المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



من التفاسير الروائية : تفسير الطبري  
  
13329   09:28 صباحاً   التاريخ: 14-10-2014
المؤلف : محمد علي أسدي نسب
الكتاب أو المصدر : المناهج التفسيرية عند الشيعة والسنة
الجزء والصفحة : ص 204- 214.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / التفسير والمفسرون / مناهج التفسير / منهج التفسير الأثري أو الروائي /

لهذا التفسير ، ثلاثة أسماء :

أ- تفسير الطبري ، من باب تسمية الأثر باسم المؤثر .

ب- جامع البيان في تفسير القرآن ، وهذا الاسم مكتوب على بعض طبعاته .

ج- جامع البيان عن تأويل آي القرآن ، وهذا الاسم ذكر في كتاب تاريخ الأمم والملوك تأليف الطبري ، وفي الحقيقة أن المؤلف سمى تفسيره بهذا الاسم فقط (1).

كما نجده على بعض طبعاته ايضاً .

قيل : إن الطبري استعمل كلمة " التأويل " في اسم كتابة ؛ لأنه يريد بالتأويل درجة بعد التفسير ، خلافاً لقول بعض العلماء إن التفسير والتأويل مترادفان ، بينما يرى أكثر المتأخرين ، أن التفسير بيان المعاني التي تستفاد من وضع العبارة ، أو انه يرجع الى معرفة المعنى بالنقل والرواية ، وأن التأويل بيان المعاني التي تستفاد بطريق الإشارة ، أو : أنه معرفة المعنى بالاجتهاد والاستنباط والرأي ، وترجيح محتملات اللفظ ، والاستدلال على ذلك بالأدلة المختلفة العقلية والنقلية والتاريخية واللغوية ، واستنباط الأحكام وتحديد العقيدة ، وبيان المراد من النص ، وهذا ما أراده الطبري رحمه الله ، فالتفسير عنده مقدمة للتأويل (2).

ولكن لإثبات صحة هذا المقال ، لابد ان ننظر الى نفس جامع البيان ، فنرى فيه أنه يفسر التأويل بالتفسير ، فيقول : ومعنى التأويل في كلام العرب : التفسير ، وايضاً يفسر جملة { وما يعلم تأويله إلا الله } ، ويقول : وما يعلم وقت قيام الساعة ، وكل ما هو كائن إلا الله (3) .

فحينما نلاحظ ما ذكرناه آنفاً ، ونلاحظ أنه يقسم التفسير الى ثلاثة أقسام ، ويجعل قسماً منها : ما اختص الله وحده بعلمه فلم يطلع عليه أحداً من خلقه ، كوقت قيام الساعة (4) ، يمكن القول بأن التفسير والتأويل عنده بمنزلة سواء .

ولكن بما أن منهجه روائي ومختلط بالقليل من الاجتهاد ، وفي ذلك الوقت لم تكن المناهج الأخرى مقبولة لدى الكثيرين ، وأراد أن يذكر في تفسيره ، آراء أخرى غير ما سلكه من كان قبله من المفسرين بهذا المنهج ، واستفاد من العقل والسياق ، ومن الأشعار والمفردات العربية ، فرأى أن التأويل أنسب لقبول الآخرين ، وأقوى لسكوت المخالفين ، فلا يخالفونه بعد ما سمى تفسيره بالتأويل ، الاسم الذي لا ينسب المعنى الى الله في ظاهر العبارة ، ويجعل المفسر في وسع وفراغ مما جرى بين الخواص والعوام ، كما أن ابن عربي يذكر علة استعمال لفظة التأويل من قبل الإشاريين بنفس الأسلوب .

ومؤلف : هذا التفسير هو ابو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الطبري ، ولد في مدينة آمل ، من المدن الإيرانية الواقعة في شمالها قرب بحر قزوين ، سنة 224هـ ، ورحل الى بلدان ، وزار مصر والشام والعراق ، وأخيراً استقر ببغداد ، وبقي بها الى أن مات سنة عشر وثلاثمائة ، ودفن في داره ليلاً ، قال ياقوت الحموي :

ودفن ليلاً خوفاً من العامة ، لأنه كان يتهم بالتشيع (5).

