أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-8-2016
535
التاريخ: 26-8-2016
814
التاريخ: 25-8-2016
720
التاريخ: 25-8-2016
1239
|
[الاتيان]... بالمأمور به هل يقتضي الاجزاء أم لا؟ وقد يقيد العنوان [بقيد] على وجهه . وفسر الوجه بالنهج الذي ينبغي أن يؤتى بما أمر. وعمدة نظره فيه إلى ادخال العبادات في العنوان بخيال أن خروج القربة الدخيلة في سقوط الأمر والاجتزاء به عن متعلق الأمر يوجب قصور صرف اتيان المأمور به عن الاجتزاء به لعدم كون اتيانه على النهج الذي ينبغي أن يؤتى به. ولكن لا يخفى أن ذلك مبني على كون الأمر - بواسطة عدم تقييده بالقربة - متعلقا بذات العمل على الاطلاق بخيال أن عدم تقييد الموضوع بأي شيء يقتضي اطلاقه من هذه الجهة. ولكن قد تقدم في المبحث السابق فساد هذا الخيال. كيف! وتعلق الأمر الضمني بكل جزء لا يكون موضوعه إلا ذات الجزء بلا كونه مقيدا بجزء آخر، ومع ذلك لا يكون مطلقا بحيث يشمل طلبه حال فقد الجزء الآخر. وبمثل هذا البيان نقول في كل موضوع بالنسبة إلى محموله، بل ونمشي بمثله في المقدمة الموصلة. وهكذا في المقام حيث بينا سابقا أن متعلق الأمر في المقام بعد ما لم يكن مقيدا لا يكون مطلقا أيضا، بل هو حصة من الذات التوأم مع القربة لعدم اقتضاء المصلحة الضمنية القائمة بالذات أزيد من ذلك. وحينئذ فلو أتى بالذات بلا قربة ما أتى أيضا بالمأمور به فلا يشمله العنوان كي يحتاج إلى القيد المزبور، بل لا يشمل العنوان له إلا إذا أتى بالذات مع القربة كما هو ظاهر. وحينئذ فتجريد [الذات] عن القيد المزبور أولى لعدم فائدة فيه إلا التوضيح. ثم ان ظاهر العنوان خصوصا بملاحظة اسناد اقتضاء الإجزاء إلى الاتيان كون محط النظر الاقتضاء في عالم الثبوت عقلا ولو من جهة ظهور الخطاب في معنى يلازم عقلا ذلك لا أن مثل هذا المعنى مأخوذ في مدلول الصيغة - كما اخترناه نظيره في البحثين السابقين أيضا - كيف! وقد عرفت أن مدلول الصيغ بمادتها وهيئتها آبية عن أخذ هذه المعاني فيها. ففي الحقيقة مرجع النزاع إلى أن مدلول الخطاب ولو من حيث السياق كون المادة علة تامة لسقوط الغرض منه أو من غيره أم لا؟. فعلى الأول يستقل العقل بإجزائه عنه وعن غيره، بخلافه على الثاني. ومنه يظهر أيضا أن المراد من الإجزاء هو الكفاية عن نفسه وعن غيره لا عن خصوص نفسه. ومعنى الكفاية اقتضاؤه سقوط الأمر به ثانيا في وقته أو خارجه قبال عدم [كفايته]، المراد به عدم سقوط الأمر به ولو من غيره. ومن ذلك اتضح عدم مساس هذه المسألة بمسألة اقتضاء الأمر للمرة أو التكرار إذ اقتضاء التكرار بملاحظة أمر جديد لإبقاء الأمر الأول. كما أن اقتضاء المرة أيضا بملاحظة قصور طلبه عن الشمول لأزيد من وجود واحد، لا من جهة علية اتيانه لسقوط غرضه بل وغرض غيره.
وحيث اتضح مثل هذه الجهات فنقول: ان الكلام تارة في اقتضاء كل أمر للإجزاء عن نفسه. واخرى في اقتضاء الاضطراري منه أو الظاهري للاجتزاء عن الأمر الاختياري أو الواقعي. فهنا مقامات ثلاثة:
المقام الأول في اجتزاء كل أمر واقعيا أم ظاهريا اختياريا أم اضطراريا عن نفسه
فنقول: لا شبهة في أن طبع الأمر بكل شيء كونه علة تامة لسقوط الغرض الداعي [إلى] هذا الأمر. إذ لو لم يسقط الغرض [بإتيانه] محضا يكشف ذلك عن دخل شيء آخر في سقوطه. ولازمه كون المأمور به بنفسه غير واف بغرضه، ومرجعه إلى كون وفائه في [ظرف] الانضمام بغيره لا مطلقا. ومع هذا الضيق في الوافي بالغرض يستحيل تعلق الأمر به على الاطلاق، لأوليه إلى تعلق الأمر بالوجود ولو في حال عرائه عن المصلحة وهو كما ترى. ولذلك قلنا بأن الأمر المتعلق بالعبادة لا يكاد يتعلق بالذات مطلقا بعد عدم امكان تقييده بالقربة، بل إنما يتعلق بالذات التوأم مع القربة لا مطلقا ولا مقيدا. وحينئذ يستحيل الأمر بالذات على الاطلاق إلا في فرض استقلاله في الوفاء بالغرض. ومع استقلاله كذلك - الذي لازمه عدم دخل شيء آخر في الوفاء بالغرض - لازمه كون المأمور به تمام العلة في حصوله. ومع تمامية علته يستحيل عدم سقوط الغرض بحصوله على الاطلاق. نعم قد يحصل من الغرض الأصلي غرض آخر تبعي ناش عن فعل العبد على الاطلاق، ولكن هذا الغرض التبعي غير واف بالغرض الأصلي بلا واسطة بل هو شرط حصول مقدمة اخرى من قبل الآمر والمولى باختياره الخارج عن اختيار العبد بحيث هو كان وافيا بالغرض الأصلي بلا واسطة. ففي هذه الصورة لا شبهة في ترشح ارادة المولى إلى فعل العبد بمناط [مقدميته] للغرض الذي هو أيضا مقدمة لاختيار المولى. وحيث إن المختار ان الارادة [المقدمية] مخصوصة بالمقدمة الموصلة فلا يكاد يترشح الارادة نحو عمل العبد إلا في ظرف ايصاله إلى ذيها، ولازمه اختصاص تعلق الارادة بعمل العبد بصورة [تترتب] المقدمة الاخرى عليه. وحينئذ لو كان لعمل العبد فردان وكان كل واحد وافيا بالغرض التبعي الملازم لكون الغرض المزبور قائما بجامع بين الفردين على وجه للمولى اختيار ايهما في [ظرف] تمكنه من اختياره لا محيص حينئذ من اختصاص ارادة المولى بخصوص ما اختاره من الفردين ولا يكاد يتعلق بما لا يختاره ولو كان هو أول الوجودين، إذ غاية ما في الباب أن أول الوجودين [واف] قهرا بما هو غرض تبعي، ولكن بعد فرض عدم كون هذا الغرض تحت الارادة اللزومية على الاطلاق بل ما هو مشمول ارادة المولى ما يترتب عليه [ذوها] [فما لم] يترتب عليه اختيار المولى يستحيل ان يقع تحت الارادة حسب الفرض، فلا جرم يخرج هذا الفرد عن حيز الارادة و[تختص] الارادة بخصوص ما اختاره المولى. وحينئذ ليس للعبد في [ظرف] بنائه لإتيان الفردين أن يأتيهما بداعي الارادة الجزمية بكل منهما، بل لابد وأن يأتي بأي الفردين رجاء لكونه مختار مولاه كي يكون مرادا له. نعم له أن يقتصر بفعل واحد ويأتيه عن الجزم بكونه مرادا، لأنه مع اقتصاره بفرد واحد يجزم بأنه المختار قهرا، ولا يحتمل في هذه الصورة عدم اختياره كيف! ولازمه انصراف المولى عن أصل غرضه اللزومي وهو خلاف الفرض.
