المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8186 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

إدخال السرور على المؤمن والإحسان إليه
2-6-2022
فضائل الإمام عليّ عليه السلام بعد ولادته
19-3-2018
Distributive Adjective
14-5-2021
الغدة الصنوبرية The Pineal
12-4-2016
مجمع البيان ـ في تفسير القرآن لابي علي الطبرسي : تفسير اجتهادي
16-10-2014
The Periodic Table
9-5-2017


قاعدة « حجية خبر الواحد في الموضوعات »  
  
2626   08:09 صباحاً   التاريخ: 21-9-2016
المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ج2 ص80 – 101 .
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / قواعد فقهية متفرقة /

[ والكلام في القاعدة يكون فيما يأتي ] :  

-أقوال العلماء في المسألة‌.

- مدرك القاعدة من الكتاب العزيز‌.

- مدركها من السنة‌.

- مدركها من بناء العقلاء‌.

- سيرة الأصحاب في المسألة‌.

- أقوى ما يرد على حجية خبر الواحد في الموضوعات و جوابه‌.

- ملاك حجية الخبر و معيارها‌.

المقام الأول في أقوال العلماء في المسألة :

المشهور بين الأصحاب حجية خبر الواحد في الاحكام، بل قد ادعى الإجماع عليه و هو الحق، و يدل عليه الكتاب و السنة و بناء العقلاء و سيرة الأصحاب عليه، كما أوضحناه في محله في الأصول.

ولكن الكلام هنا في حجيته في الموضوعات، فإنها ترتبط ببحث القواعد الفقهية، لما قد عرفت من ان مفاد القاعدة الفقهية دائما حكم شرعي كلي، يجري في مختلف أبواب الفقه، بخلاف المسائل الأصولية فإنها تقع في طريق استنباط الأحكام فحجية خبر الواحد في الأحكام تقع في طريق إثبات الحكم الشرعي، فتكون مسألة أصولية و اما حجيته في الموضوعات فهي حكم فقهي يستفاد منه حال موضوعات الاحكام، و لكن لما كان كليا دخل في أبواب القواعد الفقهية.

والمعروف ان خبر الواحد لا يكون حجة في الموضوعات، و لكن ذهب جماعة من الأصحاب، و لا سيما المتأخرون منهم الى حجيته فيها، حكي هذا عن ظاهر التذكرة و قواه في الحدائق «1» و المحقق الهمداني في مصباحه و غيرهم.

هذا و لكنهم انما تعرضوا للمسألة في موارد خاصة، و قد لا يمكن استفادة العموم منها نعم يظهر العموم من بعض متأخري الأصحاب حيث ذكر هذا الحكم على الإطلاق و استدل عليه بدلائل يأتي الإشارة إليها ان شاء اللّه.

ويظهر من بعض علماء العامة ان القول بحجية خبر الواحد في الموضوعات شائع بينهم. و ان ذكروه في موارد خاصة، قال «ابن قدامة»: في «المغني» في باب أوقات الصلاة: «و من أخبره ثقة عن علم عمل به، لأنه خبر ديني، فقبل فيه قول الواحد كالرواية» «2».

وتعليله دليل على عموم حجيته عنده.

وقال في أبواب القبلة: «و ان لم يعلم عدالته و فسقه (اي المخبر بالقبلة) قبل خبره لان حال المسلم يبنى على العدالة ما لم يظهر خلافها و يقبل خبر سائر الناس من المسلمين البالغين العقلاء، سواء كانوا رجالا أو نساء، و لأنه خبر من اخبار الدين فأشبه الرواية، و يقبل من الواحد كذلك» «3».

وقال أيضا في أبواب المياه: «و ان ورد ماء فأخبره بنجاسته صبي أو كافر أو فاسق لم يلزمه قبول خبره. و ان كان المخبر بالغا عاقلا مسلما غير معلوم فسقه، و عيّن سبب النجاسة لزم قبول خبره، سواء كان رجلا أو امرأة، حرا أو عبدا، معلوم الدالة أو مستور الحال، لأنه خبر ديني، فأشبه الخبر بدخول وقت الصلاة، و ان لم يعيّن سببها قال القاضي: لا يلزم قبول خبره، لاحتمال اعتقاد نجاسة الماء بسبب لا يعتقده المخبر» «4».

و الظاهر ان اعتماده على قول مستور الحال من جهة ان الأصل عندهم على‌ عدالة المسلم كما أشار إليه سابقا، كما ان عدم قبول القاضي لقول من لا يخبر بالسبب فإنما هو بسبب اختلاف الفتاوى عندهم، فالمتحصل منها حجية خبر العدل عنده على الإطلاق.

فلنرجع الى بيان مدرك القاعدة و ما قيل أو يمكن ان يقال فيه و نقل الأدلة عليه :

المقام الثاني في مدرك القاعدة :

يدل عليها الكتاب العزيز و السنة المستفيضة ، وبناء العقلاء.