وبمناسبة الذكرى السنوية لوفاته سنة 1410 من ذي الحجة ( بعد مضي الف ومائة سنة من وفاته ) أقيمت حفلة علمية عظيمة في ايران بأمر من رئيس الجمهورية الإسلامية آنذاك " الشيخ الرفسنجاني " ( مؤلف تفسير " راهنما " في عشرين جزءاً) ، وحضرها كثير من العلماء أكثرهم من الشيعة ، وتكلموا على حياته وآثاره من دون أي تعصب وعناد ، وجهالة وشقاق ، فبينوا فضائله العلمية وثمراته الكبيرة ، مع نقد في جنبها ، بما يناسب المحافل العلمية .

وكانت نتيجة هذا المؤتمر العظيم : عدة كتب ومقالات تفيد من أراد الاطلاع على الطبري وآرائه ومناهجه في التفسير والتاريخ وغيرها من العلوم الأخرى .

وأما مذهب الطبري ، فقد كان ابتداء على مذهب الشافعية : لأنه درسه ودرسه وأفتى به ، ولكنه صار مجتهداً ، بل كان من كبار أئمة الاجتهاد (6) ، وعلى الرغم من ادعاء الشافعية أنه من جزبهم ، الا أن الصواب أنه مجتهد مطلق ، وله مذهب مستقل ، ولكن لم يأتِ بمذهب جديد ، وإن سموا بالجريريين ، ولكن هذا النسبة ، نشأت  بواسطة علاقة تعليمية وتربوية ومنهجية جديدة ، فلا تكون علامة لمذهب جديد .

في ميزان الاعتدال : محمد بن جرير بن يزيد الطبري الإمام الجليل المفسر أبو جعفر صاحب التصانيف الباهرة ... ثقة صادق ، فيه تشيع يسير ، وموالاة لا تضر ... من كبار أئمة الإسلام (7).

وفي الإتقان : أجل التفاسير وأعظمها .... فإنه يتعرض لتوجيه الأقوال وترجيح بعضها على بعض والإعراب والاستنباط ، فهو يفوق بذلك تفاسير الأقدمين (8).

ويقول السيوطي ايضاً : فإن قلت : فأي التفاسير ترشد اليه ، وتأمر الناظر أن يعول عليه ؟ قلت : تفسير الإمام أبي جعفر بن جرير الطبري ، الذي أجمع المعتبرون على أنه لم يؤلف في التفسير مثله ، قال النووي في تهذيبه : كتاب ابن جرير في التفسير لم يصنف أحد مثله (9).

وفي طبقات المفسرين للداودي : قال الخطيب أبو بكر : ( ابن جرير ) أحد ائمة العلماء يحكم بقوله ويرجع الى رأيه لمعرفته وفضله ، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره ، وكان حافظاً لكتاب الله عارفاً بالقراءات بصيراً بالمعاني ، فقيهاً في احكام القرآن ، عالماً بالسنن وطرقها ، وصحيحها وسقيمها ، وناسخها ومنسوخها ، عارفاً بأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المخالفين في الأحكام ، ومسائل الحلال والحرام ، وعارفاً بأيام الناس وأخبارهم ، وله الكتاب المشهور في " تاريخ الأمم والملوك " وكتاب التفسير الذي لم يصنف أحد مثله ، وكتاب " تهذيب الآثار " لم أر سواه في معناه ، إلا أنه لم يتمه ، وكتاب حسن في القراءات سماه " الجامع " وله في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة واختيار من أقوال الفقهاء وتفرد بمسائل حفظت عنه .

وبلغني عن أبي حامد أحمد بن أبي طاهر الأسفرايني قال : لو سافر رجل الى الصين ، حتى يحصل له كتاب تفسير محمد بن جرير ، لم يكن ذلك كثيراً .

