المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 7457 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{ربنا وآتنا ما وعدتنا على‏ رسلك}
2024-04-28
ان الذي يؤمن بالله يغفر له ويكفر عنه
2024-04-28
معنى الخزي
2024-04-28
شروط المعجزة
2024-04-28
أنواع المعجزة
2024-04-28
شطب العلامة التجارية لعدم الاستعمال
2024-04-28

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


الخطابات الشفاهية  
  
1221   10:45 صباحاً   التاريخ: 5-8-2016
المؤلف : تقريرا لبحث السيد الخميني - بقلم الشيخ السبحاني
الكتاب أو المصدر : تهذيب الأصول
الجزء والصفحة : ج2. ص.219
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث اللفظية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-8-2016 1588
التاريخ: 31-8-2016 3050
التاريخ: 30-8-2016 12995
التاريخ: 5-8-2016 1309

هل الخطابات الشفاهية تعمّ غير الحاضرين ; من الغائبين والمعدومين أو لا ؟ ولا بأس بذكر اُمور :

الأمر الأوّل : أنّ النزاع يمكن أن يقع بحسب التصوّر في مقامين :

الأوّل : أن يكون النزاع في جواز خطاب المعدوم والغائب ، ومرجعه إلى إمكان هذه المسألة العقلية وعدمه .

وهو مع أ نّه غير مناسب لمبحث العامّ ـ لأنّ إمكان مخاطبتهما وعدمه غير  مربوط به ـ بعيد جدّاً ; لأنّه ضروري البطلان .

نعم لا يبعد عن مثل بعض الحنابلة ; حيث جعل محطّ البحث ما حرّرناه ; مستدلاًّ بخطاب الله على المعدومين بقوله : {كُنْ فَيَكُونُ } [البقرة: 117] وخطابه في عالم الذرّ(1) ، إلى غير ذلك من الاستدلالات الواهية(2) .

الثاني : أن يكون خطـاب المعدوم مسلّم البطلان عندهم ، ولكن البحث في أنّ استفادة أحكام الغائبين والمعدومين من نفس الخطابات هـل يستلزم خطابهما أو لا ؟

وإن شئت قلت : إنّ النزاع في أنّ تعميم ألفاظ العموم التي جيئت تلو أداة النداء وأشباهها ممّا تكون خطاباً بالنسبة إليهما هل يستلزم مخاطبتهما حتّى يمتنع أو لا ؟ فيكون النزاع في الملازمة وعدمها ، وهذا أنسب ; إذ المناسب للبحث عنه في هذا المقام هو شمول ألفاظ العموم لهم وعدمه إذا وقعت تلو الخطابات الشفاهية .

الأمر الثاني : الظاهر أنّ ملاك النزاع ـ على ما حرّرناه ـ كما هو موجود في الخطابات الشفاهية كذلك موجود في أمثال قوله تعالى : {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ } [آل عمران: 97] ، وقوله تعالى : {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ } [النساء: 7] ممّا لم يصدر بألفاظ النداء وأداة الخطاب ، فيمكن أن يقال : هل يلزم من شمول أمثال تلك العناوين والأحكام لغير الموجودين تعلّق التكليف الفعلي بهم في حال العدم وصدق العناوين عليهم في هذا الحال ، أو لا ؟ فلو قلنا باستلزامه فلا محالة تختصّ تلك الأحكام بالموجودين ، وإلاّ فتعمّهم والغائبين والمعدومين .

نعم ، يظهر من الشيخ الأعظم ادّعاء الاتّفاق في شمول ما لم يصدّر بأداة النداء ، وأنّه لم يعهد من أحد إنكار شموله لهما(3) ، وتبعه بعض الأعاظم ; قائلاً بأنّ أسماء الأجناس يشمل المعدومين بلا ريب(4) .

وفيه : أنّ القائل بالاختصاص يمكن أن يدّعي أنّ المعدوم لا يطلق عليه الناس عقلاً ، ولا يمكن عقد الاُخوّة بين المعدومين في قوله : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } [الحجرات: 10] لا بمعنى أنّ الألفاظ موضوعة للموجودين ; حتّى يدفع بأنّها موضوعة للماهية اللابشرط ، بل بمعنى أنّ الشيء ما لم يوجد ولم يتشخّص ليس له ماهية كما ليس لها وجود . فالإنسان إنسان بالوجود ، ولولاه لا إنسان ولا ماهية ولا غير ذلك . فالقصور من ناحية نفس العناوين لا من جانب الوضع.

وحينئذ : لو كان المراد من شمول أسماء الأجناس لهم هو شمولها حال عدمهم فهو ضروري البطلان ـ كما تقدّم ـ وإن كان المراد انطباقها عليهم في ظرف الوجود بنحو القضية الحقيقية فهو جواب عن الإشكال ، ولا يوجب خروج هذا القسم عن محطّ البحث .

الأمر الثالث : أنّ حلّ الشبهة في بعض الصور مبني على القضية الحقيقية ، فلا بأس بتوضيح حالها وحال القضية الخارجية والفرق بينهما :

فنقول : إنّ هـذا التقسيم للقضايا الكلّيـة ، وأمّا الشخصية مثل «زيـد قائم» ممّا لا تعتبر في العلوم فخارجة عن المقسم ، فقد يكون الحكم في القضايا الكلّية على الأفراد الموجودة للعنوان ; بحيث يختصّ الحكم على ما وجد فقط ، من غير أن يشمل الموجودين في الماضي والمستقبل ; وذلك بأن يتقيّد مدخـول أداة العموم ; بحيث لا ينطبق إلاّ عليها ، مثل «كلّ عالم موجود في الحال كذا» أو «كلّ من في هذا العسكر كذا» ; سواء كان الحكم على أفراد عنوان ذاتي أو عرضي أو انتزاعي . فلفظ «الكلّ» لاستغراق أفراد مدخوله ، والعنوان المتلوّ له بعد التقييد

المذكور لا يصلح إلاّ للانطباق على الأفراد المحقّقة .

وأمّا القضية الحقيقية فهي ما يكون الحكم فيها على أفراد الطبيعة القابلة للصدق على الموجود في الحال وغيره ، مثل «كلّ نار حارّة» فلفظة «نار» تدلّ على نفس الطبيعة ; وهي قابلة للصدق على كلّ فرد ، لا بمعنى وضعها للأفراد ، ولا بمعنى كونها حاكية عنها ، أو كون الطبيعة حاكية عنها ، بل بمعنى دلالتها على الطبيعة القابلة للصدق على الأفراد الموجودة ، وما سيوجد في ظرف وجوده .

ولفظ «الكلّ» دالّ على استغراق أفراد مدخوله ، من دون أن يدلّ على الوجود والعدم ; ولهذا يقع مقسماً للموجود والمعدوم ، ويصحّ أن يقال : كلّ فرد من الطبيعة إمّا موجود أو معدوم بلا تجوّز وتأوّل .

وإضافة الكلّ إلى الطبيعة تدلّ على تعلّق الاستغراق بما يتلوه ، ولمّا لم تتقيّد بما يجعلها منحصرة الانطباق على الأفراد المحقّقة فلا محالة تكون منطبقة عليها وعلى غيرها ، كلٌّ في موطنه ، لا في حال العدم ; لامتناع صدقها على المعدوم ; لأنّ الطبيعة لم تكن طبيعة في حال العدم ، ولا أفرادها أفراداً في حاله .

فـ «كلّ نار حارّة» إخبار عن مصاديق النار ; دلالة تصديقية ، والمعدوم ليس مصداقاً للنار ولا لشيء آخر ، كما أنّ الموجود الذهني ليس ناراً بالحمل الشائع ، فينحصر الصدق على الأفراد الموجودة في ظرف وجودها ، من غير أن يكون الوجود قيداً ، أو أن يفرض للمعدوم وجود أو ينزّل منزلة الوجود ، ومن غير أن يكون القضية متضمّنة للشرط ، كما تمور بها الألسن موراً .

