المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8127 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

Language shift and language death
2024-01-02
استعمالات الذرة الصفراء
3-4-2016
إذاعة بابل
9-7-2021
المرقَّش الأكبر
27-09-2015
تآصل دينامي dynamic allotropy
2-10-2018
حفاظ علي (عليه السلام) على الإسلام والمسلمين
2023-08-30


قاعـــــــــــــــدة نفي الضرر  
  
857   12:56 مساءاً   التاريخ: 4-9-2016
المؤلف : الشيخ ضياء الدين العراقي
الكتاب أو المصدر : مقالات الاصول
الجزء والصفحة : ج2 ص 301.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / تعاريف ومفاهيم ومسائل اصولية /

قد اشتهر في ألسن الفقهاء تمسكهم بقاعدة [نفي] الضرر في كثير من الموارد حتى [صارت] بين المعاصرين من القواعد المسلمة الفقهية كسائر [قواعد الفقه] العامة، فلذا ينبغي تنقيح الكلام فيها [في] جهات كي ينكشف الظلام عن وجه الأوهام فنقول:

 هنا مقامات: المقام الأول: إن الضرر ضد النفع، وتقابلهما من قبيل العدم والملكة، فلا يصلح إطلاق الضرر إلا في مورد قابل لإطلاق النفع في قباله. فبالنسبة إلى نقص الانتفاع من المباحات الأصلية لا يطلق عليه الضرر، بل الضرر نحو نقص له مساس إلى الشخص حقا أو مالا أو بدنا أو عرضا أو سياسة. نعم رب مورد يكون [فيه] للإنسان مساس بالمباحات الأصلية فيصدق بالنسبة إليه أيضا النفع والضرر. وحينئذ مرجع الضرر إلى النقص من جهة راجعة إلى الشخص، كما أن مرجع النفع إلى زيادة كذلك. وأما الضرار فهو مصدر باب المفاعلة، واريد منه [الإصرار] على الضرر، كما يشهد له قوله (صلى الله عليه وآله): إنك رجل مضار بعد [إصراره]. ومنه أيضا المطالب والمسافر والمحامي حيث استعملت الهيئة في تكرار المبدأ وامتداده. وقد يتحقق التكرار بين اثنين فتستعمل هذه الهيئة فيما بينهما، ولكن لا اختصاص لذلك به، كما توهم.

 المقام الثاني: بيان مدركها. وهي أخبار عديدة واردة في موارد عديدة، من جملتها ما في موثقة زرارة المشتملة على قضية سمرة (1)، وما في ذيل رواية فضل الماء (2) وما في ذيل نص الجار (3)، وخبر الشركة في رأس البعير (4)، وما ورد في باب الإضرار بطريق المسلمين (5) فربما ينتهي أمر نصوصها إلى التواتر ولو إجمالا. وذلك المقدار يكفي للاتكال سندا، خصوصا مع كونها مورد اتكال الأصحاب. فلا قصور في سندها، بلا احتياج إلى ضميمة ما اشتملت على نفي الضرر [وحده] كي [يبقى] مجال احتمال تقطيعها مما سبق. نعم كثيرها غير شامل لعنوان الإسلام أو الامة أو المؤمنين، ولكن لا ضير فيه بعدما كان سوقها للامتنان على الامة كما لا يخفى. ولئن أبيت من اقتضاء الفاقد للعنوانين السوق للامتنان نقول: إن بناء الأصحاب في جعلهم هذه القاعدة من القواعد الامتنانية، وتسلم مثل هذه الجهة عندهم يوجب جبر رواية ابن مسكان (6) وخبر ابن أثير (7) المشتمل على قوله:

في الإسلام . وحينئذ يكفي هذا المقدار لثبوت الفقرتين في كلام المعصوم، مضافا إلى ما في الوسائل في الباب الأول من كتاب الفرائض (8). وستتضح نتيجة هذه الجهة في طي الكلمات إن شاء الله. وبعدما اتضح سند روايات الباب ينبغي الكلام في دلالتها فتقول: عمدة النظر في وجه الدلالة إلى ما اشتمل [على] قوله (9) (عليه السلام): لا ضرر ولا ضرار . وحينئذ فاسمع بأن الهيئة الكلامية المزبورة قابلة للحمل على معان: أظهرها الحمل على نفي الحقيقة بضميمة تقييده بالشريعة ولو من جهة أن نفي تشريع ما يوجب الضرر موجب لنفي نفس المعلول الناشئ من قبله. بل ولئن دققت النظر لا يحتاج هذا المعنى إلى تقييد زائد، إذ التقييد إنما يحتاج [إليه] في مورد قابل للإطلاق، ومعلوم أن نفي الضرر من قبل الشارع في عالم تشريعه منحصر بما كان ناشئا عن تشريعه، ولا يشمل المضار الخارجية الأجنبية عن مرحلة التشريع، كما هو ظاهر. وحينئذ لا يحتاج النفي المزبور إلى التقييد ولا التقدير ولا المجاز ولا مرآتية الضرر عن الأمر الضرري. كما أن مرجع نفي الضرر - بالمعنى المختار - إلى كون الضرر مانعا عن ثبوت تشريع حكم باقتضائه. وبهذا المعنى يناسب سوقه مقام الامتنان، لا أن الضرر [مقتض] للالتزام بتركه، كي يكون من قبيل لا فسوق ولا جدال . كيف! وهذا المعنى لا يناسب التخفيف على الامة الموجب للامتنان عليهم، بل كان حينئذ [تحميلا] آخر وإلزاما زائدا عليهم، وهو ينافي بناءهم على سوقه الوارد مساق حديث الرفع (10) وعمومات نفي الحرج (11) من حيث التخفيف على الامة بشهادة تصريحهم بعدم شمول عمومه للمقدم على الضرر في المعاملات الغبنية، فراجع كلماتهم هناك. مع أنه لا يناسب مع بنائهم على حكومته على سائر القواعد، إذ حينئذ لا وجه لنظره إليها بل تمام المقصود حرمة الضرر قبال سائر المحرمات وبقية التكاليف. مع أن استفادة الحرمة من هذه الهيئة فرع إعمال عناية في الإخبار عن عدم الشيء بلحاظ العلم بوجود مقتضيه من التحريم وعدم المانع عنه ولو ادعاء، وأن المراد من الضرر المضار الخارجية التكوينية غير [المرتبطة] بعالم التشريع. و[لمثل] هذه الجهات - إذا قيست إلى ما استظهرناه منه من توجه النفي إليه حقيقة في مرحلة تشريع الأحكام - الوجدان يأبى من ترجيح الأول على الثاني، بل يرجح الثاني بلا تأمل. ويناسبه حينئذ كون الضرر في المجعول مانعا عن جعله المستتبع لعدم وقوع الضرر من قبل تشريع الأحكام حقيقة بلا احتياج إلى إعمال عناية أو تجوز أبدا. وبهذا البيان أيضا ظهر فساد سائر الاحتمالات خصوصا احتمال مرآتية الضرر للأفعال الضررية، لعدم سنخية بينهما مصححة للمرآتية. ومجرد سنخية العلية والمعلولية بينهما لا يصحح جهة مرآتية أحدهما عن الآخر، لأن كل عنوان لا يحكي في عالم التصور إلا عن معنونه لا عن [مقتضياته] وعلله.