وسمعت على بن عبيد الله بن عبد الغفار اللغوي ، يحكى أن محمد بن جرير مكث أربعين سنة ، يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة (10).

ويعتبر تفسير الطبري مرجعاً لجميع التفاسير التي كتبت بعده ، خصوصاً للذين عنوا التفسير النقلي ، ويقع في ثلاثين جزء من الحجم الكبير ، وقد كان هذا الكتاب من عهد قريب يكاد يعتبر مفقوداً لا وجود له ، ولكن الله قدره موجوداً متناولاً للناس ، فكانت مفاجأة سارة للأوساط العملية في الشرق والغرب أن وجدت في حيازة أمير ( حائل ) الأمير حمود ابن الأمير عبد الرشيد من أمراء نجد نسخة مخطوطة كاملة من الكتاب (11) ، ويشتمل على 29684 حديثاً (12).

ويقول الذهبي أيضاً : ويظهر مما بأيدينا من المراجع : أن هذا التفسير كان أوسع مما هو عليه اليوم ، ثم اختصره مؤلفه الى هذا القدر الذي هو عليه الآن ، كما أن كتابه في التاريخ ظفر بمثل هذا البسط والاختصار ، فابن السبكي في طبقاته الكبرى أن أبا جعفر قال لأصحابه : أتنشطون لتفسير القرآن ؟ قالوا : كم يكون قدره ؟ فقال ثلاثون ألف ورقة ، فقالوا : هذا ربما تفنى الأعمار قبل تمامه ، فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة (13).

أقول : النسخة الموجودة لدينا الآن ، تصل الى 15 مجلداً ، فإذا كان هذا عشر ما كتبه الطبري أولاً ، فهذا يعني : أن ما كتبه ابتداء يصل الى 150 جلداً ، وهذا بعيد جداً ، فربما يستفاد من كلامه : أن ذلك السؤال كان قبل أن يبدأ بالتفسير ، وكأنه أراد أن يذكر عظمة القرآن وسعة تفسيره أولاً ، وأنه يقدر تأليف تفسير كبير بذلك المقدار إن أمكنته الأيام ، ولكنه جمع ما عنده في مختصر أو كان عنده عدة من الطلاب الأفاضل ، وهؤلاء كانوا يساعدونه في جمع كل ما يتعلق بالدين ويمكن إدراجه في تفسير القرآن المجيد ، وكان هو مشرفاً عليهم ، وعلى كل حال فالله هو العالم بحقيقة الحال .

منهجه : تقدم أموراً لكي نفهم منهجه في التفسير :

أ – أهمية هذا التفسير

يعد تفسير الطبري أم التفاسير لأهل السنة ؛ لأنه نهضة اجتهادية في علم التفسير لديهم ، وأدخله في مرحلة جديدة واسعة ، صارت لمن يأتي بعده نموذجاً وأسوة ، فإن أكثر المفسرين الذين عاشوا قبله ، جمعوا الروايات التفسيرية فقط دون زيادة ونقد وشرح وبيان ، ولكن الطبري ، ذكر الروايات لتفسير الآيات لتفسير الآيات ، وجاء بأمرين كانا جديدين في ما يتعلق بتفسير القرآن ، فهو أولاً ذكر الترجيح بين الروايات ، وثانياً : أدخل في تفسير كلام الله غير الروايات ، فهو يعد أول استفاد من مصادر أخرى مثل ، القرآن ، العقل ، اللغة ، الأدب ، الأشعار وغيرها .

