المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8127 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر



قاعدة « بطلان كلّ عقد بتعذّر الوفاء بمضمونه » (*)  
  
294   01:37 مساءاً   التاريخ: 18-9-2016
المؤلف : آية الله العظمى السيد محمد حسن البجنوردي
الكتاب أو المصدر : القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ج5 ص 265- 275.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / بطلان كل عقد بتعذر الوفاء بمضمونه /

ومن جملة القواعد الفقهية : « بطلان كلّ عقد بتعذّر الوفاء بمضمونه ».

والبحث فيها من جهات :

[ الجهة ] الأولى

في بيان المراد منها وما هو مفادها‌ :

فنقول : المراد منها أنّ المتعاقدين والمتعاملين إذا تعاقدا وتعاهدا والتزما مثلا في باب البيع بأن تكون هذه العين التي لأحدهما ملكا للآخر بعوض ثمن المسمّى من الآخر لصاحب تلك العين ومالكه ، فالوفاء بهذه المعاهدة عبارة عن أنّ صاحب العين يسلم تلك العين إلى مالك الثمن ، وكذلك الأمر من طرف مالك الثمن.

فوفاؤه بهذه المعاملة معناه تسليم الثمن إلى مالك تلك العين وتسلّم العين منه ، فإذا تعذّر الوفاء بالمعنى المذكور تعذّرا دائميّا ، يكون مثل هذه المعاهدة لغوا باطلا عند العقلاء ، ولا فرق بين أن يكون تعذّر الوفاء من طرف واحد أو من طرفين ، وفي كلتا الصورتين تكون المعاملة باطلة؛ لأنّ المعاهدة من الطرفين والعقد قائم بكلا المتعاقدين ، فعجز أحدهما في بطلان تلك المعاملة مثل عجز الطرفين.

وهذا الأمر يجري في جميع العقود والمعاملات ، ففي باب الإجارة مثلا لو آجر دارا أو دكّانا أو خانا أو دابّة أو سيّارة أو طيارة أو غير ذلك ممّا يصحّ تمليك منفعته‌ بعوض معلوم ، والتزم كلّ واحد من الموجر والمستأجر وتعاقدا وتعاهدا على ذلك، فلو تعذّر وفاء كليهما أو أحدهما بهذه المعاوضة ، يكون مثل هذه الإجارة فاسدة وباطلة ، سواء كان تعذّر الوفاء بالتزامه لأجل تلف أحد العوضين ، أو كليهما ، أو كان لجهة أخرى.

وكذلك الحال في سائر العقود والمعاملات ، حتّى في مثل الوكالة التي هي من العقود الإذنيّة ، لو تلف المال الذي وكله في بيعه أو شرائه أو في سائر التصرّفات فيه تبطل الوكالة ، وكذلك في العارية والصلح والهبة والرهن وغيرها من المعاوضات، وكذلك في الوديعة لو عجز الودعي عن حفظ ما أودع عنده يبطل عقد الوديعة ، ويجب عليه ردّه إلى صاحبه.

والضابط الكلّي في هذا المقام هو ما ذكرنا في عنوان القاعدة ، وهو تعذّر الوفاء بمضمون المعاملة تعذّرا دائميّا من المتعاقدين، أو من أحدهما.

الجهة الثانية

في بيان مدرك هذه القاعدة وهو أمور :

الأوّل : الإجماع : وقد عرفت مرارا أنّ دعوى الإجماع في أمثال هذه المسائل التي لها مدرك أو مدارك أخر لا تفيد شيئا يركن إليه.

