، فله أن يطبق الكلّي على ما أراد من تلك المصاديق.
ولا فرق فيما ذكرنا بين أن يكون الرهن من الجنس الموافق للدين كما في المثال الذي ذكرناه ، أو من الجنس المخالف له ، وذلك كلّه من جهة أنّ الدين كلّي ، فلا بدّ في مقام الأداء أن يرفع المديون اليد عن الخصوصيّة التي يملكها ، كي يكون قابلا للدفع والأداء.
وحيث أنّ جميع الخصوصيّات ملكا للمديون فهو مخيّر عقلا في رفع اليد عن أيّة واحدة من تلك الخصوصيّات وتطبيق الكلّي على ذلك الفرد ، كما أنّه للمرتهن الدائن عدم القبول إذا كان الرهن من جنس الدين ، بل ليس له عدم القبول إذا كان ما يعطيه الراهن في مقام الأداء من جنس الدين ، ومصداقا حقيقيا للدين وإن كان غير الرهن ، لأنّه إذا كان من جنس الدين فهو مصداق حقيقي ويصدق عليه أنّه هو فكيف لا يقبل ، فليس حينئذ له إلزام الراهن بالبيع وإعطاء ثمنه له وفاء لدينه.
وأمّا إذا كان الرهن من غير جنس الدين واتّفقا ـ أي الراهن والمرتهن ـ في بيعه بما هو من جنس الحقّ أو من غير جنس الحق ، أو دفعه بنفسه عنه ، فبعد الاتّفاق لا إشكال في جميع ذلك ، وذلك لأنّ الأمر بينهما ، فإذا رضيا فلا بأس.
وأمّا بناء على اتّفاقهما على البيع إذا اختلفا فيما يباع به بعد البناء منهما على البيع بالنقد ، ولكن الاختلاف من جهة أنّ كلّ واحد منهما يريد نقدا غير ما يريد الآخر ، مثلا أحدهما أراد بيعه بالدرهم والآخر أراد بالدينار ، أو أحدهما يريد بيعه بالدنانير من الذهب والآخر يريد بالدنانير من الأوراق ، ففي مثل هذا الاختلاف وقع الخلاف في أنّه هل يقدّم قول الراهن المالك أو قول المرتهن ، أو لا هذا ولا ذاك بل لا بدّ وأن يباع بالنقد الغالب بالبلد والظاهر من البلد بلد البيع؟
وجه الأوّل : هو أنّ الرهن مال الراهن ، فهو الذي يكون يعيّن بدل ماله ، والمعاوضة والمبادلة يقع بينه وبين المشتري بتبديل ماليهما ، وإنّما المرتهن له حقّ استيفاء دينه من هذا المال الذي هو المسمّى بالرهن ، نعم لا بدّ وأن يكون البيع بشيء لا يتضرّر المرتهن به.
وجه الثاني : أنّ البيع يكون من جهة مراعاة حقّ المرتهن وصلاحه واستيفاء حقّه ، فإذا اختار شيئا ورأى صلاحه في بيع الرهن به يجب مراعاته.
وجه الثالث ولعلّه القول المشهور : هو أنّ إطلاق قوله عليه السلام : « يبيعه » في رواية إسحاق بن عمّار (108) ينصرف إلى نقد الغالب في البلد وذلك من جهة أنّ العرف بينهم من قول الشخص لعبده أو لوكيله بع الشيء الفلاني أنّه يجب عليه ان يبدله بالنقد الغالب في البلد.
نعم هنا كلام وهو أنّه هل يجوز أن يبيعه الراهن أو المرتهن بدون المراجعة إلى الحاكم ، أو يجب رجوعهما إليه فهو يباشر بيعه ، أو يوكّل شخصا آخر ، أو يأذن أحدهما في بيعه؟
الظاهر أنّهما في صورة اختلافهما يجب أن يراجعا إلى الحاكم ، لأنّ بيده الأمر عند التشاحّ وهو وليّ الممتنع ، فيجبرهما على البيع بالنقد الغالب في البلد ، لأنّه المنصرف من لفظ « يبيعه ».
وقال في الدروس : ولو اختلفا فيما يباع به بيع بنقد البلد بثمن المثل حالاّ سواء كان موافقا للدين أو اختيار أحدهما أم لا ، ولو كان فيه نقد أن بيع بأغلبهما ، فإن تساويا فبمناسب الحقّ فإن بايناه عيّن الحاكم إن امتنعا عن التعيين ، ولو كان أحد المتباينين أسهل صرفا إلى الحقّ تعيّن (109).
وقوله : « فإن بايناه » أي باين النقدان الحقّ ولا يناسبه كلّ واحد من النقدين ، مثلا أحد النقدين هو الدرهم والنقد الآخر هو الدينار والحقّ هو الريال مثلا ، وكلّ واحد من النقدين لا يناسب الحقّ أي الدين ، فإذا امتنع كلّ واحد من الراهن والمرتهن من التعيين عيّن الحاكم أحد النقدين المتساويين في البلد من حيث الرواج في معاملاتهم.
وقال في القواعد أيضا مثل ما قال الشهيد في الدروس : ولو عيّنا ثمنا لم يجز له التعدّي ، فإن اختلفا لم يلتفت إليهما ، إذ للراهن ملكيّة الثمن وللمرتهن حقّ الوثيقة ، فيبيعه بأمر الحاكم بنقد البلد ، وافق الحقّ قول أحدهما أو لا ، وإن تعدّد فبالأغلب ، فإن تساويا فبمساوي الحقّ ، وإن باينهما عيّن له الحاكم (110).
وقال في التذكرة : لو اختلف المتراهنان فقال أحدهما : بع بدنانير ، وقال الآخر : بع بدراهم ، لم يبع بواحد منهما ، لاختلافهما في الإذن ولكلّ منهما حقّ في بيعه ، فللمرتهن حقّ الوثيقة في الثمن واستيفاء حقّه منه ، وللبائع الراهن ملك الثمن ، فإذا اختلفا رفعا ذلك إلى الحاكم فيأذن له أن يبيعه بنقد البلد ، سواء كان من جنس حقّ المرتهن أو لم يكن ، وسواء وافق ذلك قول أحدهما أو خالفه ، لأنّ الحظّ في البيع يكون بنقد البلد. ولو كان النقدان جميعا نقد البلد باعه بأعلاهما ، وإن كانا متساويين في ذلك فباع بأوفرهما حظّا ، فإن استويا في ذلك باع بما هو من جنس الحقّ منهما ، فإن كان الحقّ من غير جنسهما باع بما هو أسهل صرفا إلى جنس الحقّ وأقرب إليه ، فإن استويا في ذلك عيّن الحاكم أحدهما فباع به وصرف نقد البلد إليه (111).
وهذه العبارات متّفقة في لزوم الرجوع إلى الحاكم في مورد الاختلاف وتقديم نقد البلد على سائر الأثمان ، وإن كان في بعض شقوق المسألة وصورها اختلاف يسير.
ولكن الأوجه في المقام أن يقال : إن وكّل الراهن المرتهن في ضمن عقد لازم في بيع الرهن بحيث لا يجوز له عزله إذا حلّ الدين ولم يعطه الراهن لإعساره أو لمماطلته أو بسبب آخر ، فالأمر بيد المرتهن ولا يلزم الرجوع إلى الحاكم ، نعم يلزم على المرتهن مراعاة مصلحة الراهن أيضا من حيث اختيار ما كان من الثمن أنفع بحاله وأعود عليه مضافا إلى مصلحة نفسه ، كما هو الحال في كلّ وكيل حيث يجب أن يكون فعله ذا مصلحة لوكيله.
نعم له أن يستوفي دينه أيضا بحيث لا يتضرّر ولا يكون في استيفائه نقصان. فلا مجال للكلام في أنّهما إذا اختلفا في تعيين الثمن وما يباع به بل أمر بيد الوكيل.