ب – أسلوب بيانه

إنه يذكر الآية أولاً ، ثم يعقبها بتفسير غريب اللغة فيها ، او إعراب مشكلها إذا دعت الحاجة الى ذلك ، وكثيراً ما يستشهد بأشعار العرب ، وبعد ذلك يبدأ بتأويل الآية ، أي : تفسيرها على الوجه الراجح ، فيأتي بحديث أو قول مأثور ، إن كان هناك رأي واحد ، أما اذا ازدحمت الأقوال وتكترث الآراء ، فعند ذلك يذكر كل تأويل على حده ، وربما رجح عند تضارب الآراء أحدها ، ويأتي بمرجحاته ، إن لغة أو اعتباراً ، وربما فصل الكلام في اللغة والاعراب واستشهد بالشعر والأدب .

ج – اهتمامه بالقراءات

كثيراً ما يعرض اختلاف القراء في القراءات القرآنية ، وقد يذكر رأيه ، وأحياناً يجمع بين الأقوال في موارد الإختلاف ، كما يؤيد رأي الجمهور في مقابل القراءات الشاذة بكثرة ، وإذا رأى القراءتين مشهورتين ، يجعل الخيار فيها ، كما يقول : واختلف القراء في قراءة قوله { وَالْوَتْرِ} [الفجر : 3] فقراءة عامة قراء المدينة ومكة والبصرة وبعض قراء الكوفة بكسر الواو ، والصواب من القول في ذلك : أنهما قراءتان مستفيضتان معروفتان في قراءة الأمصار ، ولغتان مشهورتان في العرب ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب (14).

د – مصادر الطبري في التفسير

مما يساعدنا على معرفة المنهج التفسيري للطبري ، هو معرفة مصادره التفسيرية ، فنقول : أصح الطرق وأوضحها لتفسير القرآن عنده هو التفسير الروائي ، كما أشرنا اليه في مقدمة تفسيره حينما تكلم على أقرب المفسرين الى إصابة الحق في التفسير .

لكن بما أن تفسيره من التفاسير الروائية المشتملة على دقائق وعلوم إضافة الى ذكر الروايات الكثيرة ، فنرى أنه استفاد في التفسير من المصادر الأخرى مثل :

1- القرآن وتفسير الآيات بالآيات الأخرى ، مثل تفسير {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [البقرة : 7] (15) بواسطة الآية 23 من الجاثية .

وكذلك تفسير الآية {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة : 187] بواسطة الآية {جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا} [الفرقان : 47]

2- العلوم العربية ، فهو يقول : اختلف أهل التأويل في معنى ذلك (مواقع النجوم ) فقال بعضهم : معناه : فلا أقسم بمنازل القرآن ، وقالوا : أنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم نجوماً متفرقة ، وقال آخرون : بل معنى ذلك : بمنازل النجوم ، وقال آخرون : بل معنى ذلك : فلا أقسم بمساقط النجوم ، وقال آخرون : بل معنى ذلك : بانتشار النجوم عند قيام الساعة.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك : فلا أقسم بمساقط النجوم ومغايبها في السماء ، وذلك أن المواقع جمع موقع ، والموقع المفعل ، من وقع يقع موقعاً ، فالأغلب من معانيه والأظهر من تأويله ما قلنا في ذلك (16).

3- سياق الكلام ، حين تفسير {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم : 10] يقول : معناه فأوحى جبريل الى عبده محمد صلى الله عليه واله وسلم ما أوحى اليه ربه ، لأن افتتاح الكلام جرى في أول السورة بالخير عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وعن جبريل عليه السلام وقوله : فأوحى الى عبده ما أوحى ، في سياق ذلك ، ولم يأتِ ما يدل على انصراف الخبر عنهما (17).

وايضاً عند تفسير الآية : {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ} [البقرة : 110] يقول : وفي قوله : " تجدوه " كلمة مقدرة ، أي : تجدوا ثواب الخير عند الله ، وقد حذفت كلمة (ثواب) من الجملة ؛ لاستغناء السامع عنها ، بدلالة ظاهر السياق عليها (18).