الأول : كتاب اللّه :

أقوى ما يدل عليه هو آية النبإ، قال اللّه تعالى :

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } [الحجرات: 6] وقد ذكرنا في مباحث خبر الواحد من الأصول انه يمكن الاعتماد على دلالة الآية باعتبار مفهوم الوصف في أمثال المقام، مما يكون ظاهره الاحتراز بالوصف عن غيره، و لذا إذا عرضنا الآية على أهل العرف و قلنا ان الفاسق لا يقبل خبره يفهمون منه ان خبر العدل مقبول.

وما قد يقال ان ذكر عنوان «الفاسق» هنا انما هو لبيان فسق الوليد و كفى بذلك فائدة في ذكر الوصف، فاسد جدا، مخالف لما يفهم منه عرفا.

أضف الى ذلك ان الآية لا تقصد بيان قضية خاصة بل مفادها حكم عام و قانون كلي بالنسبة إلى المؤمنين كلهم في جميع الموارد، و لذا يقول «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جٰاءَكُمْ.».

كما ان ذكر العلة و هي قوله تعالى «أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهٰالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلىٰ مٰا فَعَلْتُمْ نٰادِمِينَ» لا يدل على اعتبار العلم في العمل بالأخبار، بل الجهالة هنا بمعنى السفاهة، و ما لا يكون عقلائيا، و حيث ان الاعتماد على خبر الثقة أمر عقلائي ليس فيه سفاهة و لا ندامة و لو تبيّن كونه خلاف الحق، فهو من قبيل العلم الذي هو جهل مركب لا ندامة في العمل به من حيث الاعتماد على أمر غير عقلائي، بل من حيث الخطأ و هو محتمل في جميع الأمارات الشرعية و العرفية و في حق غير المعصومين.

ومما ينبغي أن يذكر ان مورد الآية و شأن نزولها من الموضوعات لا من الاحكام و هو الخبر بارتداد قبيلة بني المصطلق، والعجب من جماعة من الأصوليين حيث استدلوا بها على حجية خبر العدل في الأحكام، أخذا بإطلاق الآية، و لم يستدلوا بها على حجيته في الموضوعات الذي هو موردها، فهل يمكن تخصيص العموم و تقييد الإطلاق بإخراج المورد و شأن نزولها؟ كلا.

وقد يستدل هنا بآيات الشهادة «5» و لزوم إظهارها، و حرمة كتمانها، مثل قوله تعالى {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] و قوله تعالى :

{ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ } [الطلاق: 2] وقوله تعالى {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ } [النساء: 135] وقوله عز من قائل {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282]  الى غير ذلك.

وكأنهم استندوا في ذلك الى دليل اللغوية، و ان الإظهار لو كان واجبا لوجب القبول، و الا كان لغوا، و لكن هذا غير تام، كما ذكر في أشباهه من وجوب إظهار العالم علمه و غيره، فان دليل اللغوية يدل على ان في الإظهار فائدة، و لكن هذه الفائدة‌ هل هي القبول مطلقا، أو إذا انضم اليه شاهد آخر، و لا إطلاق لها من هذه الجهة، فإنها ليست بصدد بيان القبول، بل بصدد بيان وجوب الإظهار، و اما القبول فإنما يستفاد من ناحية أخرى، و من الواضح انه يكفي في عدم كونه لغوا قبولها في الجملة و لو عند وجود شاهد آخر.

الثاني: السنة :

هنا روايات كثيرة وردت في مختلف أبواب الفقه يمكن استنباط حجية خبر الواحد في الموضوعات من مجموعها.

1- ما ورد في أبواب رؤية الهلال عن محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «إذا رأيتم الهلال فأفطروا أو شهد عليه عدل من المسلمين» «6».

دلت على كفاية شهادة العدل الواحد في ثبوت رؤية الهلال، و لكن نسخ الرواية مختلفة ففي بعضها «و اشهدوا عليه عدولا من المسلمين» و في بعضها الأخر «أو يشهد عليه بينة عدول من المسلمين» و من هنا يشكل الاعتماد عليها بالخصوص.

ويؤيده ما روي عن طرق العامة عن ابن عباس قال جاء أعرابي إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال اني رأيت الهلال يعني هلال رمضان فقال أ تشهد ان لا إله إلا اللّه قال نعم قال أ تشهد ان محمدا رسول اللّه؟ قال نعم قال يا بلال أذن في الناس ان يصوموا غدا «7».

2- منها ما وردت في أبواب النكاح من رواية سماعة قال سألته عن رجل تزوج جارية أو تمتع بها، فحدثه رجل ثقة أو غير ثقة و قال ان هذه امرأتي و ليست‌

لي بينة، و قال ان كان ثقة فلا يقربها و ان كان غير ثقة فلا يقبل منه «8».

والحديث ظاهر الدلالة على المقصود.

3- و نظيرها من بعض الجهات ما عن فقه الرضا قال: «ان كان البائع (أي البائع للأمة) ثقة و ذكر انه استبرأها جاز نكاحها من وقته، و ان لم يكن ثقة استبرأها المشتري بحيضة» «9».