وأمّا إذا لم تكن وكالة في البين فإن أدّى الراهن دينه فهو ويفتكّ الرهن ، وإن لم يؤدّ لإعسار أو لجهة أخرى فيراجعه المرتهن بالوفاء ولو ببيع الرهن أو يوكله في بيعه ، فإن لم يفعل ذلك ـ أي لم يبع ولم يوكله أيضا ـ يرفع المرتهن أمره إلى الحاكم ليلزمه بالوفاء أو البيع ، فإن فقد الحاكم أو لم يكن مقتدرا على إلزامه على ما ذكر لعدم بسط يده ، فللمرتهن أن يبيعه بإذن الحاكم ويستوفي حقّه من ثمنه أو أيّ مقدار ممكن منه.
نعم يلزم في هذا الفرض أن يراعى المرتهن البائع مصلحة الراهن المالك أيضا كما يراعي مصلحة نفسه في استيفاء دينه منه.
وهذا الذي ذكرناه هو مقتضى القواعد الأوّلية إذا لم يكن إجماع أو نصّ في البين.
فرع : إذا ادّعى المرتهن رهانة شيء معيّن وأنكرها الراهن وادّعى أنّ الرهن هو الشيء المعيّن الفلاني ، وليس هناك بيّنة لا على ما يدّعي المرتهن رهانته ولا على ما يدّعي الراهن رهانته ، وكلّ واحد منهما ينكر ما يدّعيه الآخر فكلّ واحد من الراهن والمرتهن مدّع بالنسبة إلى شيء ومنكر بالنسبة إلى شيء آخر ، فهل يكون من باب التداعي فإذا لم تكن بيّنة في البين من الطرفين فيتحالفان كما هو المقرّر في باب التداعي ، أو الحلف وظيفة الراهن فقط وأمّا المرتهن فإنكاره لما يدّعي الراهن رهنه كاف لبطلان رهانته؟
أقول : الظاهر أنّه ليس من باب التداعي والتحالف ، لأنّه لا حلف على المرتهن في إنكاره ما يدّعيه الراهن ، إذ عقد الرهن جائز من طرف المرتهن ولازم من طرف الراهن ـ كما تقدّم في بعض الفروع المتقدّمة ـ فإنكار المرتهن رهنيّته بمنزلة الفسخ ، فاحتياجه إلى الحلف في نفي آثار الرهن عمّا يدعيه الراهن لا وجه له ، مع حصول هذا الأمر بنفس رفع اليد عن التزامه وتعهّده بكونه رهنا.
وإن شئت قلت : إنّ إنكاره معناه عدم الرضا بكونه رهنا وعدم التزامه بذلك ، فعلى تقدير كونه رهنا واقعا يرجع إنكاره إلى إعدام التزامه وتعهّده بقاء ، وهذا هو عين الفسخ ، والمفروض أنّ العقد جائز من طرفه وله أن يفسخ في أيّ وقت شاء.
وأمّا ما ربما يتوهّم من أعمّية الإنكار من الفسخ ، وبوجود الأعمّ لا يثبت الأخص.
ففيه : أنّه وإن كان الأمر كذلك وثبوت الأعمّ لا يستلزم ثبوت الأخصّ ، ولكن فيما نحن فيه يمكن ادّعاء ملازمة عرفيّة بينهما ، كما إذا أنكر الموكّل وكالة شخص في أمر ، فالعرف يفهم من هذا الإنكار أنّه على تقدير إن كان وكيلا فبالنسبة إلى الزمان الآتي ليس بوكيل ، وهذا الإنكار فسخه من حينه.
هذا ، مضافا إلى الاتّفاق والإجماع من الأصحاب أنّ بإنكار المرتهن رهانة شيء تبطل رهانته. هذا بالنسبة إلى المرتهن.
وأمّا الراهن حيث أنّ العقد لازم بالنسبة إليه فيكون منكرا لما يدّعيه المرتهن ، لأنّ قوله مطابق مع أصالة عدم رهانة ما يدّعي المرتهن رهانته ، فيكون عليه الحلف ، فظهر أنّه ليس من باب التداعي والتحالف.
والذي ذكرنا من أنّ هذا الفرع ليس من باب التداعي والتحالف فيما إذا لم يكن الرهن المتنازع فيه مشروطا ، أمّا لو كان كذلك أي كان الرهن المتنازع فيه شرطا في بيع ـ مثلا لو باع بستانه بألف دينار نسيئة إلى سنة ، وشرط على المشتري أن يرهنه الشيء الفلاني المعيّن ، وبعد وقوع البيع تنازعوا فقال البائع المرتهن : إنّ الشرط كان رهن دارك ، وقال المشتري الراهن : إنّ الشرط كان رهن دكّاني الفلاني ، وأنكر البائع ذلك ـ فكلّ واحد منهما يدّعي رهانة شيء معيّن وينكر ما يدّعيه الآخر.
ولكنّ في المفروض ليس إنكار المرتهن لرهنيّة ذلك الدكّان إبطالا لرهنيّته ، لأنّ الرهن من طرفه عقد جائز ويكون إنكار رهانته فسخا كما ذكرنا ، وذلك الشرط في الحقيقة يرجع إلى كيفيّة الثمن وعن مكمّلاته ، وبه تحصل زيادة أو نقيصة في الثمن ، فكأنّه جزء للثمن ، فيكون حال اختلاف الشرط حال اختلاف نفس الثمن.
فكما أنّه لو قال البائع في المثل المذكور : بعتك بستاني بدارك ، وأنكره المشتري وادّعى أنّه بعت البستان بدكّاني ، فيكون هذه الدعوى من باب التداعي ، وكلّ واحد منهما مدّع بالنسبة إلى ثمن ، ومنكر بالنسبة إلى الثمن الذي يدّعيه الآخر ، فإذا لم تكن لكلّ واحد منهما بيّنة لما يدّعيه ، فعليه الحلف للآخر لنفي دعواه فيتحالفان.
فكذلك في المقام ، لأنّه في الحقيقة من باب الاختلاف في الثمن ، لأنّ الثمن المشروط بشرط كذا غير نفس ذلك الثمن إذا كان مشروطا بشرط آخر ، فإنكار المرتهن لا يمكن أن يكون فسخا ، لأنّه على تقدير أن يكون المتنازع فيه هو الشرط فيجب على المرتهن الوفاء به وقبوله رهنا ، لأنّه هو ألزم على نفسه ذلك.
فقول الراهن ، إنّه هو الشرط إلزام له بقبوله رهنا ، ويكون دعوى عليه ، فإذا لم تكن بيّنة على ما يدّعيه تصل النّوبة إلى حلف المنكر ، كما هو الشأن في باب الدعاوي. فإذا حلف المرتهن على عدم كونه شرطا ، وذلك الآخر ـ أي الراهن ـ أيضا حيث ينكر كون ما يدّعيه المرتهن شرطا ، وإذا لم تكن للمرتهن بيّنة على ما يدّعيه ، يتوجّه الحلف إلى الراهن ، لأنّه منكر لأصالة عدم كونه رهنا وشرطا ، وإذا حلفا فالبيع ينفسخ بفسخ كلّ واحد منهما بخيار تخلّف الشرط.
وأمّا جريان أصالة عدم كون كلّ واحد منهما رهنا أو شرطا مع العلم إجمالا بشرطيّة أحدهما فلا مانع فيها من هذه ، لأنّ كلّ واحد من الأصلين يجري في حقّ أحدهما ، ولا يجري كلاهما في حقّ شخص واحد كي يكون العلم الإجمالي مانعا عن جريانهما ، وذلك واضح.
وقال في القواعد : أمّا لو ادّعى البائع اشتراط رهن العبد على الثمن ، فقال المشتري :
بل الجارية ، احتمل تقديم قول الراهن ـ وهو الأقوى ـ والتحالف ، وفسخ البيع (112).