4- ظهور الكلام العرفي ، فالطبري في تفسير قوله : {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [القيامة : 15] يقول : اختلف أهل الرواية في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معناه : بل الإنسان على نفسه شهود من نفسه ، ولو اعتذر بالقول مما قد أتى من المآتم وركب من المعاصي وجادل بالباطل ، وقال آخرون : بل معنى ذلك : بل للإنسان على نفسه من نفسه بصيرة ولو تجرد ، وقال آخرون : بل معنى ذلك ك , ولو أرخى السور وأغلق الباب ، وقال آخرون : بل معنى ذلك : ولو اعتذر ؛ لأن ذلك أشبه بظاهر التنزيل (19) .

5- الشعر العربي ، قد أكثر الطبري من الاستشهاد بالأشعار العربية لتفسير آيات القرآن والمفردات غير الواضحة ، حتى قيل : إن تفسيره يعد ديواناً شعرياً ومرجعاً للباحثين في الفاظ القرآن ، واليك نماذج قليلة مما ذكره :

(أ‌)     تفسير قاسط بالظالم بواسطة الشعر ، ذيل الآية 15 من سورة الجن .

(ب‌)   تفسير قمطريراً بالتشديد بواسطة الشعر ، ذيل الآية 10 من سورة الإنسان .

(ت‌)   تفسير كلمة أزفت ، بـ ( دنت واقتربت) ، ذيل الآية 57 من سورة النجم .

(ث‌)   تفسير كلمة قضينا بـ ( أعلمنا ) بواسطة الشعر ، ذيل الآية 117 من سورة البقرة .

6- الاجتهاد العقلي ، تارة نجد الطبري يفسر آية من دون ان يستفيد من المصادر السابقة ، بل هو ينتفع باجتهاداته الشخصية ، على سبيل المثال حين تفسيره لآية {مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ } [البقرة : 112] فهو يعتقد بأنه : خص الوجه بالذكر دون سائر الجوارح ؛ لأن الوجه هو أكرم أعضاء ابن آدم وجوارحه ، وهو أعظمها على ابن آدم حرمة وحقاً ، فإن خضع وجهه لشيء ، كان خضوع الجوارح من باب أولى ، فالمراد بالوجه هنا ، نفس الإنسان وبدنه كله (20).
7- الإجماع ، عندما يفسر آية : {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} [البقرة : 11] ،

ويذكر الاحتمالين أو التأويلين في المراد من المفسدين في الارض ، وهما : الذين لم يأتوا بعد ، والمنافقون الذين جاؤا وكانوا موجودين زمن النبي صلى الله عليه واله وسلم ، يقول الطبري : وأولى التأويلين بالآية تأويل من قال .... نزلت في المنافقين .. وإنما قلنا : أولى التأويلين بالآية ما ذكرنا ؛ لإجماع الحجة من أهل التأويل (21).

هـ - تفسير الطبري كبقية التفاسير الروائية ، لم يخل من الإسرائيليات والمجاهيل والضعاف ، وهذا التفسير مشتمل على 29684 حديثاً ، فمن يقول الذهبي : ثم إننا نجد ابن جرير يأتي في تفسيره بأخبار مأخوذة من القصص الإسرائيلي ، يرويها بإسناده الى كعب الأحبار ، ووهب بن منبه ، وابن حريج والسدي وغيرهم ... وهكذا يكثر ابن جرير من رواية الإسرائيليات ، ولعل هذا راجع الى ما تأثر به من الروايات التاريخية التي عالجها في بحوثه التاريخية الواسعة ، واذا كان ابن جرير يتعقب كثيراً من هذا الروايات بالنقد ، فتفسيره لا يزال يحتاج الى النقد الفاحص الشامل ، احتاج كثير من كتب التفسير التي اشتملت على الموضوع والقصص الاسرائيلي ، على أن ابن جرير- كما قدمنا – قد ذكر لنا السند بتمامه في كل رواية يرويها ، وبذلك يكون قد خرج من العهدة ، وعلينا نحن أن ننظر في السند ونتفقد الروايات (22).