فإنّ تلك التكلّفات مـع كونها خلاف الوجـدان في إخباراتنا ـ بداهـة أنّ كـلّ مـن أخبر بأنّ النار مثلاً حارّة لا يخطر بباله الأفراد المعدومة ; فضلاً عن تنزيلها منزلة الموجود أو الاشتراط بأ نّـه إذا وجـدت كانت كذلك ـ ناشئـة مـن عدم تعقّل القضية الحقيقية .

وتخيّل : أنّ للطبيعة أفراداً معدومة ، وتكون الطبيعة صادقة عليها حقيقة حال عدمها ، ولمّا لم يصدق عليها الحكم في ظرفه لابدّ من ارتكاب تأوّل وتكلّف .

وأنت خبير : بأنّ ذلك في غاية السقوط ; لأنّ العدم ليس بشيء كالمعدوم ، فلا تكون القضية الحقيقية إخباراً عن الأفراد المعدومة ، بل إخبار عن أفراد الطبيعة بلا قيد ، وهي لا تصدق إلاّ على الأفراد الموجودة في ظرف وجودها ، فيكون الإخبار كذلك بحكم العقل بلا قيد واشتراط وتأوّل .

وليعلم : أنّ الحكم في الحقيقية على الأفراد المتصوّرة بالوجه الإجمالي ، وهو عنوان كلّ فرد أو جميع الأفراد . فعنوان الكلّ والجميع متعلّق للحكم ، ولمّا كان هذا العنوان موضوعاً للكثرات بنحو الإجمال فبإضافته إلى الطبيعة يفيد أفرادها بنحو الإجمال . فالحكم في المحصورة على أفراد الطبيعة بنحو الإجمال ، لا على نفس الطبيعة ولا على الأفراد تفصيلاً . فما اشتهر من أنّ الحكم على الطبيعة التي هي مرآة للأفراد ليس بشيء .

وبما ذكرنا يظهر ضعف ما أفاده بعض الأعاظم في الفرق بين الحقيقية والخارجية من القضايا; حيث حكم في عدّة مواضع من كلامه بأنّ الحكم في الخارجية على الأفراد والأشخاص بلا توسّط عنوان ; حتّى لو فرض هنا عنوان فهو أمر اتّفاقي(5) .

مـع أ نّك قد عرفت(6) : أنّ التقسيم وارد على القضايا المعتبرة في العلوم ،وهي تحتاج إلى عنوان ذاتي أو عرضي ، وكأنّه ـ قدس سره ـ خلط بين الجزئية والخارجية .

كما ظهر الضعف فيما أفاد : أنّ الطبيعة في الحقيقية تؤخذ عنواناً ومرآة للأفراد ، مع أ نّك عرفت(7)  امتناع أخذها مرآة لها ، وأنّ الدالّ على الأفراد هو لفظ «كلّ» وأشباهه من ألفاظ العموم .

وأغرب منه ما أفاد من التقدير وتنزيل المعدوم منزلة الموجود(8) ; حيث تقدّم أنّ ذلك كلّه خلاف الارتكاز وخلاف ما يقتضيه الذوق السليم . وبقي في كلامه مواقع للنظر تركنا الكلام فيه.

إذا عرفت ذلك فاعلم : أنّ الكلام يقع في مقامين :

الأوّل : فيما إذا كـان الجعل على نهـج القانون الكلّي بلا لفظ خطاب أو نـداء ; سواء كان الجعل متعلّقاً على نحو القضية الحقيقية على مصاديق العناوين بنحو الإجمـال ، كما في القضيـة المحصورة ، أم كان الجعل على نفس العناوين ، كما في غيرها .

والإشكال المتوهّم فيه : هو أنّ التكليف الفعلي لا يمكن أن يتوجّه إلى المعدوم وتعميم الأدلّة يستلزم ذلك .

والجواب عنه واضح بعد ما عرفت الحال فيما تقدّم ; إذ المعدوم في حال العدم لم يتوجّه إليه التكليف ; حتّى يرد ما ذكرت ، بل يتوجّه إليه إذا صار موجوداً ، وتحقّق مصداق المستطيع في ظرفه .