ففي مورد كون رهن المتنازع فيه شرطا في البيع الذي قلنا بالتحالف ذكر وجهين : أحدهما التحالف كما بيّنّا ، ولعلّه هو المشهور في نظائره ممّا كان الثمن متنازعا فيه ، فيما إذا ادّعى كلّ واحد من البائع والمشتري ثمنا غير ما يدّعيه الآخر. والثاني : تقديم قول الراهن ، وقوّاه.
وقد ذكر في الإيضاح في وجه كلام والده ـ أي في وجه تقديم قول الراهن ـ بقوله : وجه القوّة خروج الجارية بإنكار المرتهن وبقاء التداعي في العبد ، والقول قول منكر الرهن ، إلى آخر ما قال (113) وذكر في وجه التحالف أنّ الثمن يختلف باختلاف الشرط ، فكان كالاختلاف فيه. ثمَّ قال : والأصح الأوّل ، أي تقديم قول الراهن ، أي كون الحلف على الراهن فقط.
ولكن أنت خبير بأنّ قوله في وجه قوة الأوّل وكونه أصحّ بنظره : « خروج الجارية بإنكار المرتهن » صحيح لو لم يكن شرطا في البيع ، لما ذكرنا أنّ إنكاره فسخ ، لأنّ عقد الرهن من طرفه جائز ، فعلى تقدير صحّة قول الراهن وأنّ الرهن هي الجارية واقعا حيث أنّ عقد الرهن جائز ، فتخرج الجارية عن كونها رهنا بإنكاره وإن كانت.
وأمّا على تقدير كون رهنها شرطا في ضمن البيع ، فيجب الوفاء بالشرط وإن يعمل على وفق التزامه ، فلا يخرج بصرف إنكاره عن الرهنيّة بل يحتاج إلى الحلف ردا لدعوى الطرف. ولا شكّ في أنّ الشرط الواقع في ضمن العقد اللازم يجب الوفاء به ، وبإنكار المشروط عليه لا يرتفع ، فإذا ادّعى أحد مثل هذا الشرط على شخص يكون مثل سائر الدعاوي المتعلّقة بالحقوق أو الأموال ، فإذا لم تكن للمدّعي بيّنة وأنكر المدّعى عليه يكون عليه الحلف ، وبصرف الإنكار لا يخلّى سبيله.
نعم أيّد هذا الاحتمال ـ أي تقديم قول الراهن ـ تبعا للعلاّمة صاحب الجواهر (114) وقوّاه ، وأفاد في وجهه : أنّ قول الراهن « إنّ الرهن هي الجارية » وإن أنكره المرتهن موافق للحجّة الفعليّة وهي أصالة اللزوم ، بخلاف قول المرتهن فإنّه مخالف لأصالة لزوم العقد ، لأنّ نتيجة إنكاره هو جواز الفسخ وعدم اللزوم ، وأيضا جواز الفسخ في صورة ثبوت عدم الوفاء بالشرط عن المشروط عليه كي يأتي خيار تخلّف الشرط.
وفيما نحن فيه من المحتمل أن يكون الشرط هو ما يدّعيه الراهن ، فالمرتهن بإنكاره هو الذي يفوّت الشرط على نفسه ، والخيار يأتي فيما إذا لم يف المشروط عليه بالشرط ، لا فيما إذا فات بواسطة عدم قبول المشروط له ، فإذا لم يكن للمرتهن الفسخ لما ذكرنا فلا يمين عليه ، لعدم أثر له ، فيكون اليمين مختصّا بالراهن فلا تحالف في البين ، ونتيجة حلف الراهن على عدم كون الرهن هو العبد ـ في المثال الذي ذكره في القواعد (115) وهو أنّه لو ادّعى البائع اشتراط رهن العبد على الثمن ، فقال المشتري : بل الجارية. المراد من البائع في المثال هو المرتهن ، والمراد من المشتري هو الراهن مع إنكار المرتهن رهن الجارية ـ هو بقاء البيع بلا شرط ، مع العلم الإجمالي بوجود أحد الشرطين المذكورين في المثال ، وهما شرطيّة رهن العبد أو الجارية.
ويجيب صاحب الجواهر عن هذا الإشكال بأنّه لا غرابة فيه بعد الجريان على الضوابط (116).
وفيه : أنّه بعد العلم بشرطيّة أحدهما وارتفاع أحدهما بإنكار المرتهن والآخر بحلف الراهن وعدم العمل بكليهما ، علمنا تفصيلا بتخلّف الشرط ، غاية الأمر الترديد في سبب التخلّف وأنّه هل عدم العمل بما يدّعيه المرتهن ، أو بما يدّعيه الراهن ، لا في أصل التخلّف.
اللهمّ إلاّ أن يقال ـ كما أشرنا إليه ـ : إنّ هذا التخلّف القطعي من المحتمل أن يكون من ناحية تفويت المشروط له ، وهو لا يوجب الخيار ، وما يوجبه هو التخلّف والتفويت من ناحية المشروط عليه ، وهو غير معلوم بل محتمل ومشكوك.
فرع : لو اختلفا في ردّ الرهن فالقول قول الراهن مع يمينه ، لأنّ قوله مطابق مع أصالة عدم الردّ ، فقول المرتهن مخالف للأصل وقول الراهن موافق للأصل ، وقلنا في باب تشخيص المدّعي والمنكر إنّ المدّعي من يكون قوله مخالفا للحجّة الفعليّة ، والمنكر من كان قوله موافقا للحجّة الفعليّة.
فإذا كان الراهن منكرا فوظيفته اليمين إن لم يكن للمدّعي ـ أي المرتهن ـ بيّنة على الردّ.
وأمّا مسألة أنّ المرتهن أمين والأمين لا يغرم.
ففيه : أنّه وإن كان أمينا بالأمانة المالكيّة ولكن الأمانة المالكيّة على قسمين : فتارة يكون المال تحت يده من قبل المالك وبإذنه ، ولكن لمصلحة نفسه لا لمصلحة المالك. وأخرى لمصلحة المالك ويكون محسنا كالوديعة.
وفي القسم الأخير لا يحلف ، لأنّه محسن ولا سبيل عليه.
أمّا القسم الأوّل فحيث أنّ المال تحت يده لمصلحة نفسه وإن كان بإذن المالك لا يعدّ محسنا ، فقاعدة {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] لا تشمله ، فتجري فيه قواعد باب القضاء.
ففي المستأجر والمستعير والمقارض والوكيل بجعل وأمثال ذلك ممّا يكون تحت يده بإذن المالك لمصلحة نفسه إذا ادّعى الردّ لا تقبل قوله إلاّ بالبيّنة ، وتجري قواعد باب القضاء من أنّ البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر.
فرع : إذا رهن مالا مشاعا كنصف دار أو دكّان مثلا ، وأذن للمرتهن في قبضه وكونه في يده ، ووقع النزاع بين المرتهن وشريك الراهن في إمساكه ، فادعى كلّ واحد منهما أن يكون ذلك المال في يده ولم يرض الآخر بذلك ، فرفعا الأمر إلى الحاكم ، ينتزعه الحاكم ويقبضه لهما بنفسه ، أو ينصب عدلا بأن يكون في يده لهما.
ولا فرق في صحّة فعل الحاكم من قبض نفسه لهما أو نصب عدل بأن يقبض لهما بين أن يكون القبض لأجل أنّه شرط لصحّة الرهن ، أو يكون للاستئمان. فإذا انتزعه الحاكم وقبضه بنفسه لهما أو قبض العدل لهما ، يحصل القبض الذي هو شرط الصحّة ، من جهة أنّه بعد ما كان قبض كلّ واحد منهما غير ممكن لوجود التشاحّ والتنازع ، فيكون قبض الحاكم أو قبض من نصبه لذلك بمنزلة قبضهما ، لأنّ الشارع جعل له مثل هذه الولاية بقوله عليه السلام : « فإنّي قد جعلته عليكم حاكما » (117).