وتوهم حكاية العناوين الطولية عن الاخرى كلام ظاهري لا يصدق إلا في مورد كانت العناوين المتعددة مشتركة في جهة واحدة، كعناوين الأوصاف الحاكية عن ذات واحدة محفوظة في الجميع. وإلا ففي غيرها لا وجه لحكاية كل عنوان عن غيره في عالم التصور، كي يصلح مرآتيته عنه كما لا يخفى. ثم إنه بعدما اتضحت هذه الجهات فاسمع أيضا: أن لازم سوق مثل هذا العام مساق الامتنان اختصاص مورده بما كان تشريع الحكم فيه خلاف امتنان في حق الشخص، ولا يشمل أيضا موردا يكون نفي الضرر خلاف الامتنان في حق غيره. ولازمه عدم صلاحية عموم نفي الضرر لنفي الأحكام الامتنانية مثل سلطنة المالك على ملكه وحينئذ ربما يجئ الإشكال في تطبيقات النصوص السابقة [لمثل] هذا العام على عموم سلطنة المالك أو ذوي الحقوق في ملكه و[حقهم]. فمن ذلك ما في رواية سمرة حيث طبق النبي (صلى الله عليه وآله) عموم نفي الضرر على سلطنة سمرة على عذقه، ومن هذا القبيل تطبيق العموم على سلطنة الشريك على ماله بجعل الشفعة لشريكه. ومن جملتها ما في خبر فضل الماء (12) حيث نهى عن منع فضله مطبقا عليه أيضا عموم نفي الضرر الموجب لرفع سلطنة المالك عن ملكه أو لا أقل عنه حقه. ومن هذا الباب أيضا نص الجار (13) المشتمل على السؤال عن جدار رجل هو سترة بينهما سقط فامتنع من بنائه، قال (عليه السلام): ليس يجب إلا أن يكون وجب لصاحب الاخرى بحق أو بشرط... إلى قوله (عليه السلام): وإن لم يسقط الجدار ولكن هدمه إضرارا بجاره لغير حاجة منه لهدمه، قال (عليه السلام): لا يترك، وذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لا ضرر ولا ضرار وإن هدمه كلف أن يبنيه. هذا ملخص مضمون الرواية. وظاهر [ذيلها] نفي سلطنة مالك الجدار عن هدمه لعموم الضرر والضرار. ويمكن رفع الاشكال المزبور بما توهم في مضامين هذه النصوص فنقول: أما التطبيق الوارد في رواية سمرة فيمكن أن يكون نفي الضرر ناظرا إلى عدم تشريع هتك عرض الأنصاري بورود [سمرة] على عياله فجأة مع فرض لزوم الحرج على الأنصاري في حفظ عرضه بوجه آخر. وحينئذ يكون الباب من قبيل تزاحم سلطنة الأنصاري لحفظ عرضه وسلطنة سمرة على حفظ عذقه. ومن المعلوم أن أهمية حفظ العرض من حفظ المال [اقتضت] تقدم حق الأنصاري على حق سمرة، ولذا أصر النبي (صلى الله عليه وآله) من أول [الأمر] على الجمع بين الأمرين ولو بإرضاء [سمرة] ببديل عذقه، فحيث ما رضى بالجمع المزبور قدم النبي (صلى الله عليه وآله) حق الأنصاري، وأمر بقلع عذق [سمرة] كي ينتفي حق عبور سمرة، حيث لا حق له إلا للإستطراق إلى عذقه. بل ربما روعي في حقه إبقاء شجريته حيث أمر بغرسه في مكان آخر. وحينئذ ما ارتفع تسلط سمرة عن عذقه بعموم نفي الضرر كي يرد إشكال خلاف الامتنان، بل إنما رفع سلطانه عن عذقه بالمزاحمة مع سلطنة الأنصاري على حفظ عرضه، وطبق عموم نفي الضرر على حفظ سلطنة الأنصاري لعرضه لأهميته لا نفي سلطنة سمرة على عذقه، وما فيه المحذور هو الثاني لا الأول كما لا يخفى. وأما التطبيق الوارد في خبر الشفعة فقد يجاب بأن هذه جملات مستقلة وأحكام مختلفة واردة في رواية عقبة بن خالد لا ارتباط [لبعضها] بالبعض، وأن المتأخرين اخذوا كل فقرة فقرة بنحو التقطيع عن هذه الرواية وتخيلوا ارتباط بعضها ببعض فجاء حينئذ مجال توهم ما ذكرناه من الإشكال.

ولكن يمكن أن يقال: إن الرواية المشتملة (14) على هذه الفقرة مضمونها مغاير لمضمون رواية عقبة و[مشتملة] على حكمين راجعين إلى الشفعة مع وقوع هذه الفقرة في وسط الحكمين، وفي مثله منتهى البعد في كونه حكما مستقلا غير مرتبط بباب الشفعة. وعليه فلا استبعاد في دعوى كون هذه الرواية رواية اخرى مستقلة عن رواية عقبة الطويلة، بل تصلح هذه لشرح رواية عقبة على فرض ظهورها في استقلال الفقرات، فضلا عن إجمالها من هذه الجهة. والأولى في الجواب أن يقال: إن الإشكال مبني على جعل مثل هذه الفقرة من علل تشريع الشفعة. وهو ممنوع، بل من الممكن جعله من نتائج تشريعها ومعاليلها. ويؤيد ذلك أنه لو جعل علة لتشريع الشفعة يلزم أن يجعل من حكم [تشريعها] كي يشمل موارد لا يلزم [فيها] ضرر بترك جعل الشفعة، وهو أيضا خلاف ظاهر سوق التعليل. وهذه الجهة لا [تكاد ترد] على ما ذكرنا، كما هو ظاهر. وحينئذ يكون نفي الضرر من علل أخذ الشفيع بشفعته وحقه، فلا ينافي الامتنان، كما لا يخفى، هذا. مع إمكان أن يقال: إن ما هو خلاف الامتنان رفع سلطنة المالك عن ماله - مع حفظ ماليته - للضرر على الغير. وأما تنقيص ما ينتقل إليه بجعل حق فيه لا يكون خلاف امتنان في حق المشتري، بل نفي الضرر صار موجبا لنقص ماله - من حين حدوثه - في حقه، ومثل ذا لا يكون خلاف امتنان في حق الغير، بل كمال امتنان في حق الشريك، فتدبر. أما ما ورد في النهي عن فضل الماء فقد يجاب عنه أيضا بنحو ما تقدم. ويرد عليه أيضا نحو ما ذكرنا. والتحقيق في جوابه أيضا أن يقال - بعد تسليم كون حفر البئر بقصد حيازة تمام مائه لا بمقدار استقائه، وإلا فلا يبقى مجال إشكال أصلا -: إن أمثال هذه المياه مورد الانتفاع للاستقاء لكل أحد من الأناسي والمواشي، فغاية الأمر للمالك أو وليه حق منع الغير عن التصرف، لا أن إذنهم شرط في الجواز من دون فرق بين أن يكون المالك كبيرا أو صغيرا، بشهادة السيرة القطعية الدائرة بين الناس الواردين على مثل هذه القنوات واستعمالهم من مائها بمقدار احتياجهم من سقي ووضوء والأخذ منه بمقدار لا يعد ضررا عرفا على المالك، وحينئذ ربما كره منعهم عن فضل مثل هذا الماء، حفظا لما فيه من حق الاستباحة للناس في الجملة بما ليس في غيره. وبهذه الملاحظة أيضا طبق عموم نفي الضرر على المورد تنزيها، ولا ضير فيه بعد كون نفي الضرر بنفي تشريع حكمه. وحيث كان المنع الموجب لضرر الناس ممنوعا تنزيهيا [فنفي] الضرر الناشئ من قبل هذا المنع أيضا تنزيهي. وبعبارة اخرى: تعلق حقوقهم بالماء لولا المنع موجب لقصور مرتبة من سلطنتهم بنحو لا يكون أخذهم قبل المنع خلاف سلطنتهم، بل في عدم أخذهم حينئذ ضرر عليهم، فلمراعاة مثل هذا الاقتضاء الاستحبابي منعوا تنزيها من منعهم كي لا يرد على الناس ضرر من قبل [منعهم]. وفي مثل هذا التطبيق روعي كمال الامتنان في حق النفوس بلا خلاف امتنان في حق المالك كما هو ظاهر. ويؤيده: أنه لو كان نفي الضرر موجبا لعدم المنع فيلزم أن لا يؤثر منعه، مع أنه لا يناسب كراهته، إذ لازمه أنه لو منع لكان مؤثرا. وتوهم عدم الكراهة خلاف ظاهرهم فتدبر. أما نص الجار بما فيه من التفصيل فنقول أولا: لا شبهة في عدم وجوب حفظ مال الناس ولا عرضهم ولا نفسهم من غير الهلاك، وإنما يحرم هتك عرض الغير أو دمه أو ماله على إشكال فيه ما لم يصدق عليه التصرف فيه بغصب أو نحوه. غاية الأمر يوجب إتلافه ضمانه، وإلا فلا يحرم على الانسان إلا التصرف في مال الغير. وصدق التصرف على مطلق الإتلاف ممنوع جدا. وحينئذ لا وجه لحرمة الإتلاف في الأموال لولا قصور سلطنة المالك من هذا التصرف في ملكه بملاحظة مزاحمته مع سلطنة غيره على حفظ ماله من التلف. وحيث ظهر ذلك نقول: لا تبقى جهة إشكال في صدر الرواية، لأن انهدام الجدار بنفسه لا يوجب إلا انهتاك عرض الغير لا هتكه. كما أن بقاء الجدار على الخراب أيضا لا يوجب إلا بقاء انتهاك الغير لا هتكه. وحينئذ لا موجب لإجبار المالك على تعميره، خصوصا مع تمكن الجار على حفظ عرضه بطريق آخر بقرينة قوله للجار: استر على نفسك . نعم لو اشترط الجار تعميره على المالك في ضمن عقد لازم فله حينئذ اجباره على التعمير وفاء بشرطه. وإليه أيضا أشار في النص بقوله: إلا ان وجب عليه بحق أو بشرط... . وأما ذيل الرواية المشتمل على النهي من هدمه معللا بعموم نفي الضرر فيمكن أن يقال فيه: إن هدم المالك جداره وإن لم يكن ممنوعا في نفسه إن استلزم تلف مال الغير ما لم يصدق إضافة عنوان الإتلاف إليه، ولكن مع صدق هذه النسبة أمكن دعوى عدم سلطنته على ماله المنطبق على تصرفه فيه عنوان إتلاف مال الغير . كما هو الشأن أيضا في عرضه، ففي فرض صيرورته سببا لهتك عرض الغير أيضا - خصوصا إذا كان قاصدا لإضراره بذلك - فهو غير مشروع حتى مع تمكن الغير من حفظ نفسه، فضلا عما لو لم يتمكن، لحرجيته. نعم مع عدم قصد الإضرار قد يتوهم عدم الحرمة مع تمكن الغير من حفظ نفسه لولا دعوى أن الهتك في هذه الصورة مستند إليهما لا إلى الجار وحده، فلا يخرج التخريب المزبور أيضا عن الحرمة. ومن هذه الجهة ربما كان لمالك الدار إجبار الجار على سد روزنته من داره إلى دار جاره مع أنه في ملكه وتمكن الجار أيضا على حفظ عرضه. وحينئذ فتطبيق عموم نفي الضرر على مثل هذه الموارد لا يكون خلاف إرفاق في حق غيره، لعدم سلطنته على مثل هذا التصرف في ملكه، بل كمال إرفاق في حق الجار لئلا ينهتك عرضه من قبله، كما لا يخفى. بقي في المقام شيء آخر وهو: أن الذي يستفاد من مجموع أخبار الباب هو تطبيق مثل هذه الكبرى في موارد إتلاف حق الغير عرضا أو انتفاعا أو تملكا. ولكن يمكن أن يقال: إن في مثل هذه الموارد، مقتضى القواعد الأصلية الأولية أيضا - لولا هذه الكبرى - نفي تشريع الإتلافات المذكورة بملاحظة قصور سلطنة الإنسان عن التصرفات في ماله الصادق [عليها] عنوان إتلاف مال الغير ولا أقل من دعوى تزاحم السلطنتين الموجب لعدم جواز إقدامه على الإتلاف المزبور. فللطرف منعه من هذا التصرف غير المشروع، إلا في مورد يكون لبناء الغير إسناد على بنائه، فإنه حينئذ كان في حكم وقوع ملكه في ملكه من سلطنته على تخليص ملكه وعدم سلطنة الغير على ابقاء ملكه على حاله مع جبران الضرر إن كان الاستناد بحق، دون غيره، كما لا يخفى. ثم لئن تأملت موارد تطبيق الأصحاب هذه الكبرى ترى أيضا أن كل مورد مورد كان الدليل أو القاعدة من الخارج [قد] اقتضى الحكم المعهود في المورد. كيف! وفي كل مورد - كما سيتضح لك إن شاء الله - نحو خصوصيات الحكم المعهود فيه على وجه تأبى تلك القاعدة عن إثبات مثلها. فذلك شاهد ترى بأن تمام المدار والمدرك للحكم ليس مثل هذه الكبرى. غاية الأمر هذه الكبرى كاشفة عن مرتبة من مراتبه لا عن جميع خصوصياته. وحينئذ لا غرو في دعوى كون هذه القاعدة سيقت للحكاية عن نفي الأحكام الضررية بجهات اخرى ثابتة من الخارج من دون [كونها] إنشاء مستقلا في قبال سائر القواعد، فكان وزان هذه العمومات وزان عموم كل شيء لك حلال (15) في رواية مسعدة [المشتمل] ذيلها على مورد اليد أو الاستصحاب أو أصالة الصحة الحاكمة جميعها على قاعدة الحلية. وحللنا هذه الجهة من الإشكال بأنه من الممكن كون هذا العام سيق لبيان جعل الحلية في جميع الموارد ولو بإنشاءات اخرى من دون كون ذلك إنشاء مستقلا في قبالها وإنما هو مبين لأنحاء الجعل من الخارج فلا يكون [مفاده] تأسيس حكم في قبالها. ففي هذه العمومات أيضا أمكن دعوى عدم كونها حكما تأسيسيا في قبال الأدلة والقواعد الخارجية المقتضية لنفي التشريع للحكم الضرري بمالها من الخصوصيات الزائدة الآبية عن كشفها مثل هذا العام. وتوضيح هذا المقصد إنما هو بالتعرض لموارد تطبيقات الأصحاب إياها على مواردها كي به يتضح أن في كل مورد نحو خصوصية للحكم لا تصلح مثل هذه  لإثباتها، وإنما نظر الأصحاب في أصل الحكم إلى وجه آخر، وإنما تشبثهم بهذه الكبرى لمحض التأييد وبيان ما هو كاشف عن عدم تشريع الحكم الضرري في المورد ولو بإنشاء آخر. ومن هذه الجهة ربما يحتاج في العمل بهذه القاعدة إلى اتكال الأصحاب [عليها] كي به يفهم أن في مثل هذا المورد أيضا لا يكون الحكم الضرري مشروعا من الخارج، فنقول: من جملة الموارد تطبيقهم هذه القاعدة في باب العبادات الضررية. ولا يخفى أن بناءهم في هذه العبادات على الفساد، مع أن مفاد عموم نفي الضرر ليس إلا نفي تشريع ما يجئ من قبله الضرر ويلقي المكلف فيه، وهو ليس إلا الأمر الفعلي. وإلا فمجرد المصلحة والرجحان لا يكونان منشأين للضرر ولا يلقيان المكلف فيه، فلا يقتضي مثل هذا العموم [نفيهما]، خصوصا المصلحة الخارجة عن مرحلة التشريع رأسا. وحينئذ لا وجه لفساد العبادة مع الاكتفاء بالتقرب فيها بقصد الرجحان، كما هو الشأن في الضد المبتلى بالأهم لدى القائل باستحالة الترتب. ولئن اغمض عن ذلك وبنينا على احتياج العبادة إلى الامر الفعلي نقول: لازم ذلك فساد العبادة مع العلم بالوجوب والجهل بالضرر، إذ حينئذ لا قصور في محركية هذا الأمر في الضرر الواقعي مع عدم مانع عنه، والحال أن بناء الأصحاب على [صحتها]. وأيضا مقتضاه صحة الصلاة في فرض الجهل بالوجوب مع العلم بالضرر كما في صورة الجهل بدخول الوقت مع العلم بضررية العبادة، نظرا إلى أن الأمر المجهول غير صالح للتحميل والإلقاء في الضرر، فلا يكون مرفوعا بعموم نفي الضرر، مع أن بناء الأصحاب على فساد العبادة في هذه الصورة. فذلك أعظم شاهد على أن ليس النظر من الصدر الأول البانين على فساد العبادة أو صحتها إلى تطبيق مثل هذه الكبرى عليها مستقلا، بل عمدة نظرهم إلى كبريات النهي عن إلقاء النفس في التهلكة وإضرار البدن. ونسبة هذا النهي إلى الأوامر من باب التزاحم، الموجب للتفصيل بين العلم بالحرمة [و] الجهل [بها] ولو من الجهل بالضرر، سواء علم بالوجوب من غير جهة المزاحمة بالحرمة أو لم يعلم به. وحينئذ فلا يغرنك تطبيق المتأخرين مثل هذه الكبرى على تلك الموارد ولو من جهة تأييد الدليل، بل وكشفه [عن] نفي الحكم الضرري في هذا المقام ولو بإنشاء آخر. ومنها: المعاملات الضررية كالمشتملة على الغبن والعيب والتبعيض وتخلف الوصف والشرط وأمثالها حيث إن بناء الأصحاب من الصدر الأول على ثبوت الخيار فيها (16). وقرر ذلك بتقريبين: أحدهما: أن مرجع الجميع إلى شرط ضمني موجب لثبوت حق للمشروط له. فتفويت مثل هذا الحق ضرر عليه، ف‍ لا ضرر ولا ضرار موجب لجبر هذا الضرر بالخيار.

وثانيهما: أن مرجع الغبن إلى ضرر مالي، وهكذا العيب والرؤية. ومرجع تبعيض الصفقة وتخلف الشرط إلى ضرر غرضي ناش عن [نقضه]، ويلحق بهما بعض موارد العيب والرؤية أيضا التي ليس فيها جهة نقص مالي. ولكن لا يخفى ما في هذا التطبيق أيضا بوجهيه، إذ إرجاع الجميع إلى الشرط الضمني أول شيء ينكر، بل الباب من قبيل تخلف الداعي غير المنتج في المعاملات شيئا. كما أن إطلاق الضرر على مجرد نقض الغرض وتخلف المراد أيضا ممنوع. والشاهد عليه عدم التزامهم به ولو حصل بعد [العقد]. وكذا في باب النكاح مطلقا ولا باب الطلاق وغيره من سائر الإيقاعات. فالالتزام به مستلزم إما للزوم تخصيص كثير في مثل هذا العام الوارد مورد الامتنان على المسلمين أو للالتزام بفقه جديد، وهما كما ترى. كما أن الالتزام بأن العمل بالقاعدة يحتاج إلى الجبر في العمل إسقاط لها عن الاعتبار. كيف! ومثل هذه الموارد المتوهم فيها عمل الأصحاب أمكن منع عملهم بها مستقلا، إذ نتيجة العمل بها ليس إلا نفي اللزوم، وغايته إثبات السلطنة على الفسخ. ومثل هذه الجهة لا يفيد حقا قابلا للإسقاط ولا للانتقال إلى الوارث. فمن أين نظر الأصحاب من الصدر الأول إلى مثل هذه القاعدة الآبية عن إثبات اللوازم، كما هو ظاهر؟ وذلك أيضا من الموارد التي توهم بعض المشايخ من قبل السابقين تطبيق القاعدة المزبورة عليها. ولو نظرت بمقتضى البصيرة وألقيت حبل التقليد عن عنقك ترى عدم المجال لاستفادة تمام المرام من مثل هذه الكبرى، بل نظر الصدر الأول في اثبات مثل هذه الحقوق إلى مدرك آخر ولو لم يصل الينا تفصيلا. ولكن يكفي في وجه تحصيله إطباق كلهم على النتيجة المقصودة.

وربما يكون وجه تشبثهم [بها] إلى نفي تشريع الضرر ولو بإنشاء خارجي، فيكشف عن مثل هذه الكبرى في الجملة، كما يكون نظر السابقين أيضا في تشبثهم بهذه الكبرى إلى ذلك، لا أنها قاعدة مستقلة مؤسسة لحكم مستقل في أمثال الموارد، كما هو الشأن أيضا في العبادات الضررية كما أشرنا. ومنها: تطبيقهم إياها في الزوجة الغائب عنها زوجها بعد فحص الحاكم أربع سنين وتوليه للطلاق، لعموم نفي الضرر والضرار . وفيه: أن الطلاق المزبور خلاف امتنان في حق الزوج الذي بيده الساق والطلاق، فهذا التطبيق ينافي ديدنهم على كون هذا العام سيق مساق الامتنان، ولا يوجب جريانه خلاف امتنان في حق غيره. وليس هنا من الخارج سلطنة للزوجة على التفريق كي لا يكون لا ضرر حافظا لهذه السلطنة غير دافعة لسلطنة غيره، بل سلطنة غيره مدفوعة بمزاحمة سلطنة غيره معه. فحينئذ لا مجال لقياس المقام بمسألة سمرة والجار كما لا يخفى. وبالجملة: مقامنا من هذه الجهة شبيه بباب خيار الغبن حيث لا يثبت عند المتشبث بهذه القاعدة فيه جواز أخذ الأرش من الغابن. مع أن تقريبه كما أفاده شيخنا العلامة (17) واضح حيث إن جبران الضرر بأحد الأمرين لا خصوص الخيار. ولا يدفع هذه الشبهة إلا دعوى أن إثبات السلطنة على الغابن بأخذ الأرش خلاف امتنان في حقه، وشأن لا ضرر ليس إثبات مثل هذا الحكم. فما نحن فيه من تلك الجهة مثله. فلا مجال  لإثبات مثل هذا الحكم بالعموم المزبور، بل لابد من كشف دليل آخر، وأن تشبثهم بمثل هذه الكبرى من قبيل تأييد الدليل لا أنه دليل. خصوصا مع ملاحظة ما أشرنا إليه من أن إثبات أمثال هذه الحقوق بمثل هذه الكبرى مستلزم لأحد المحذورين السابقين، فتدبر. ومنها: أبواب تزاحم الحقوق حيث إن ديدنهم فيها على التشبث بعموم نفي الضرر وربما ينتهي أمرهم إلى تعارض الضررين أو ترجيح ما هو الأهم منهما لكثرته أو لجهة اخرى. وتوضيح المقال فيها يقتضي بسط الكلام فيها كي به يرتفع الظلام عن وجه الأوهام، فنقول: إن صور تزاحم الحقوق كثيرة: منها: ما لو حفر بئرا في داره بنحو يضر جدار الغير بأن تخرج الرطوبة [من] البئر [بما] له من الاستحكام. ومرجعه إلى إتلاف وصفه وخصوصيته. ولا إشكال حينئذ في ضمانه. وأما حرمته فقد يتوهم بأنه فرع صدق التصرف في مال الغير الممنوع في المقام، ولولاه لا موجب لحرمته. وحينئذ فلا قصور في سلطنته على حفر البئر، غاية الأمر عليه جبران جدار الجار، لضمانه، وليس على الجار إلا إلزامه بذلك الجبران، لا منعه عن حفر البئر. ولا مجال في مثل المورد أيضا [للتشبث] بعموم نفي الضرر ، لعدم حكومته على سلطنة الانسان على التصرف في ماله الذي هو من الأحكام الإرفاقية، كما أشرنا إليه في صدر البحث هذا. ولكن يمكن أن يقال: إن لمالك الجدار أيضا السلطنة على حفظ جداره بما له من الخصوصية الخارجية فقهرا تزاحم هذه السلطنة سلطنة مالك الدار لحفر بئره. وببيان آخر: إن مالك الدار له جميع أنحاء السلطنة في داره غير ما ينطبق عليه عنوان إتلاف مال غيره. فمن الأول لا يكون لمالك الدار مثل هذا التصرف المتلف لجدار غيره، وحينئذ يمنع مالك الدار عن حفر البئر المزبور من جهة قصور سلطنته من الأول، لا لعموم لا ضرر ، كما توهم. نعم لو تمكن مالك الجدار [من] حفظ جداره بإبقاء استحكامه بتعمير وغيره أمكن أن يقال إن سلطنته على حفظ جداره لا [تقتضي] منع غيره عن التصرف في داره، لأن السلطنة على الجامع لا تقتضي منع الخصوصية، كما أن تلف الجدار إذا كان مستندا إلى مجموع فعله وترك تعمير غيره لا يكاد ينسب الإتلاف والإضرار إليه مستقلا كي يمنع مثل هذا العنوان عن التصرف في ملكه. ولا يقاس المقام بباب العرض حيث [يحرم] هتكه ولو مع التمكن [من] حفظ نفسه، إذ المدار فيه على صدق الهتك ولو ضمنا، بخلاف باب إتلاف المال فإنه لا بأس به ما لم يصدق عليه الإضرار والإتلاف مستقلا، لانصراف أدلته إليه، خصوصا مع عدم قصور سلطنة المالك إلا عما ينطبق عليه إتلاف مال الغير مستقلا. وإنما يتم ما ذكرنا في فرض انحصار سبب التلف في فعله بلا تمكن لمالك الجدار [من] حفظ جداره إلا بمنع الحافر عن حفر بئره. وعلى أي حال لا يبقى مجال للتشبث بعموم لا ضرر في المورد مستقلا وتحكيمه على عموم سلطنة الانسان على تصرفه في ملكه وماله، [إذ] المورد بين أن يكون لمالك الدار السلطنة على حفر البئر مع قطع النظر عن هذا العموم وبين أن يكون له السلطنة الممنوع صدق الإتلاف والإضرار [عليها]. وعلى فرضه لا مجال لحكومته على مثل هذا الحكم الإرفاقي كما لا يخفى. ومن التأمل في ما ذكرنا ظهر حكم فرع آخر من فرض إضرار حفر البالوعة في الدار ببئر جاره، فإنه أيضا: تارة يضر بعين مائه بتنقيصه، واخرى بمنفعة الماء بتعفينه السالب لمنفعته، وثالثة بتغيير لونه السالب لوصفه الدخيل في ماليته، ورابعة بإحداث نحو تنفر للطباع فيه [السالب] لصرف ماليته بلا نقص في العين ولا المنفعة ولا وصفه.

ولا إشكال في الصورة الأخيرة من عدم كون التصرف بحفر البالوعة ممنوعا حينئذ لعدم صدق عنوان إتلاف المال على هذا التصرف كي يكون ممنوعا، غاية الأمر ليس في البين إلا إتلاف المالية، وهو لا يكون تحت منع، ولا موجبا لضمان. ولم يتوهم أحد أيضا منع مثل هذا التصرف بعموم نفي الضرر ، ولذا كان للإنسان تقليل القيمة السوقية لأجناس الناس بترخيص جنسه في السوق. بل هذا أعظم شاهد على ما ذكرنا من أن هذا العموم لا يكون انشاء حكم مستقل ولا حاكما على عموم سلطنة الناس على أموالهم. وإلا فمثل ذلك من أجلى فرد الإضرار المنفي بالعموم، كما هو ظاهر. نعم في بقية الصور حيث صدق إتلاف المال عينا أو وصفا أو صفة لا قصور في ضمانه، ولا في نفي مشروعيته مع عدم تمكن صاحب البئر [من] الحفظ من التلف، ومن هذه الجهة لا يكون مالك الدار سلطانا على حفر البالوعة: إما لقصوره بذاته عن مثل هذا التصرف المتلف لمال الغير، أو لمعارضته سلطنة مالك البئر على حفظ بئره عن التلف بأي وجه، ولقد تقدم الكلام في نظيره من الفرع السابق. نعم لا بأس بكشف نفي مشروعيته للإضرار على غيره بمثل هذه الكبرى ولو من جهة حكايته عن منشئه خارجا، كما هو الشأن في موارد تطبيقات المعصومين (عليهم السلام) على ما أشرنا. ومن جملة موارد التزاحم: صور وقوع ملكه في ملك غيره كغرس الشجرة في أرض الغير أو وقوع ثوبه في صندوق غيره وأمثاله مما يكون تخليص ملكه عن ملك غيره منوطا بالتصرف في ملك الغير، لا ممحضا في صرف إتلاف ملك غيره بلا صدق تصرف فيه كما في الفروع السابقة. فقد يتوهم في أمثال المقام تعارض السلطنتين والضررين، ويؤخذ بالأقل منهما، دفعا لكثرة الضرر الوارد في البين. والتحقيق في المقام أيضا: أن وقوع أحد الملكين في ملك غيره إما أن يكون بحق أو بغير حق من غصب ومثله: فعلى الأول لا شبهة في أن سلطنة الناس على أموالهم تقتضي تفريغ ملكه عن ملك غيره وتخليصه منه، كما أنه ليس له إبقاء ملك الغير في ملكه، لعدم سلطنته على ملك غيره بإبقائه في ملكه. وحينئذ فلكل مالك جميع أنحاء السلطنة على ملكه غير ما ينطبق عليه عنوان الضرب على جدار الغير وتخريبه. ولازمه عدم سلطنة مالك الأرض على المنع عن تخليص مالك الشجرة شجرته عن أرضه، إذ مرجع منعه إلى إبقائه في ملكه وهو ليس سلطانا عليه. وحينئذ لا تزاحم سلطنة صاحب الأرض سلطنة صاحب الغرس حين يريد تخليص ملكه عن أرض غيره. وهكذا الأمر في عكسه. نعم قضية احترام [الملك] [موجبة] لضمان التلف الوارد على كل واحد بلا إقدامه. نعم لو كان كلا الطرفين مقدمين على التخليص [فلا] ضمان لطرفه بتلف المال من جبران الشجرة أو طم الحفر في الأرض، كما لا يخفى. ونظيره في عدم الضمان صورة كون الغرس عن غصب، فإن الغاصب لا جبران له، لكونه مأخوذا بأشق الأحوال. وحينئذ فلو كان الغصب من الطرفين كان كإقدام الطرفين على التخليص في نفي الجبران [عنهما]، كما لا يخفى. وعلى أي حال لا يبقى موقع لعموم نفي الضرر في أمثال المقام مستقلا وإن كان صالحا لكشف مثل هذه الجهة الثابتة من الخارج، كما أشرنا. ومن التأمل في ما ذكرنا ظهر بطلان بقية الأقوال من الإبقاء بالأجرة أو التفصيل بين المزروع والشجرة من الإبقاء بالأجرة إلى وقت حصاده للعلم بأمده، دون الشجرة فتقلع مع جبر أو بلا جبر. ولعل عمدة النظر فيه إلى الجمع بين احترام [الملك] ونفي الضرر من الطرف الآخر، أو من جهة أن الإذن في الشيء إذن في لازمه. ولا مجال [للأخير] مع المنع الصريح، ولا الأول، لعدم صلاحية العموم للتحكيم على مثل هذه القاعدة الإرفاقية كما لا يخفى. ومن موارد التزاحم: إدخال الدابة رأسها في قدر الغير. وفيه أيضا صور وفروض: من كونه بتفريط من أحد الطرفين، أو منهما، أو ثالث، أو بلا تفريط من [أحد]. لا إشكال في الأخير حيث إنه يجري ما تقدم في الغرس بحق من أن المقدم في التخليص يجبر ضرر الآخر، وليس للآخر منعه، لأنه مساوق سلطنة إبقاء مال الغير في [ماله]. ولقد تقدم أنه ليس لأحد هذه الجهة، كما أن المقدم من الطرفين لا يستحق جبر نقص في كل واحد من المالين. ويلحق بذلك المفرط من الطرفين أو من طرف، والمقدم من الآخر، كما أن المفرط الثالث عليه قرار الضمان بإتلاف المخلص لماله عن مال الغير من دون فرق في هذا كله بين كون الضررين متساويين أو أحدهما أكثر، إذ لا يكاد ينتهي الأمر إلى قاعدة نفي الضرر كي يلاحظ الأزيد ضررا بمناط الأهمية في باب التزاحم، كما أشرنا إليه في نظائر المقام من هذه الجهة. ولو ابتلى بالقدر نفس محترمة كالعبد وغيره، فلا شبهة حينئذ في كسر القدر. وليس لصاحب القدر حينئذ تخليص قدره ولو بإتلاف مال الغير، إذ هذه القاعدة إنما تجري لولا جهة اخرى [لازمة] المراعاة في البين. ووجوب حفظ النفس أو حرمة [إتلافها] جهة زائدة عن مرحلة سلطنة الانسان على ماله كي لا [تبقى] له السلطنة على إبقاء مال الغير بحفظ ماله.

ثم في ضمان الطرف لقدر غيره مع عدم إقدامه على كسر القدر إشكال: من عدم المقتضي لضمانه من جهة عدم اتلافه وعدم أمر الغير بإتلافه، و[من] كون المال محترما. ومجرد وجوب اتلافه لا يوجب ولا يقتضي رفع احترامه. ولكن لا يخفى أن مجرد احترام المال لا يوجب ضمان الغير إلا في فرض أمره. اللهم إلا أن يقال: إن أمر الشارع بالإتلاف إحسانا بالنفس يوجب الضمان على من احسن له، كما هو الشأن في صورة الإشباع في المخمصة. وحينئذ ففي كون الضمان على المالك لو كان النفس مملوكا أو على رقبة العبد يتبع به بعد عتقه أو على بيت المال، وجوه: خيرها أوسطها، إذ الأمر المزبور ليس تعبديا محضا كي يقتضي كون الضمان على الشارع الراجع إلى بيت المال، بل هو لمحض الإحسان على النفس، وفي ذلك الإحسان لم [تنظر] جهة المملوكية كي يكون احسانا على مالك العبد فيضمن له، بل تمام النظر إلى حفظ النفس المحترمة، [و] لا يكون من احسن له إلا العبد فيضمن، ويكون على رقبته يتبع به بعد عتقه. كما هو الشأن في الإشباع في المخمصة أيضا. نعم لو لم تكن في النفس رقبة كالحيوانات لا يبعد الضمان على مالكها، لصدق الإحسان في حقهم تبعا. ولو لم يكن له مالك، فلا محيص من كون الضمان في بيت المال. وتوهم عدم الضمان حينئذ رأسا ممنوع بعد فرض احترام المال وتسبيب الإتلاف ولو بالأمر من قبل الغير ولو كان شارعا، كما لا يخفى. ومنها: ما في جملة [من] كلماتهم من تطبيق العام المزبور على جملة من المقدمات الضررية كشراء الزاد بأكثر من ثمن مثله في باب الحج، وشراء الماء كذلك في باب الوضوء، وجواز ارتكاب المحرم من مثل الرجوع إلى حاكم الجور مع انحصار طريق استيفاء الحق به، وكموارد الإكراه على ترك واجب أو فعل محرم، بل التزموا في فرض [توجه] الضرر [إلى] أحد عدم جواز صرف الضرر عن نفسه وتحميله على غيره مع قناعة الملزم به ولو بأقل الضررين. ولا يجب على الغير أيضا ذلك، ولكن التزموا بذلك في صورة [توجه] الإلزام والإضرار إلى أحدهما بلا تعيين، إذ ربما توهم فيه تعيين تحميل أقل الضررين على صاحبه هذا. أقول: أما صور المقدمات الضررية فالظاهر أيضا عدم بنائهم على الأخذ بمطلق الضرر، بل يقيدون بالمجحف الملازم للزوم الحرج عليه. ففي الحقيقة نظرهم فيه إلى قاعدة الحرج لا الضرر. كيف! وصريح كلماتهم بوجوب شراء الماء للوضوء ولو بأكثر من ثمنه، وهكذا في باب شراء الزاد للحج، وهكذا نقول في الرجوع إلى حكام الجور، وإطلاق كلماتهم - لو كان - فيها منزل على الغالب من كون الضرر مجحفا حرجيا. كما أن الأمر في الإكراه في ترك الواجب أو فعل المحرم لابد في المضار المالية أن يكون مجحفا، وإلا أي شخص يفتي بجواز ارتكاب شرب الخمر أو الزنا من جهة توعيد المكره بهما على أخذ قران (18) على تركهما؟! ولا مجال لقياس هذا الباب بباب المعاملات حيث نكتفي بمثل هذا الإكراه في الحكم بالفساد، إذ مدار الصحة فيها على طيب النفس غير الحاصل أحيانا بمثل هذا التوعيد. وهذا بخلاف باب الواجبات والمحرمات تعبدية كانت أو توصلية، فإن المدار عندهم فيها على الإلجاء والإضطرار غير الحاصل بمطلق الضرر. كما أن في فرض [توجه] الضرر إلى الشخص ليس له السلطنة على إضرار الغير، بل هو خلاف سوق الامتنان من العموم المزبور، فإنه لا يوجب خلاف الامتنان في حق الغير. نعم في فرض [توجهه] إلى أحدهما فلكل منهما السلطنة على حفظ نفسه، ولازم [التوجه] المزبور قهرا قصور سلطنة أحدهما على الحفظ خارجا. ففي مثله العقل يحكم بالالتزام بأقل الضررين ولو لم يكن مثل هذا العموم في البين. ولعمري إن مثل هذه الأبواب أيضا من موهنات استفادة التفهيم من هذه الكبرى مستقلا، فلا محيص فيها من الاقتصار على مقدار ما يستفاد من تطبيق سائر الكبريات ولو من جهة إطباق كلمة الأصحاب كما أشرنا إليه مرارا. نعم في بعض النصوص: من أضر بطريق المسلمين فعليه كذا (19)، وربما [تكون] أمثال هذه النصوص أيضا مدرك قاعدة الإتلاف في باب الضمان. وإلا فلن نجد نصا بهذا اللسان في كلمات المعصوم، فراجع كتاب غصب الجواهر (20) وغيره ترى ما ذكرنا حقيقا بالقبول، ولكن لا يضر ذلك بما نحن بصدده من أن عمومات نفي الضرر لا [تقتضي] أزيد من حكاية نفي الضرر ونفي تشريع الحكم الضرري في الشرع والإسلام من كبريات وإنشاءات خارجية التي منها نفي تشريع الإضرار على الغير الملازم لحرمته، لا أن هذه الهيئة اريد بها النهي عنه ك‍ لا فسوق ولا جدال (21) كما توهم بعض مشايخنا كشيخ الشريعة الاصبهاني (22) (قدس سره)، بل من جهة كشفه عن قصور سلطنة الإنسان عن التصرفات المتلفة لمال الغير أو دمه أو عرضه. وذلك أيضا لا من جهة توهم حكومة هذه القاعدة على عموم السلطنة على الأموال وحفظ الأعراض كي يرد بأن هذه القاعدة بملاحظة سوقها الامتناني غير صالحة لرفع هذه الأحكام الإرفاقية، بل من جهة أن الانسان من الأول قاصر السلطنة على التصرف المتلف لمال الغير أو عرضه بحيث لولا عمومات نفي الضرر أيضا لما كان لأحد إتلاف مال غيره أو عرضه بفعله وحينئذ لك أن تقول: إن هذه القاعدة ما سيقت إلا للإشارة إلى الموارد التي ثبت [فيها] نفي الحكم الضرري من الخارج، و[كاشفة] عن قصور سلطنة الانسان أيضا في حد نفسه عن إتلاف وتنقيص لأمر غيره من مال أو دم أو عرض، لا أن مفادها تأسيس حكم مستقل في قبال سائر القواعد والعمومات. ولعمري إن مثل هذا البيان في شرح مثل هذه القاعدة المشهورة المعروفة وإن كان ثقيلا على الاذهان، ولكن لا نتوحش مع الانفراد إذا ساعدنا الدليل وسلامة الأفهام.

[تنبيهات]:

بقي في المقام التنبيه على امور:

[اختصاص القاعدة بحال الجهل بالضرر]:

الأول منها: إن المشهور في كلماتهم - بعد بنائهم على تعميم مفاد القاعدة المزبورة وحكومتها على سائر القواعد التي منها أصالة اللزوم في المعاملات الضررية خصوصا العينية منها - التزموا باختصاص جريانها بحال الجهل بالضرر في هذه المعاملات، جريا على ما تسلموا من كون هذه القاعدة سيقت في مورد الامتنان، ولا امتنان في رفع اللزوم على العالم بالضرر والمقدم عليه من الأول. ومع هذا التزموا أيضا في المقدم على الجنابة بل وفي كل موضوع يكون حكمه ضرريا أيضا برفع حكمه، وافتوا بعدم وجوب غسل الجنابة على المقدم على الجنابة مع علمه باضطراره. وحينئذ ربما يتوجه الإشكال في الفرق بين المقامين بحيث لا يكون ثبوت الحكم في الأول خلاف الامتنان، بخلاف الأخير مع تساويهما في صدق الإقدام. وأجاب عن هذا الإشكال استاذنا العلامة - أعلى الله مقامه - بأن المدار في منع جريان القاعدة على صدق الإقدام على الضرر. وهذا المعنى في المعاملات الضررية مع العلم بها موجود، إذ الإقدام على تبديل شيء بنصفه - مثلا - إقدام على الضرر، وهذا بخلاف الإقدام على موضوع كالجنابة التي [حكمها] وجوب الغسل، إذ صدق اقدامه على الضرر لا يكون إلا بتوسيط ثبوت الوجوب، وإلا لا يكاد [يصدق] إقدامه على الضرر أصلا. ومن المعلوم أن ثبوت هذا الوجوب فرع صدق الإقدام على الضرر وهو دور (23).

 أقول: أما تقريره في الجزء الأول من كلامه فنقول فيه: إن من المعلوم أن مدار مانعية الضرر للزوم المعاملة ليس على حدوثه. كيف! والضرر المعاملي بنفس صحة المعاملة قد حدث جزما، ولا مجال لنفي هذا الضرر الحادث. وإلا فلازمه بطلان المعاملة، وهو خارج عن مصب كلماتهم. فعمدة النظر في نفي اللزوم نفي بقاء الحادث، ولذا يحدث خيارا موجبا للحل من حين الفسخ، لا من أصله. وحينئذ فمفاد عموم نفي الضرر نفي بقاء الضرر، لا نفي حدوثه. وحينئذ فمع العلم بغبنية المعاملة فلا إشكال في صدق إقدامه على حدوث الضرر. وأما إقدامه على بقاء هذا الضرر فصدقه منوط بثبوت اللزوم، إذ لولاه لما يكاد يصدق عليه الإقدام على ضرره، إذ المفروض أن [بمجرد] تبديل مال بنصفه مع خياره لا تكون المعاملة [ضررية] والمفروض أن هذا اللزوم ثبوته في المورد منوط بالإقدام فدار. وحينئذ فتطبيق العموم على بقاء الضرر دوري، وعلى حدوثه كان موجبا لبطلان المعاملة ولم يلتزموا به، بل حدوث الضرر المعاملي خارج عن مصب العموم رأسا، كما أشرنا. وأما تقريره في الجزء الثاني ففيه أيضا: أن وجوب الغسل وغيره من الأحكام الثابتة لموضوعاتها لدليلها إطلاق يشمل حال الضرر بحيث لو لم يكن في البين مثل هذه الكبرى في الضرر لكان يثبت حتى مع استلزامه الضرر جزما. وهذا بخلاف كبرى لا ضرر، فإنه لا إطلاق [لها] بواسطة [سياقها الامتناني] لصورة الإقدام على الضرر. وحينئذ مقتضى إطلاق دليل وجوب الغسل كون [مقتضاه] تنجيزيا، ومقتضى تقييد دليل نفي الضرر كون اقتضاء نفيه معلقا بعدم صدق الإقدام، وحينئذ يدور الأمر بين الأخذ بالمقتضى التنجيزي ونحكم بارتفاع دليل المانع للتخصيص أو [الأخذ] بدليل المانع التعليقي، ونحكم برفع اليد عن المقتضى التنجيزي بلا وجه. ولازمه حينئذ حكم العقل بالأخذ بالمقتضى التنجيزي وطرح المانع التعليقي. وببيان آخر: إذا كان تطبيق المانع في مورد منوطا بعدم تأثير المقتضي يستحيل رافعية هذا المانع لتأثير هذا المقتضي، فقهرا يؤثر المقتضي ويرتفع المانع، لعدم الموضوع. ولئن شئت قرب الدور بوجه آخر، وهو أن عدم صدق الإقدام فرع عدم وجوب الغسل، وهو فرع عدم صدق الإقدام. ولئن تريد نقول: إن عموم لا ضرر إنما يشمل حكما لولا هذا العموم لما [صدق] عليه الإقدام على الضرر. وفيما نحن فيه ليس كذلك، إذ لولا عموم لا ضرر صدق على المورد الإقدام على الضرر كما لا يخفى. وحينئذ لا مجال لنفي هذا الحكم بعموم نفي الضرر، بل لابد من التماس دليل آخر من كبرى حرمة الإضرار بالنفس الوارد في جملة من النصوص على ما في تحف العقول (24) وغيره (25). ومثل هذه الكبرى كانت مفسدته [تنجيزية] كمصلحة الوجوب المزبور. ويؤيده أيضا: أن المدار في نفي الوجوب أيضا على العلم بالضرر، لا العلم بالوجوب ولو مع الجهل بضرريته، كما هو لازم تطبيق هذه الكبرى، كما تقدم شرحه في العبادات الضررية. كما أنه تقدم أيضا أن مبنى الخيارات الضررية أيضا ليس مثل هذه الكبرى، وإلا [فهي قاصرة] عن إثبات الحق القابل للإسقاط أو النقل والانتقال، وذلك كله من شواهد ما تلوناه من منع التعميم في مفاد هذه الكبرى كما توهم، فتدبر.

[هل الضرر المنفي هو النوعي أو الشخصي؟]:

التنبيه الثاني: أنه بناء على المختار في معنى لا ضرر لا تكاد تنتهي النوبة إلى النزاع الآتي (26)، لأن مفاده إرشاد إلى مقدار تقتضي القواعد الأولية ذلك، ولا يكون مفاده تأسيس شيء في قبالها. وحينئذ لابد من التماس وجه آخر يقتضي عدم مشروعية الضرر ولو من إطباق كلمة الأصحاب في مقام تشبثهم بها لمحض الكشف عن كبرى اخرى. نعم على ما توهم يجئ نزاع آخر من أن الضرر المنفي هو الضرر الشخصي أو النوعي؟ أقول: لا شبهة في أن كل عنوان لا يحكي إلا عن معنونه وما بإزائه. ومن البديهي عدم انتزاع عنوان من العناوين إلا عن مقام فعلية الشيء الملازم لصورته التي بها قوام شيئيته. وحينئذ لا يبقى مجال توهم إطلاق عنوان الضرر والنفع - اللذين [هما] من جملة العناوين - على الضرر الثاني (27)، بل لا محيص من إرادة الفعلي منه. ولكن مع ذلك قد يبقى في المقام كلام آخر: بأن المدار في الضرر النافي للأحكام هو الضرر الفعلي الوارد على كل شخص شخص، أو المدار على الضرر الفعلي الوارد على نوعهم؟ وحينئذ لا يبقى مجال ترجيح الأول بكبرى ظهور العنوان في الفعلية، بل لابد من وجه آخر ولو بأن يقال: إن الظاهر من إلقاء مثل هذا الخطاب على الأشخاص كون هذا العنوان صادقا في حقهم، ولا يكاد [يصدق] إلا بإرادة الضرر الفعلي الوارد عليهم لا على نوعهم وإن يكن بالنسبة إلى بعض أشخاصهم فعليا. ثم ان هذه الجهة أيضا مبنية على كون هذا العنوان مأخوذا في حيز الخطاب بنحو الموضوعية للحكم أو بنحو العلية، وإلا فربما يكون حكمه غير سار في جميع موارد الحكم ولو في حق النوع فضلا عن الشخص قبال العلية المقتضية للسريان في الموارد حسب الملازمة بين العلة ومعلولها. وحينئذ ربما يشكل تمييز موارد العلية عن الحكمة، ولا غرو في دعوى ان ظاهر التعليل هو العلية وان الحكمة تحتاج إلى قرينة من الخارج، ولا مجال للتشبث  بإطلاق الحكم حتى في صور فقد هذا العنوان  لإثبات كونه حكمة، إذ ظهور العلية حاكم على إطلاق الحكم المعلل به، ولذا ترى ديدنهم على تضييق دائرة الحكم أو توسعته من قبل ضيق العلة و[سعتها] دون العكس. نعم في مقام تشريع الأحكام وبيان جعلها بنحو الاهمال لو علل بجهة أمكن منع استفادة العلية من مثله، إذ ظهور حاله في كونه في مقام إهمال الجعل والمجعول يمنع عن الأخذ  بإطلاق كلامه بنحو يستفاد منه بيان علة تشريعه، بل لهذا المقام كمال المناسبة مع كون العلل المذكورة حكمة. فعليك بالتدبر التام في أمثال المقام كي تمتاز هذه مع كونه في مقام بيان الأحكام وشرع الحلال والحرام. وعلى أي حال مرحلة هذه القاعدة أجنبية عن هذه الورطة، بل ظاهر العموم - بملاحظة أخذ عنوان الضرر موضوع الحكم بنفيه مع إلقاء هذا الخطاب إلى أشخاص الامة - كون المدار فيه على الضرر الشخصي، كما هو ظاهر.

 [الشك في الضرر شبهة مصداقية]:

التنبيه الثالث: ان الضرر عند الشك [فيه] من الشبهات المصداقية المقتضية لعدم ترتب حكم عليه من حرمة أو غيره سواء في المضار النفسية أو غيرها، كما هو الشأن في كل حكم شك في مصداقه، بل في المقام يترتب آثار حكم آخر كان لولاه ثابتا، نظرا إلى أن نسبة هذا العنوان إليه كنسبة التزاحم الراجع إلى مزاحمة المانع مع المقتضي. وفي مثله كان الأمر للمقتضي حتى مع الشك في المانع، وذلك أيضا لا من جهة تمامية قاعدة المقتضي والمانع على الإطلاق، بل إنما هو لخصوصية فيه بملاحظة أن مرجع هذا المانع إلى عدم قدرة الحاكم لتوسعة حكمه مع تمامية مقتضيه، فيكون نظير عدم قدرة المحكوم له على الامتثال، حيث إن العقل حاكم بالأخذ باحتمال الحكم. ولا يرى مجرى البراءة إلا مورد الشك في أصل الاقتضاء. ومن هذه الجهة نلتزم في جميع مزاحمات الأحكام عند الشك [فيها] [بالأخذ] باحتمال وجود الحكم بالاحتياط لا البراءة. وربما يجمع بمثل هذا البيان بين القول بمنع الملازمة بين حكم العقل والشرع والقول بها، بالالتزام بالأول رأيا وبالأخير عملا، نظرا إلى أن احتمال وجود المانع عن فعلية الحكم مع الجزم بالاقتضاء والمصلحة فيه بمنزلة العدم من جهة حكم العقل بالأخذ باحتمال الحكم الفعلي احتياطا، كما لا يخفى. ففي المقام أيضا لا محيص من الرجوع إلى الوظيفة الثابتة لولا هذا العموم من مشروعية شيء أو وجوبه. نعم في بعض الموارد قدم احتمال الضرر، ورفع اليد عن الحكم بمحض خوفه، إيجابا للاحتياط فيه، ولعله مختص بموارده المنصوصة لولا التعدي منها، نظرا إلى استفادة هذا الاهتمام في سنخها، كما هو الشأن في النفوس والأعراض، فتدبر والله العالم.

____________
(1) الوسائل 17: 341، الباب 12 من أبواب إحياء الموات، الحديث 3 و4.

(2) الوسائل 17: 333، الباب 7 من الابواب، الحديث 2.

(3) دعائم الإسلام 2: 504، الحديث 1805 والمستدرك 13: 447، الباب 10، الحديث 1. (4) الوسائل 13: 49، الباب 22 من أبواب بيع الحيوان، الحديث 1.

 (5) الوسائل 19: 180، الباب 8 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.

(6) الوسائل 17: 341، الباب 12، من أبواب إحياء الموات، الحديث 4.

(7) النهاية لابن أثير 3: 81.

(8) الوسائل 17: 376، الباب الأول من أبواب موانع الارث، الحديث 10.

(9) كما في موثقة زرارة ورواية فضل الماء ونص الوارد في الجار والفرائض المتقدمة كلها آنفا. (*)

(10) راجع الوسائل 11: 295، الباب 56 من أبواب جهاد النفس.

(11) مثل الآية الكريمة: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]

(12) و(13) تقدما في الصفحة 302، الرقم 2 و3.

(14) روى عقبة بن خالد عن أبي عبد الله قال: قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن، وقال لا ضرر ولا ضرار، وقال: إذا رفت الأرف وحدت الحدود فلا شفعة. ورواه الشيخ [بإسناده] عن عقبة بن خالد وزاد: لا شفعة إلا لشريك غير مقاسم . انتهى - الوسائل 17: 319، الباب 5 من أبواب الشفعة، الحديث 1 و2، ولم نعثر على الزيادة بالسند المذكور في التهذيب، بل هي موجودة بطريق آخر. انظر التهذيب 7: 166 و167، الحديثان 737 و741، نعم الزيادة بالسند المذكور موجودة في الفقيه كما أشار إليها في الوسائل.

(15) الوسائل 12: 60، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4.

(16) كما أشرنا بقرينة تطبيقهم ذلك على المعاملة الغبنية والعيوب وأمثالها من تخلف الوصف والرؤية ويعبرون عنها بالخيارات الضررية، فلا يتوهم حينئذ أن هذا التطبيق شاهد استفادة النهي من هيئة لا ضرر إذ ذلك لا يناسب مع تمسكهم بها في الخيارات المزبورة. منه (قدس سره).

(17) انظر المكاسب: 235.

(18) القران الاسم القديم للعملة الايرانية المعروفة اليوم ب‍ الريال الايراني.

(19) الوسائل 19: 180، الباب 8 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1. وتمامه ما يلي: قال أبو عبد الله (عليه السلام): من أضر بشيء من طريق المسلمين فهو له ضامن .

 (20) انظر الجواهر 37: 46 وغيرها من الموارد.

 (21) انظر الجواهر 37: 46 وما بعده.

(22) انظر قاعدة لا ضرر ولا ضرار لشيخ الشريعة الاصفهاني: 37.

(23) لم نعثر عليه.

(24) تحف العقول: 337، باب ما يحل للإنسان أكله، والوسائل 16: 310، باب 1 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1.

 (25) انظر الوسائل 17: 2، الباب 1 من أبواب الأطعمة المباحة و61 الباب 42 من الأبواب نفسها والمستدرك 16: 207، الباب 47 من أبواب الأطعمة المحرمة و361، الباب 32 من أبواب الأطعمة المباحة.

(26) وهو النزاع في أن الضرر المنفي هل هو الضرر الشخصي أو الضرر النوعي؟

(27) أي النوعي، لأنه غير فعلي بالنسبة إلى الشخص.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.