فإذا رأى المكلّف أنّ كتاب الله تعالى ينادي بأنّه يجب الحجّ على كلّ مستطيع ، من دون أن يقيّد بما يخصّه بالموجودين ، ورأى نفسه مستطيعاً عليه ،فلا محالة يرى نفسه مأموراً بالحجّ لا لأجل جعل الحكم على المعدوم ، بل لأجل جعله على العنوان بلا قيد ، وهو قبل وجوده واستطاعته ليس من الناس ولا من أفراد المستطيع بالضرورة ، وبعد وجوده واستطاعته يصدق عليه هذان العنوانان ، ولازم جعله كذلك شمول الحكم له .

وبالجملة : هذا القسم لا يستلزم جعل الحكم على المعدوم ، بل على العنوان الذي لا ينطبق إلاّ على الموجود .

 فاتّضح وجه شمول قوله تعالى : {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34] وأشباهه الواردة في الذكر الحكيم وغيره .

المقام الثاني : ما إذا كان من قبيل توجيه الكلام إلى المخاطب ; سواء كان التوجيه بكلام مشتمل على «كاف» الخطاب أو أداة النداء أم لغيرهما ممّا يعدّ توجيهاً بالحمل الشائع وإن لم يكن فيه ما يدلّ وضعاً على التخاطب .

والإشكال في هذا المقام : استلزام التعميم للغائب والمعدوم لزومَ مخاطبة المعدوم والغائب .

وأمّا حلّه فربّما يتمسّك هنا أيضاً بالقضية الحقيقية ، لكن ستعرف ضعفه(9) .

والتحقيق في دفع الإشكال عن هذا القسم : أنّ الخطابات القرآنية ليست خطابات شفاهية لفظية ; بحيث يقابل فيها الشخص الشخص ، بل كخطابات كتبية ، ومثلها القوانين العرفية الدائرة بين العقلاء .

أمّا كون الثاني من هذا القبيل : فواضح ; فلأنّ المقنّن في القوانين العرفية والسياسية ـ سواء كان شخصاً واحداً أم هيئة وجماعة ـ بعدما أحكمها وأثبتها يتشبّث في إبلاغه وإعلانه بالنشر في الكتب والجرائد وسائر الآلات المستحدثة في هذه الأزمنة ; من المذياع وغيره .

وحينئذ : فالفرد الحائز للشرائط من الشعب المأمور بالعمل بها إذا عطف نظره إلى كتاب القانون لأهل وطنه لا يشكّ أ نّه مأمور بالعمل به ; وإن تأخّر عن زمان الجعل بكثير ، بل لم يكن موجوداً في ظرف الوضع ، ولكن جعل الحكم بصورة الخطاب على الناس في قول القائل «يا أيّها الناس» كاف في شموله له ; وإن وجد بعد زمن الخطاب بمدّة متراخية .

وما ذلك إلاّ لأجل كون الخطاب كتبياً أو شبيهاً بذلك ، وهو ليس بخطاب لفظي حقيقة ، ولا يحتاج إلى مخاطب حاضر .

وأمّا الأوّل ـ أعني خطابات الذكر الحكيم ـ فلأنّ مشكلة الوحي وإن كانت عويصة عظيمة قلّما يتّفق لبشر أن يكشف مغزاه(10)  لكنّا مهما شككنا في شيء لا نشكّ في أنّ خطابات الله تعالى النازلة إلى رسوله لم تكن متوجّهة إلى العباد ـ لا إلى الحاضرين في مجلس الوحي ولا الغائبين عنه ، ولا غيرهم ـ كمخاطبة بعضنا بعضاً ; ضرورة أنّ الوحي بنصّ الذكر الحكيم ـ أعني قولـه سبحانه : { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشعراء: 193، 194] ـ إنّما نزل على شخص رسوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وكلام الله وخطاباته لم تكن مسموعة لأحد من الاُمّة .

بل يمكن أن يقال بعدم وصول خطاب لفظي منه تعالى بلا واسطة إلى رسوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ غالباً أيضاً ; لأنّ الظاهـر مـن الآيات والـروايات : أنّ نزول الوحـي كان بتوسّط أمين الـوحي جبريل ، وهـو كان حاكياً لتلك الخطابات منه سبحانـه إلى رسوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ .

فليس هنا خطاب لفظي حقيقي ; إذ النبي الأكرم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لم يكن طرف المخاطبـة لـه تعالى ، ولا المؤمنون المقتفون بـه ، بل حال الحاضرين في زمـن النبي ومجلس الوحـي كحال غيرهم ; مـن حيث عدم توجّـه خطاب لفظي مـن الله سبحانه إليهم .

وبالجملة : لو تأمّلت في أنّ خطابات الله وكلامه لم تكن مسموعة لأحد من الاُمّة ، وأنّ الوحي كان بتوسّط أمينه بنحو الحكاية لرسوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ تعرف عدم خطاب لفظي من الله ; لا إلى نبيّه ولا إلى عباده ، بل تلك الخطابات القرآنية كسائر الأحكام الذي لم يصدر بألفاظ الخطاب من غير فرق بينهما ، وتكون أشبه بالخطابات الكتابية ، مثل قول القائل «فاعلموا إخواني» .

وحينئذ بما أنّ تلك الخطابات المحكية باقية إلى زماننا ، ونسبة الأوّلين والآخرين إليها سواء فلا محالة يكون اختصاصها إليهم بلا وجه ، بل اختصاصها إليهم ثمّ تعميمها إلى غيرهـم لغو ; إذ لا وجـه لهذا الجعل الثانوي مـن قولـه مثلاً «إنّ حكمي على الآخرين حكمي على الأوّلين» بعد إمكان الشمول للجميع على نسق واحد .

بل عدم الدليل على الاختصاص كاف في بطلانه بعد كون العنوان عامّاً أو مطلقاً ، وبعد كون الخطاب الكتبي إلى كلّ من يراه أمراً متعارفاً ، كما هو المعمول من أصحاب التأليف من الخطابات الكثيرة .

فظهر : أنّ خطابات القرآن كغيرها في أ نّها ليست خطابات حقيقية .

 وأمّا التخلّص عن هذا الإشكال بالتمسّك بالقضية الحقيقية فضعيف جدّاً ; لأنّ الحكم في القضية الحقيقية على عنوان للأفراد قابل للصدق على كلّ مصداق موجود فعلاً أو ما يوجد في القابل ، ومثل ذلك لا يتصوّر في الخطاب ; إذ لا يمكن أن يتعلّق الخطاب بعنوان أو أفراد له ; ولو لم تكن حاضرة في مجلس التخاطب . والخطاب نحو توجّه تكويني نحو المخاطب لغرض التفهيم ، ومثل ذلك يتوقّف على حاضر ملتفت ، والمعدوم والغائب ليسا حاضرين ولا ملتفتين .

وبالجملة : ما سلكناه من التمسّك بالقضية الحقيقية في غير الخطابات لا يجري فيها ; إذ الخطاب الحقيقي يستلزم وجوداً للمخاطب ووجوداً واقعياً للمخاطب . والقول بأنّ الخطاب متوجّه إلى العنوان كجعل الحكم عليه مغالطة محضة ; لأنّ تصوّر الخطاب بالحمل الشائع يأبى عن التفوّه بذلك .

ولو اشتهى أحد إصلاح هذا القسم من هذا الطريق أيضاً فلابدّ أن يتمسّك في إثبات شمول الخطاب للمعدوم والغائب بأنّ المعدوم نزّل منزلة الموجود ، أو غير الشاعر منزلة الشاعر الملتفت ، كما هو المشهور في مخاطبة الجمادات ، كما في  الشعر :

أيا شجر الخابور مالك مورقاً      كأنّك لم تجزع على ابن طريف

وفي قول القائل :

ألا أيّها الليل الطويل ألا انجلي      بصبح ، وما الإصباح منك بأمثل

مع أ نّك قد عرفت : أنّ هذا التنزيل ليس لازم القضية الحقيقية(11) ; وإن زعمه بعض الأعاظم(12) .

 فلا وجه لارتكاب التكلّف والتعسّف بالتمسّك بالقضية الحقيقية ، ثمّ الالتزام بتكلّف آخر من حديث التنزيل ، وهي بذاتها غير محتاج إليها .

والحاصل : أنّ الإنشائيات بنحو الخطاب ليست من القضايا الحقيقية ; لأنّ الخطاب العمومي مثل (يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا) لا يمكن أن يتوجّه بنحو الخطاب الحقيقي إلى أفراد العنوان ; حتّى يكون كلّ فرد مخاطباً بالخطاب اللفظي في ظرف وجوده ; لأنّ أدوات النداء وضعت لإيجاد النداء لا لمفهومه ، والمخاطبة نحو توجّه إلى المخاطب ; توجّهاً جزئياً مشخّصاً ، وهو يتوقّف على وجود المخاطب الملتفت .

فلو التزمنا على خلاف المختار ، وقلنا : إنّ خطابات الذكر الحكيم متوجّهة نحو المخلوق ، وإنّ مَثَل رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ مثل شجرة موسى ـ عليه السلام ـ  ، فلا محيص ـ حينئذ ـ في شمول الخطابات إلى غير الحاضرين ; من الالتزام بتنزيل المعدوم وغير الحاضر منزلة الموجود والحاضر ، ولكن لا يصار إليه إلاّ بدليل خارج بعد عدم كونه لازم القضية الحقيقية ، فتدبّر .

في ثمرة البحث:

وأمّا ثمرة البحث فتظهر في موضعين :

الأوّل : في ظواهر خطابات الكتاب ; فعلى القول بالتعميم يكون المشافه وغيره سواء في الأخذ بظهور الخطاب ، ويصير حجّة للمشافه وغيره .

وأورد عليـه المحقّق الخراساني : بأنّ هذه الثمرة مبنيـة على اختصاص حجّية الظواهر بالمقصودين بالإفهام وهو باطل ، مع أنّ غير المخاطبين أيضاً مقصودون بها(13) .

وأجاب عنه بعض الأعاظم : بأنّ الثمرة لا تبتني على مقالة القمي ـ رحمه الله ـ  ; فإنّ الخطابات الشفاهية لو كانت مقصورة على المشافهين ولم تعمّ غيرهم فلا معنى للرجوع إليها وحجّيتها في حقّ الغير ; سواء قلنا بمقالة المحقّق القمي أو لم نقل ، فلا ابتناء للثمرة على ذلك أصلاً(14) ، انتهى .

وفيه : أنّ تسرية ما تضمّنته تلك الخطابات إلى الغائبين والمعدومين ليست بنفس تلك الخطابات فقط ، على القول باختصاصها بالمشافهين الحاضرين ، بل بقاعدة الاشتراك في التكليف الذي انعقد عليه الإجماع والضرورة .

فحينئذ لو لم نقل بمقالة المحقّق القمي ـ قدس سره ـ تكون الظواهر قابلة للرجوع إليها لتعيين تكليف المخاطبين ، وإن كانت مخصوصة بالمشافهين لرفض مقالة القمي  ـ رحمه الله ـ فيتمسّك في إثباته في حقّنا بدليل الاشتراك ، وهذا بخلاف ما لو قلنا بمقالته .

فظهور الثمرة موقوف على مقالة القمّي ، وكأنّه ـ قدس سره ـ تخيّل أنّ اختصاص الخطاب لجماعة يوجب انحطاطه عن جميع المزايا ; حتّى لو لم نقل بمقالة القمّي ، كما هو صريح كلامه.

الثاني : صحّة التمسّك بإطلاق الكتاب ، بناءً على التعميم ـ وإن كان غير المشافه مخالفاً في الصنف مع تمام المشافهين ـ وعدم صحّته بناءً على الاختصاص .

والسرّ في ذلك : هو أ نّه لو قلنا بعدم اختصاصها بهم يكون المشافه وغيره سواء ، ويكون نفس الإطلاق يقتضي تكليف الغائب والمعدوم بما تضمّنته تلك الإطلاقات من الأحكام ; ولو مع اختلاف الصنف ، وهذا بخلاف ما لو خصّصناها بهم لفقدان الضرورة والإجماع الدالّين على الاشتراك في التكليف في مورد الاختلاف ، بل لابدّ عند التمسّك بدليل الاشتراك ـ  على القول بالاختصاص  ـ من إحراز كلّ ما له دخل في التكليف المتوجّه إليهم ولو احتمالا .

وأورد عليه المحقّق الخراساني : بأ نّه يجوز التمسّك بأصالة الإطلاق لرفع الشكّ فيما يمكن أن يتطرّق إليه الفقدان ; وإن كان لا يجوز ذلك بالنسبة إلى الأمر الموجود الذي لا يتطرّق الفقدان إليه ; لأنّه على تقدير شرطيته لا يحتاج إلى البيان ; لأنّ عدم بيانه لا يوجب نقضاً للغرض(15) .

هذا ، ووافقه شيخنا العلاّمة في إنكار أصل الثمرة ، ولكن من طريق آخر ، وحاصله : أ نّه ليس في الخارج أمر يشترك فيه جميع المشافهين إلى آخر أعمارهم ، ولا يوجد عندنا . وحينئذ لو احتملنا اشتراط شيء يوجد في بعضهم دون آخر أو في بعض الحالات دون بعض يدفعه أصالة الإطلاق(16) ، انتهى .

قلت : يمكن أن يقال بظهور الثمرة في التمسّك بالآية لإثبات وجوب صلاة الجمعة علينا ، فلو احتملنا أنّ وجود الإمام وحضوره شرط لوجوبها أو جوازها يدفعه أصالة الإطلاق في الآية على القول بالتعميم ، ولو كان شرطاً كان عليه البيان .

وأمّا لو قلنا باختصاصه بالمشافهين أو الحاضرين في زمن الخطاب لما كان يضرّ الإطلاق بالمقصود وعدم ذكر شرطية الإمام أصلاً ; لتحقّق الشرط ; وهو حضوره ـ عليه السلام ـ إلى آخر أعمار الحاضرين ; ضرورة عدم بقائهم إلى غيبة وليّ العصر ـ عجّل الله فرجه ـ فتذكّر .

____________

1 ـ الأعراف (7) : 172 .

2 ـ اُنظر الفصول الغروية : 183 / السطر27 .

3 ـ مطارح الأنظار : 203 / السطر30 .

4 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 548 .

5 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 170 ـ 171 و 512 و 526 .

6 ـ تقدّم في الصفحة 221 .

7 ـ تقدّم في الصفحة 155 .

8 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 550 .

9 ـ يأتي في الصفحة 228 .

10 ـ إلاّ أ نّك لـو أحفيت الحقيقـة مـن كتاب «مصباح الهدايـة في الولايـة والخلافـة» لسيّدنا الاُستاذ ـ  دام ظلّه  ـ يسهّل لك حلّ بعض مشاكله ، وهو من أنفس ما اُ لّف في هذا المقام ، فحيّا الله سيّدنا الاُستاذ وبيّاه . [المؤلّف]

11 ـ تقدّم في الصفحة 222 .

12 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 550 .

13 ـ كفاية الاُصول : 269 .

14 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 549 .

15 ـ كفاية الاُصول : 270 .

16 ـ درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 226 .

 

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.


لأعضاء مدوّنة الكفيل السيد الصافي يؤكّد على تفعيل القصة والرواية المجسّدة للمبادئ الإسلامية والموجدة لحلول المشاكل المجتمعية
قسم الشؤون الفكرية يناقش سبل تعزيز التعاون المشترك مع المؤسّسات الأكاديمية في نيجيريا
ضمن برنامج عُرفاء المنصّة قسم التطوير يقيم ورشة في (فنّ الٕالقاء) لمنتسبي العتبة العباسية
وفد نيجيري يُشيد بمشروع المجمع العلمي لحفظ القرآن الكريم