أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-10-2014
1616
التاريخ: 2-06-2015
2131
التاريخ: 10-10-2014
2439
التاريخ: 5-05-2015
1916
|
يقول تعالى: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ * ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 51،52]
إن من أعظم نعم الله تعالى على بني إسرائيل عموماً وعلى شخص موسى الكليم (عليه السلام) خصوصاً هي الضيافة الإلهية له التي استمرت أربعين ليلة، حيث إن تحمل أربعين يوماً من الرياضات والانقطاع عما سوى الله كانت قد هيأت قلبه لتلقي التوراة، فأسبغ الله عز وجل على بني إسرائيل نعمة الكتاب أي نعمة الشريعة والدين وهما النعمتان اللتان ضروريات ومتطلبات المجتمع الحائز على الاستقلال.
لقد واعد الله جل وعلا موسى الكليم أن يتم تلكم الأربعين ليلة وقد وافق الأخير على ذلك. هذا الموعد الذي عيّن باتفاق من الطرفين هو من سنخ الأسماء التشبيهية لله عز وجل التي تنطوي على تكريم وتشريف لنبي الله موسى.
وبسبب التسرع والعجلة لم يطق بنو إسرائيل الوعد المذكور مما حدا وبإغواء من الشيطان، إلى أن يستدلوا على تأخير موسى بهم، (حيث مدد عزّ وجلّ وعده الأول له ذا الثلاثين ليلة إلى أربعين ليلة) بأنه لن يعود فتحولوا، جراء استغلال السامري لضعفهم الفكري، إلى عبادة العجل.
أما الإغواء الثقافي والمغالطة الفكرية اللتان كانتا السبب وراء ارتداد بني إسرائيل وتحولهم إلى عبادة الأصنام فهي أنّهم، وبسبب تصور التماثل بين خوار جسد العجل المجرد من الروح وبين صيرورة عصا النبيلة حية، اعتبروا الأولى معجزة للسامري، أو أنهم نتيجة الشبه بين خوار العجل ونداء {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ} [طه:14] الصادر عن الشجرة، عدوا الأول كلاماً الله سبحانه وتعالى.
هؤلاء، وبعد مشاهدة كل تلك البينات والآيات الواضحة، عمدوا إلى إثقال كاهلهم بالشرك الذي هو أبشع أنواع الظلم مع التفاتهم إلى قبحه. وفي الآية الثانية، ومن أجل إبراز هذا الظلم للعيان ولفت الانتباه إلى فداحة وقبح تبديل عبادة الله إلى عبادة العجل، وكذلك من أجل أن تتجلى أكثر عظمة العفو الإلهي، استخدم اسم الإشارة للبعيد: {ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 52]
لقد عفا الله سبحانه وتعالى عن جمهور بني إسرائيل، وليس عن السامري وآله، مع ما اقترفوه من ذنب عظيم على الرغم من أن هذا العفو وقبول التوبة - الذي يُحتمل أن يكون سبباً لحقارة بني إسرائيل ودناءة شأنهم - كانت له كيفية وشروط ومقدمات حيث من مصاديق مقدماته أنهم قد أمهلوا إلى حين عودة موسى الكليم من الميقات كي يطلعهم على كفارة ذنبهم.
بنو إسرائيل لم يشكروا آلاء الله عليهم، بل إنهم بعبادتهم للعجل قد كفروا، لكن الله عفا عن ظلمهم هذا لعلهم يشكرونه على سوابق نعمائه ويصبحون من بعد ذلك من الشاكرين.
"أربعين": اختلف المفسرون بين أن تكون أربعين ظرفاً (مفعولاً فيه) لقوله: ﴿واعدنا أو مفعولاً ثانياً لها أو شيئاً آخر، إلا أن كونها ظرفاً أمر مستبعد؛ وذلك لأن الإعراب يتبع صحة المعنى، وبالالتفات إلى أن الوعد يتحقق في زمان معين فلا معنى للقول واعدنا موسى في أربعين ليلة.
وعده البعض بديلاً للمفعول المطلق؛ أي: "واعدنا موسى مواعدة أربعين ليلة"، واحتمل الآلوسي كونه صفة لمفعول به محذوف؛ يعني: "واعدنا موسى أمراً كائناً في أربعين" (4) (حيث يكون في هذه الحالة من قبيل الظرف المستقر) كما ويُحتمل أن يكون مفعولاً به ثانياً مع حذف المضاف؛ فيكون المعنى: "واعدنا موسى انقضاء أربعين ليلة".
ويبدو أن الوجه الأخير، الذي اختاره جمع من المفسرين (5)، أولى وذلك بقرينة ذيل الآية حيث يجري الكلام عن نفاد صبر بني إسرائيل وتعجلهم في قضيّة عبادة العجل فكأن المراد هو قوله: لقد واعدنا انقضاء أربعين ليلة من أجل إعطائه التوراة، لكنكم لم تطيقوا ذلك واعتبرتم بإغواء من الشيطان - تأخر موسى (6) دليلاً على عدم رجوعه إليكم فعكفتم على عبادة العجل.