ز – الإنسان حتى لو بلغ مرحلة من كماله العلمي ، لا يكون معصوماً من الخطأ في الفكر ، وبالتبع لا يكون محفوظاً من النقد والإشكال .

فنقول : تفسير الطبري حقاً من التفاسير المهمة ، ويعد نهضة علمية عميقة لأهل السنة في مسيرة التفسير ، ولكن هناك ملاحظات ترد عليه نقتصر على اثنتين :

1- مع أن الطبري ذكر أكثر من 29684 حديثاً في تفسيره ، ولكن مع الأسف نجد تفسيره ، أحياناً خالياً من روايات في فضائل أهل البيت ، ولم يذكر الروايات المذكورة في التفاسير الأخرى ، مثلاً حينما يذكر تفسير آية المودة {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى : 23] لا يذكر الروايات الموجودة في التفاسير الأخرى ، ففي الكشاف " روي أنها لما نزلت قيل : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم ؟ قال : علي وفاطمة وابناهما " (23).

وحينما ذكر آية الإكمال (24) لم يتعرض لحديث الغدير ، رغم ما قيل من أنه صنف حول الغدير وفضائل علي عليه السلام كتاباً مستقلاً .

2- حينما نجد الإسرائيليات والروايات الضعيفة في التفاسير الروائية المحضة ، يمكن الإغضاء عن نقد مؤلفها ، ولكن المتوقع من الطبري الذي يعد أباً للتفسير كما يعد أباً للتاريخ الإسلامي ان لا يذكر روايات مخالفة للأصول الدينية الصحيحة وفروعها ، وإن ذكر شطراً منها ، كان يجب عليه تمحيصها ونقدها ، وهو أهل لهذا التمحيص ، كما فعله أحياناً في كتابه .

_________________________
1- أنظر الى : يادنامه طبري : 71 .

2- الإمام الطبري ، للدكتور محمد الزحيلي : 101 .

3- تفسير الطبري 2 : 214 ، ذيل الآية 7 من سورة آل عمران .

4- تفسير الطبري 1 : 40 ، مقدمته لتفسيره .

5- معجم الأدباء 18 : 40 .

6- راجع : سير أعلام النبلاء ، للذهبي 14 : 269 .

7- ميزان الاعتدال ، للذهبي 3 : 491 ، حرف الميم .

8- الإتقان في علوم القرآن ، للسيوطي 4 : 2427 ، النوع الثمانون .

9- المصدر السابق : 244.

10- طبقات المفسرين ، للداودي 2 : 112 – 113 .

11- التفسير والمفسرون ، للذهبي 1 : 207 – 208 .

12- انظر الى الصفحة الاخيرة من تفسيره بتحقيق صدقي جميل العطار ، طبعة دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، وفي هذه الطبعة جعل لكل حديث رقماً ، ولكن هناك كثير من الآثار والأحاديث لم يذكر له رقماً مثل الحديث الموجود في الصفحة الأخيرة من هذه الطبعة عن ا بن عباس ، فإنه لا رقم له .

13- التفسير والمفسرون ، للذهبي 1 : 209.

14- تفسير الطبري 15 : 216 ، ذيل الآية 3 من سورة الفجر .

15- المصدر السابق 1 : 101 ، ذيل الآية 7 من سورة البقرة .

16- تفسير الطبري 7 : 213 ، ذيل الآية 80 من سورة الواقعة .

17- تفسير الطبري 7 : 145 ، ذيل الآية 10 من سورة النجم .

18- تفسير الطبري 1 : 401 ، ذيل الآية 110 من سورة البقرة .

19- تفسير الطبري 7 : 412 ، ذيل الآية 15 من سورة القيامة .

20- راجع : تفسير الطبري : 404 ، ذيل الآية 112 من سورة البقرة .

21- تفسير الطبري 1 : 182- 183 ، ذيل الآية 11 من سورة البقرة .

22- التفسير والمفسرون ، للذهبي 1 : 214- 215 .

23- تفسير الكاشف : 23.

24- المائدة : 3 .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .