المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8125 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
مسائل في زكاة الفطرة
2024-11-06
شروط الزكاة وما تجب فيه
2024-11-06
آفاق المستقبل في ضوء التحديات
2024-11-06
الروايات الفقهيّة من كتاب علي (عليه السلام) / حرمة الربا.
2024-11-06
تربية الماشية في ألمانيا
2024-11-06
أنواع الشهادة
2024-11-06



قاعدة « تلف المبيع قبل القبض‌ » (*)  
  
227   01:47 مساءاً   التاريخ: 18-9-2016
المؤلف : آية الله العظمى السيد محمد حسن البجنوردي
الكتاب أو المصدر : القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ج2 , ص79 - 101.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / تلف المبيع قبل قبضه - اذا تلف المبيع قبل قبضه فهو من مال بائعه /

ومن القواعد الفقهيّة المشهورة قاعدة « كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه ».

والكلام فيها من جهات :

[ الجهة ] الأولى

في مستندها :

وهو أمور :‌

الأوّل : الروايات :‌

منها : الحديث النبوي الشريف المشهور ، الذي حكاه في المستدرك عن عوالي اللئالي : « كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه (1).

منها : رواية عقبة بن خالد التي رواها في الوسائل عنه عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل اشترى متاعا من آخر وأوجبه ، غير أنّه ترك المتاع عنده ولم يقبضه ، وقال : آتيك غدا إن شاء الله ، فسرق المتاع من مال من يكون؟ قال عليه السلام : « من مال صاحب‌ المتاع الذي هو في بيته حتّى يقبض المتاع ويخرجه من بيته ، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقّه حتّى يرد ماله إليه » (2).

ودلالة الحديث الشريف على هذه القاعدة واضحة ، من جهة أنّها مدلوله المطابقي.

وبعبارة أخرى : الحديث نصّ في هذه القاعدة ، إذ مضمونه ومفاده عين هذه القاعدة وليس هناك ـ حسب قانون المحاورة وبناء العقلاء في مقام الإفادة والاستفادة ، من استكشاف المراد بظواهر الألفاظ والهيئة التركيبية للجملة ـ احتمال آخر غير هذه القاعدة كي يكون هو المراد.

وأمّا حجيّة هذا الحديث : فهو وإن كان مرسلا ليس له سند معتبر لكن تلقّى الأصحاب له بالقبول ، واتّفاقهم على الفتوى بمضمونه ، وكون مفاده من المسلّمات عندهم يوجب الوثوق بصدوره الذي هو موضوع الحجية ، لا كونه خبر عدل أو ثقة.

وقد تكلّمنا فيه وأثبتناه في كتابنا « منتهى الأصول » في مبحث حجيّة الخبر (3) ، فراجع.

فإذن كان الحديث الشريف من الجهتين ـ أي جهة الدلالة والحجية ـ لا قصور فيه ، فيثبت به المطلوب وهو اعتبار هذه القاعدة وصحّتها.

وأمّا الرواية : فهي أيضا من حيث السند لا احتياج لها إلى البحث عنها لما ذكرنا في الحديث المبارك. وأمّا من حيث الدلالة فأيضا حالها حال الحديث الشريف ، لأنّ الحكم في كليهما على المبيع التالف عند البائع قبل أن يقبض المشتري بأنّه من مال البائع. نعم في الرواية هذا الحكم معنى بالقبض والإخراج من بيته ، وهذا أمر مسلّم لا يوجب فرقا في المقام ، بل التلف عند البائع قبل قبض المشتري يرجع إلى هذا المعنى بل هو عينه.

وعلى كلّ حال الحكم في كليهما بأنّ التلف من مال البائع فيه احتمالات ثلاث :

أحدها : أن يكون المراد منه أنّ القبض دخيل في حصول ملكيّة المبيع للمشتري ، وإلاّ فهو باق على ملك البائع ، كما أنّه كذلك في بيع الصرف ، فإنّ القبض في المجلس دخيل وشرط لحصول ملكيّة العوضين وصحّة العقد.

ولكن هذا الاحتمال معلوم البطلان إجماعا.

الثاني : أن تكون يد البائع يد ضامن ، فيكون الضمان بالمثل أو القيمة كسائر أبواب الغرامات وأيدي العادية.

ولكن هذا الاحتمال أيضا باطل ، لأنّ المفروض أنّ اليد ليست يد ضمان بل أمانة مالكيّة ، وإلاّ لو كانت اليد يد ضمان ، أو أتلف البائع أو نفس المشتري مع عدم قبضه ـ إن لم تكن الإتلاف قبضا ـ فليس مربوطا بهذه القاعدة ، بل في الأوّل يكون ضمان البائع ضمانا واقعيّا بالمثل أو للقيمة وبقاعدة « على اليد » ، وفي الثاني أيضا ضمانا واقعيا وبقاعدة « الإتلاف » ، وفي الثالث هو أتلف ماله فلا ضمان على البائع بهذه القاعدة ، لعدم تحقق موضوعها وهو التلف

 قبل القبض ، لأنّه إتلاف من قبل نفس المالك ، لا التلف عند البائع قبل أن يقبض المشتري.

الثالث : انفساخ المعاملة آنا ما قبل التلف ليكون التلف في ملك البائع ، فيكون معنى الضمان رجوع الثمن إلى ملك المشتري ، لا الضمان الواقعي.

وهذا الاحتمال ـ أي انفساخ المعاملة آنا ما قبل التلف ـ لا محذور فيه بعد وجود الدليل عليه أي الملكيّة آنا ما للبائع من طرف الشارع ، فإنّ الأمر بيده ، وله نظائر في الشرع.

منها : لو باع داره مثلا ببيع الخياري ففسخه وكان فسخه بأن باعها من غير المشتري الأوّل أو وقفها فبناء على صحّة البيع أو الوقف لا بدّ وأن نلتزم بدخوله آنا ما في ملك الفاسخ ثمَّ يتحقّق البيع أو الوقف ، لأنّه لا بيع إلاّ في ملك.

ومنها : قوله أعتق عبدك عنّي بناء على صحّة العتق ووقوعه عنه بصرف هذا‌ الكلام وذلك من جهة أنّه لا يمكن وقوعه عنه إلاّ بأن يصير ملكا له آنا ما قبل وقوع العتق عنه.

ومنها : فيما إذا اشترى من ينعتق عليه ، فلا بدّ من الالتزام بملكيّة المشتري آنا ما كي يصحّ البيع فينعتق عليه ، وهذا مقتضى الجمع بين دليلي صحّة البيع وانعتاقه عليه.

ومنها : ما قيل في باب المعاطاة بناء على القول بالإباحة وجواز عتق من اشتراه بالمعاطاة أو وقفه أو تعلّق الزكاة والخمس به فإنّ مقتضى الجمع بين أدلّة هذه الأقوال هو الالتزام بملكيّة آنا ما. والحاصل أنه بعد ورود الدليل على رجوع الثمن إلى المشتري إذا تلف المبيع قبل القبض فلا بدّ من الالتزام بانفساخ العقد ورجوع المبيع إلى ملك البائع آنا ما ، فوقوع التلف كان في ملكه.

الثاني : الإجماع على هذا الحكم ، وقد ادّعاه صريحا في التذكرة ، وحكى أيضا عن جماعة (4). والظاهر عدم الخلاف واتّفاق الأصحاب على هذا الحكم.

ولكن قد ذكرنا مرارا من أنّ مثل هذا الاتّفاق والإجماع ـ الذي من المحتمل بل المظنون بالظنّ القوي أن يكون مدركه الروايات الواردة في هذا الباب ، أو الاعتماد على ما سنذكره من بناء العقلاء ـ ليس من الإجماع المصطلح في الأصول الذي بنينا على حجيّته.

الثالث : بناء العقلاء‌ على انفساخ العقد لو وقع التلف قبل القبض ورجوع الثمن إلى المشتري ، وذلك من جهة أنّ العقلاء في باب العقود المعاوضيّة وإن كانوا ينشأون المبادلة بين المالين ـ بمعنى أنّهم في عالم الاعتبار يملكون أحد العوضين لصاحب العوض الآخر ـ ولكن بعنوان المعاوضية وكون العوض الآخر عوضا وبدلا ، وليس من قبيل الهبة تمليكا مجّانيا وبلا عوض وبلا بدل ، فما دام كلّ واحد من العوضين باق ويكون قابلا لأن يعطي للآخر بدل ماله الذي أخذ منه هذا العقد باق.

وأمّا إن سقط عن قابليّة الإعطاء ، أو عن كونه بدلا فقهرا ينفسخ العقد ويرجع ما هو باق إلى صاحبه. والذي وقع عليه التلف وذهب من البين ، أو سقط ماليّته في عالم الاعتبار ـ فيما كان ماليّته بصرف الاعتبار كالأوراق الماليّة التي تسقط عن الاعتبار ـ يذهب من كيس صاحبه ، أي صاحبه قبل المعاوضة ، وهذا من لوازم انفساخ العقد.

ولكن يرد على هذا الدليل أنّه بناء عليه يكون الانفساخ في الرتبة المتأخّرة من التلف ، إذ التلف صار سببا للانفساخ ، ولازم ذلك أنّ التلف وقع في ملك من هو صاحبه بعد العقد ، لا من كان صاحبه قبل العقد ، وهو خلاف مفاد القاعدة ومضمونها ، كما سيأتي في بيان مفاد القاعدة ، أي في الجهة الثانية. وأيضا خلاف ما هو ظاهر الروايات وما هو المسلم بين الأصحاب ، لأنّ ما هو المسلّم بينهم في المفروض أنّ تلف المبيع يكون من مال صاحبه قبل العقد الذي هو البائع في المقام.

ويمكن أن يجاب عنه بأنّ أصل انفساخ العقد ورجوع ما هو من العوضين باق ولم يتلف إلى ملك من كان صاحبه قبل العقد يكون على القاعدة ، ومقتضى طبع المعاوضة وبناء العقلاء في أبواب المعاملات المعاوضيّة والمبادلات الماليّة ، ولكن كونه آنا ما قبل التلف ليكون التلف في ملك المالك قبل العقد حكم تعبّدي ، ودليله الإجماع أو الروايات.

فبناء على هذا هذه القاعدة لا تعبّدي محض ولا أنّها تكون مقتضى قواعد المعاوضات فقط ، بل تكون مركّبة من أمرين ، أي أصل الانفساخ فيما إذا وقع التلف على أحد العوضين ليس تعبّديّا بل هو مقتضى طبع المعاوضات والمبادلات المالية كما بيّنّا مفصّلا ، وأمّا كونه آنا ما قبل التلف فتعبّدي صرف.

الجهة الثانية

في مفاد هذه القاعدة ، وما هو المراد منها ، وشرح ألفاظها‌:

فنقول : أمّا « المبيع » و « التلف » فمعناهما معلومان ، ولا يحتاج إلى شرح وإيضاح.

وأمّا ما يقال من أنّ المبيع في القاعدة هل يشمل الثمن أم لا فليس من جهة الترديد في معنى لفظ المبيع ، لأنّه من الواضح ظهوره عرفا في المثمن ، بل وكذلك لغة وإنّما احتمال شموله له من ناحية وحدة المناط والملاك ، خصوصا بناء على ما قلنا في الدليل الثالث على هذه القاعدة من بناء العقلاء في باب المعاوضات على أن يكون الأخذ والإعطاء الخارجين بعنوان العوضية حالهما فلا بد وأن يكون كل واحد منهما قابلا للإعطاء إلى زمان حصول التقابض من الطرفين ، فلو تلف أحدهما سواء كان هو المثمن أو الثمن قبل أن يقبض فلا يمكن التقابض ، فقهرا يتفسخ المعاملة. ولا فرق في حصول الانفساخ من هذه الجهة بين أن يقع التلف قبل القبض على الثمن أو المثمن.

نعم لو كان هذا الحكم صرف تعبد من حيث دلالة النبوي عليه فلا مجال للترديد ، لأنّ لفظ المبيع لا يشمل الثمن قطعا.

وأمّا ما يقال من أنّ التلف هل يشمل ما يجب إتلافه شرعا ، كمورد القصاص في العبد الجاني ، أو مورد ارتداده الفطري حيث انّه محكوم شرعا بالإتلاف والقتل ، ولا تقبل توبته من هذه الجهة وإن كان الأصحّ قبول توبته من غير الجهات الثلاث أي القتل وتقسيم أمواله بين ورثته وإبانة زوجته عنه ، أو مورد صيرورته مقعدا. والحاصل أنّ كلّ مورد يكون شرعا محكوما بالتلف أو بوجوب الإتلاف مع بقاء العين تكوينا ووجدانا فليس هذا أيضا ترديدا في معنى التلف ، لأنّ التلف عبارة عن انعدام الشي‌ء تكوينا إن كان من التكوينيّات بل مرادهم أنّ هذه الأمور مشمولة للتلف حكما لا موضوعا أم لا؟

وبعبارة أخرى : مناط التلف وهو عدم إمكان التقابض الذي قلنا إنّه من مقتضيات ذوات عقود المعاوضيّة فيها موجود وإلاّ فإنّ الشي‌ء الموجود بعينه كيف يمكن أن يطلق التلف عليه حقيقة.

نعم لا مانع من إطلاق التلف عليه مجازا وبالعناية باعتبار سلب الآثار ونفيها عنه‌ أو نفي الأثر المطلوب.

وأمّا لفظ « القبض » الوارد في هذه القاعدة فهو بالمعنى الذي يذكره الفقهاء في باب البيع ، أي استيلاء البائع على الثمن مثلا ووقوعه تحت يده بحيث لو أتى من يدّعيه يكون هو المدّعي ويكون القابض هو المنكر ، لأنّه يكون هو ذا اليد.

وأمّا كلمة « من مال بائعه » المذكورة في هذه القاعدة ففيها احتمالان :

الأوّل : أن يكون المراد منه أنّ التلف وقع في مال البائع ، وذلك بأن يكون مرجع ضمير « هو » هو التلف المعلوم من كلمة تلف المذكورة في هذه القاعدة بصورة الفعل الماضي. ولا شكّ في أنّ ظاهر هذا الكلام بناء على هذا أنّ التلف من مال البائع لا من المشتري ، فلا بدّ من القول بانفساخ المعاملة قبل التلف آنا ما حتى يمكن أن يكون التلف من مال البائع ، وإلاّ فكيف يمكن أن يكون التلف الواقع في ملك المشتري من مال البائع.

اللهم إلاّ أن يقال : إنّ المراد من كون التلف من مال البائع مع وقوعه في ملك المشتري هو أنّ خسارته وضمانه الواقعي عليه.

ولكن أنت خبير بأنّ هذا خلاف ما هو ظاهر الكلام جدّا ، نعم لو كان بدل كلمة « من مال » لفظة « على بائعه » كان لهذا الاحتمال وجه.

وقد ظهر ممّا ذكرنا بطلان الاحتمال الثاني ، وهو أن يكون المراد من هذه الكلمة أي كلمة « من مال بائعه » أنّ خسارة التالف وغرامته على البائع ، لا أنّ أصل وقوعه في ملك البائع حتّى يكون ملازما مع انفساخ العقد آنا ما قبل التلف وقوع التلف في ملك البائع ، إلاّ أن يقال بعدم حصول الملكيّة لكلّ واحد من المتبايعين قبل وقوع القبض من الطرفين ، كما أنّه نسب ذلك إلى شيخ الطائفة.

ولكن أنت خبير بعدم صحّة هذا الكلام ، لما هو المذكور في محلّه ، واتّفاق الكلّ على خلافه.

فإذا ظهر لك ما ذكرنا من المراد من ألفاظ هذه القاعدة فتقول : إنّ معنى هذه الجملة ومفاد هذه القاعدة في كمال الوضوح ، وهو عبارة عن أنّ كلّ مبيع من أيّ سنخ من الأموال ، إنسانا كان أو حيوانا أو نباتا أو جمادا لو وقع عليه التلف قبل أن يقبضه المشتري يوجب انفساخ البيع آنا ما قبل التلف ، فيكون من مال بائعه ، فيرجع الثمن إلى المشتري.

وأمّا بناء على ذلك الاحتمال الآخر الذي قلنا إنّه خلاف الظاهر وخلاف فتوى المشهور بل خلاف الإجماع فيكون مفاد القاعدة أنّ كلّ مبيع تلف قبل قبضه أي قبل استيلاء المشتري عليه يكون خسارته وضمانه على البائع ، فيكون البائع يعطي مثله للمشتري إن كان مثليّا ومثله موجودا ، ويعطي قيمته له إن كان قيميّا أو كان مثليّا ولكن مثله ليس بموجود أو تحصيله متعذّر أو متعسّر وإن كان موجودا.

ثمَّ إنّه تختلف النتيجة في سعة انطباق القاعدة وفي ضيقه بحسب اختلاف المدرك.

فلو كان المدرك هو الروايات فالظاهر المستفاد منها هو الذي تقدّم من انفساخ البيع لو تلف المبيع قبل أن يقبضه المشتري ، ورجوع الثمن إلى ملك المشتري.

وأمّا شموله للثمن ـ أي لو تلف الثمن قبل أن يقبضه البائع فيكون موجبا لانفساخ العقد ـ في غاية الإشكال ، لأنّ لفظ المبيع لا يشمل الثمن لا بحسب الوضع اللغوي ولا بحسب المتفاهم العرفي ، ولا لفظ البائع يشمل المشتري.

وأمّا شموله لما لو كان التالف بعض المبيع فسنتكلّم فيه في الجهة الثالثة إن شاء الله تعالى.

وأمّا لو كان المدرك هو الإجماع فأيضا يكون الحكم مثل ما إذا كان المدرك الروايات ، إذا كان معقد الإجماع هو مفاد هذه القاعدة كما هو كذلك. اللهم إلاّ أن يقال : إنّه أوسع بناء على انعقاده في الثمن أيضا مثل المبيع.

وأمّا لو كان المدرك هو بناء العقلاء في باب المعاوضات على أنّ إنشاء المبادلة‌ والمعاوضة بين العوضين مبني على الأخذ والإعطاء خارجا ، بحيث يكون هذا المعنى أي التعاطي والتقابض من الطرفين من مقوّمات المعاملة والعقود المعاوضية وداخلا في حقيقتها. ومن هذه الجهة لو تلف أحد العوضين قبل أن يقبضه الذي صار صاحبه بعدم وقوع المعاوضة فينفسخ المعاوضة قهرا لعدم إمكان تحقّق مثل هذا المعنى بعد تلف أحدهما.

وبناء على هذا لا اختصاص لهذه القاعدة بالبيع ، بل تجري في جميع العقود المعاوضيّة وفي تلف كلّ واحد من العوضين إذا كانت المعاوضة والمعاملة واقعة على الشخصيين ، لأنّه لا معنى لتلف الكلّيين. نعم لو كان أحد العوضين كليا والآخر شخصيا فالقاعدة تجري في تلك المعاملة لإمكان وقوع التلف على ذلك العوض الشخصي.

الجهة الثالثة

في موارد انطباق هذه القاعدة‌ :

وعرفت في الجهة الثانية أنّها تختلف سعة وضيقا باعتبار اختلاف مدركها ، فنقول : أمّا جريانها فيما إذا وقع التلف على تمام المبيع الشخصي قبل أن يقبضه المشتري ، أو قبل ما كان في حكم القبض وهو كما إذا أتلفه المشتري مثلا فهو القدر المسلم على جميع الاحتمالات ، أي سواء كان مدركها الروايات أو الإجماع أو مقتضى القواعد الأولية.

وأمّا إذا وقع التلف على بعض المبيع ، فهل تشمله هذه القاعدة وينفسخ البيع ويرجع تمام الثمن إلى المشتري ، أو لا ينفسخ أصلا ، أو يفصّل بين ما إذا كان المبيع يقسّط عليه الثمن باعتبار الأجزاء وليس لهيئة الاجتماع أثر في مقدار السعر ، كما إذا باع شاتين بعقد واحد ، أو منين من طعام متّحد الجنس من حيث نوع الطعام ومن حيث الجودة والرداءة ، فإذا تلف أحد الغنمين أو أحد المنّين من الحنطة أو الأرز مثلا‌ فينفسخ العقد بالنسبة إلى ذلك المقدار ويرجع ثمن ذلك المقدار إلى البائع ، وبين ما إذا كان لهيئة الاجتماع أثر في ازدياد السعر أو في أصل السعر ، كزوج حذاء تلف أحد فرديه احتمالات.

والأقوى هو الأخير ، سواء كان المدرك هو الروايات أو الاجتماع أو ما ذكرنا من بناء العقلاء ، وذلك من جهة أنّه كما يصدق المبيع على الكلّ كذلك يصدق على جميع الأجزاء ، ولذلك يقولون بصحّة البيع بالنسبة إلى الجزء الذي مملوك إذا كان المبيع مركّبا ممّا يملكه وممّا لا يملك ، أو كان مركبا ممّا يملك وممّا لا يملك ، لأنّه لا معنى لكون الشي‌ء مبيعا إلاّ تمليكه للغير بعوض مال ، ولا شكّ في أنّ البائع ملك كلّ جزء من أجزاء المثمن في الصورتين المتقدّمتين بمقدار من ذلك الثمن والعوض المذكور المسمى في العقد ، فيصدق عليه أنّه مبيع ، نعم لا يصدق عليه أنّه مبيع مستقلّ ، بل هو مبيع في ضمن كون الكلّ مبيعا ولكن نفي المقيد لا يستلزم منه نفي المطلق.

هذا بناء على أن يكون مدرك هذه القاعدة هو النبوي المشهور أو الرواية فواضح ، لما ذكرنا من صدق المبيع على ذلك الجزء التالف ، نعم ينفسخ العقد بالنسبة إلى ذلك الجزء التالف فقط لا بالنسبة إلى الجميع.

وأمّا لو كان المدرك هو الإجماع ، فإن كان معقد الإجماع ما هو الموضوع في القاعدة أي « كلّ مبيع تلف » فالأمر أيضا كما ذكرنا. وأمّا لو كان معقده مهملا لا إطلاق فيه فلا بدّ وأن يؤخذ بالقدر المتيقّن ، وهو تلف تمام المبيع قبل القبض لا بعضه ، اللهمّ إلاّ أن يدّعى الإجماع على الجزء أيضا.

وأمّا لو كان المدرك هو بناء العقلاء فشموله للجزء أوضح ، لأنّ بناء العقلاء في المعاملات المعاوضيّة كما بيّنّا هو إنشاء المبادلة بين المالين لأجل الأخذ والإعطاء والتقابض الخارجي ، فإذا خرج أحد العوضين أو كلاهما عن قابليّة القبض والإقباض ، والأخذ والإعطاء ولو كان بواسطة تلف بعض أحدهما فقهرا ينفسخ‌ المعاملة.

ويمكن أن يقال باختصاص الانفساخ بالنسبة إلى ذلك المقدار التالف من العوضين أو أحدهما.

هذا فيما إذا كان وقوع التلف على المبيع كلا أو بعضا.

وأمّا لو وقع التلف على الثمن ، فان كان مدركها النبوي المشهور فلا تشمل الثمن ، لظهور المبيع فيما هو مقابل الثمن ، وما هو حجّة في باب الألفاظ والجمل الصادرة عن الشارع في مقام بيان الأحكام ليس إلاّ ظهورات تلك الألفاظ والجمل التي هي كاشفات عن مرادات المتكلم ، إذ طريقته في مقام بيان الأحكام ليس إلاّ طريقة أهل المحاورة ، ولا بدّ لشمول هذا الحكم للثمن من التماس دليل آخر من نقل أو إجماع أو بناء العقلاء ...

وأمّا إن كان مدركها رواية عقبة بن خالد ، فصدر الرواية وإن كان ظاهرا في خصوص المبيع ولا يشمل الثمن ـ لأنه عليه السلام في مقام سرقة المتاع الذي هو المبيع يحكم بأنّ التلف من مال صاحبه الذي هو في بينه أي البائع ، فلا ربط له بتلف الثمن قبل أن يقبضه البائع ـ ولكن ذيلها ، أي قوله عليه السلام : « فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقّه حتّى يردّ إليه ».

ولا شكّ في أنّ ظاهر هذا الكلام أنّ البائع بعد ما أخرج المبيع من بيته ، أي أقبضه وسلّمه إلى المبتاع أي المشتري فيكون المبتاع أي المشتري ضامن لحقّه أي البائع ، لأنّ المفروض أنّه أي المبتاع قبض المبيع فيكون ضامنا بالضمان المعاوضي لا الواقعي ، لأنّه قبض المبيع بضمان المعاوضي ، المسمّى بضمان المسمّى أي الثمن ، فلا يمكن له أداء حق البائع أي عوض المبيع الذي هو عبارة عن الثمن ، فلا يمكن له إتمام المعاوضة والعمل بها فقهرا يرجع المبيع إلى البائع إن كان موجودا. وهذا معنى انفساخ العقد.

هذا ما أفاده شيخنا الأستاذ قدس سرّه في هذا المقام ، ولكن يمكن أن يقال : إنّ ما أفاده بأنّ معنى جملة « فالمبتاع ضامن لحقّه حتّى يردّ ماله إليه » وإن كان كما ذكره وبيّنّاه ، أي مفاد‌ هذه الجملة والمتفاهم العرفي منها هو أنّ المشتري بعد قبض المبيع ضامن للبائع بما هو المسمى في عقد المعاوضة ، أي الثمن المعين في ذلك العقد ، ولكن بعد ما وقع التلف على ذلك الثمن لا ملزم لرجوع المبيع إلى البائع وانفساخ العقد ، بل من الممكن أن يقال : ذهب الثمن من كيس البائع بلا عوض ، لأنّ يد المشتري يد أمانة بعد قبض المبيع ، ولا إتلاف في البين حتّى يكون موجبا للضمان أو ينتقل ضمان المسمّى إلى الضمان الواقعي ، أي المثل إن كان مثليا ، أو القيمة إن كان قيميا إن كانت يده يد ضمان. اللهمّ إلاّ أن يدلّ دليل آخر على انفساخ العقد وسنذكره إن شاء الله تعالى.