والأصل و ان كان يقتضي عدم الوطي فلا يحتاج الى الاستبراء، و لكن لما كان ذلك غالبا في الإماء كان ظاهر حالهن كونهن موطوئة، فلزم الاستبراء، الا ان يكون البائع ثقة، بل الظاهر من الرواية ان الوطي أمر مفروغ فيها.

هذا و لكن في سند الحديث (فقه الرضا) اشكال معروف.

4- ما ورد في «أبواب الأذان» من جواز الاعتماد على أذان المؤذن العارف الثقة، مثل ما رواه عيسى بن عبد اللّه الهاشمي عن أبيه عن جده عن علي عليه السّلام قال:

«المؤذن مؤتمن و الامام ضامن» «10».

الى غير ذلك مما دل على اعتبار أذان المؤذن مطلقا المحمول على العارف بالوقت الثقة و ان كان من المخالفين.

هذا و لكن الاعتماد على أذان العارف يمكن ان يكون من باب جواز التعويل في دخول الوقت على الظن المطلق، و هو من أسباب الظن، فلا يدل على جواز الاعتماد عليه في موارد يعتبر العلم، أو ما يكون بمنزلته.

واستدل «ابن قدامة» في «المغني» في باب أوقات الصلاة بما روي عن طرقهم عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: المؤذن مؤتمن، على حجية أذان الثقة العالم بالوقت «11».

5- ما ورد في أبواب الوكالة عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل وكّل آخر على وكالة في أمر من الأمور و اشهد له بذلك شاهدين، فقام الوكيل فخرج لإمضاء الأمر، فقال اشهدوا اني قد عزلت الفلان عن الوكالة. قال نعم ان الوكيل إذا وكّل ثمَّ قام عن المجلس فأمره ماض ابدا و الوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة «12».

دل على بقاء الوكالة على حكمها و نفوذ أمر الوكيل الا ان يثبت له العزل، و من طرق ثبوت العزل خبر الثقة.

6- ما ورد في أبواب الوصية عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

سألته عن رجل كانت له عندي دنانير، و كان مريضا، فقال لي: ان حدث لي حدث فأعط فلانا عشرين دينار، و أعط أخي بقية الدنانير، فمات و لم اشهد موته، فأتاني رجل مسلم صادق فقال لي انه أمرني أن أقول لك انظر الدنانير التي أمرتك ان تدفعها الى أخي فتصدق منها بعشرة دنانير، اقسمها في المسلمين، و لم يعلم أخوه ان عندي شيئا فقال ارى ان تصدق منها بعشرة دنانير «13».

ولكن يمكن الإيراد على الاستدلال بها من جهة ان في كلام المخبر هنا بعض القرائن الخفية التي كانت بين الموصي و الوصي، و لعله يوجب العلم فيشكل الاستدلال بها على حجية خبر الثقة إذا خلا من أمثال هذه القرائن.

هذا ويمكن الجواب عنه مضافا الى ان مجرد هذه القرينة لا توجب القطع بالصدق، فلعله سمع الوصية السابقة من الموصي أو غيره و أضاف الباقي من قبل نفسه، ان تعويل السائل على عنوان الرجل المسلم الصادق دليل على ان المرتكز في ذهنه كفاية قول المسلم الثقة في إثبات الموضوعات، فلو كان هذا باطلا لوجب‌ نفيه من قبل الامام عليه السّلام فتدبر.

7- ما روي أيضا في أبواب نكاح الإماء عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يشتري الأمة من رجل فيقول اني لم أطأها فقال ان وثق به فلا بأس ان يأتيها «14».

نعم يرد عليه انه من قبيل اخبار ذي اليد و حجية خبر ذي اليد لا تدل على حجية خبر الثقة مطلقا.

هذا ولكن من المشكل الاعتماد على اليد في أمثال المقام مما غلب عليها الحرمة و عدم الجواز، لما قد عرفت من ان الأصل في الإماء كونها موطوئة الا من شذ منهن، و الا لوجب الاعتماد على قول ذي اليد إذا لم يكن متهما، و لا يحتاج الى اعتبار الوثاقة كما في غيرها من موارد حجية قول ذي اليد، فان عدم الإتمام كاف فيها و لا يعتبر الوثاقة بالخصوص.

فاعتبار الوثاقة هنا انما هو من باب حجية خبر الثقة في الموضوعات و لا دخل له بقول ذي اليد.

وقد يستدل هنا بروايات اخرى لا دلالة فيها.

منها ما ورد في أبواب النجاسات عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال اغتسل أبي من الجنابة فقيل له قد أبقيت لمعة في ظهرك لم يصبها الماء فقال له ما عليك لو سكت؟ ثمَّ مسح تلك اللمعة بيده «15».

وفيه انه قضية في واقعة، و لعله كان يحصل العلم من قول المخبر و ليس في الرواية عنوان عام، يدل على التعويل على خبر الثقة حتى يستدل بإطلاقه على المقصود هذا مضافا الى اشتمال الحديث على بعض المسائل المنكرة، اعني غفلة الإمام عن‌ غسله، و بقائه على حاله بلا غسل و إتيان اعماله على تلك الحال لو لم يخبره المخبر فتأمل.

ومنها ما ورد في أبواب «ما يكتسب به» عن معاوية بن وهب و غيره عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في جرذ مات في زيت ما تقول في بيع ذلك فقال بعه و بيّنه لمن اشتراه ليستصبح به «16».

وفيه مضافا الى انه من باب حجية قول ذي اليد و لذا لم يقيّد بكونه ثقة، انه من قبيل الاخبار المحفوفة بالقرائن، لأن البائع لا يخبر بنجاسة زيته مهما أمكن فإذا أخبر يعلم انه كان مقطوعا، لعدم الداعي على هذه الاكذوبة عادة، لأحد من البائعين لما فيه من تقليل قيمة المبيع.

ومنها ما ورد في قصة إسماعيل ولد الصادق عليه السّلام و انه دفع دنانير الى رجل شارب الخمر بضاعة، ليعامل بها، فأتلف النقود فوبّخه الصادق عليه السّلام فاعتذر بأنه لم يره يشرب الخمر فقال عليه السّلام: إذا شهد عندك المؤمنون فصدقهم «17».

نظرا الى ان الجمع المحلى باللام هنا ليس بمعنى العام المجموعي، لندرة اتفاق جميع المؤمنين على الشهادة على شي‌ء، فيحمل على العام الأفرادي.

وفيه انه يمكن حملها على الجمع لا بعنوان الاستغراق، و حمله على ذلك هنا قريب، لا سيما بقرينة قول إسماعيل لأبيه في مقام الاعتذار سمعت الناس يقولون، فإن إطلاق الناس على الواحد قليل جدا، و بالجملة الاستدلال بها على حجية خبر الواحد الثقة مشكل.

هذا ما ظفرنا به من الاخبار في هذه المسألة في طيات كتب الحديث و قد عرفت الإشكال في بعضها و لكن في الباقي لا سيما مع تظافرها و ضم بعضها ببعض غنى‌ و كفاية، لأنها و ان وردت في موارد خاصة الا انه يمكن إلغاء الخصوصية عنها بعد ورودها في أبواب متفرقة.

أضف الى ذلك ان حجية خبر الثقة في الموضوعات كان مشهورا عند العقلاء كما سيأتي ان شاء اللّه.

وظاهر هذه الروايات إمضاؤها، فلو كانت مختصة بموارد خاصة وجب على الامام التنبيه عليها، لا سيما مع ذكر هذا العنوان في كلام الراوي في بعض تلك الروايات الذي يدل على انه كان امرا مركوزا في أذهان الرواة و لم يردع عنهم الأئمة عليهم السّلام.

الثالث : بناء العقلاء :

ويدل عليه أيضا بناء العقلاء الذي استدلوا بها على حجية خبر الواحد في الاحكام، بل جعلوه أهم الدلائل و أقواها و عمدتها، بل ارجعوا سائر الأدلة اليه.

و حاصله انهم لا يزالون يعتمدون على اخبار الثقة، في ما يرجع الى معاشهم، و حيث لم يردع عنه الشارع في ما يرجع الى معادهم فيكون حجة، من دون اي فرق بين اخبار الثقة في الموضوعات، أو في الأحكام.

فما ورد في القرآن الكريم، أو الروايات الكثيرة التي قد عرفت جملة منها، مما يدل على حجية خبر الواحد في الموضوعات، إمضاء لهذا البناء.

وقد عرفت عند ذكر الأخبار الدالة على المقصود ان هذا المعنى كان مركوزا في أذهان الرواة كما يدل عليه اسئلتهم، و هذا أيضا شاهد على المطلوب.

الرابع: بناء الأصحاب

و يظهر من كلمات الأصحاب و عملهم انهم يستندون الى اخبار الاحاد في الموضوعات كاستنادهم به في الاحكام و يدل على ذلك أمور‌ :

1- اكتفاء كثير منهم في علم الرجال بتوثيق رجل واحد و ان اعتبر بعضهم قيام البينة و توثيق رجلين، و لكن هذا شاذ، فلو كان خبر الواحد في الموضوعات يحتاج الى التعدد لم يجز الاعتماد على واحد في توثيق الرجال و هو من الموضوعات.

قال المحقق المامقاني في تنقيح المقال ما نصه :

«انه قد صدر من الأصحاب الإفراط و التفريط في هذا الباب فمن الأول ما عليه جماعة منهم الشهيد الثاني من قصر الحجية على الصحيح الأعلى، المعدل كل من رجاله بعدلين، نظرا إلى إدراج ذلك في البينة الشرعية، التي لا تختص حجيتها بالمرافعات على الأقوى، لما نطق بذلك الأخبار الصحيحة. الى أن قال- و وجه كون هذا المسلك افراطا ان طريق الإطاعة موكول الى العقل و العقلاء و نريهم يعتمدون في أمور معاشهم و معادهم على كل خبر يثقون به من أي طريق حصل لهم الوثوق و الاطمئنان».