فالحاكم منصوب لأجل قطع المنازعة والخصومة ، وحيث أنّ قطع الخصومة والمنازعة في المقام لا يمكن إلاّ بأحد أمرين : إمّا مباشرته بنفسه في قبضه لأجل صحّة الرهن أو لأجل الاستئمان عليه إلى أن يحلّ الأجل ، أو نصب عدل لأجل أحد هذين الأمرين. فبأحدهما يقطع النزاع ، فله ـ أي للحاكم ـ ذلك ، لأنّه المرجع في هذه الأمور ، وإلاّ يلزم أن يكون جعله حاكما لغوا لا أثر له.
ثمَّ إن كان ذلك المال ذا أجرة آجره الحاكم بنفسه أو من نصبه مدّة لا تزيد على أجل الدين لأنّه بعد حلول الأجل إمّا أن يأخذ المرتهن دينه فيجب عليه ردّ الرهن إلى صاحبه وليس له حقّ بعد ذلك فيه ، فإذا كان الأمر بيد الحاكم أو من نصبه فهو أو من نصبه يردّ عليه وأمّا لا يؤدّي لفلس أو لغيره فيباع لاستيفاء دينه ، فعلى كلّ حال لا يبقى مجال لأن يوجره الحاكم بعد حلول الدين.
فلو آجره أزيد من أجل الدين يكون باطلا ، إلاّ أن يمضي الراهن والشركاء بالنسبة إلى تلك المدّة ، وإلاّ كان تصرّف من غير ذي الحقّ.
وأمّا الأجرة في الزمان الذي تصح الإجارة فيقسّم على الملاّك بالنسبة إلى حصصهم ، إلاّ أن يقال بأنّ النماء المتجدّد ـ وإن كان من قبيل المنافع الخارجة عن ذات العين المرهونة ـ أيضا يدخل في الرهن ، فتكون حصّة الراهن من المنافع ـ أي : الأجرة في المفروض ـ داخلة في الرهن ، وتبقى مثل نفس الرهن محفوظة في يد الحاكم أو في يد من نصبه إلى حلول أجل الدين ، فيكون حالها حال نفس الرهن ، أي إمّا أن يستوفي منها الدين أو يرد إلى صاحبه.
ثمَّ إنّ الإجارة لا بدّ وأن تكون بإذن الراهن ، لأنّ الرهن لا يقتضي أزيد من أن يكون نفس المال محفوظا كي يستوفي الدين منه عند حلول الأجل إن لم يؤدّ المديون. نعم لو وقع النزاع بين الشركاء فغير الراهن منهم أراد وأن يؤجروا وامتنع الراهن فأيضا يكون المرجع هو الحاكم ، لأنّه وليّ الممتنع فيؤجر ويصنع بالإجارة ، كما تقدّم.
ثمَّ إنّه لو وقع عقد الإجارة على أزيد من زمان أجل الدين ـ وقد عرفت أنّها باطلة بالنسبة إلى الزائد على الأجل ـ فلو كان المستأجر جاهلا بهذا الأمر يكون له الخيار في قبول الإجارة بمقدار مدّة أجل الدين وفسخها ، لأنّه يكون من قبيل تبعّض الصفقة بالنسبة إلى مدّة الإجارة.
فرع : لو أرهن بيضة على دين فأحضنها المرتهن فصارت فرخا ، أو أرهن حبّا فزرعه فصار شجرا ، قال في الشرائع : يكون الملك والرهن باقيين (118).
وقال في الجواهر في مقام شرح العبارة : بلا إشكال في كل منهما أمّا في مسألة بقاء الملك فلأنّ هذه الأشياء نتيجة ماله ومادّتها له ، فلم تخرج عن ملكه بالتغيّر. والاستحالات المتجدّدة صفات حاصلة في البيضة والحب بسبب استعدادهما لتكوّنات متعاقبة خلق الله تعالى فيها ووهبها لهما ، والأرض والماء والإحضان ونحوها من المعدّات التي لا تخرج المادّة عن ملك صاحبها (119) ، انتهى ما أفاده .
وهذه العبارات التي ذكرها أخذها من المسالك بعين ألفاظها ، وإن شئت فراجعها.
وذكر في المسالك (120) خلاف الشيخ وجماعة من العامّة أنّها تصير ملكا للقابض ـ أي : للمرتهن ـ فأجروا عليها حكم التلف.
وحاصل كلامه : أنّ التغيّرات التي تقع في الجسم المملوك لشخص إذا كانت من قبل الله تعالى ومن مواهبه تعالى بواسطة استعداده ووجود معدّات لتلك الإفاضات من المبدء الفيّاض ، لا توجب زوال الملكيّة. وهذا ينبغي أن يعدّ من البديهيّات ، إذ لا شكّ في أنّ النباتات مثل الأشجار وغيرها والحيوانات كلّها في سيرها الكمالي تتغيّر من الصغر إلى الكبر ، وكذلك بحسب سائر الصفات والحالات ، فمن غرس أشجارا ليس لها ثمرة بل لا قابليّة لها فعلا لأن يكون ذا ثمرة ، ولكن صار بعد ذلك أشجارا مثمرة ، وصار بستانا فيه من أنواع الفواكه والأثمار ، فهل يمكن أن يتجرّء أحد ويقول بأنّه بواسطة هذه التغيّرات خرج عن ملك مالكه؟! أو من كانت له سخال فكبر وصارت أغنام تخرج عن ملكه بصيرورتها شياه وأغنام؟! هذا ما ذكره .
ولكن من المعلوم أنّ محلّ الكلام ليس من هذا القبيل ، بل الكلام في الموارد التي زال عنها الصورة النوعيّة وتلبّست بصورة أخرى ، كالحيوان الذي مات ووقع في المملحة وصار ملحا ، فهل يبقى هذا على ملك مالكه ، أو يقال بأنّه صار تالفا؟
وفي باب المطهّرات ذكروا أنّ أحدها الاستحالة ، وهي زوال الصورة النوعيّة وتبدّلها إلى صورة أخرى ، مع أنّ معروض النجاسة وموضوعها هناك أيضا مثل المقام هو الجسم المتصوّر بصورة كذا ، ويقولون هناك بذهاب النجاسة بزوال صورة الجسم النجس واستحالته إلى نوع آخر ، فهل الملكيّة أيضا من قبيل النجاسة تزول بزوال الصورة النوعيّة من الجسم المملوك؟
والفرق بين المقامين هو أنّ أدلة النجاسات ظاهرة في أنّ لصورها النوعيّة مدخليّة في نجاسة الجسم المتصوّر بتلك الصور وإن كان المعروض هو نفس الجسم ، بخلاف أدلّة الملكيّة فإنّها ظاهرة في أنّ الموادّ مملوك في عرض صورها النوعيّة ، فكما أنّ صور النوعيّة للذات المصنوعة من الحديد كالسيف وسائر ما يصنع منها مملوك لصاحبها ، كذلك الحديد الذي صنع هذه الأدوات منها مملوك له في عرض تلك الصور ، فهناك مملوكان كلّ واحد منهما في عرض الآخر. فلو زال أحدهما وانعدم فموضوع الآخر موجود ولم يزل ، فحكمه أيضا موجود.
أمّا في باب النجاسات : فالشارع وإن حكم بنجاسة موادّ النجاسات ولكن الموادّ التوأمة مع صورها ، فإذا زالت تلك الصور فلا يبقى موضوع النجاسة في البين ـ أي المادّة التوأمة مع صورتها النوعيّة ـ فقهرا تزول النجاسة وتذهب بذهاب موضوعها.
وأمّا بقاء رهانتها فلأنّه جعل هذا المال الخارجي رهنا لأجل استيثاق المرتهن من دينه ، وأنّه يستوفي دينه منه إن لم يؤدّ الراهن المديون لفلس أو لغيره ، فما دام يكون هو موجودا ولم يسقط عن الماليّة ويمكن استيفاء دينه منه فلا وجه لسقوط رهانته لما تقدّم وقلنا إنّ الرهن من طرف الراهن عقد لازم.