وأمّا إن كان مدركها الإجماع فلا بدّ وأن ينظر إلى معقد الإجماع وأنّه هل في خصوص تلف المبيع قبل قبضه قالوا بالانفساخ، أو لا فرق في قولهم بالانفساخ بين تلف المبيع قبل قبضه أو تلف الثمن قبل أن يقبضه البائع؟

والظاهر عدم الفرق في هذا الحكم بين المبيع والثمن ، والشيخ الأعظم الأنصاري قدس سرّه استظهر نفي الخلاف من عبارات الأصحاب في هذا المقام بالنسبة إلى الثمن أيضا (5).

وأمّا لو كان مدركها بناء العقلاء بالبيان المتقدّم فلا فرق بين المبيع والثمن أصلا لوجود ما هو مناط الانفساخ في تلف الثمن أيضا إذا كان الثمن شخصيا لأنّ المبيع والثمن الكليين لا معنى لوقوع التلف عليهما ، نعم في المبيع الكلّي أو الثمن الكلّى يمكن أن يكون فردا منحصرا به الكلّي بحيث لا يكون مصداقا آخر للكلّي غيره وتلف ذلك المصداق. ولكن هذا أيضا ليس من تلف المبيع أو الثمن ، بل يكون من قبيل عدم وجود المصداق لذلك الكلّي الذي هو الثمن أو المثمن.

وعلى كلّ حال عرفت أنّ مناط الانفساخ بناء على هذا الوجه عدم إمكان التقابض والتعاطي الذي هو من مقتضيات ذات العقد، بل لا يتحقّق حقيقة المعاملات المعاوضيّة إلاّ به كما بيّنّا مفصّلا. وفي تحقّق هذا المعنى أي إمكان التقابض والأخذ‌ والإعطاء لا فرق بين تلف المبيع ، وبين تلف الثمن ، بل وبين تلف بعضه.

ثمَّ إنّه هل تختصّ هذه القاعدة بالبيع ، أو تشمل سائر العقود المعاوضية؟ فيه تفصيل : وهو أنّه لو كان مدركها الحديث الشريف أي النبوي المشهور ، أو رواية عقبة بن خالد فالظاهر اختصاصها بالبيع ، وعدم شمولها لسائر المعاملات المعاوضيّة ، لأنّ موضوع الحكم فيها عنوان المبيع ، وهو عنوان مختصّ بالمثمن في خصوص البيع ، ولا يشمل العوض ولا المعوّض في سائر العقود والمعاملات ، وحينئذ التعدّي إلى سائر المعاملات المعاوضيّة يحتاج إلى دليل أو تنقيح مناط ، وإذ ليس في البين شي‌ء منها فالقول بشمولها لها في غاية الإشكال.

وأمّا لو كان مدركها الإجماع ، فقد حكى الشيخ الأعظم الأنصاري قدس سرّه عن التذكرة عموم الحكم لجميع المعاوضات على وجه يظهر كونه من المسلمات (6) ، ولكن إثبات عموم الحكم لجميع المعاوضات بالإجماع المصطلح الأصولي في غاية الإشكال ، لعدم تحقّقه أوّلا بادّعاء البعض ، خصوصا إذا كان بالاستظهار من كلام ذلك البعض من دون تصريحه بذلك ، وعدم حجيّة مثل هذا الإجماع ثانيا على فرض تحققه ، لما ذكرنا مرارا من أنّ حجّية الإجماع من باب الحدس القطعي برأيه عليه السلام من اتّفاق الكلّ وكشفه عنه ، وكون الاتّفاق مسبّبا عن تلقّيهم منه عليه السلام وذلك لا يكون إلاّ فيما إذا لا يكون معتمد ومدرك آخر في البين يمكن أن يكون اتّفاقهم مستندا إليه من بناء العقلاء على التفصيل الذي ذكرنا ، والنبوي المشهور ، ورواية عقبة بن خالد.

والإنصاف أنّ الإجماع على شمول الحكم لجميع المعاملات المعاوضيّة كالإجارة ، والصلح بعوض ، والدين بل الهبة المعوّضة ممنوع صغرى وكبرى ، كما بيّنّا.

وأمّا لو كان مدركها ما ذكرنا من بناء العقلاء والعرف والعادة على أنّ إنشاء العقود‌ المعاوضية والمبادلة في عالم الاعتبار والتشريع مبني على الأخذ والإعطاء الخارجي ، بحيث لو لم يكن قابلا للأخذ والإعطاء الخارجي يكون المبادلة في عالم الاعتبار والتشريع لغوا وعملا غير عقلائي ، فقابليّة الأخذ والإعطاء الخارجي للعوضين مأخوذة في حقيقة العقد حدوثا وبقاء، أي حدوثها في حدوث العقد وبقاؤها في بقائه ، فإذا سقط عن هذه القابليّة بعد العقد وقبل القبض فقهرا ينفسخ العقد.

وأنت خبير بأنّ مثل هذا المعنى ليس مختصا بالبيع ، بل يجري في جميع المعاوضات. ولعلّ من هذه الجهة جعل التلف قبل القبض في التذكرة في باب الإجارة موجبا لانفساخ العقد وقال إنّه من المسلّمات (7).

هذا كلّه فيما إذا وقع التلف على أحد العوضين كلاّ أو بعضا.

وأمّا لو وقع التلف على صفة أحدهما قبل قبضه ، سواء كانت ـ تلك الصفة ـ فقدانها موجبا لحدوث عيب في ذلك العوض أو لا، بل كانت القاعدة صفة كمال بحيث لا يقال لفاقد تلك الصفة أنه معيب. وعلى كلّ حال هل تجري القاعدة في هذه الصورة أم لا؟

أقول : أمّا جريان القاعدة بناء على أن يكون مدركها الروايات أو الإجماع فلا وجه له أصلا ، لأنّه لا يصدق على فوات الوصف ـ بكلا قسميه ، أي سواء كانت الصفة صفة كمال فقط وإن لم يكن فقدانها موجبا لحدوث عيب في المبيع ، أو كان كذلك ـ أنّه تلف المبيع الذي جعل موضوع الحكم في الروايات أو انعقد عليه الإجماع.

وأمّا بناء على أن يكون مدركها بناء العقلاء بالبيان المتقدّم فأيضا لا وجه لجريانها ، إذ المناط في جريانها بناء على ذلك المدرك عدم إمكان التقابض الخارجي بالنسبة إلى العوضين بما هما عوضان ، لأنّ فوات الوصف لا يخرج الموصوف عن كونه عوضا. ولا يقاس بتلف الجزء ، أي بعض أحد العوضين ، لأنّ الجزء التالف‌ عوض وبدل عن مقدار من العوض الآخر، فلا يمكن التقابض والأخذ والإعطاء بالنسبة إلى ذلك الجزء التالف ومقابله من العوض الآخر ، بخلاف الوصف فإنّه لا يقابل بحصّة من العوض الآخر وإن كان ربما يوجب زيادة قيمة الموصوف به.

