أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-03-27
1706
التاريخ: 2024-06-03
741
التاريخ: 16-5-2022
1937
التاريخ: 26/10/2022
1630
|
أن ما يلقى العبد في هذه الحياة لا يخلو من نوعين : أحدهما ما يوافق هواه ، و الآخر ما يكرهه وهو محتاج إلى الصبر في كلّ واحد منهما ، فهو اذن لا يستغني قط من الصبر.
أما ما يوافق هواه كالصحّة و السّلامة و المال و الجاه و كثرة العشيرة و اتساع الأسباب و كثرة الأتباع و الأنصار و جميع ملاذ الدّنيا ، فالصّبر عليها أشدّ لأنه إن لم يضبط نفسه عن الاسترسال و الرّكون إليها و الانهماك في ملاذّها المباحة لها أخرجه ذلك إلى البطر و الطغيان فان الانسان ليطغى أن رآه استغنى قال بعض العارفين : البلاء يصبر عليه المؤمن ، و العوافي لا يصبر عليها إلّا صدّيق و ذلك لأنّه مقرون بالقدرة و من العصمة أن لا نقدر ، و الجائع عند غيبة الطعام أقدر على الصبر منه إذا حضرته الأطعمة الطيبة اللذيذة و قدر عليها.
وأما ما لا يوافق الهوى و الطبع فلا يخلو إما أن يرتبط باختيار العبد كالطاعات و المعاصي أو لا يرتبط كالمصائب و النّوائب ، أو لا يرتبط أو له باختياره و لكن له اختيار في إزالته كالتشفي بالموذي بالانتقام منه فهي ثلاثة أقسام.
الاول ما يرتبط باختياره و هو سائر أفعاله التي توصف بكونها طاعة أو معصية.
أما الطاعة فالصبر عليها شديد ، لأن النفس بطبعها تنفر عن العبودية وتشتهي الرّبوبيّة كما سبق بيانه ، ثمّ من العبادات ما يكره بسبب الكسل كالصّلاة ؛ و منها ما يكره بسبب البخل كالزّكاة ، و منها ما يكره بسببهما جميعا كالحج و الجهاد ، فالصبر على الطاعة صبر على الشدائد و يحتاج المطيع إلى الصّبر عليها في ثلاثة أحوال.
الاولى قبل الطاعة ، و ذلك في تصحيح النية و الاخلاص عن شوائب الرياء و دواعي الآفات و الثانية حالة العمل كيلا يغفل عن اللّه في أثناء عمله و لا يتكاسل عن تحقيق آدابه و سننه و يدوم على ذلك إلى الفراغ و الثالثة بعد الفراغ من العمل إذ يحتاج إلى الصبر عن افشائه و التظاهر به للسمعة و الرّياء و عن النظر إليه بعين العجب و عن كل ما يبطل عمله و يحبط أجره.
فاما المعاصي فاشدّ أنواع الصّبر عما كان مألوفا بالعادة، فان العادة طبيعة ثانية فاذا انضافت إلى الشّهوة تظاهر جندان من جنود الشيطان على جند اللّه ، فلا يقوى باعث الدين على قمعها.
ثمّ إن كان ذلك الفعل ممّا تيسّر فعله كان الصّبر عنه اثقل على النّفس ، كالصّبر عن معاصي اللسان من الغيبة و الكذب و المراء و الثناء على النفس تعريضا و تصريحا إلى غير ذلك و أيسر من حركة اللسان حركة الخواطر باختلاج الوساوس الا بأن يغلب على القلب هم آخر في الدين يستغرقه كمن أصبح و همومه همّ واحد و أكثر جولان الخاطر إنّما يكون في فائت لا تدارك له أو في مستقبل لا بد و أن يحصل منه ما هو مقدّر ، و كيف ما كان هو تضييع زمان و آلة العبد قلبه فاذا غفل القلب في نفس واحد عن ذكر يستفيد به انسا باللّه أو فكر يستفيد به معرفة باللّه و يستفيد بالمعرفة محبة للّه فهو مغبون.
القسم الثاني ما لا يرتبط هجومه باختياره و له اختيار في دفعه كما لو اوذي بفعل أو قول أو جني عليه في نفسه أو ماله فالصّبر على ذلك بترك المكافأة ، قال اللّه تعالى {وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [إبراهيم : 12] , و قال تعالى : {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل : 10] , و قال : {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عمران : 186] , و قال النبي (صلى الله عليه واله) : «صل من قطعك و اعط من حرمك و اعف عمّن ظلمك»(1).
القسم الثالث ما لا يدخل تحت الاختيار أوّله و آخره كالمصائب ، مثل موت الأعزّة و هلاك الأموال و زوال الصّحة بالمرض و نحو ذلك و هذا صبر مستنده اليقين.
قال النبيّ (صلى الله عليه واله): «أسألك من اليقين ما يهون به على مصائب الدنيا»(2) , و قال (صلى الله عليه واله): «ما من عبد اصيب بمصيبة فقال كما أمره اللّه : إنّا للّه و إنّا إليه راجعون اللهمّ اجرني في مصيبتي و اعقبني خيرا منها ، إلا فعل اللّه ذلك»(3) , و قال (صلى الله عليه واله): قال اللّه عزّ و جلّ : «إذا وجهت إلى عبدي مصيبة في بدنه أو ماله أو ولده ثمّ استقبل ذلك بصبر جميل ، استحييت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزانا أو أنشر له ديوانا»(4).
وقال (صلى الله عليه واله): الصبر ثلاثة : «صبر عند المصيبة و صبر على الطاعة و صبر عن المعصية فمن صبر على المصيبة حتّى يردّها بحسن عزائها كتب اللّه له ثلاثمأة درجة ما بين الدّرجة إلى الدّرجة كما بين السّماء و الأرض ، و من صبر على الطاعة كتب اللّه له ستّمأة درجة ما بين الدّرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض(5) إلى العرش ، و من صبر عن المعصية كتب اللّه له تسعمأة درجة ما بين الدّرجة إلى الدّرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش»(6).
وقال الباقر (عليه السلام): «الصّبر صبران : صبر على البلاء حسن جميل و أفضل الصبرين الورع عن محارم اللّه تعالى»(7).
__________________
1- ارشاد القلوب : ص 135 و انظر تحف العقول : ص 37.
2- احياء علوم الدين : ج 4 , ص 69.
3- احياء علوم الدين : ج 4 , ص 69.
4- احياء علوم الدين : ج 4 , ص 69.
5- التخوم بالضم الفصل بين الأرضين من المعالم و الحدود. ق.
6- تنبيه الخواطر : ج 1 , ص 40 و جامع الأخبار: ص 111 و الكافي : ج 2 , ص 91.
7- الكافي : ج 2 , ص 91 و تنبيه الخواطر: ج 1 , ص 16 و انظر كنز الفوائد : ج 1 , ص 139.
|
|
كل ما تود معرفته عن أهم فيتامين لسلامة الدماغ والأعصاب
|
|
|
|
|
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية يصدر العدد 112 من مجلة حيدرة للفتيان
|
|
|