وأمّا ما ربما يتوهّم : من أنّ شيئيّة الشيء بصورته لا بمادّته ، فإذا انعدمت الصورة ينعدم الشيء بانعدامها ، فليس ذلك الشيء باقيا كي تكون رهانته باقية.
ففيه : أنّ هذا الكلام وإن كان حقّا في محلّه ولكن لا ربط له بمقامنا ، لأنّه لا ندّعي بقاء تلك المهيّة لزوالها بزوال صورتها النوعيّة قطعا ، بل نقول موضوع الملكيّة نفس المادّة ، كانت مع الصورة النوعيّة أو لم تكن.
مثلا لو فرضنا أنّ الخشب صورته النوعيّة غير صورة الفحم ، ويكون سلب الخشبيّة من الفحم صحيحا لأنّه مهيّة أخرى غير مهيّة الخشب ، لكن معروض الملكيّة لمن يملك خشبا ليس مهيّة الخشب بصورتها النوعيّة ، بل المعروض مادّة الخشب ، فلو فرضنا أنّه احترق ذلك الخشب وصار فحما لا يخرج عن ملكه ، بل انقلب ملكه عن عنوان إلى عنوان آخر ، لأنّ المادّة الباقية في الحالين ملك في عرض الصور النوعيّة.
وحيث أنّ الرهن تعلّق بما هو ملك الراهن لأجل فرض استيثاق المرتهن ، فما هو الملك حيث كان باقية فرهانته أيضا باقية ، فالبيضة والحبّ حيث أنّ مادّتهما ملك وهي باقية بعد زوال صورتها وتبدّلها إلى صورة أخرى فرهانتهما أيضا باقية.
فظهر أنّ الملك والرهن كلاهما باقيين وإن تبدّلت صورتاهما. وتفصيل هذه المسألة مذكورة في كتاب الغصب في ضمان اليد.
فرع : لو رهن المستعير ما استعاره بدون إذن مالكه ، فحيث أنّ هذا التصرّف لا يجوز له فتخرج يد المستعير عن كونها يد أمانة ، فيضمن لو تلف وإن كان تلفه بدون تعدّ وتفريط بل ولو تلف سماوي ، لأنّ ضمان اليد غير مقيّد بكون التلف بتفريط ذي اليد ، لأنّ اليد غير المأذونة مكلّف بردّ ما أخذت ، ولا يفرّغ ذمّته إلاّ بأداء ما وقعت تحت يده.
وأمّا لو كان رهن المستعير بإذن مالكه ، فالظاهر أنّ الراهن أيضا يضمن الرهن للمالك بقيمته إن كان قيميّا وبمثله إن كان مثليا يوم تلفه ، لأنّه قبل ذلك لا ضمان له حيث أنّ رهنه بإذن مالكه ، فليس لا يد الراهن ولا يد المرتهن يد ضمان ما دامت عين المستعارة موجودة.
نعم لو تلفت في يد المرتهن فالراهن ضامن بمثله إن كان مثليّا ، وبقيمته إن كان قيميّا إذا لم يكن التلف عن تفريط المرتهن ، وإلاّ يكون المرتهن ضامنا ، لأنّ يده بالتفريط خرجت عن كونها أمانة.
وأمّا ضمان الراهن دون المرتهن فيما إذا لم يفرط المرتهن لاحترام مال المعير فإنّه لم يهبه للمستعير بل يكون إذنه في جعله رهنا بمعنى أنّه يصحّ بيعه واستيفاء المرتهن دينه منه ، ولكن بعوضه على ذمّة الراهن لا مجانا ، لأنّه يقع بدلا عمّا في ذمّة الراهن ، فيفرغ ذمّته عن الدين ، ولكن تشتغل بمثله إن كان مثليا وبقيمته إن كان قيميّا.
ومن هذه الجهة يشبه الضمان ، حيث أنّه بقوله « أنا ضامن » يفرغ ذمّة المضمون له عن دينه ، ولكن يشتغل ذمّته للضامن.
وأمّا المرتهن فلا شيء عليه ، لأنّه استوفى دينه منه بإذن مالكه ، ولم يفرط كي تكون يده يد ضمان ، فلا وجه لضمانه أصلا. نعم لو فرط يكون ضامنا ، لخروج يده عن الأمانة.
ثمَّ إنّه لا يجوز للمعير أن يرجع عن إذنه ، لأنّ الرهن لازم من طرف الراهن ، فبإذنه كأنّه أخرج ماله عن تحت اختياره ، كما لو أذن في بيعه بإسقاط الخيار ، فباع وأسقط جميع الخيارات ، أو لم يكن له خيار بعد انقضاء خيار المجلس ، فليس للمالك إذن الرجوع عن إذنه. وهذا واضح جدّا ، ولا إشكال فيه.
وهذه الأمور التي ذكرناها في هذا الفرع ـ مضافا إلى أنّ كلّها مقتضى القواعد العامّة في أبواب الضمانات ـ إجماعيّ لم يخالف فيها أحد من أصحابنا الإماميّة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
هذا كلّه قبل حلول أجل الدين ، وأمّا بعد حلول الأجل فله مطالبة مال ، فإن ردّه الراهن تامّا وبلا نقصان فلا شيء عليه ، وأمّا لو طرء عليه نقصان أو تلف فالراهن ضامن ، ولا يضمن المرتهن إلاّ مع التفريط ، وإن تعذّر ردّه بدون تلف أو نقصان فعلى الراهن بدل الحيلولة إلى حصول الردّ.
ثمَّ إنّ للمعير الرجوع عن إذنه قبل تحقّق عقد الرهن ، بل وبعده قبل القبض إن قلنا بأنّ القبض شرط صحّة الرهن. بل يمكن أن يقال بجواز الرجوع وإن كان شرطا في اللزوم لا الصحّة ، لأنّ قبله عقد جائز فالرجوع بمنزلة الفسخ.
ثمَّ إنّ إجازة المالك تارة صريحة في أن يرهن المال المستعار كيف شاء ، وأخرى مقيّدة بقيد خاصّ ، وثالثة مطلقة.
في الصورة الأولى يجوز له أن يرهن عن أيّ شخص كان ، وعلى أيّ مقدار كان ، وبأيّ مدّة كانت.
وأمّا في الصورة الثانية فلا يجوز له التعدّي عمّا عيّن.
وإنّما الكلام في الثالث وأنّه هل يجوز له العمل والأخذ بالإطلاق كي يكون مثل الصورة الأولى فيرهن ممّن يشاء ، وعلى أيّ مقدار يشاء ، وبأيّ مدّة يشاء ، أم لا بل لا بدّ له أن يأخذ بالقدر المتيقّن أو المتعارف ممّا هو الظاهر؟ ويراد من الكلام غالبا عند العرف لا يبعد الثاني ، لأنّ الأخذ بالإطلاق غالبا يوجب الضرر وخسارة الآذن ، ومن حيث كثرة الاختلاف في آجال الديون واختلاف المرتهنين في حفظ الرهن وسلامته ربما يوجب إضرارا للمعير المجيز.
فالأولى هو التعيين حين إذنه من حيث أجل الرهن وأنّه على أيّ مقدار من الدين ، وأنّ المرتهن من أيّ قسم وسنخ من الأشخاص ، إذ لا شكّ في تفاوت وصول الرهن وحصوله سالما بيد مالكه ـ أي المعير ـ باختلاف الحالات بالنسبة إلى المذكورات.
فإذا عيّن على حسب ما ذكرنا من مقدار الدين والأجل وحالات المرتهن ، فرهن على خلاف ما عيّن ، يكون رهنه فضوليّا يحتاج إلى إجازة المالك ، وإلاّ يكون باطلا إن ردّ ولم يجز.
ثمَّ إنّه بناء على ما قلنا « إنّ بيعه جائز للمرتهن » إن لم يؤدّ الراهن دينه عصيانا أو لعذر من فلس أو لجهة أخرى ، بأن كان وكيلا من قبل المالك عند عدم أداء الراهن دينه ، أو بإجازة جديدة من طرف المالك ، أو برجوعه إلى الحاكم وهو أمره بالبيع ، فباع بأكثر من ثمن المثل ، فمجموع الثمن الذي وقع عوض الرهن في بيعه للمعير المالك.
ووجهه واضح ، لأنّه ثمن ماله فيكون له ، ولا يخرج الرهن عن ملك مالكه بحكم الشرع بجواز البيع ، بل يخرج بوقوعه خارجا كما هو الشأن في جميع الأملاك التي تباع ، فالبيع يقع في ملك مالك الرهن ، فيكون تمام ما هو الثمن في بيعه لمالك الرهن. وهذا واضح ما كان ينبغي أن يذكره الأساطين.
ولكنّهم أرادوا بذكره دفع ما ربما يتوهّم ، وهو أنّ العارية وإن لم تكن مضمونة إلاّ إذا اشترط الضمان أو كانت ذهبا أو فضة ـ كما هو مذكور في محلّه مفصّلا ـ ولكن هذه العارية التي سمّوها استعارة للرهن مضمونة بمثله إن كان مثليّا ، وبقيمته إن كان قيميّا اتّفاقا وإجماعا ، فكأنّه أخرج عن ملك مالكه مقدّرا بهذا المقدار من الماليّة ، غاية الأمر تقدير الشارع ماليّته بهذا المقدار على تقدير تلفه وعدم إمكان وصول نفسه إليه.
فالمتوهّم ربما يتوهّم أنّ البيع لأجل استيفاء الدين أيضا مثل التلف ، بل هو تلف تشريعي ، فيكون الراهن ضامنا لثمن مثله لا الزائد عليه ، فإذا وجد راغب اشتراه بأزيد من ثمن المثل فالزائد ليس للمالك بل للراهن ، لأنّ الشارع قدّر ماليّته بثمن المثل.
ولكن رفع هذا التوهّم بما ذكرنا : أنّ البيع وقع في ملك مالك الرهن ـ أي المعير في المفروض ـ ومجموع الثمن عوض ملكه ، فمجموعه يكون ملك مالك المعير ، ويكون له حقّ المطالبة بالزائد ، كما له حقّ المطالبة بمقدار ثمن المثل.
فرع : إذا انفكّ الرهن بواسطة أداء الدين ، أو إبراء المرتهن ذمّة الراهن أو غير ذلك ، فهل يجب على المرتهن إيصال الرهن إلى مالكه ، أم يبقى أمانة مالكيّة عند المرتهن فإن طالبه المالك به يجب ردّه إليه وأمّا ابتداء وبدون مطالبة فلا؟ وهو ـ أي الردّ ابتداء ـ يجب في الأمانة الشرعيّة أو إعلامه بأنّ مالك عندي بصورة خاصّة ، كما إذا علم أنّ هذه اللقطة التي وجدها والتقطها لزيد مثلا ، فيعلم زيدا أنّ مالك الفلاني عندي ، أو بصورة عامّة كما إذا التقط شيئا ولا يعرف صاحبه فيعرّف بصورة عامّة ويقول : من ضاع عنه الشيء الفلاني يأتي ويأخذه منّي.
والسرّ في ذلك : أنّ الأمانة الشرعيّة يجب إيصالها إلى صاحبها ، دون الأمانة المالكية بل يجب إعطاؤها إن طالبها لا مطلقا ، هو أنّ الأمانة المالكيّة بإذن المالك ، فإن رجع المالك عن إذنه لا بدّ وأن يعلمه ، والمطالبة يدلّ على عدم إذنه في البقاء عنده ورجوعه عن إذنه حين المطالبة. وأمّا الأمانة الشرعيّة فليست في يده بإذن المالك ، بل ربما لا اطّلاع للمالك أنّه عنده والشارع أذن له أن يكون عنده إلى أن يوصل إلى صاحبه.
ومعلوم أنّ كون مال الغير تحت يده لا بدّ وأن يكون بإذن مالكه ، وإذن الشارع وإن كان كافيا لأنّ الله ورسوله أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، إلاّ أنّ إذن الشارع ليس مطلقا ، بل يكون لضبطه وحفظه إلى أن يوصل إلى صاحبه في أوّل أزمنة إمكانه ، فلا يجوز انتظاره إلى أن يطالبه ، بل غالبا في اللقطة وأمثالها من الأمانات الشرعية لا اطّلاع للمالك كي يطالبه.
وفي ما نحن فيه حيث أنّ الرهن أمانة مالكيّة لا يجب على المرتهن ردّه إلاّ بعد مطالبة المالك. وبناء على هذا فكما أنّ المرتهن لا يضمن الرهن ما لم يفرّط قبل أداء الراهن الدين لأنّ يده يد أمانة ، كذلك لا يضمن بعين ذلك الدليل بعد أداء الدين ما لم يطالب ، بل وما دام لم ينقض زمان يمكن أدائه عرفا وإيصاله إلى صاحبه.
فرع : وهو أنّه هل يقع الرهن بالمعاطاة ، أم لا بد من إنشائها باللفظ؟ الظاهر هو الأوّل ، وذلك لشمول الإطلاقات له ، فقوله عليه السلام في رواية سماعة ، في جواب السؤال عن صحّة الرهن ، قال : « لا بأس بأن تستوثق من مالك » (121) يشمل ما إذا استوثق بالمعاطاة بأن يعطى مالا للدائن لأن يكون رهنا ووثيقة عنده ليستوثق من ماله ، فهو عليه السلام أمضى صحّة مثل هذه المعاملة ، مضافا إلى السيرة بقوله : لا بأس يستوثق من ماله.
وبقوله عليه السلام في رواية يعقوب بن شعيب قال : سألته عن الرجل يكون له على الرجل تمر أو حنطة أو رمّان وله أرض فيها شيء من ذلك ، فيرتهنها حتّى يستوفي الذي له ، قال عليه السلام : « يستوثق من ماله » (122).
وفي رواية عبد الله بن سنان ، قال عليه السلام : « نعم استوثق من مالك » (123) وأمثال هذه المطلقات كثيرة (124) ، وليس إجماع على عدم وقوعه بالمعاطاة.
الحمد لله أوّلاً وآخراً ، وظاهراً وباطناً.
_______________
(*) « ترجمه وتحقيق قاعدة فقهي لا رهن إلاّ مقبوضا » ، بررسى راشدي فرد ، ( ماجستير ) ، كلّية الهيات ، جامعة طهران ، 1373.
(1) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 176 ، ح 779 ، باب الرهن ، ح 36 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 123 ، أبواب كتاب الرهن ، باب 3 ، ح 1.
(2) « تفسير العيّاشي » ج 1 ، ص 156 ، ح 525 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 124 ، أبواب كتاب الرهن ، باب 3 ، ح 2.
(3) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 75 ، « جواهر الكلام » ج 25 ، ص 94. ونسبه في « مجمع البحرين » ج 6 ، ص 258 إلى عرف الفقهاء
(4) « القاموس المحيط » ج 4 ، ص 327 ( رهن )
(5) المصدر
(6) انظر : « المصباح المنير » ص 242 ، « الصحاح » ج 5 ، ص 2129 ( رهن ).
(7) « الفقيه » ج 3 ، ص 259 ، باب السلف في الطعام والحيوان وغيرهما ، ح 3936 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 121 ، أبواب كتاب الرهن ، باب 1 ، ح 1.
(8) لم نعثر على رواية من داود بن سرحان بهذا المعنى ، ولعلّ سها قلمه الشريف حيث جاء في الوسائل بعد نقل رواية محمد بن مسلم : « وبإسناده عن داود بن سرحان. مثله ». أنظر : « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 121 ، أبواب كتاب الرهن ، باب 1 ، ذيل ج 2.
(9) « الفقيه » ج 3 ، ص 261 ، باب السلف في الطعام والحيوان وغيرهما ، ح 3942 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 42 ، ح 179 ، باب بيع المضمون ، ح 67 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 121 ، أبواب كتاب الرهن ، باب 1 ، ح 4.
(10) « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 121 ، أبواب كتاب الرهن ، باب 1.
(11) « دعائم الإسلام » ج 2 ، ص 82 ، ح 244 ، « مستدرك الوسائل » ج 13 ، ص 419 ، أبواب كتاب الرهن ، باب 3 ، ح 1.
(12) « دعائم الإسلام » ج 2 ، ص 82 ، ح 245 ، « مستدرك الوسائل » ج 13 ، ص 419 ، أبواب كتاب الرهن ، باب 3 ، ح 2.
(13) « تذكرة الفقهاء » ج 2 ، ص 11.
(14) « الخلاف » ج 3 ، ص 223 ، المسألة : 5.
(15) « مختلف الشيعة » ج 5 ، ص 417.
(16) « إيضاح الفوائد » ج 2 ، ص 25.
(17) « السرائر » ج 2 ، ص 417.
(18) « جامع المقاصد » ج 5 ، ص 94.
(19) « المسالك » ج 1 ، ص 225.
(20) « جواهر الكلام » ج 25 ، ص 99.
(21) « السرائر » ج 12 ، ص 417.
(22) كنز العرفان ، ج 2 ، ص 60.
(23) « جواهر الكلام » ج 25 ، ص 99.
(24) « جواهر الكلام » ج 25 ، ص 108.
(25) « جواهر الكلام » ج 25 ، ص 109.
(26) « السرائر » ج 2 ، ص 417.
(27) « الغنية » ضمن « الجوامع الفقهيّة » ص 592.
(28) « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 121 ، أبواب كتاب الرهن ، باب 1 ، ح 1 و4 و9.
(29) « المبسوط » ج 2 ، ص 232.
(30) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 77.
(31) « قواعد الأحكام » ج 1 ، ص 158.
(32) الشهيد الأوّل في « الدروس » ج 3 ، ص 390 ، والشهيد الثاني في « المسالك » ج 1 ، ص 227.
(33) انظر : « جواهر الكلام » ج 25 ، ص 125 ـ 126.
(34) « تذكرة الفقهاء » ج 2 ، ص 12.
(35) « جواهر الكلام » ج 25 ، ص 221.
(36) « جواهر الكلام » ج 25 ، ص 174.
(37) « الفقيه » ج 3 ، ص 305 ، باب الرهن ، ح 4094 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 125 ، أبواب كتاب الرهن ، باب 5 ، ح 1.
(38) « الفقيه » ج 3 ، ص 308 ، باب الرهن ، ح 4102 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 172 ، ح 765 ، باب في الرهون ، ح 22 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 120 ، ح 427 ، باب الرهن يهلك عند المرتهن ، ح 7 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 125 ، أبواب كتاب الرهن ، باب 5 ، ح 2.
(39) « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 125 ، أبواب كتاب الرهن ، باب 5. ذيل ح 2.
(40) « الفقيه » ج 3 ، ص 310 ، باب الرهن ، ح 4110 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 126 ، أبواب كتاب الرهن ، باب 5 ، ح 3.
(41) « الفقيه » ج 3 ، ص 306 ، باب الرهن ، ح 4096 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 126 ، أبواب كتاب الرهن ، باب 5 ، ح 4.
(42) « الكافي » ج 5 ، ص 235 ، باب الرهن ، ج 11 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 170 ، ح 757 ، باب في الرهون ، ح 14 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 118 ، ح 421 ، باب الرهن يهلك عند المرتهن ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 126 ، أبواب كتاب الرهن ، باب 5 ، ح 5.
(43) « الكافي » ج 5 ، ص 234 ، باب الرهن ، ح 10 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 172 ، ح 764 ، باب في الرهون ، ح 21 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 121 ، ح 430 ، باب في الرهن يهلك عند المرتهن ، ح 10 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 126 ، أبواب كتاب الرهن ، باب 5 ، ح 6.
(44) « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 125 ، أبواب كتاب الرهن ، باب 5.
(45) « الكافي » ج 5 ، ص 234 ، باب الرهن ، ح 7 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 171 ، ح 761 ، باب في الرهون ، ح 18 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 119 ، ح 426 ، باب في الرهن يهلك عند المرتهن ، ح 6 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 129 ، أبواب كتاب الرهن ، باب 7 ، ح 1.
(46) « الكافي » ج 5 ، ص 234 ، باب الرهن ، ح 6 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 171 ، ح 760 ، باب في الرهون ، ح 17 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 119 ، ح 425 ، باب في الرهن يهلك عند المرتهن ، ح 5 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 129 ، أبواب كتاب الرهن ، باب 7 ، ح 3.
(47) « الفقيه » ج 3 ، ص 312 ، باب الرهن ، ح 4115 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 129 ، أبواب كتاب الرهن ، باب 7 ، ح 4.
(48) « الفقيه » ج 3 ، ص 308 ، باب الرهن ، ح 4101 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 130 ، أبواب كتاب الرهن ، باب 7 ، ح 5.
(49) « الفقيه » ج 3 ، ص 308 ، باب الرهن ، ح 4101.
(50) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 171 ، ذيل ح 761 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 119.
(51) « عوالي اللئالي » ج 1 ، ص 224 ، ح 106 ، « مستدرك الوسائل » ج 17 ، ص 88 ، أبواب كتاب الغصب ، باب 1 ، ح 4 ، « سنن ابن ماجه » ج 2 ، ص 802 ، باب العارية ، ح 2400 ، « تفسير أبو الفتوح الرازي » ج 5 ، ص 407.
(52) « الكافي » ج 5 ، ص 235 ، باب الرهن ، ح 13 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 169 ، ح 750 ، باب في الرهون ، ح 7 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 132 ، أبواب الرهن ، باب 10 ، ح 1.
(53) « الكافي » ج 5 ، ص 235 ، باب الرهن ، ح 14 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 169 ، ح 751 ، باب في الرهون ، ح 8 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 132 ، أبواب الرهن ، باب 10 ، ح 2.
(54) « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 131 ، أبواب الرهن ، باب 10.
(55) « الكافي » ج 5 ، ص 236 ، باب الرهن ، ح 16 ، « الفقيه » ج 3 ، ص 307 ، باب الرهن ، ح 4098 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 176 ، ح 778 ، باب في الرهون ، ح 35 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 134 ، أبواب الرهن ، باب 12 ، ح 1.
(56) « الفقيه » ج 3 ، ص 306 ، باب الرهن ، ح 4095 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 134 ، أبواب الرهن ، باب 12 ، ح 2.
(57) « جواهر الكلام » ج 25 ، ص 182.
(58) « الفقيه » ج 3 ، ص 310 ، باب الرهن ، ح 4111 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 178 ، ح 784 ، باب في الرهون ، ح 41 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 140 ، أبواب الرهن ، باب 20 ، ح 1.
(59) « مجمع الفائدة والبرهان » ج 9 ، ص 161.
(60) حكاه عن شرح الإرشاد في « الرياض » ج 1 ، ص 558 ، و« جواهر الكلام » ج 25 ، ص 183.
(61) « جواهر الكلام » ج 25 ، ص 171 ـ 172.
(62) « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 121 ، أبواب الرهن ، باب 1 ، ح 1 ، 4 ، 6 و9.
(63) « الفقيه » ج 3 ، ص 307 ، باب الرهن ، ح 4100 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 177 ، ح 783 ، باب في الرهون ، ح 40 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 139 ، أبواب الرهن ، باب 19 ، ح 1.
(64) « الفقيه » ج 3 ، ص 310 ، باب الرهن ، ح 4111 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 178 ، ح 784 ، باب في الرهن ، ح 41 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 139 ، أبواب الرهن ، باب 19 ، ح 2.