هذا و لكن يرد عليه بان الاعتماد على قول علماء الرجال و شهادة الرواة في تشخيص الثقات من غيرهم انما هو في حصول ما هو الملاك في حجية خبر الواحد في الأحكام اعني الوثوق بالرواية فإذا حصل هذا المعنى من أي طريق دخل في عنوان الأدلة.

وبعبارة أخرى: إذا أخبر ثقة بأن محمد بن مسلم ثقة مثلا لا فائدة في هذا الخبر الا قبول اخباره، و من المعلوم انه يكفي في قبول اخباره حصول الوثوق بروايته و لو من طريق اخبار ثقة بوثاقته (فتأمل جيدا).

نعم لو كان الملاك في حجية خبر الواحد على خصوص آية الحجرات و كان موضوعها العدالة تعبّدا كان عمل العلماء بقول واحد في تشخيص العدالة و الفسق دليلا على المطلوب، و لكن انّى لنا بإثبات ذلك و قد ثبت في محله ان جميع أدلة حجية خبر الواحد ترجع الى بناء العقلاء الذي هو الأصل في المسألة، و بنائهم على‌ الوثوق بالرواية من أي واد حصل.

2- انهم لا يفرقون في مسألة قبول اخبار الاحاد بين ما كان مضمونه الحكم الشرعي فقط، أو مع الموضوع الخارجي، فاذا أخبر محمد بن مسلم- مثلا- بأنه دخلنا على الصادق عليه السّلام في يوم الجمعة فقال هذا يوم عيد، يعملون به و يفتون بان يوم الجمعة يوم عيد مع ان الامام لم يخبر بهذا، بل أخبر بأن هذا اليوم يوم عيد، و لكن محمد بن مسلم أضاف إليه بأن اليوم كان يوم الجمعة، فنقبل أخباره في الموضوع كما نقبل أخباره في الحكم الشرعي.

هذا و لكن قد أورد عليه في «حقائق الأصول» لا في هذا المبحث، بل بمناسبة أخرى في مبحث حجية قول اللغوي بما نصه :

«ان أقوى ما يستدل به على حجية قول اللغوي هو ما دل على حجية خبر الثقة في الاحكام و دعوى ان خبر اللغوي ليس متعرضا للحكم لأنه من الخبر عن الموضوع فاسدة لأن المراد من الخبر في الأحكام كل خبر ينتهي إلى خبر عن الحكم و لو بالالتزام» «18».

و لكن هذا الاعتذار يشكل الاعتماد عليه، و ليس هذا بأولى من ان يقال حجية خبر الواحد لا يختص بالأحكام، بل تجري في الموضوعات أيضا.

بل قد ذكرنا في مبحث حجية قول اللغوي انها مما دارت عليه كلماتهم، و لا يزالون يستدلون بأقوالهم لتحقيق مفاهيم الكلمات المرتبطة بأمور معاشهم و معادهم و في اسناد الوصايا، و الأوقاف، و غيرها، حتى ان من ينكره باللسان لا يتجافى عنه في العمل، و هذا دليل على عموم الحجية في الموضوعات و الاحكام.

ومما قد يستدل به على العموم قياس الأولوية، قال في الجواهر في ذيل كلام له في حجية خبر الواحد في الموضوعات ما هذا نصه: «بل ثبوت الأحكام الشرعية‌ به أكبر شاهد على ذلك» و ان ذكر في آخر كلامه «ان الانصاف بقاء المسألة في حيز الإشكال، لإمكان التأمل و النظر في سائر ما تقدم من المقال بمنع بعضه، و عدم ثبوت المطلوب بالآخر» «19».

وحاصل الكلام ان الاحكام مع كثرة اهميتها، و كليتها، إذا ثبتت بخبر الواحد فكيف لا يمكن إثبات الموضوع الجزئي به؟! اللهم الا ان يقال ان طرق ثبوت الأحكام محدودة، فلذا اكتفى فيه بخبر الواحد و لكن طرق إثبات الموضوعات كثيرة متعددة، قل ما يحتاج فيها الى خبر الواحد، بحيث لو نفى حجيته فيها لم يحصل اشكال، بخلاف الاحكام فان نفي حجية خبر الواحد فيها يوجب سد باب إثباتها غالبا.

ولا يتوهم ان هذا رجوع الى انسداد باب العلم، لان المقصود إمكان كون الانسداد من قبيل الحكمة لهذا الحكم، لا العلة، بخلاف الموضوعات كما ذكر في محله من الأصول.

وبالجملة لا يمكن الركون الى هذا الدليل مجردا عن غيره، غاية الأمر يصلح جعله مؤيدا لما مر.

واما ما أشار إليه صاحب الجواهر (قدس سره الشريف) فيما عرفت من كلامه فيظهر عدم تماميته من تفاصيل ما تلونا عليك في هذه المسألة. و ان الدليل على الحجية من الكتاب و السنة ثابت لا يمكن إنكاره عند التحقيق.

«أقوى ما يرد على المختار و :

أقوى ما يرد على ما ذكرنا من حجية خبر الواحد في الموضوعات أمران:

الأول- ما أشار إليه بعض أعاظم المعاصرين بقوله «و قد يتوهم، كما عن‌ غير واحد منهم، ان السيرة على حجية خبر الواحد في الموضوعات مردوعة، بما ورد في ذيل رواية «مسعدة بن صدقة» من قوله «و الأشياء كلها على هذا حتى يستبين أو تقوم به البينة» «20».

حيث حصر ما يثبت به الموضوعات، في «الاستبانة» (أي العلم) و «قيام البينة عليه» و لو كان خبر الواحد كالبينة معتبرا شرعا لبيّنة عليه السلام لا محاله».

ثمَّ أجاب عنه: «أو لا بان الرواية ليست بصدد الحصر، لوضوح ان النجاسة و غيرها كما تثبت بهما كذلك تثبت بالاستصحاب وبأخبار ذي اليد.

ثانيا: ان الرواية غير صالحة للرادعية لضعفها.

ثالثا: ان عدم ذكر اخبار العادل في قبال البينة و العلم انما هو لأجل خصوصية في مورد الرواية، و هي ان الحلية في مفروض الرواية كانت مستندة الى قاعدة اليد في مسألة الثوب، و من المعلوم انه لا اعتبار لاخبار العادل مع اليد.

ورابعا: البينة في الرواية كما تقدم بمعنى الحجة و ما به البيان، و هو الذي دلت الرواية على اعتباره في قبال العلم الوجداني» «21».

وبعض ما ذكره و ان كان لا يخلو عن اشكال مثل ما أفاده أخيرا، لما مر عليك من ان البينة في مصطلح الاخبار بمعنى شاهدي عدل، و قد أثبتنا ذلك بدليل قاطع و لكن في بعضها الأخر كفاية، مثل عدم اعتبار سند رواية «مسعدة» و عدم كونها في مقام الحصر، و سيأتي ان شاء اللّه في الجواب عن الإشكال الثاني ما ينفعك في المقام أيضا.

الثاني- ان خبر الواحد لو كان حجة في الموضوعات لم يبق حاجة الى البينة‌ فيها و كان حجيتها نافية لحجيته.

وان شئت قلت: حجية البينة لا يختص بأبواب القضاء، بل قد عرفت انها عامة في جميع الموضوعات و ان لم يكن فيها خصومة تستدعي القضاء، و حينئذ يبقى الكلام في أنه لم اعتبر فيها العدد مع كفاية خبر الواحد فيها؟

وبعبارة ثالثة: مفهوم العدد لا سيما في أمثال هذه المقامات ينفي جواز الركون الى خبر الواحد في الموضوعات.

والانصاف أنه أهم إشكال يرد على حجيته، بل الظاهر ان عدم اعتراف كثير من الأصحاب بحجية خبر الواحد فيها، أو ترديدهم في هذا الأمر، أو قبولهم للحجية تارة و نفيها اخرى، انما نشأ من هذا الاشكال.

ولكنه مع ذلك انه قابل للدفع، و انه يمكن الجمع بين حجيتهما بحيث لا يكون تمانع و تنافر.

توضيحه: ان اخبار حجية البينة- كما لا يخفى على من راجعها و تدبر فيها- ناظرة في الغالب إلى المسائل المالية و الحقوقية الأخرى، و الظاهر ان ذكر البينة فيها انه و ان لم تكن موردا للدعوى بالفعل و لكن قد يؤدي الى المخاصمة، فلا بد من التمسك بحجة ينفع في محكمة القضاء أيضا في المستقبل.

مثلا ورد في كتاب اللّه العزيز حجية شهادة العدلين في الوصية «22» و الطلاق «23» و الدين «24» و البيع «25» و من الواضح ان هذه كلها أمور مالية أو حقوقية قد تكون فيها المخاصمة في المستقبل، فلا بد من أخذ شاهدين فيها حتى إذا انتهى الأمر إلى المحكمة يكون دليلا يمكن الاستناد إليه في إثبات المدعى.

نعم ورد في بعض ما عرفت من الايات لزوم الاعتماد على قول العدلين في كفارة الإحرام، و انه لا بد ان يكون مماثلا للحيوان الذي اصطاده يحكم به ذوا عدل منكم «26».

ولكن لا يبعد ان يكون الوجه فيه ان المماثلة ليست من الأمور الحسية حتى يكتفى فيه بخبر الواحد فأوجب فيه التعدد حتى يكون بعيدا عن الخطأ.

وان شئت فانظر الى ما دل على حجية البينة من السنة مثل خبر «مسعدة» التي ورد في الثوب و العبد و المرأة، و كذا ما دل من رواية يونس على ان استخراج الحقوق بوجوه أربعة، منها شهادة رجلين عدلين «27».

وما ورد في رواية صفوان الجمال فيمن يكون له المال و يكون له شاهدان فيأخذ حقه «28».