الثاني : وهو الدليل الذي يمكن أن يعتمد عليه ، هو أنّ صحّة العقد وفساده أمران متقابلان ، فإن كان التقابل بينهما تقابل العدم والملكة كما هو الصحيح ـ لأنّ المراد بالصحّة والفساد التماميّة وعدم تمامية المعاملة من حيث الأجزاء والشرائط وعدم الموانع وتعريفهما بما يترتّب الأثر المقصود من ذلك العقد وعدم ترتّبه تعريف باللازم ـ والمتقابلان بالعدم والملكة في الموضوع القابل في حكم النقيضين ، لا يمكن ارتفاعهما ، فإذا ارتفع أحدهما لا بدّ وأن يكون الآخر موجودا.

وفيما نحن فيه بعد ما كان التعذّر من أحدهما أو كليهما دائميّا ، فالوفاء بهذه المعاملة لا يمكن ، فلا يشملها { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] لأنّه تكليف بالمحال وقبيح ، فترتفع الصحّة ، لأنّ الأثر الظاهر للصحّة هو وجوب الوفاء بالعقد وترتيب آثار الصحّة ، فعدم إمكانه دليل على عدم الصحّة ، فإذا لم يكن صحيحا لا بدّ وأن يكون فاسدا وباطلا ، وإلاّ يلزم ارتفاع النقيضين.

إن قلت : يمكن القول بالصحّة ، ويكون أثرها ضمان التالف ثمنا كان أو مثمنا أو أيّ متعلّق في أيّ عقد من هذه العقود المتداولة بين العقلاء ، وليس بقاء نفس العوضين أو أحدهما من أركان المعاملة ، بل يمكن الالتزام ببقاء اللزوم وأخذ المثل أو القيمة من صاحب المال التالف.

قلنا : أوّلا : إنّ بعض العقود ليس المتعذّر ممّا يدخل فيه الضمان ، مثلا لو تعاقدا على المسابقة على فرس خاصّ فمات الفرس قبل الشروع في المسابقة ، أو تعاقدا على المراماة بقوس خاصّ فانكسر قبل الشروع في المراماة ، فلا وجه للضمان في مثل هذه الموارد ، بل تبقى المسابقة في الفرض الأوّل ، والمراماة في الفرض الثاني بلا موضوع ؛ لأنّ موضوع المسابقة في المثال الأوّل كان هو السبق مع الفرس المخصوص ، وموضوع المراماة في المثل الثاني هو الرمي بقوس خاصّ وانكسر ، فيبقى المراماة بلا موضوع ، ويكون حال تلف القوس حال شلل أحد المتراميين ، وحال تلف الفرس حال شلل أحد المتسابقين.

وحاصل الكلام : أنّ إمكان القول بضمان المثل في المثلي والقيمة في القيمي فيما إذا كان التالف مالا منتقلا إلى أحد المتعاقدين فوقع عليه التلف قبل قبض من انتقل إليه ، فيمكن أن يقال بضمان من وقع في يده التلف ، مع أنّهم لم يقولوا بذلك ، بل قالوا بأنّ تلف المبيع قبل أن يقبضه المشتري من مال البائع بانفساخ العقد آنا ما قبل التلف.

وقد‌  شرحنا هذه القاعدة ـ أي قاعدة كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه ـ في الجزء الثاني من هذا الكتاب (1) مفصّلا ، وإن شئت فراجع.

وثانيا : أنّ الضمان إمّا عقدي ، وهو أن يضمن ما في ذمّة شخص فينتقل ما في ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن ، ويسمّى بالضمان العقدي ؛ لأنّه عقد يحتاج إلى إيجاب وقبول ، فالإيجاب من الضامن ، والقبول من المضمون له ، فالضامن يقول مثلا : أنا ضامن لما في ذمّة زيد لك ، أو يقول : أتعهّد بما في ذمّة زيد لك ، والمخاطب المضمون له ، فيقول المضمون له : قبلت ، أو ما يفيد الرضا بذلك.