نعم يبقى فرع آخر وهو أنّ العيب الحادث قبل القبض هل هو مثل الحادث بعد القبض حتّى لا يكون فيه الخيار ولا الأرش ، أو مثل الحادث قبل العقد حتّى يأتيان أي الخيار أو الأرش؟

والحقّ فيه هو ثبوت الخيار دون الأرش ، وذلك لأنّ الأرش حكم تعبّدي على خلاف مقتضى القواعد ، إذ مقتضى القواعد ـ حتى فيما إذا كان العيب قبل العقد ـ هو كون من انتقل إليه المعيب مخيّرا بين إبرام المعاملة أو حلّها ، لأجل أنّ التزامه بهذه المبادلة والمعاوضة كان فيما إذا لم يكن ما انتقل إليه فاقدا لوصف الصحّة فلا التزام له بهذا الموجود ، فهو مخيّر بين أن يقبل ما انتقل إليه بنفس العوض المسمّى في العقد وتمامه ، أو يفسخ.

وأمّا أخذ الأرش فهذا شي‌ء دلّت عليه الروايات ، وربما يقال في مورد عدم إمكان الردّ للتصرّف المانع منه كوطي الجارية المعيبة التي صارت حبلى وأمّ ولد.

والحاصل أنّ أخذ الأرش حكم تعبّدي في خصوص العيب الحادث قبل العقد وفي ملك صاحبه الأولي ، فيجب الوقوف في مورده ولا يجوز أسراؤه إلى العيب الحادث بعد العقد وإن كان قبل القبض ، إلاّ أن يدلّ دليل على الإسراء واشتراك العيب الحادث قبل العقد مع الحادث بعده إذا كان قبل القبض ، وإذا ليس فليس له أخذ الأرش ، بل له الخيار فقط.

هذا كلّه بناء على أن يكون هذا الحكم ـ أي تلف المبيع قبل القبض من مال البائع ـ من باب بناء العقلاء ، وإلاّ لو كان من باب الروايات أو الإجماع فقد عرفت عدم جريانه في تخلّف الوصف بكلام قسميه ، أي سواء كان الوصف الفاقد وصف كمال ، أو‌ كان وصف الصحّة ، فلا يوجب إلاّ الخيار.

ينبغي التنبيه على أمور :‌

الأوّل : في أنّ النماء الحاصل للمبيع التالف ما بين العقد والتلف هل يرجع مثل المبيع التالف إلى ملك من انتقل عنه ، أو يبقى على ملك من انتقل إليه قبل التلف وبعد العقد؟

وكذلك يرجع العوض الذي للتالف نفسه إلى ملك من انتقل عنه لا نمائه بمعنى أن يتلف أحد العوضين يرجع نفس العوض الآخر إلى مالكه قبل العقد آنا ما لا نماؤه؟

والحقّ في هذا المقام بعد أن قلنا بحصول الملكيّة بنفس العقد وليس حصولها متوقّفا على القبض كما نسب إلى الشيخ قدس سرّه وقلنا إنّ التلف يوجب انحلال العقد آنا ما قبل التلف لا من أوّل الأمر كما هو الصحيح والمختار ، فلا يبقى وجه لرجوع النماء والمنفصل إلى المالك قبل العقد ، لأنّ النماء حصلت في ملك من انتقل إليه ، وليس سبب ناقل في البين حتّى نقول برجوعه ثانيا إليه.

الثاني : إنّ ضمان البائع بالنسبة إلى الثمن لو تلف المبيع قبل أن يقبضه المشتري هل يسقط بإسقاط المشتري؟ وكذلك ضمان المشتري للمبيع لو تلف الثمن قبل أن يقبضه البائع هل يسقط بإسقاط البائع أم لا؟ في كلتا الصورتين ، أي في صورة إسقاط المشتري ضمان البائع للمبيع ، وفي صورة إسقاط البائع ضمان المشتري للثمن.

الظاهر عدم الإسقاط في كلتا الصورتين ، وذلك من جهة أنّ انحلال العقد ورجوع العوض الموجود بعد تلف عوض الآخر إلى مالكه قبل العقد أمر قهري ، بناء على أن يكون مدرك القاعدة هو بناء العقلاء الذي تقدّم الكلام فيه ، وليس من فعل أحد المتعاقدين حتّى يكون من قبيل الخيار الذي هو حقّ حلّ العقد وإبرامه كي يكون قابلا للإسقاط كسائر الحقوق القابلة للإسقاط.

وبعبارة أخرى ليس انفساخ العقد آنا ما قبل التلف من آثار حقّ المشتري على‌ حلّ العقد في تلف المبيع قبل القبض ، ولا من آثار حقّ البائع في تلف الثمن قبله ، حيث أنّ بقاء العقد منوط عند العقلاء ببقاء قابليّة كلّ واحد من العوضين على الأخذ والإعطاء ـ كما ذكرنا مفصّلا ـ وفي أيّ وقت خرج عن هذه القابليّة ينحلّ العقد قهرا ، فلا معنى لأن يكون قابلا للإسقاط.

الثالث : أن لا يكون التلف المذكور في هذه القاعدة مسبّبا عن إتلاف شخص ، سواء كان هو مالك أحد العوضين أو أجنبيّ عن هذه المعاملة ، لأنه إن كان المتلف هو الذي انتقل إليه هذا التالف في هذه المعاملة فليس هذا من قبيل التلف قبل القبض ، لأنّ هذا الإتلاف من مالكه وهو بنفسه يكون قبضا ، نعم لو كان جاهلا بأنّه ماله وأوهمه آخر بأنّه هبة لك أو مباح عليك فأكله مثلا فيدخل في قاعدة الغرور ويرجع إلى من غرّه بضمانه الواقعي من المثل أو القيمة ، كلّ في محلّه. ولا ينافي ذلك تماميّة المعاملة وكون هذا الإتلاف قبضا.

وأمّا لو كان الإتلاف من قبل غير المالك بعد العقد ، سواء كان هو المالك قبل العقد أي الطرف الآخر للمعاملة أو كان من قبل ثالث أجنبي ، فبناء على المختار من كون مدرك القاعدة هو بناء العقلاء ينحلّ العقد لا محالة ، ويرجع عوضه إلى مالكه قبل العقد ، لعدم إمكان التقابض.