وما ورد في أبواب النكاح و الطلاق و أبواب الوقوف و الصدقات الى غير ذلك مما قد يكون محلا للتنازع و التشاجر، فان اعتبار العدلين في جميع ذلك انما هو من باب التهيأ لإثبات المدعى عند التنازع.

نعم ورد اعتبار العدلين في أبواب رؤية الهلال، و لكن الظاهر مما دل على هذا المعنى انها انما تعتبر إذا أراد الحاكم ان يحكم بهما في حق جميع الناس فراجع أبواب أحكام شهر رمضان و ما يثبت به الهلال.

وبالجملة لو لم ندع اليقين على هذا المعنى فلا أقل من الاعتماد عليه عند ملاحظة مجموع ما دل على حجية خبر الواحد في الموضوعات مع ما دل على اعتبار البينة فيها (فراجع و تدبر).

«ملاك حجية خبر الواحد و :

بقي هنا شي‌ء: و هو انه بناء على حجية خبر الواحد في الموضوعات هل يعتبر فيها «العدالة» أو يكفي «الوثوق» فقط؟ كما هو المختار عندنا و عند جل المعاصرين، أو كلهم، في حجية خبر الواحد في الأحكام.

الظاهر انه يتفاوت الحال بتفاوت الأدلة في المسألة، فإن كان الدليل هو آية النبإ فظاهرها اعتبار العدالة لأنه المقابل للفسق.

وان كان الدليل هو الاخبار الخاصة الواردة في الأبواب المختلفة فمقتضاها متفاوت، ففي بعضها اعتبار العدالة مثل ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السّلام إذا رأيتم الهلال فأفطروا أو شهد عليه عدل من المسلمين «29».

ولكن وقع التصريح بالوثاقة في كثير من رواياتها كما يظهر بالدقة فيما مر عليك من أدلة المسألة، و الجمع بينهما ممكن بحمل العدالة على الوثاقة.

وهكذا ما ورد من التعبير بالصداقة في قوله «فأتاني رجل مسلم صادق» فيما ورد في أبواب الوصية فإنه راجع الى الوثاقة، والمتحصل من جميعها اعتبار الوثوق، و حينئذ يمكن الجمع بينها و بين مفهوم آية النبإ بحمل العدالة فيهما أيضا على الوثاقة ويؤيده ما ورد من التعليل في الآية بقوله تعالى «أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهٰالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلىٰ مٰا فَعَلْتُمْ نٰادِمِينَ» فان الإصابة بالجهالة، أو حصول الندامة انما هو من آثار عدم الوثوق، لا الفسق فيما لا يرتبط بالأخبار، فاذا كان إنسان متحرزا عن الكذب يمكن الوثوق بقوله، دخل في مفهوم الآية، و لا يكون العمل بقوله معرضا للندامة.

وأظهر من الجميع إذا كان الدليل بناء العقلاء انه لا شك ان بنائهم على الاعتماد بخبر الثقة، من دون ملاحظة العدالة فيما لا يرتبط بالأخبار، فاذا لا يبقى شك في كفاية‌ الوثوق، و عدم اشتراط العدالة تعبدا.

وقد صرح بما ذكرنا بعض المتأخرين و المعاصرين قال في مصباح الفقيه: الأظهر عدم اشتراط العدالة المصطلحة، و كفاية كون المخبر ثقة مأمونا محترزا عن الكذب لاستقرار سيرة العقلاء على الاعتماد على اخبار الثقات في الحسيات التي لا يتطرق فيها احتمال الخطأ، احتمالا يعتد به، لديهم مما يتعلق بمعاشهم و معادهم، و ليست حجية خبر الثقة لدى العقلاء الا كحجية ظواهر الألفاظ «30».

وقال في التنقيح: لا تعتبر العدالة أيضا في حجية الخبر، لان العقلاء لا يخصصون اعتباره بما إذا كان المخبر متجنبا عن المعاصي، و غير تارك للواجبات، إذ المدار عندهم على كون المخبر موثوقا به، و ان كان فاسقا أو خارجا عن المذهب «31».

وقال «المحقق المامقاني» في كلام له عند بيان الحاجة الى علم الرجال ما نصه: ان الحق الحقيق بالقبول. ان العمل بالأخبار انما هو من باب الوثوق و الاطمئنان العقلائي، و من البيّن الذي لا مرية فيه لذي مسكة في مدخلية أحوال الرجال في حصول الوثوق و عدمه و زواله، فالأخذ بالخبر من دون رجوع إلى أحوال رجاله تقصير في الاجتهاد، و هو غير جائز، كما لا يجوز الفتوى قبل بذل تمام الوسع «32».

بقي هنا أمران :

أحدهما: انه هل يعتبر الوثوق الفعلي (الشخصي) أو يكفي الوثوق النوعي؟

المصرح به من غير واحد منهم في باب حجية خبر الواحد في الاحكام، ومن‌ بعضهم في الموضوعات، كفاية الوثوق النوعي، وعدم الحاجة الى الوثوق الفعلي الشخصي.

والظاهر ان الدليل عليه هو بناء العقلاء و احتجاجهم بخبر الثقات فيما إذا أخبروا بموضوع أو حكم، فإنهم يرونها حجة على العبيد، و من شابههم، و لا يصغون الى اعتذارهم بعدم حصول الوثوق الفعلي، اللهم الا ان يكون هناك قرائن خاصة توجب اتهام المخبر في خبره، و حينئذ لا يبعد رده، قبول العذر بوجودها.

ثانيهما: هل يكفي مجرد الوثوق بالرواية، و ان لم يوثق بالراوي ، بأن كان الراوي فاسقا كذابا، أو مجهول الحال، و لكن حصل من القرائن الخارجية وثوق بنفس الرواية، فهل تكون حجة؟ و هل يحتج به أم لا؟

الظاهر انه كذلك لجريان سيرة العقلاء أيضا عليه، فإنهم يعتمدون على اخبار تدل القرائن على صحة مضمونها، بحيث يحصل الوثوق بها، و ان لم يبلغ حد العلم، و يحتجون بمثل هذه الاخبار.

ومن هذا الباب ما هو المعروف من المتأخرين و المعاصرين من حجية خبر الضعيف أو المجهول إذا عمل به المشهور، فينجبر ضعفه بعملهم، و ليس هذا الا من جهة الوثوق بنفس الرواية، و ان كان الراوي غير موثوق به.

وكذلك ما قال به بعضهم من الاعتماد على الاخبار المروية في كتب المعتبرة المعروفة، و ان كان هذه القرينة محلا للكلام بينهم من حيث الصغرى، و انها توجب الوثوق أم لا؟

ومن هذا الباب أيضا ما يرويه وكالة الإنباء في عصرنا من الاخبار المختلفة المرتبطة بموضوعات شتى في العالم فكثيرا ما يعتمدون على أخبارهم في نقل بعض الأمور، و ان كانوا فاسقين و كذابين، و ليس ذلك الا من جهة الوثوق الحاصل بنفس‌ الخبر بالقرائن المختلفة في قرائن خاصة.

هذا تمام الكلام في حجية خبر الواحد في الموضوعات و ما يرتبط بها، (والحمد للّه).

_______________

(1) حكاه في المستمسك في المجلد الأول في شرح المسألة 6 من مسائل ماء البئر، و لكن الذي ذكره في التذكرة في المسألة الثامنة من كتاب الطهارة من فروع الماء القليل هو انه: لو أخبره العبد بنجاسة الماء لم يجب القبول و هو ينافيه.

(2) المغني ج 1 ص 342.

(3) المغني ج 1 ص 398.

(4) المغني ج 1 ص 75.

(5) استدل به في العناوين.

(6) الوسائل ج 7 كتاب الصوم أبواب أحكام شهر رمضان الباب 8 الحديث 1.

(7) رواه البيهقي في سننه ج 4 ص 211 (كتاب الصيام) باب الشهادة على رؤية الهلال و بهذا المضمون روايات عديدة أخرى في نفس الكتاب.

(8) الوسائل ج 14 كتاب النكاح أبواب عقد النكاح الباب 23 الحديث 2.

(9) مستدرك الوسائل ج 2 ص 486.

(10) الوسائل ج 4 أبواب الأذان و الإقامة الباب 3 الحديث 2.

(11) المعنى ج 1 ص 342.

(12) الوسائل ج 13 كتاب الوكالة الباب 2 الحديث 1.

(13) الوسائل ج 13 كتاب الوصايا الباب 97 الحديث 1.

(14) الوسائل ج 14 كتاب النكاح أبواب نكاح العبيد و الإماء الباب 6 الحديث 1.

(15) الوسائل ج 2 كتاب الطهارة أبواب النجاسات الباب 47 الحديث 2.

(16) الوسائل ج 12 كتاب التجارة أبواب ما يكتسب به الباب 6 الحديث 4.

(17) الوسائل ج 13 كتاب الوديعة الباب 6 الحديث 1.

(18) حقائق الأصول ج 2 ص 98.

(19) الجواهر ج 6 كتاب الطهارة ص 172.

(20) الوسائل ج 12 كتاب التجارة أبواب ما يكتسب به الباب 4 الحديث 4.

(21) التنقيح ج 1 ص 319.

(22) المائدة: 105.

(23) الطلاق: 2.

(24) البقرة: 282.

(25) البقرة: 282.

(26) المائدة: 95.

(27) الوسائل ج 18 كتاب القضاء أبواب كيفية الحكم الباب 15 الحديث 2.

(28) الوسائل ج 18 كتاب القضاء أبواب كيفية الحكم الباب 5 الحديث 3.

(29) الوسائل ج 7 كتاب الصوم أبواب أحكام شهر رمضان الباب 8 الحديث 1.

(30) مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 92.

(31) التنقيح في شرح العروة ج 2 ص 288 (باب إثبات النجاسة بقول خبر الثقة).

(32) تنقيح المقال ج 1 ص 174.

 

 

 

 

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.