وأمّا المضمون عنه فأجنبيّ عن هذه المعاملة ، حتّى أنّ رضاه بهذه المعاملة ليس بشرط وإمّا يكون من قبيل ضمان المعاوضي في باب المعاوضات والمعاملات ، وهو المسمّى بضمان المسمّى ، وهو الذي يسمّيه المتعاقدان ويجعلونه عوضا لما ينتقل إليه من طرفه ، فكلّ واحد من العوضين في باب المعاوضات يسمّى بضمان المسمّى ، فالمبيع ضمان المسمّى للثمن كما أنّ الثمن أيضا ضمان المسمّى للمبيع.

وقد عبّر عليه السلام في رواية عقبة بن خالد عن المسمّى بالضمان حيث قال عليه السلام : « فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقّه » (2).

وإمّا يكون ضمانا واقعيّا والمراد به المثل في المثلي والقيمة في القيمي ، والضمان الواقعي عبارة عن كون الشي‌ء بوجود الاعتباري في ذمّة الشخص ، وإن شئت قلت : عبارة عن اعتبار وجود الشي‌ء في ذمّة الشخص ؛ وذلك لأنّ الأمر الاعتباري لا وجود له في الخارج ، وإلاّ لكان داخلا تحت إحدى المقولات العشر ، والخارج ليس وعاء لوجوده ، بل وعاء لاعتباره ، ولا يخرج عن عهدة هذا الأمر الاعتباري ولا تفرغ ذمّته إلاّ بأدائه إلى من هو له ، وأداؤه بعد انعدام نفسه في الخارج في الدرجة  الأولى بالمثل ، فإن تعذّر أو تعسّر فبالقيمة.

وقد شرحنا هذه المسألة في قاعدة « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه ». (3)

وسبب هذا الضمان قد يكون العقد كما في عقد الدين ، فإنّ حقيقة الدين هو تمليك شي‌ء بضمانه الواقعيّ وقد يكون اليد غير المأذونة وقد يكون الإتلاف ، وشرحنا كلّ واحدة من القاعدتين ، وإن شئت فراجع.

إذا عرفت ذلك ، فنقول : إذا تعذّر الوفاء بمضمون العقد من باب تلف أحد العوضين الشخصيّين أو لجهة أخرى ، فليس هناك ما يوجب الضمان لا اليد غير المأذونة ، ولا الإتلاف ، ولا عقد كان مفاده الضمان ، كلّ ذلك لم يكن.

وإن قلت : إنّ المسمى استقرّ في ذمّته ، فإذا تعذّر يجب عليه تفريغ ذمّته بإعطاء مثله أو قيمته.

قلنا : أمّا في المعاملات الواقعة على أشخاص الأموال الخارجيّة لا يشتغل ذمّته بشي‌ء ، وإنّما المالك لتلك العين يخرجها عن ملكه ويدخلها في ملك طرفه ، فلم يستقرّ في ذمّته شي‌ء ، وإنّما يجب عليه أداؤه إلى صاحبه الجديد تكليفا ، فإذا تعذّر يسقط هذا التكليف ، وليس شي‌ء في البين يوجب الضمان.

وأمّا المعاملات الواقعة على الكلّيات فليس التعذّر فيها بمعنى تلف العين ، لأنّ العين لم تكن موردا للمعاملة قط ، بل المراد التعذّر من جهات أخر.

مثلا لو باع كميّة من الحنطة فتعذّر عليه الأداء لأنّه صار معدما فقيرا لا يقدر حتّى على أداء قيمته ، فمثل هذه المعاملة تنحلّ قهرا ـ لما ذكرنا من تقابل العدم والملكة ـ بين الصحّة والفساد ، وهما في الموضوع القابل بحكم النقيضين لا يمكن ارتفاعهما ، ولا يمكن أن تكون صحيحة لعدم إمكان الوفاء بها ، فقهرا تكون باطلة.

الثالث : بناء العقلاء ، فإنّهم يرون مثل هذا العقد الذي يتعذّر الوفاء به من‌ الطرفين ، أو من طرف واحد لغوا وباطلا.