وأمّا بالنسبة إلى ضمان التالف فإن كان المتلف هو مالكه قبل العقد فلا ضمان في البين أصلا لأنّ الإنسان لا يضمن لإتلاف مال نفسه ، لأنّه بعد فرض انحلال العقد آنا ما قبل التلف يرجع التالف إلى ملكه ، فيكون إتلافه واقعا على ملكه ، فلا ضمان. وأمّا إن كان المتلف هو الأجنبي ، فيرجع المالك بعد الانحلال إلى ذلك المتلف الأجنبي بضمانه الواقعي ، من المثل أو القيمة كلّ في محلّه.

الرابع : لو كان شخص وكيلا عن البائع والمشتري ، أو وليا عليهما والثمن والمثمن كلاهما تحت يده ، أو كان هو البائع مثلا ولكن كان وليّا على المشتري ففي جميع هذه‌ الصور لو تلف أحد العوضين بمحض وقوع العقد يكون من التلف بعد القبض لا قبله ، لأنّ المفروض أنّ العوضين كلاهما في يده وأيضا المفروض أنّ يده يد الطرفين إذا كان وكيلا عنهما أو وليّا عليهما ، ويده يد الطرف الآخر إذا كان هو البائع وكان وليّا على المشتري أو بالعكس أي كان هو المشتري وكان وليّا على البائع فلا يحتاج إلى قبض جديد ، لأنّه من قبيل تحصيل الحاصل.

نعم الشي‌ء الذي يمكن أن يقال هو أنّه هل يحتاج في حصول القبض إلى قصد جديد ونيّة جديدة بمعنى أنّ الثمن مثلا كان عنده وفي يده باعتبار أنّه ملك لهذا المولى عليه ، وبعد وقوع العقد ينوي أن يكون عنده وتحت يده باعتبار صيرورته ملكا لذلك المولى عليه الآخر ، وكذلك الأمر في باقي الصور؟ أم لا يحتاج إلى تجديد القصد والنيّة؟

والتحقيق في هذا المقام هو أنّ في ما يده بالنسبة إلى نفسه قبض بلا إشكال ، بمعنى أنّه نفسه لو كان أحد طرفي المعاملة ، سواء كان الطرف الآخر موكّله أو المولى عليه له ، والمفروض أنّ المال المتعلّق بأيّ واحد منهما في يده ، فالقبض حاصل ولا يحتاج إلى قصد ونيّة جديدة ، وذلك لعدم اعتبار القصد والنية في صدق الأفعال ، ولم يؤخذ لا في مادّتها ولا في هيأتها ، فالذي خطى خطوات يصدق أنّه مشى سواء قصد المشي أو لم يقصد.

نعم لو كان وكيلا عن شخص في كونه طرفا في معاملة أو وليّا عليه فصدق القبض عن قبله بدون القصد مشكل ، من جهة أنّ استناد فعل صادر من شخص إلى شخص آخر إن لم يكن بتسبيبه وتحريكه فلا بدّ وأن يكون بقصد النيابة عنه ، وإلاّ فكيف يستند إلى شخص أجنبي آخر.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ صدور القبض عن الوكيل أو عن الولي فيما إذا كان البيع أو الشراء لهما يكفي ، من دون الاحتياج إلى استناد القبض إليهما.

وربما يشهد لذلك ما روى في الصحيح عن الصادق عليه السلام في رجل تصدّق على ولد‌ له قد أدركوا فقال عليه السلام : « إذا لم يقبضوا حتّى يموت فهو ميراث ، فإن تصدّق على من لم يدرك من ولده فهو جائز لأنّ الوالد هو الذي يلي أمره » (8).

فمفاد هذه الرواية هو عدم الاحتياج إلى القبض إن كان الواهب وليّا على الموهب له ، وإطلاقه يشمل صورتي القصد وعدم القصد ، فيدلّ على أنّ قبضه يكفي مطلقا سواء قصد كونه عن طرف المولى عليه أم لا.

وعموم التعليل يوجب عدم الفرق بين الهبة وسائر أقسام التمليك فإنّ قوله عليه السلام : « لأنّ الوالد هو الذي يلي أمره » لا اختصاص بمورد التمليك بالهبة ، ويستفاد منه أنّ التصرّف في جميع أموره راجع إلى الولي أبا كان أو جدا.

الخامس : لو فرّط وكيل البائع في الإقباض بدون أيّ عذر فتلف المبيع فلا شكّ في انفساخ العقد ورجوع المبيع إلى البائع آنا ما قبل التلف ، بناء على ما هو المختار في مدرك هذه القاعدة ، لعدم إمكان التقابض بين العوضين بعد التلف بأيّ سبب كان التلف ، بل ولو كان بالإتلاف إذا لم يكن من قبل من انتقل إليه بالعقد ، لما ذكرنا من أنّ الإتلاف من قبله قبض ، فليس من التلف قبل القبض بل يكون من التلف بنفس القبض.

نعم يبقى الكلام في رجوع البائع إلى الوكيل المفرّط بناء على انحلال العقد ورجوع المبيع آنا ما قبل التلف إلى ملك البائع فوقع التلف في ملك البائع بتفريط من الوكيل فيكون ضامنا للبائع من جهة الإتلاف أو اليد؟ والصحيح هو الثاني ، لأنّه لم يتلف ولكن بسبب تأخيره وتفريطه في الإقباض صارت يده يد ضامن وخرج عن كونه يدا أمانيّة ، فالضمان ـ أي ضمان الوكيل للبائع ـ يكون ضمانا واقعيا أي بالمثل أو القيمة ، كل في مورده لا ضمان المسمّى. ولا وجه لاحتماله أصلا.

نعم فيما إذا كان قيمة المسمّى أزيد من الضمان الواقعي للتالف يمكن أن يقال بتضمين الوكيل المفرّط بالنسبة إلى تلك الزيادة ، وهذا الأمر ليس مختصّا بالموكّل المفرط بل يأتي في كلّ متلف أجنبي عن المعاملة فينحل العقد ، لأجل عدم إمكان التقابض الذي هو شرط بقاء العقد ، ويقع التلف في ملك من انتقل عنه التالف آنا ما قبل التالف ، ويرجع عوضه إلى الطرف الآخر. والمالك آنا ما قبل التلف يرجع إلى المتلف الأجنبي بالضمان الواقعي من المثل والقيمة.

ولو كان المسمّى له زيادة على الضمان الواقعي يمكن أن يقال بالرجوع إليه في تلك الزيادة لأجل تفويته تلك الزيادة على المالك.

وممّا ذكرنا ظهر أنّه لو كان مال تحت يده ، سواء كانت يده يد أمانة أو يد عادية فاشتراه من مالكه لا يحتاج إلى قبض جديد ، ولا يكون تلفه بعد وقوع العقد وبمحض وجوده إلاّ التلف بعد القبض ، لما ذكرنا من أنّ القبض عبارة عن اليد والسيطرة الخارجيّة على شي‌ء ، وهذا المعنى حاصل قبل وقوع العقد على الفرض.

السادس : فيما إذا تعارض هذه القاعدة مع قاعدة « التلف في زمن الخيار من مال من لا خيار له » كما إذا وقع التلف قبل قبض المشتري للمبيع ولكن كان في زمان خيار البائع دون المشتري ، فبمقتضى هذه القاعدة ينحلّ العقد ويكون تلف المبيع من مال البائع بأن يدخل في ملكه آنا ما قبل التلف ، فيقع التلف في ملكه ، وقهرا يرجع ثمن المسمّى إلى المشتري.

ومقتضى قاعدة « التلف في زمان الخيار من مال من لا خيار له » هو أن يكون التلف في ملك المشتري ولا يرجع الثمن إليه. ولا يمكن الجمع بين مفادهما في عالم الجعل والتشريع ، وهذا معنى التعارض بين الدليلين ، وحيث أنّ بينهما عموم من وجه فمقتضى القاعدة تساقطهما في مورد الاجتماع والرجوع إلى الأصول العملية إن لم تكن أمارة أخرى في البين.

وقد يقال بعدم كون النسبة بينهما عموم من وجه ، لأنّ قاعدة « التلف في زمن الخيار من مال من لا خيار له » مورد تشريعه بعد القبض ، فالتلف إذا كان قبل القبض يكون من مال البائع وان كان في زمان خيار البائع ولم يكن للمشتري خيار.

ويستشهد لذلك بقوله عليه السلام في مورد خيار الشرط للمشتري دون البائع في صحيحة ابن سنان : « وإن كان بينهما شرط أيّاما معدودة فهلك في يد المشتري فهو مال البائع » (9). ففرّع عليه السلام ضمان البائع على الهلاك في يد المشتري الذي هو عبارة أخرى عن كون التلف بعد القبض.

وكذلك قول الراوي في رواية عبد الرحمن « فماتت عنده » أي بعد أن قبضها المشتري ، فجواب الإمام عليه السلام بأنّه « ليس على الذي اشترى ضمان حتّى يمضي بشرطه » (10) ظاهر في أنّه في نفس المورد أي بعد القبض ، وإذا كان هناك بين الأخبار الدالّة على هذه القاعدة مطلق فيقيّد بهذين الخبرين ، والنتيجة أنّ التلف إذا كان بعد القبض يكون من مال من لا خيار له فلا يقع تصادم ولا تعارض بين القاعدتين.

وذكروا وجوها أخر لتقديم قاعدة « التلف قبل القبض » على قاعدة « التلف في زمن الخيار من مال من لا خيار له » تركنا ذكرها لئلاّ يطول المقام.

والأحسن بل التحقيق في هذا المقام أن يقال : بناء على ما هو التحقيق في مدرك هذه القاعدة ، أي قاعدة « كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه » من أنّ انحلال العقد بتلف أحد العوضين أو كلاهما قهري لبناء المعاوضة على القبض والإقباض الخارجي ، فإذا خرج أحدهما أو كلاهما عن هذه القابلية تكون المعاوضة لغوا وغير عقلاني.

فمتى لم يكن العوضان قبل أن يحصل القبض والإقباض قابلين للأخذ والإعطاء ، العقلاء يرون مثل هذه المعاملة منحلّة وباطلة ، فالتلف قبل القبض ـ سواء أكان لكلا العوضين أو لأحدهما ـ موجب وعلّة لانحلال العقد قهرا ، ويترتّب الانحلال على التلف قبل القبض ترتّب المعلول على علّته.

ويكون في زمان التلف ، وإلاّ يلزم الانفكاك الباطل بالضرورة ، فلا يبقى موضوع لتلك القاعدة ، لأنّ موضوع تلك القاعدة ، أي قاعدة « التلف في زمن الخيار من مال من لا خيار له » هو زمن الخيار المتوقّف على وجود العقد ، وإلاّ فلا معنى للخيار مع انحلال العقد وانعدامه ، والمفروض أنّ موضوع هذه القاعدة أي قاعدة « كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه » الذي هو التلف قبل القبض معدم لموضوع تلك القاعدة ، فلا يبقى مجال للتعارض ، لأنّ التعارض فرع وجود الموضوع ثمَّ وجود حكمه كي يتعارضان ، ولذلك اتّفقوا على أنّه لا تعارض بين الحاكم والمحكوم.

بل في المقام يمكن أن يقال بورود هذه القاعدة على تلك القاعدة ، لانحلال العقد بالتلف قبل القبض واقعا لا تعبّدا فقط. بل يمكن القول بالتخصّص ، لأنّ الانحلال ليس بتصرّف من قبل الشارع بالتعبّد به ، بل هو أمر تكويني.

والحمد لله أوّلا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

__________________

(*) « خزائن الأحكام » ش 26 ، « بلغة الفقيه » ج 1 ، ص 149 و 209 ، « القواعد » ص 105 ، « قواعد فقه » ص 189 ، « قواعد فقهية » ص 287 ، « القواعد الفقهية ( مكارم الشيرازي ) ج 4 ، ص 351 ، « المبادي العامة للفقه الجعفري » ص 266 « مجله كانون وكلاء » العام 2 ، ش 16 ، ص 9 ـ 14 ، محمد اعتضاد البروجردي.

« قاعدة تلف مبيع قبل از قبض » ماجستير ، « حقوق خصوصى » ، محمد رضا قنبرى ، جامعة طهران.

(1) « مستدرك الوسائل » ج 13 ، ص 303 ، أبواب الخيار ، باب 9 ، ح 15430.

(2) « وسائل الشيعة » ج 2 ، ص 358 ، أبواب الخيار ، باب 10 ، ح 1.

(3) « منتهى الأصول » ج 2 ، ص 112.

(4) « تذكرة الفقهاء » ج 1 ، ص 473.

(5) « المكاسب » ص 314.

(6) « المكاسب » ص 314.

(7) « تذكرة الفقهاء » ج 2 ص 322.

(8) « الفقيه » ج 4 ، ص 247 ، باب الوقف والصدقة والنحل ، ح 5585 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 137 ، ح 577 ، باب الوقوف والصدقات ، ح 24 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 102 ، ح 390 ، باب من تصدّق على ولده الصغار ... ، ح 6 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 299 ، أبواب الوقف والصدقات ، باب 4 ، ح 5.

(9) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 24 ، ح 103 ، باب عقود البيع ، ح 20.

(10) « الكافي » ج 5 ، ص 171 ، باب الشرط والخيار في البيع ، ح 9 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 24 ، ح 104 ، باب عقود البيع ، ح 21 ، « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 351 ، أبواب الخيار ، باب 5 ، ح 1.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.