نعم بعد اتيانه الفرد الأول عن جزم، له أيضا أن يبدو ويأتي أيضا بفرد آخر رجاء لا جزما. وعلى اي حال لا يعقل أن يأتي بالفرد الثاني عن جزم إلا مع جزمه باختيار مولاه ذلك. وإلا فمهما احتمل في كل واحد من الفردين اختيار مولاه غيره ليس له الجزم بكونه مرادا لمولاه. فظهر من هذا البيان أيضا بطلان توهم الامتثال عقيب الامتثال واقعا بل لا يكون الامتثال الواقعي إلا بما هو واف بغرض المولى رأسا، والمفروض أن ما هو كذلك في مثل الفرض ليس إلا ما اختاره المولى بخصوصه دون غيره، بل ولو أتى بكل منهما رجاء أيضا لا يكون الامتثال الواقعي إلا بما اختاره المولى واقعا، وأما غيره فليس الا انقيادا صرفا. ومن هذا البيان ظهر حال المعادة في باب الصلاة وأنه من هذا الباب وأنه مصداق ما ذكرناه من الفرض بقرينة قوله صلى الله عليه وآله: يختار الله أفضلهما . (1) ولئن شئت توضيح المرام وتطبيق باب المعادة على المقام فاسمع بأن الغرض الداعي على الأمر بالصلاة هو حصول التمكن من اختياره الدخيل في الوفاء بغرضه ولازمه - كما أسلفناه - اختصاص ارادته بخصوص ما اختاره عند تعدده لا مطلقا. [ونظيره] في العرفيات أيضا أمر المولى بإحضار الماء لديه فيأتي العبد بالمائين مقدمة لاختياره اياه، فيختار أصفاهما. ومثل هذا المعنى أجنبي عن الامتثال عقيب الامتثال. وعلى اي حال ظهر أيضا أن باب المعادة أجنبي عن قيام أول الوجودين بالمصلحة الملزمة وثانيهما بمصلحة غير ملزمة، إذ مثل هذا المعنى لا يناسب [اختيار] الله أفضلهما إذ لو فرض كون ثاني الوجودين هو الأفضل فهو المختار لأمره الايجابي دون الأول، ولو كان الأمر كما ذكر يلزم سقوط ايجابه به قهرا، فلا معنى لاختياره الثاني الأفضل في تحصل مرامه الوجوبي - كما هو الظاهر من هذا البيان. ولذا نقول بأن مع الجزم بأفضلية كل واحد له ان يأتي بداعي الأمر الايجابي - كما أشرنا - فالمراد من قوله يختار أفضلهما انه يختار أفضل ما أمر به وجوبا، لا انه يختار [ذا فضيلة] غير واجبة، ولذا كان بناؤهم على اتيان الثاني أيضا بداعي الأمر الوجوبي، غاية الامر نحن نقول بأنه كذلك مع الجزم بالأفضلية، وإلا فمع احتماله فلابد وان يكون برجاء الأمر الوجوبي لا جزمه. وعلى أي حال لا يخرج عن دعوة الأمر الوجوبي إما جزما أو رجاء. نعم توهم الجزم به مطلقا ليس في محله - كما لا يخفى - ولا أظن ذلك أيضا من الأعاظم السابقين - كما لا يخفى -. فان قلت: بناء على هذا لا معنى لاستحباب المعادة لان المفروض ان ما يقع امتثالا لأمره الوجوبي ليس إلا الفرد المختار وان الفرد الآخر [غير] الأفضل خارج عن دائرة الأمر رأسا وان الغرض القائم بكل واحد من الفردين أيضا ليس إلا تبعا للغرض الأصلي المقصور مطلوبيته بخصوص المختار دون غيره. ولازمه حينئذ أنه لو فرض الأفضل [أول الوجودين] اين [تبقى] مطلوبية للثاني كي [تكون] المعادة [راجحة] على الاطلاق الشامل لصورة عدم أفضليته؟. قلت: ذلك المقدار أيضا لا يقتضي الالتزام بوجوب خصوص أول الوجودين وأن الثاني ممحض في الوفاء بالمصلحة غير الملزمة ولو كان افضل، كما هو لازم التوهم المزبور. بل من الممكن الجمع بين الجهتين من وفاء الثاني بالمصلحة الملزمة عند كونه [الأفضل] المختار ومع ذلك كان نفس وجوده راجحا حتى مع عدم اختياره إلا الأول الأفضل، بدعوى أن الغرض من عمل المكلف بعد ما كان إقدار المولى على اختياره ربما يكون توسعة الإقدار للمولى بتوسعة اختياره أيضا مرغوبا لدى المولى، وان كان الوافي بغرضه اللزومي ليس الا إقدار ما تعلق به اختياره. ففي مثل هذا الغرض يجمع بين وقوع الثاني واجبا عند أفضليته ومستحبا عند [عدمها]، كما لا يخفى. ثم ان من التأمل في ما ذكرنا ظهر أن باب المعادة ليس من باب كون المصلحة مقتضية للإرادة، بل من باب أن المأمور به بجامعة علة للقدرة التي هي الغرض التبعي الناشئ عن الغرض الأصلي، وهذا الغرض التبعي متعلق للإرادة في فرض اختيار المولى لمورده دون غيره وان كان توسعة القدرة والاختيار للمولى أيضا [أمرا مرغوبا] في نفسه، بل في كلية المقامات لا يتصور اقتضاء المصلحة مع فعلية الارادة إذ مع وجود المانع لا يعقل تأثيره في فعلية الارادة ومع عدمه فيكون المقتضي علة تامة للتأثير لا مقتضيا محضا. وكيف كان نقول: مهما كان العمل وافيا بالمصلحة الفعلية الداعية للأمر سواء كان تمام المؤثر أو جزأه المنضم إليه فمجرد اتيانه موجب لسقوط غرضه وأمره من دون فرق في ذلك بين باب المعادة وغيره. وخلاف الجبائي الأشعري [غير] القائل بالمصالح والمفاسد وان امره تعالى ونهيه تحت حيطة سلطانه فينهى بما يريد ويأمر بما يشاء ويبقى امره ولو مع اتيان عبده ما امر به، وربما يرفع امره عما أمر به بلا تغيير في موضوع أمره إنما يناسب مذهبه الفاسد وزعمه الكاسد. وربما يلتزم بما هو أعظم من ذلك ولقد تقدم شطر من كلامهم في مسألة الطلب والارادة وعرفت هناك وجه فساد خيالهم وبطلان مقالهم ولا يستأهل هنا ردا زائدا عما ذكر هناك فراجع.
وحينئذ ما ربما يصلح أن يقع موردا للبحث والجدال المقامان الآخران من اقتضاء الأوامر الاضطرارية الإجزاء عن الأمر الاختياري أو الظاهري بالنسبة إلى الأمر الواقعي وحينئذ هنا مقامان:
المقام الثاني: في اقتضاء الأوامر الاضطرارية الإجزاء عن الاختيارية:
فنقول: قبل الخوض في أصل المسألة يقتضي طي امور:
أحدها: ان وجه الإجزاء في المقام تارة من جهة وفاء الاضطراري بتمام غرض المختار. واخرى من جهة كونه ملازما لفوت الزائد من مصلحة الاختياري بنحو لا يمكن تحصيله مطلقا. ومن لوازم الأول عدم حرمة تفويت الاختيار ولو من جهة عدم دخل الخصوصية الاختيارية في أصل الغرض بل الغرض حينئذ قائم بالجامع بين الفعل الاختياري وغيره وأن الاختيارية والاضطرارية [دخيلتان] في تشخصات الطبيعة في الخارج لا [أنهما دخيلتان] في المأمور به مولويا. وهذا بخلاف الفرض الأخير فانه ملازم لكون الاختيارية بخصوصها متعلق للأمر، المستتبع لوجوب حفظ الاختيار مهما أمكن، الملازم لحرمة تفويته. وعلى كلا التقديرين في مقام تسرية النزاع إلى الإجزاء عن الاعادة في الوقت لابد من فرض طرو الاختيار في الوقت وإلا فمع بقاء الاضطرار إلى آخر الوقت لا يبقى مجال لهذا البحث كما لا يخفى.
ثانيها: ان الإجزاء على الوجه الأول يقتضي خروج خصوصية الفعل الاختياري والاضطراري عن حيز الطلب المولوي بجميع مباديه حتى مرحلة ترخيصه في اتيانه، بل أمر ترخيصه موكول بيد العقل، كما هو الشأن في جميع موارد الأمر بالجامع بالقياس إلى أفراده.
وأما الإجزاء على الوجه الأخير فلا شبهة في كونه ملازما لتعلق الأمر في الاختياري بخصوصه كما أشرنا، كما أن لازمه أيضا تعلق الترخيص المولوي أيضا بخصوص الاضطراري. كيف؟. ولولاه لا يرخص العقل بإتيانه لان اتيانه موجب لفوت غرض المولى، ومعه لا يرخص العقل بإتيانه وان كان المكلف لو أتاه يكون صحيحا بمناط [المصادقة] (2) للمأمور به. فنحن لا نقول ان اجزاءه بهذا المناط منوط بالترخيص، بل نقول ان ترخيص العقل في الاقدام به منوط بترخيص الشارع اياه بخصوصه. وحينئذ فلو كان الأمر متعلقا بالفعل الاضطراري بخصوصه لا وجه لرفع اليد عن تعلق الأمر ولو ببعض مباديه عن الخصوصية. بخلاف ما لو لم نقل بالإجزاء فانه لا محيص من رفع الأمر عن الخصوصية بجميع مباديه، لاستقلال العقل بترخيص مثله لأنه طرف التخيير بالنسبة إلى مرتبة الغرض الناقص، كما هو الشأن لو قلنا بالإجزاء بالمناط الأول فانه حينئذ طرف التخيير بالنسبة إلى [الغرض] الكامل كما هو ظاهر.
ثالثها: ان ادلة الاضطراري من حيث الشمول لصورة طرو الاختيار في الوقت ربما [تختلف]، فكلما كان بلسان عمومات نفي الاضطرار من مثل حديث الرفع وما ورد في باب التقية من عموم حلية كل شيء اضطر إليه [بنو] آدم فلا شبهة في كونها ناظرة إلى الاضطرار عن المأمور به، ولازمه في صورة كون المأمور به الطبيعة الجامعة بين الأفراد التدريجية إلى آخر الوقت بقاء الاضطرار أيضا إلى آخر الوقت ولا يشمل الاضطرار الطاري عليه الاختيار في الوقت، كما هو ظاهر.
ومن هذا القبيل ما كان بلسان قاعدة الميسور [وأمثالها] من عمومات الحرج والضرر ومنه الأمر بمسح المرارة للحرج أو الأمر بالاستلقاء للصلاة أو الاضطجاع لقاعدة الميسور وأمثالها، فانها أيضا بجميعها منصرفة إلى صورة بقاء الاضطرار إلى آخر الوقت، ففي أمثالها لا يبقى مجال توهم الإجزاء من الاعادة في الوقت، كما لا يخفى. نعم في باب التقية ربما يكون ظاهر أمرها في الاتيان على طبق رأيهم مطلقا بنحو يشمل مورد ابتلائهم بها ولو مع العلم بطرو القدرة وارتفاع التقية في الوقت بل ولو فرض تنزيلها على صورة بقاء الابتلاء إلى آخر الوقت يوجب تنزيل اطلاقاتها على المورد النادر، ولذا التزموا بتوسعة من حيث المندوحة في باب التقية لم يلتزموا [بمثلها] في غيرها فراجع. ومن هذا الباب أيضا باب التيمم حيث إن ظاهر قوله [تعالى]: { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] - إلى قوله تعالى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا } هو عدم الوجدان في [ظرف] القيام إلى الصلاة لا عدم الوجدان إلى آخر الوقت كما توهم. وبالجملة ظاهر أمثال هذه الادلة شمولها لصورة طرو الاختيار في الوقت أيضا بعد اضطراره، ففي مثلها ربما يجري النزاع في اقتضاء امرها [الإجزاء] حتى عن الاعادة في الوقت، ولازمه أيضا جواز البدار حتى مع العلم بطرو الاختيار فيما بعد، بخلاف الأدلة السابقة حيث لا يجوز [له] البدار مع العلم بالاختيار في الوقت. نعم مع عدم العلم أمكن دعوى استصحاب بقاء الاضطرار إلى آخر الوقت فيجوز له حينئذ البدار. وتوهم عدم جريان الاستصحاب في المقام إذ المدار حينئذ على الاضطرار عن الطبيعة وبقاء الاضطرار إلى آخر الوقت من لوازمه عقلا فيكون من الاصول المثبتة [غير] الجارية أصلا، مدفوع بأن في [ظرف] اضطراره في أول الوقت يصدق الاضطرار عن الطبيعة لان الطبيعة في هذا الوقت منحصر [فردها فيما] يتمشى منه بخصوص وقته فمع الاضطرار عنه يصدق الاضطرار عن الطبيعة في مثل هذا الوقت فيستصحب هذا المعنى. فان قلت: إذا صدق في كل وقت اضطر فيه، إلى ترك فرد الطبيعة اضطرار ترك الطبيعة فعمومات الاضطرار أيضا يشملها فلم [تختص] هذه العمومات بالاضطرار الباقي إلى آخر الوقت. قلت: وجه الاختصاص بالاضطرار الباقي هو انصراف العمومات إلى الاضطرار عن الجامع بين الافراد التدريجية ومثل هذا الجامع أيضا بتبع [أفراده] [تدريجي]، فقهرا يلازم الاضطرار عن هذا الأمر التدريجي بقاؤه إلى آخر الوقت، وما عرفت من الاضطرار المتيقن سابقا المصحح للاستصحاب هو الاضطرار عن الطبيعة دفعيا، غاية الأمر [تثبت] تدريجية اضطراره ببقاء الاضطرار إلى آخر الوقت ولو بالاستصحاب، وحينئذ لا قصور للاستصحاب في شموله للمقام واثباته موضوع الحكم كما هو واضح. وعلى اي حال لا مجال لمصيرهم في المقام إلى الفرق بين الوثوق بالاختيار البعدي وعدمه سواء قلنا بجريان الاستصحاب المزبور أم لم نقل، فما يستشم من كلماتهم [من] الفرق بين الوثوق بطرو الاختيار وعدمه منظور فيه. رابعها: ان مقتضى الأصل بالنسبة إلى الإجزاء في الوقت عدمه ; لأنه على الإجزاء بمناط التفويت مع الجزم بعدم الوفاء بتمام مصلحة المختار فمرجعه إلى الشك في القدرة على [تحصيل] الزائد، والعقل في مثله مستقل بالاحتياط. ومع احتمال الوفاء بتمام مصلحة المختار فلأن مرجع الشك فيه إلى الشك في وجوب الفعل الاختياري بخصوصه أو التخيير بينه وبين الاضطراري، ومرجع المسألة حينئذ إلى التعيين والتخيير، والعقل مستقل بعدم حصول الفراغ الا بالمعين. ومع ذا لا يبقى مجال توهم البراءة عن الفعل الاختياري للشك في وجوبه بعد اتيان المضطر إليه، إذ العلم الاجمالي الأولي أثر أثره فلا يجديه الشك في وجوب الطرف بعد اتيان طرفه كما هو الشأن في كل علم اجمالي كما لا يخفى.
وأما الإجزاء بالنسبة إلى القضاء بعد مضي الوقت فأمكن المصير فيه إلى البراءة حتى في الإجزاء بمناط التفويت لإمكان اختصاص الغرض الفائت بخصوص الوقت وأنه بعد الوقت - منوطا بفوت المصلحة السابقة - يحدث تكليف جديد ترتيبي لجبرانه. نعم لو بنينا في القضاء على تعدد المطلوب يجري فيه أيضا ما ذكرنا من الاحتياط على المسلكين، ولكن مع احتمال الترتب وحدوث تكليف جديد لا يبقى مجال للاحتياط على المسلكين. نعم لو تم عمومات القضاء لكل فوت تكليف اقتضائي أمكن المصير إلى الاستصحاب المثبت لفوت المصلحة حتى على مسلك الوفاء بتمام المصلحة فضلا عن المسلك الآخر المعلوم فيه فوت المصلحة الذي هو موضوع التكليف بالقضاء كما لا يخفى. وحيث اتضحت هذه المقدمات، فنقول: أما من قبل عمومات الاضطرار فلا مجال لإثبات التكليف بالفاقد كي ينازع في أنه يقتضي الإجزاء أم لا؟. وذلك لان عمومات الاضطرار خصوصا في مثل حديث الرفع وعمومات الضرر والحرج حيث كانت في مقام الامتنان فلا [تصلح] إلا لرفع فعلية التكليف عن المضطر إليه ولا يصلح مثلها لإثبات التكليف بالفاقد. كما أن أدلة بقية الأجزاء بعد تقيدها بما اضطر إليه في عالم المصلحة فلا تكون المصلحة الداعية على أمرها إلا مصلحة ضمنية، وبديهي أن الأمر المستفاد منها ليس إلا بتبع هذه المصلحة المعلوم عدم صلاحيتها للشمول لصورة فقد الجزء الآخر، ولذا لم يتوهم أحد بالتمسك في موارد الاضطرار بل تمام نظرهم إلى مثل قاعدة الميسور المنوط تطبيقها على صدق ميسور المعسور على البقية. ولو كان النظر إلى قاعدة الاضطرار لما [كان] يحتاج إلى هذه العناية، مع أن سوق أدلة الأجزاء في مقام بيان ماله الدخل في المركب بلا نظر فيها إلى أزيد مما كان المركب مسوقا له ولذا نرى بناءهم على عدم التمسك بمثل اطلاق أدلة بقية الأجزاء عند الشك في دخل شيء آخر في باب الأقل والاكثر بل كان مرجعهم فيه البراءة أو الاشتغال. وبالجملة من مثل هذه العمومات [لا يكاد يثبت] وجود البقية لا من قبل نفسها ولا من قبل أدلة بقية الأجزاء والشرائط. فإن قلت: إن ظاهر قوله (يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله امسح على المرارة) (3) استفادة التكليف بالمسح على المرارة من نفس قاعدة الحرج ولازمه كون مثل هذه القواعد علاوة على استفادة نفي التكليف عن المضطر إليه منها يستفاد أيضا منها اثبات التكليف بالفاقد. قلت: في خصوص المورد لما كان نفي التكليف عن الفاقد أيضا موجبا لإثبات تكليف آخر من وجوب التيمم الذي هو من آثار رفع التكليف عن المائية بالمرة ففي مثله طبع الامتنان يقتضي أن [يكون] مثبتا لأخف الأمرين. وأين هذا وسائر الموارد التي لا يترتب على نفي التكليف رأسا شيء؟. مع امكان أن يقال: إن نظر استشهاد الامام عليه السلام بعموم الحرج أيضا إلى حيث نفي التكليف بالأمر الحرجي من المسح على البشرة وان اثباته التكليف بالمرارة بتعبد جديد فلا ينافي حينئذ ما ذكرنا كما لا يخفى.