وذلك لما بيّنّا وشرحنا في قاعدة « كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه » (4) من أنّ العقلاء في باب العقود المعاوضيّة وإن كانوا ينشأون المبادلة بين المالين والعوضين في عالم الاعتبار التشريعي ، وهذا المعنى يقع في عالم التشريع إذا كان العقد الواقع جامعا لشرائط العقد والمتعاقدين والعوضين ، وليس متوقّفا على النقل والانتقال الخارجي ، ولكنّهم يرون هذه المبادلة مقدّمة لوصول كلّ واحد من العوضين إلى الآخر بدل العوض الذي يعطيه للآخر ، بحيث لو لم يتحقّق النقل والانتقال الخارجي تكون تلك المبادلة لغوا ، وتكون المعاملة كالمعاملات السفهيّة باطلة عندهم.

فكما أنّه لو علموا من أوّل الأمر بعدم قدرة كلا المتعاقدين أو أحدهما على الوفاء بهذا العقد ، يكون ذلك العقد لغوا عندهم ولا يرتّبون أثر الصحة عليه ، فكذلك لو طرأ العجز وتعذّر الوفاء به بعد الوقوع قبل القبض والإقباض ، يكون بقاء العقد والمعاهدة لغوا ؛ لما قلنا إنّ هذه المعاقدة والمعاهدة تكون مقدّمة للأخذ والإعطاء ؛ إذ الذي يدور عليه نظام معاش العباد وبه قوام معيشتهم ، هو التبادل والأخذ والإعطاء خارجا ، وتكون المعاملات والمبادلات الاعتباريّة لأجل تلك الانتقالات الخارجيّة ، وإلاّ فنفس تملّك الناس في عالم الاعتبار التشريعي المآكل والمشارب والملابس والمساكن والمراكب من دون حصول وجوداتها الخارجيّة لهم لا أثر له ، فإنّ الناس يحتاجون إلى هذه الأشياء خارجا.

وقوله عليه السلام في مقام بيان حجّية بعض الأمارات : « وإلاّ لما قام للمسلمين سوق » (5) المراد من السوق هو السوق الخارجي ، لا المبادلات الاعتباريّة من دون أخذ وعطاء في البين.

وأيضا من الواضح المعلوم أنّ ما هو موجب لاختلال النظام هو عدم المبادلات الخارجيّة لا الاعتباريّة ، ولكذلك ترى أنّ الأسواق دائرة بنفس المبادلات الخارجيّة والأخذ والإعطاء معاطاة من دون عقد في البين.

ولا يأتي هاهنا الإشكال الذي أشكلنا في مسألة تلف المبيع قبل قبض المشتري ، وهو الانفساخ قبل التلف آنا مّا.

وذلك من جهة أنّ الالتزام بالانفساخ قبل التلف آنا مّا كان من جهة الرواية التي كان مفادها أنّ تلف المبيع قبل قبض المشتري يكون من مال البائع ، أي التلف وقع على مال البائع ، مع أنّه بنفس العقد صار مالا للمشتري ، فكون التلف في مال البائع لا يعقل إلاّ بالانفساخ آنا مّا قبل التلف ، ولا حاجة إلى هذا التقدير فيما نحن فيه ؛ لعدم كونه من موارد تلك الرواية دائما ؛ لأنّ تعذّر الوفاء ليس منشأه دائما تلف المبيع قبل أن يقبض ، بل له أنحاء.

الجهة الثالثة

في بيان موارد تطبيق هذه القاعدة‌ فنقول :

منها : ما لو استأجر مرضعة لإرضاع ولده ، فمات الولد أو المرضعة أو كلاهما قبل أن ترضعه أو يبس لبنها فتبطل الإجارة؛ لتعذّر الوفاء بذلك العقد من طرف واحد.

وقد يكون التعذّر من الطرفين ، كما إذا استأجر الحمّال لحمل متاع معيّن ، فتلف المتاع وعجز الحمّال عن الحمل لمرض أو جهة أخرى ، كلّ ذلك قبل الشروع في العمل ؛ أو استأجر الصائغ لصنع ذهب خاصّ مثلا آلة من أدوات الزينة ، فعجز الصائغ عن العمل وتلف الذهب قبل أن يشتغل بالصنع.

وأمثلة هذا الفرع كثيرة في باب الأجراء ، سواء كان التعذّر من طرف واحد أو‌ من الطرفين.

ومن هذا القبيل عجز النائب الأجير عن أداء ما استؤجر عليه من العبادات كالحجّ والصلاة والصوم ، وزيارات المعصومين ، أو قراءة القرآن وأمثال ذلك إذا اشترط المستأجر على الأجير مباشرة نفسه ، كلّ ذلك لأجل تعذّر الوفاء من طرف الأجير ، هذا في باب استيجار الأجراء.

وكذلك الأمر في إجارة الأعيان ، كما إذا آجر دارا أو خانا أو دكّانا فانهدمت ووقعت في الجادّة العموميّة بحيث لا يمكن بناؤها عادة أو في مدّة الإجارة ، أو صارت غير قابلة للانتفاع بها أصلا ولو قليلا ، كما إذا استأجر دابّة لركوبه في سفر أو لحمل متاع عليها ، فتلفت قبل الركوب أو قبل الحمل عليها ، فيكون ذلك العقد باطلا.

والضابط الكلّي في باب إجارة الأعيان هو تلف العين المستأجرة ، أو سقوطها عن الانتفاع بالمرّة ، ففي مثل ذلك تبطل الإجارة ، لأنّ عقد الإجارة مفاده تمليك منفعة العين بذلك العوض المعلوم ، فالوفاء بهذا العقد بالنسبة إلى الموجر أن يسلّم إلى المستأجر عينا ذات منفعة معلومة ، فإذا تلفت تلك العين التي وقعت عليها الإجارة ، أو سقطت عن تلك المنفعة المعلومة ، فلا يقدر أن يسلّم إلى المستأجر مثل تلك العين التي آجرها ؛ والضابط في التعذّر في باب استيجار الأجراء هو عجز الأجير عن الإتيان بما آجر نفسه له هذا في عقد الإجارة.

وكذلك الأمر في سائر العقود المعاوضيّة ، ففي البيع إن باع عينا شخصيّا فوقع عليها التلف ، أو كانت حيوانا غير أهلي فشرد بحيث لا يمكن أخذه وإرجاعه عادة ، سواء كان من الطيور أو من غيرها كالغزال وغيره ، فالبائع لا يقدر على الوفاء بهذا العقد فيبطل.

وكذلك الأمر بالنسبة إلى المشتري والثمن الشخصي ، فإذا تعذّر له الوفاء بهذا‌ العقد فيبطل العقد، ولا يبطل بموت أحد المتبايعين لقيام الوارث لكلّ واحد منهما مقام مورثه.

وكذلك الأمر في العارية فهو مثل الإجارة والفرق بينهما أنّ تمليك المنفعة في الإجارة يكون بعوض ، وفي العارية تمليك المنفعة أو الانتفاع يكون مجّانا وبلا عوض ، فهما كالبيع وهبة الأعيان غير المعوّضة ، حيث أنّ البيع تمليك عين متموّلة بعوض مالي ، وهبة الأعيان أيضا تمليك عين لكن مجّانا ، وبدون عوض ، إذا كانت الهبة غير معوّضة.

وكذلك الأمر في الصلح ، فإذا لم يقدر المصالح على أداء مال المصالحة وتعذّر الوفاء بالعقد ، يكون الصلح باطلا ؛ وكذلك الأمر في الرهن ، فلو لم يقدر الراهن على تسليم العين المرهونة إلى المرتهن ، أو إلى من رضيا بأن تكون عنده ، فيكون عقد الرهن باطلا ، وكذلك لو تلفت العين المرهونة قبل أن يقبضها المرتهن يبطل الرهن.

فلو رهن نخيلا فيبست ، أو دارا أو دكّانا أو خانا فانهدمت ، يبطل عقد الرهن ؛ أو ثوبا فأحرقت، أو متاعا ففسدت بحيث لا يشتريه أحد ولا يبذل بإزائه المال.

وكذلك الحال في عقد الكفالة ، فلو تعذّر للكفيل الوفاء بذلك العقد كما لو مات المكفول ، يبطل عقد الكفالة ويبرأ الكفيل عند المشهور.

وكذلك الأمر في عقد المضاربة ، فلو عجز العامل عن العمل لمرض أو لجهة أخرى ولم يقدر على الوفاء بعقدها ، فيبطل عقد المضاربة.

وكذلك الأمر لو مات العامل ؛ وكذلك الأمر في المقارض ـ بكسر الرّاء ـ أي ربّ والمال ، فإذا لم يقدر على إعطاء المال والوفاء بعقد المضاربة ، يكون العقد باطلا.

وكذلك الأمر في العارية ، وهي عبارة عن تمليك المنفعة أو تمليك الانتفاع ، فلو عقدا على كون شي‌ء له منفعة عارية عند المستعير ، بأن يقول المعير : أعرتك إيّاه ، وصدر القبول من المستعير ، فقبل أن يعطى للمستعير تلف ذلك الشي‌ء ، أو سقط عن‌  الانتفاع ، أو مات المعير أو جنّ ، فيبطل عقد العارية ؛ وذلك لتعذّر الوفاء بذلك العقد في جميع الموارد المذكورة . وكذلك لو باعه أو وهبه يبطل العقد ؛ لأنّ ذلك الشي‌ء بعد بيعه أو هبته لشخص آخر يخرج أمره من يد المعير ، ويصير ملكا لغيره ، فلا يبقى موضوعا لإعارة المعير وليس لتمليك المنفعة أو الانتفاع أو لإذنه في التصرّف فيه أثر بقاء ، أي بعد خروجه من يده ، بل يكون الأثر لتمليك المالك الثاني أو إذنه.

وكذلك الأمر في المزارعة والمساقاة ، فإذا وقع عقد المزارعة والمساقاة ، فيجب الوفاء على كلا الطرفين ؛ فلو عجز عن العمل ولم يقدر على الوفاء بالعقد ، أو مات فيما إذا اشترط المالك عليه المباشرة بنفسه ، يبطل العقد.

وكذلك الأمر في الوديعة ، فلو عجز عن الحفظ ولم يقدر على الوفاء بالعقد ، يبطل عقد الوديعة، ويجب عليه ردّه ، كما أنّه يبطل بموت الودعي.

وخلاصة الكلام : أنّ هذه القاعدة تجري في جميع العقود المعاوضيّة ، فلا نطول الكلام.

والحمد لله أوّلاً وآخراً ، وظاهراً وباطناً.

______________

(*) « قواعد فقه » ج 2 ، ص 112.

(1) راجع « القواعد الفقهية » ج 2.

(2) « الكافي » ج 5 ، ص 171 ، باب الشرط والخيار في البيع ، ح 12 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 358 ، أبواب الخيار ، باب 10 ، ح 1. (3) راجع « القواعد الفقهية » ج 2 ، ص 77.

(4) « الكافي » ج 7 ، ص 387 ، باب بدون العنوان ، ( من كتاب الشهادات ) ح 1 ؛ « الفقيه » ج 3 ، ص 51 ، باب من يجب ردّ شهادته ومن يجب قبول شهادته ، ح 3281 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 261 ، ح 695 ، باب البيّنات ، ح 100 ؛ « وسائل الشيعة » ج 18 ، ص 215 ، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ، باب 5 ، ح 2. ونصّه : « لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق ».

(5) راجع « القواعد الفقهية » ج 4 ، ص 53.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.