(65) « الوسائل » ج 13 ، ص 121 ، كتاب الرهن ، باب 1 ، باب جواز الارتهان على الحق الثابت.
(66) « منتهى الأصول » ج 2 ، ص 448.
(67) « جواهر الكلام » ج 25 ، ص 226.
(68) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 83.
(69) « الكافي » ج 5 ، ص 235 ، باب الرهن ، ح 12 ، « الفقيه » ج 3 ، ص 312 ، باب الرهن ، ح 4117 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 173 ، ح 767 ، باب في الرهون ، ح 24 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 132 ، أبواب الرهن ، باب 10 ، ح 3.
(70) « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 131 ، أبواب الرهن ، باب 10.
(71) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 83.
(72) حكاه عن الشيخ في « المسالك » ج 1 ، ص 234. وهو في « المبسوط » ج 2 ، ص 242.
(73) « قواعد الأحكام » ج 1 ، ص 165.
(74) الشهيد الأوّل في « الدروس » ج 3 ، ص 396 ، والشهيد الثاني في « المسالك » ج 1 ، ص 234.
(75) « جامع المقاصد » ج 5 ، ص 134.
(76) « إيضاح الفوائد » ج 2 ، ص 38.
(77) « الفقيه » ج 3 ، ص 190 ، باب الدين والقرض ، ح 3715 ، « علل الشرائع » ص 529 ، ح 1 ، « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 198 ، ح 441 ، باب في الديون وأحكامها ، ح 66 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 95 ، أبواب الدين باب 11 ، ح 5.
(78) « جامع المقاصد » ج 5 ، ص 157.
(79) « القواعد الفقهية » ج ، ص.
(80) « إيضاح الفوائد » ج 2 ، ص 44.
(81) « قواعد الأحكام » ج 1 ، ص 166 ـ 167.
(82) « جواهر الكلام » ج 25 ، ص 275.
(83) حكى عنه في « مختلف الشيعة » ج 5 ، ص 420.
(84) « وسائل الشيعة » ج 18 ، ص 170 ، أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى ، باب 3 ، مع تفاوت ، « عوالي اللئالي » ج 1 ، ص 244 ، ح 172 ، ج 3 ، ص 523 ، ح 22 ، « مستدرك الوسائل » ج 17 ، ص 368 ، أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى ، باب 3 ، ح 4.
(85) « الغنية » ضمن « الجوامع الفقهية » ص 593.
(86) « السرائر » ج 2 ، ص 421.
(87) « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 137 ، أبواب الرهن ، باب 17 : انّهما إذا اختلفا فيما على الرهن ولا بيّنه فالقول قول الراهن مع يمينه.
(88) « الكافي » ج 5 ، ص 237 ، باب الاختلاف في الرهن ، ح 2 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 174 ، ح 769 ، باب في الرهون ، ح 26 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 121 ، ح 432 ، باب أنّه إذا اختلف الرهن والمرتهن. ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 137 ، أبواب الرهن ، باب 17 ، ح 1.
(89) « الكافي » ج 5 ، ص 237 ، باب الاختلاف في الرهن ، ح 1 ، « الفقيه » ج 3 ، ص 312 ، باب الرهن ، ح 4116 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 174 ، ح 771 ، باب في الرهون ، ح 28 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 122 ، ح 434 ، باب أنّه إذا اختلف الراهن والمرتهن. ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 137 ، أبواب الرهن ، باب 17 ، ح 2.
(90) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 174 ، ح 770 ، باب في الرهون ، ح 27 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 121 ، ح 433 ، باب أنّه إذا اختلف الراهن والمرتهن. ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 138 ، أبواب الرهن ، باب 17 ، ح 3.
(91) « الفقيه » ج 3 ، ص 308 ، باب الرهن ، ح 4102 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 175 ، ح 774 ، باب في الرهون ، ح 31 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 122 ، ح 435 ، باب أنّه إذا اختلف الراهن والمرتهن. ، ح 4 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 138 ، أبواب الرهن ، باب 17 ، ح 4.
(92) « جامع المقاصد » ج 5 ، ص 159.
(93) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 85.
(94) « الاستبصار » ج 3 ، ص 122 ، ذيل ح 435.
(95) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 85.
(96) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 174 ، ح 729 ، باب في الرهون ، ح 26 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 123 ، ح 438 ، باب في أنّه إذا اختلف نفسان في متاع. ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 136 ، أبواب الرهن ، باب 16 ، ح 1.
(97) « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 136 ، أبواب الرهن ، باب 16 ، ذيل ح 1.
(98) « الكافي » ج 5 ، ص 238 ، باب الاختلاف في الرهن ، ح 4 ، « الفقيه » ج 3 ، ص 306 ، باب الرهن ، ح 4097 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 176 ، ح 776 ، باب في الرهون ، ح 33 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 122 ، ح 436 ، باب في أنّه إذا اختلف نفسان. ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 137 ، أبواب الرهن ، باب 16 ، ح 3.
(99) « الكافي » ج 5 ، ص 238 ، باب الاختلاف في الرهن ، ح 1 ، « الفقيه » ج 3 ، ص 312 ، باب الرهن ، ح 411 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 174 ، ح 771 ، باب في الرهون ، ح 28 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 136 ، أبواب الرهن ، باب 16 ، ح 2.
(100) « الاستبصار » ج 3 ، ص 123 ، ذيل ح 3.
(101) « المقنع » ص 129.
(102) « الوسيلة » ص 266.
(103) حكى في « مختلف الشيعة » ج 5 ، ص 421.
(104) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 85.
(105) « منتهى الأصول » ج 2 ، ص 495.
(106) « المسالك » ج 1 ، ص 236.
(107) « منتهى الأصول » ج 2 ، ص 494.
(108) « الكافي » ج 5 ، ص 233 ، باب الرهن ، ح 4 ، « الفقيه » ج 3 ، ص 309 ، باب الرهن ، ح 4105 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 168 ، ح 747 ، باب في الرهون ، ح 4 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 124 ، أبواب الرهن ، باب 4 ، ح 2.
(109) « الدروس » ج 3 ، ص 400.
(110) « قواعد الأحكام » ج 1 ، ص 163.
(111) « تذكرة الفقهاء » ج 2 ، ص 36.
(112) « قواعد الأحكام » ج 1 ، ص 166.
(113) « إيضاح الفوائد » ج 2 ، ص 43.
(114) « جواهر الكلام » ج 25 ، ص 273.
(115) « قواعد الأحكام » ج 1 ، ص 166.
(116) « جواهر الكلام » ج 25 ، ص 274.
(117) « الكافي » ج 7 ، ص 413 ، باب كراهيّة الارتفاع إلى قضاة الجور ، ح 5 ، « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 218 ، ح 514 ، باب من إليه الحكم. ، ح 6 ، وص 301 ، ح 845 ، باب في الزيادات في القضاء والأحكام ، ح 25 ، « وسائل الشيعة » ج 18 ، ص 98 ، أبواب صفات القاضي ، باب 11 ، ح 1.
(118) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 84.
(119) « جواهر الكلام » ج 25 ، ص 255.
(120) « المسالك » ج 1 ، ص 235.
(121) « الفقيه » ج 3 ، ص 261 ، باب السلف في الطعام والحيوان ، ح 3942 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 42 ، ح 179 ، باب بيع المضمون ، ح 67 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 121 ، أبواب الرهن ، باب 1 ، ح 4.
(122) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 175 ، ح 772 ، باب في الرهون ، ح 29 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 122 ، أبواب الرهن ، باب 1 ، ح 6.
(123) « الفقيه » ج 3 ، ص 259 ، باب السلف في الطعام والحيوان ، ح 3936 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 121 ، أبواب الرهن ، باب 1 ، ح 1.
(124) « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 121 ، أبواب الرهن ، باب 1.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|