نعم في بقية الطوائف من مثل عمومات التقية وأدلة التيمم وقاعدة الميسور وأمثالها ظاهرها اثبات التكليف وحينئذ يبقى مجال البحث عن اقتضاء أمرها للإجزاء وعدمه وحينئذ نقول: إن في مثل قاعدة الميسور أيضا: بملاحظة انصرافها إلى صور بقاء الاضطرار إلى آخر الوقت لا يبقى المجال إلا للبحث عن الإجزاء بالإضافة إلى خارج الوقت من وجوب القضاء. نعم في أدلة التقية وأدلة التيمم بالتقريب المتقدم يبقى مجال النزاع في الإجزاء وعدمه بالنسبة إلى الاعادة في الوقت أيضا. وحينئذ قد يقال في تقريب دلالتها على الاجزاء مطلقا: بان مقتضى سوقها حيث كانت في مقام تعيين مصداق الطبيعة المأمور بها فطبع اطلاقها يقتضي كونها مصداقا لتمام الطبيعة المأمور بها لا لبعض مراتبها ولازمه وفاؤها بتمام مصلحة المختار فيجزي. (4) وهنا أيضا تقريب آخر للإجزاء : بأن الأمر بالفاقد مستلزم لعدم دخل القيد - ولو في ظرف الاضطرار به - في المصلحة وإلا فلا معنى للأمر بالفاقد ولازمه وفاء الفاقد لتمام مصلحة المختار. قال أيضا: وبعبارة اخرى مع وفاء الفاقد للمصلحة فلا معنى للفوت كي يجب اعادته أو قضاؤه ومع عدمه فلا معنى للأمر به فصدق فوت المصلحة مع الأمر بالفاقد متضادان لا يلائم أحدهما للآخر هذا كله ما في تقريرات بعض تلامذته. (5). وهنا تقريب ثالث للإجزاء: بأن مصلحة القيد لا يمكن [استيفاؤها] إلا في ضمن مصلحة الذات لأنه في عالم الوجود تبع لتلك المصلحة كما هو الشأن في مصلحة كل خصوصية قائمة بذات تبعه، نظير مصلحة الالتذاذ بالتبريد القائم بشرب الماء وحينئذ فبعد تحصل مصلحة الذات حسب الفرض لا مجال لتحصل مصلحة القيد فلا محيص حينئذ من إجزائه بمناط التفويت. (6).
بل وهنا تقريب رابع - مبني على ما سنقول من معارضة أدلة الاختيارية مع اطلاق دليل الاضطراري وتقديم الاختيارية عليها -: بان أدلة الاضطرارية كما يقتضي اطلاقها الوفاء بتمام المصلحة، كذلك يقتضي بمدلوله الالتزامي إجزاؤه عن الاختياري، وحينئذ فغاية ما يقتضيه تقديم ادلة الاختيارية عليها نفي وفائها بتمام المصلحة لا نفي اقتضائها الإجزاء لإمكان المصير إليه بمناط التفويت المعلوم عدم اقتضاء دليل الاختياري لقابلية الباقي للتدارك كما لا يخفى. أقول: لا مجال لإثبات [الإجزاء] بأي المناطين بمثل هذه التقريبات وتوضيح المقال بأن يقال: أما [التقرير] الأول فنقول: إن ما افيد من اقتضاء أدلة الاضطرار وفاءه بتمام المصلحة في غاية المتانة، ولكن مقتضى اطلاقات أدلة الاختيارية أيضا دخل القيد في المصلحة الملازم لوجوب حفظ القدرة على تحصيل القيد وحرمة تفويت الاختيار. ولا شبهة في أن لازمه أيضا عدم وفاء المضطر إليه بتمام المصلحة [فيتعارضان]. بل ولنا أن ندعي تقديم ظهور أدلة الاختيارية في دخل القيد في المصلحة على ظهور أدلة الاضطرارية في الوفاء بتمام المصلحة، إذ الظهور الأول مستند إلى وضع الهيئة التركيبية في دخل ما هو موضوع الخطاب والأمر في المصلحة وهذا الظهور أقوى من ظهور الاطلاق المزبور في أدلة الاضطرار كما لا يخفى. هذا مضافا إلى أن اطلاق أدلة الاختيارية بعد ما اقتضى حفظ الاختيار في تحصيل القيد فلازمه كونه ناظرا إلى رفع الاضطرار عنه ومرجعه حينئذ إلى نظره إلى رفع موضوع أدلة الاضطرار. وأدلة الاضطرارية لا نظر فيها إلى حفظ موضوعها بل غاية الأمر اطلاقها يقتضي نفي وجوب القيد الملازم لعدم حرمة تفويت الاختيار، وهذا النظر يعارض حكم أدلة الاختيارية بلا نظر له إلى رفع موضوع أدلة الاختيار.
وحينئذ لسان الأول بالطبع مقدم على الثاني كما هو الشأن في كلية موارد الحكومة أو الورود. وعليه فلا يبقى مجال للتشبث بإطلاق أدلة الاضطرارية لإثبات الاجزاء بمناط الوفاء بتمام مصلحة المختار. ومن هذا البيان ظهر بطلان التقريب الآخر المنسوب إلى بعض الأعاظم كما عن مقرر بحثه، (7) وتوضيحه: إن كون الفعل الاضطراري وافيا ببعض مراتب المصلحة في غاية الامكان، ومن جهة ذلك كان الفاقد مأمورا [به] بمرتبة من الأمر المندك في ضمن الأمر بالمقيد بلا منافاته مع الأمر بالمقيد بمرتبة اخرى من الطلب. كما أن المراد من وفاء الفاقد بالمصلحة الناقصة ليس وفاؤه بتمام مصلحة الذات مع بقاء صرف مصلحة القيد والخصوصية بحياله كي يبقى مجال توهم عدم امكان تدارك مصلحة القيد مستقلا بلا مصلحة في ذات المقيد كما هو مضمون التقرير الثالث. بل المراد أن المصلحة القائمة بالذات [المقيدة]، [لها] مراتب يتدارك بعضها بالفاقد وبعضها الآخر أيضا قائمة بالذات المقيدة القابلة للتدارك لا بصرف القيد [غير] القابل له إلا في ضمن مصلحة الذات. وأضعف من ذلك توهم الإجزاء من الجهة الرابعة، وتوضيح الضعف: بأن غاية دلالة أدلة الاضطرارية من جهة الملازمة هو الإجزاء بمناط الوفاء بتمام المصلحة ولا دلالة لها على الإجزاء مطلقا. ومن المعلوم أن الإجزاء من جهة الوفاء بتمام المصلحة منفي بأدلة الاختيارية، وما لا ينفيه أدلة الاختيارية لا يكون من الأول مستفادا من أدلة الاضطرارية فلا يصلح مثل هذا البيان لإثباته.
نعم الذي يقتضيه التحقيق في المقام في اثبات الإجزاء هو أن يقال بما أشرنا إليه في المقدمة الثانية من: أن ظاهر الاختيارية وكذلك الأوامر الاضطرارية في ظرف الاضطرار تعلقها بكل من الفعلين بخصوصهما. وهذا المعنى لا يناسب الإجزاء بمناط الوفاء بتمام المصلحة. كيف! ولازمه تعلق التكليف بالجامع وخروج خصوصية كل منهما عن حيز الخطاب رأسا كما هو الشأن في كل فرد بالنسبة إلى الجامع المأمور به. كما أنه لا يناسب عدم الإجزاء أيضا إذ التكليف بالاختياري وان كان متعلقا بالخصوصية حينئذ إلا أن التكليف بالاضطراري لا يمكن [تعلقه بالخصوصية] بل [الخصوصية] خارجة عن حيز الطلب ولو الناقص منه جزما. وهذا بخلاف ما لو قيل بالإجزاء بمناط التفويت إذ لا محيص من الأمر به بخصوصيته دفعا لتوهم حظره عقلا. وحينئذ حفظ ظهور الأمر بهما بخصوصهما يقتضي إجزاءه بمناط التفويت بعد تحكيم ظهور الخطاب بالخصوصية في الطرفين على إطلاق الأمر الاضطراري الملازم للوفاء بتمام مصلحة المختار. ويؤيد ذلك ما ورد في باب التقية من الصلاة في بيته ثم الصلاة معهم تطوعا (8) بضميمة الاطلاقات الآمرة بإتيان العمل في [ظرف] ابتلائه بهم على وفق مذهبهم (9) الشامل لصورة طرو الاختيار في الوقت بل هو الغالب، حيث إن المستفاد من المجموع حرمة التفويت قبل ابتلائه بهم وجوازه في [ظرف] ابتلائه حتى مع علمه بالقدرة على العمل الاختياري في وقته فضلا عن خارجه. ثم أن ذلك كله في غير ما كان بلسان قاعدة الميسور وإلا فلو كان [بلسانها] [فاقتضاؤه] الإجزاء بمناط الوفاء بتمام المصلحة لا مجال لتوهمه، إذ هي بلسانها تنادي بأن المأتي به لا يكون تمام المعسور بل ميسوره. ولا يفهم العرف من ذلك البيان إلا كون المأتي به وافيا ببعض مراتب المصلحة الوافي بها تمامه لا أنه أيضا واف بتمام مصلحة المعسور. وحينئذ لا مجال للمصير إلى إجزائه عن القضاء بصرف هذا اللسان ولو لم يعارضه ظهور أدلة الاختيار في دخل الخصوصية في المصلحة فضلا عن وجود هذا الدليل في المقام أيضا. بل لا مجال لإثبات [الإجزاء] بها بالتقريب الذي نحن اخترناه إذ الترخيص بالإتيان بخصوص الميسور بل الأمر به بخصوصه بملاحظة حفظ الوقت لا من جهة الترخيص في تفويت المصلحة ولو في خارجه كي يستفاد منه [الإجزاء] بمناط التفويت. وحينئذ لا طريق إلى الإجزاء عن القضاء إلا الأصل مبنيا على أمرين: - أحدهما: كون باب القضاء من باب الترتب لا من باب تعدد المطلوب. وثانيهما: انصراف عمومات القضاء لما فات إلى صورة فوت تمام المصلحة لا مطلقا ولو بفوت بعض مراتبها. وإلا فلو بنينا على تعدد المطلوب لرجع الشك إلى الشك في القدرة على تحصيل الفائت والعقل مستقل فيه بالاحتياط. كما أنه لو بنينا على إطلاق الفوت في أدلة القضاء [لاقتضى] وجوب تدارك الفائت ولو ببعض مراتب المصلحة. وحينئذ احتمال كون باب القضاء من باب الترتب كاف في نفي حكم العقل بالاحتياط، وانما الاشكال في انصراف أدلة القضاء إلى فوت المرتبة التامة وعليه ففي اقتضاء مثل هذه القاعدة ولو بضميمة الأصل اشكال. ولكن ظاهر كلماتهم في الصلاة إجزاؤه فان تم اجماع فيها - كما هو الظاهر - فيقتصر عليه ويجري في غيرها على طبق ما يقتضيه عمومات القضاء. ولكن الذي يسهل الخطب قلة [مورده] بل انعدامه (10) من مصيرهم إلى صرف قاعدة الميسور مع ثبوت القضاء فيه بعموماته في غير باب الصلاة ; إذ في الطهارات الثلاث والصوم لا مجرى لقاعدة الميسور وفي باب الحج وأمثاله لا يكون قضاء، ففي مثلها أمكن اثبات [الإجزاء] بالتقريب المتقدم منا. وفي غسل الميت وكفنه أيضا كذلك إلى ان يدفن، وبعده حرمة نبشه مانع عن اعادة الغسل بل ولا يكون أيضا مؤقتا مستفادا منه الإجزاء من الترخيص المتعلق بخصوصه مولويا كما [أسلفنا]. ولا يبقى في البين إلا باب النذر المعين [للقائلين] بوجوب القضاء فيه، ففي مثلها [اجزاء] [قاعدة] الميسور أشكل لكشف العسر عن عدم صحة النذر فلا أمر بالمعسور كي يؤخذ بميسوره، وعلى فرضه فالالتزام بعدم القضاء لمحض هذه القاعدة أشد إشكالا، فتدبر. هذا كله في الإجزاء عن الأوامر الاضطرارية. وأما الإجزاء بالفاقد للشرائط، أو الإجزاء نسيانا فهو خارج عن مسألتنا، إذ المسألة بظهور [عنوانها] في اتيان المأمور به بالأمر الشرعي والمنسيات جزءا أو شرطا داخلة في المأمور به بالأمر العقلي ولم يتوهم [الاجزاء] فيها أحد إلا في باب الصلاة لعموم (لا تعاد) (11) المختصة بصورة النسيان عن ذات الجزء والشرط وفي غير الخمسة أيضا.
ولذا ليس بناؤهم على الإجزاء مع الفوت جهلا بالحكم أو نسيانا حتى في الصلاة فضلا عن غيرها كما لا يخفى.
المقام الثالث: إجزاء الظاهري عن الواقعي:
بقي الكلام في اقتضاء الأوامر الظاهرية للإجزاء عن الواقعيات فنقول: إن الكلام فيها تارة في الحكم الظاهري المستفاد من أدلة الأمارات و[اخرى] في الحكم المستفاد من الاصول. وعلى أي تقدير تارة يقع الكلام في [صورة] كشف الخلاف قطعيا واخرى في فرض كشفه ظنا اجتهاديا. أما المقام الأول من اقتضاء الأمارات للإجزاء مع كشف الخلاف قطعيا فنقول: إن بنينا على [طريقتيها] إلى الواقع بلا احداثها [تكليفا] حقيقيا في قبال الواقع، فلا شبهة في عدم اقتضائها الاجزاء عن الواقعيات إذ بناء عليه ليس في [مؤدياتها] مصلحة قابلة للجبر عن المصالح الواقعية. غاية الأمر الالتزام بمصلحة في نفس الترخيص في العمل بها وفي أصل جعلها، ومثل هذه المصلحة غير قابلة للجبر كي يجئ توهم الإجزاء، كيف؟. ولازمه الالتزام بالجبر ولو قبل العمل بها، ولأن المفروض عراء العمل عن المصلحة رأسا بل غاية ما يفيد مصلحة الجعل ملاحظة جهة أهمية التسهيل على المكلفين عن حفظ المصالح الواقعية ومثل هذه الجهة لا يستأهل للإجزاء عن ما فات من الواقعيات كما هو ظاهر. وبمثل ذلك أيضا [تندفع] شبهة [ابن قبة] كما [سنقررها] بجوابها - إن شاء الله - في محله.
فان قلت: إن ما افيد إنما يتم في نفي الإجزاء بمناط الوفاء بالغرض وأما الإجزاء بمناط التفويت بالتقريب المزبور فلا يمنعه فمن الممكن إقتضاؤه بمناط التفويت. قلت: مجرد الامكان لا يجدي للمصير إليه ما لم يقم لإثباته الدليل وفي المقام لا وجه للمصير إليه بعد اختصاص الأمر بمفاد الطرق بزمان الجهل بالواقع، إذ من مثل هذا الترخيص لا يستفاد أزيد من تسهيل أمره مع عدم الفحص عن الواقع أو احتياطه ولا يستفاد منه كونه مفوتا للواقع مطلقا ولا وفاؤه بشيء من مصلحته كما هو المفروض. ولا يقاس المقام بباب الاضطرار إذ لا مقتضي للترخيص عنه مع العلم بطرو القدرة في الوقت إلا الرضا بتفويته للتقية كما تقدم شرحه. وأما لو بنينا على موضوعيتها، فنقول: إن مرجع الموضوعية ان كان إلى انقلاب الواقع حتى [بمصلحته] إلى مؤدى الطريق فلابد وان يقتضي الاجزاء، إلا أنه تصويب محال مجمع على خلافه. وان كان مرجعها إلى توسعة الكبرى [الواقعية] حقيقة على وجه [تشمل] المؤدى بأن يكون مؤدى الامارات أيضا من مصاديق الكبرى الواقعية، وأن لها مصداقين [حقيقيين] أحدهما: واقعي والآخر: ظاهري. فهذا المعنى أيضا موجب للإجزاء به عن الواقعي ولم يحكم العقل باستحالته أيضا لإمكان جعل الأدلة الظاهرية شارحة للكبرى الواقعية الدالة على تعيين الواقعية في تعلق الأمر به بخصوصه بجعلها [رافعة] لظهور الكبرى المزبورة في دخل خصوصه في الحكم وأن لب موضوع الحكم هو الجامع بين الواقعية والظاهرية ولكن الظاهر كونه أيضا تصويبا مجمعا على خلافه. ولئن اغمض عن الاجماع المزبور فلا أقل من احتمال آخر [وهو] كون مفاد الأدلة الظاهرية جعل حكم مماثل للواقع في مرتبة الظاهر بلا اقتضائها تغيير الواقعيات عما هي عليها من تعلق الخطاب بموضوعاتها بخصوصياتها. إذ مع هذا الاحتمال لا يبقى مجال للتحكيم المزبور بنحو [توجب] الادلة الظاهرية لرفع اليد عن ظهور الكبريات الواقعية في دخل الخصوصية، ولازمه عدم اقتضائها الاجزاء عن الواقعيات إلا بمناط التفويت الممنوع في المقام بملاحظة احتمال [كون] وجه اختصاص أوامرها بخصوصها في [ظرف] الجهل من جهة المصلحة القائمة بخصوصها في هذه المرتبة، لا من جهة الرضا بتفويته المصلحة الواقعية حتى مع كشف خلافها. وبذلك يمتاز المقام أيضا عن باب الاضطرار إذ لا مصلحة [تلزمه] بخصوصه بل لا مقتضي للترخيص به إلا الرضا بفوت مصلحة المختار كما أسلفناه، فتدبر. هذا كله في فرض الانكشاف قطعيا. وان كان الانكشاف ظنيا بظن [معتبر] مثله فلا شبهة في أن مرجعية الظن الثاني - لا محيص - إما من جهة ترجيحه على الأول بأحد المرجحات أو من جهة الأخذ به من جهة التخيير الاستمراري الثابت له بدليله. وعلى التقديرين نقول: إن لازم اختيار الثاني حصر حجيته في هذا الحال بما أخذ ترجيحا أم تخييرا ولازم حصر حجيته هو الأخذ بخصوصه الحاكم ببطلان العمل على طبق الأول [ولا يعنى] من عدم الاجزاء إلا هذا. ولا فرق أيضا في مثل هذا البيان بين العبادات أو المعاملات لولا دعوى شمول قولهم (لكل قوم نكاح) لمثل المقام، والا فبناء على انصرافه إلى صور اختلاف الامم في نكاحهم من حيث حكمهم واقعا لا مجرد اختلافهم في الأحكام الظاهرية فيلحق باب النكاح أيضا بسائر الأبواب فلابد من الحكم بفساد النكاح السابق حين كشف الخلاف ولو بالأمارة، غاية الأمر يكون الوطء
السابق للشبهة، الموجب لإلحاق الولد والتوارث بينهم. وتفصيله أيضا موكول إلى محله. وفي الفصول هنا تفصيل لا يفهم منه مقصوده بل المحكي عن بعض الأساطين انه سئل [من] نفسه قدس سره في شرح مرامه بعبارته فتأمل كثيرا واعترف باني لا افهم منها شيئا إلا أني حين كتبت كتبته صحيحا فيحتاج بعد إلى تأمل جديد. ثم إن ذلك كله في الإجزاء بمقتضى أدلة الأمارات والطرق. وأما أدلة الاصول فهي أيضا على ألسنة مختلفة: منها: ما كان لسانه اثبات الواقع تعبدا بما له من الآثار وذلك مثل الاستصحاب وقاعدة التجاوز والفراغ ويلحق به مثل (كل شيء طاهر) بل و(كل شيء لك حلال) بناء على كون مفادهما اثبات الطهارة والحلية الواقعية تنزيلا، ويعبر عن هذه بالأصول التنزيلية. ومنها: ما لا يكون بلسانه ناظرا إلى اثبات الواقع بل [كان مثبتا] للحكم في ظرف الشك وذلك مثل الأصلين الأخيرين بناء على وجه آخر من كون مفادهما مجرد اثبات الطهارة أو الحلية في [ظرف] الشك بلا نظر فيهما إلى كونهما [واقعيتين] ولو تنزيلا، ويلحق بهما ما كان بلسان ايجاب الاحتياط عند الشك بحكم أو موضوع. ومنها: ما لا يكون بلسانه مثبتا لحكم أصلا بل كان لسانه نفي الحكم عن موضوعه في ظرف الشك، وذلك من حديث الرفع والحجب وأمثالهما، وحينئذ نقول: أما ما كان بلسان الاستصحاب من الاصول التنزيلية فان كانت ناظرة إلى توسعة الواقع حقيقة ولو بتحكيمها على الكبريات الواقعية في ظهورها في دخل خصوصية موضوعها في حكمه برفع اليد عن هذا الظهور وجعل الموضوع الجامع بين الواقعية والظاهرية فلا شبهة في اقتضائه الاجزاء عن الواقع ولكن مثل هذا المعنى ممنوع في الأمارات حتى على الموضوعية فضلا عن الاصول التنزيلية الناظرة إلى صرف توسعة الواقع في مقام العمل لمحض المصلحة في الجعل من جهة التسهيل على المكلف، ولا أقل من كونها في مقام [جعل] المماثل للحكم في مرتبة الظاهر بلا نظر إلى توسعة الموضوع الواقعي حقيقة، فيبقى الواقع على ما هو عليه من دخل [خصوصية] مؤدى كبراه في موضوع حكمه ولقد عرفت ان هذا المعنى في الطرق حتى على الموضوعية غير مقتض [للإجزاء] فالمقام أيضا مثله. وأما في غير الاصول التنزيلية فأمر اقتضائها [للإجزاء] فرع نظر الكبرى الواقعية في [موضوعها] نفيا أم اثباتا إلى الأعم من الواقعي والظاهري والا فلو كان [نظرها] إلى خصوص النفي والاثبات الواقعيين فلا يصلح مثل هذه الاصول لإثبات موضوع الكبرى أصلا، فضلا عن اقتضائه الاجزاء عنه. نعم غاية ما في الباب احتمال كونه مفوتا للمصلحة الواقعية والأصل يقتضي خلافه بعد عدم اقتضاء أدلة الاصول للإجزاء المزبور كما أشرنا [إلى] نظيره في الامارات، فتدبر. وفيما ذكرنا كله أيضا لا فرق بين كشف الخلاف باليقين أو بالأمارة لكشف الامارة عن فساد العمل من الأول فلا يجزي. بقي في المقام شيء: وهو ان مثل (كل شيء لك حلال) أو (طاهر) هل هو من الاصول التنزيلية أم لا؟ وجهان. والظاهر انه لا مجال للمصير في قاعدة الطهارة إلى مجرد جعل الطهارة في مرتبة الشك بها بلا نظر فيه إلى اثبات الواقع، إذ بعد [كون مقتضى] ظهور كبرى دخل الطهارة في شيء هو الطهارة الواقعية لو كان مفاد القاعدة اثبات مجرد الطهارة الظاهرية لا يكاد يثبت بمثله الكبرى [الواقعية]، مع أن بناءهم على احرازها بها فيجرون القاعدة في ماء شك في طهارته فيتطهر به حدثا وخبثا. ولا مجال حينئذ لتوهم أعمية موضوع الكبرى عن الطهارة الواقعية [والظاهرية]، كيف؟! ولازمه صحة الوضوء [بماء] كشفت بعده نجاسته وكذلك صحة تغسيله به من البدن أو اللباس بلا احتياج إلى تغسيل جديد، ولا أظن التزامه من أحد. فلا محيص حينئذ إلا من دعوى نظر القاعدة إلى اثبات الطهارة الواقعية بلحاظ التوسعة في مقام العمل محضا كي به يجمع بين ترتيب آثار الطهارة الواقعية مع عدم اقتضاء صحة العمل واقعا عند كشف خلافها. وحينئذ فربما أمكن حمل قاعدة الحلية عليه بمقتضى وحدة لسانه، ولازمه أيضا اثبات حلية لحم ما يشك في حليته وحرمته ولو كان لحمه خارجا فعلا عن محل الابتلاء مع الابتلاء بجلده وشعره وأمثالهما فعلا بلحاظ صلاته فيه. نعم، لو بنينا على جعل صرف الحلية الظاهرية بلا نظر منه إلى اثبات الواقع فاقتضاؤه صحة الصلاة في المشكوك مبتن على جعل الحلية في كبراه أعم من الواقعية والظاهرية. نعم بناء عليه أيضا لا يكاد يجري إلا في موارد يكون اللحم المشكوك بنفسه محل ابتلاء المكلف والا فلا يكاد يجري الأصل إذ لا معنى لجعل الحلية الفعلية لما هو خارج عن محل ابتلاء المكلف فعلا، فتدبر.
________________
(1) وسائل الشيعة 5: 456، الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 10، مع اختلاف يسير.
(2) الموجود في النسخة المطبوعة بالطبعة الحجرية المضادة بدلا من المصادقة لكن الصحيح ما أثبتناه.
(3) وسائل الشيعة 1: 327، الباب 39 من أبواب الوضوء، الحديث 5.
(4) (5) (6) فوائد الاصول 1 - 2: 244 - 245.
(7) فوائد الاصول 1 - 2: 245.
(8) (9) وسائل الشيعة 5: 381 و455، البابان 5 و54 من أبواب صلاة الجماعة.
(10) يبدو أن الضمير يرجع إلى المذكور بمعناه وتقديره ما ذكرناه والمراد: قلة مورد ما ذكرناه من مصيرهم إلى صرف قاعدة الميسور... إلى آخره.
(11) وسائل الشيعة 1: 260، الباب 3 من أبواب الوضوء، الحديث 8.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|