{اتَّخَذْتُمُ} [البقرة:51]: قدم احتمالان لمعنى "الاتخاذ": أولهما أنه بمعنى الصناعة؛ نظير "اتخذت سيفاً"، أي صنعته، وثانيهما جعل وصف من الأوصاف؛ أي إنه جار مجرى الجعل". ففي الصورة الأولى هو ذو مفعول واحد ولا حاجة لتقدير المفعول الثاني، أما في الصورة الثانية فيتعدى إلى مفعولين؛ نحو قولنا: "اتخذت زيداً صديقاً" وقد حذف مفعوله الثاني من الآية : شناعته وقبحه؛ أي: اتخذتم العجل الذي صنعه السامري إلها" (7).
بالطبع إن ما طُرح في هذه النقطة هو التركيب اللفظي والمعنى الأدبي للجملة وإلا فإن الاحتمال الأول يعود أيضاً إلى عبادة العجل (أي إنكم صنعتم العجل كي تتخذوه (معبوداً لا أن المراد من هذا الاحتمال هو مجرد صناعة التمثال؛ وذلك لأن أصل صناعة التمثال لدى غير واحد العلماء، الذين من جملتهم أمين الإسلام ، مكروه وليس بمحرم. كما عده الشيخ الطوسي مكروهاً وفستر الحديث النبوي: "لعن الله المصورين" (8) بأن معناه من شبّه الله بخلقه أو اعتقد فيه أنه صورة جسمانية فهو ملعون (9).
"ذلك": المشار إليه في {ذَلِكَ} (10) [البقرة:52] هو "اتخاذ العجل"، وإن مجيئه بعبارة: من بعد ذلك بدلاً من: من بعده وباستخدام اسم الإشارة للبعيد فهو من أجل إبرازه وتكبيره وكأن الله سبحانه وتعالى يريد أن يجعل ظلمهم باتخاذهم العجل بدلاً من الباري عز وجل مشهوداً لهم وينبههم إلى شدة قبحه كي تتجلى أكثر عظمة عفوه تعالى (11).
تناسب الآيات
بعد الخلاص من براثن الطاغوت ونيل الملك والسلطان والاستقلال، فإن أول مطلب وأبرز حاجة للأمة بعد نيل استقلالها هي الحصول على مجموعة من القوانين تدير بها بلدها الديني.
وإعطاء مثل هذه النعمة، أي إعطاء كتاب يحتوي على مجموعة من العقائد، والاخلاقيات والأحكام، والحقوق كان يتطلب مقدمة تتلخص بالضيافة الإلهية ذات الأربعين ليلة التي حظي بها النبي موسى (عليه السلام) وتجسّم أعباء برنامج يمتد إلى أربعين ليلة يقضيها في الرياضة والعبادة والانقطاع عن غير الله كي يتأهب قلب هذا النبي ويتهيأ لتلقي التوراة.
وما طُرح في صدر الآية الأولى هو إشارة إلى هذه الضيافة وتلك الرياضة، لكن بني إسرائيل، وفي مقابل هذه النعمة وفي طليعة تلبية هذه الحاجة العظيمة الماسة، فقد اقترفوا أعظم كفران للنعمة وذلك بتصورهم العجل ربا واعتبارهم لعبادته أنها ضرب من العبادة الدينية. وما جاء في ذيل الآية الأولى فيه تنويه إلى هذا الشرك، أما الآية الثانية، التي تحدثت عن العفو الإلهي عن هذا الإثم العظيم، ففيها تصريح بمنتهى لطف الله تعالى وغاية رحمته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. جامع البيان، ج 1، ص 368.
2. روح المعاني، ج 1، ص 407
3. راجع تفسير الكاشف، ج 1، ص 102؛ وتفسير روح البيان، ج 1، ص 134؛ وتفسير غرائب القرآن و ورغائب الفرقان، ج 1، ص 286.
4. التأخر هو من باب أن وعد موسى لبني إسرائيل كان الإتيان بالتوراة بعد إتمام ثلاثين ليلة، بيد أن الله تعالى - بغية امتحانهم أو لسبب آخر - مدد هذا الوعد إلى أربعين ليلة. راجع تفسير الصافي، ج 1، ص116.
5. راجع روح المعاني، ج 1، ص 408.
6. بحار الأنوار، ج 14، ص 78؛ ومجمع البيان، ج7- 8 ، ص 600 .
7. التبيان، ج 1، ص 237.
8. من الممكن أن يكون مجيء الخطاب في اسم الإشارة "ذلك" بصيغة المفرد مع أن المخاطبين فيه هم جماعة بني إسرائيل (وهو ما أدى إلى مجيء التعبير في الآية نفسها بقوله: عنكم والعلكم ، وكذا في الإشارة المذكورة في الآية 49 بقوله: ﴿ذلكم ) بلحاظ شخص الرسول الأكرم وفي القرآن الكريم تستعمل أحياناً صيغة الجمع بلحاظ الناس، وتستخدم أحياناً أخرى صيغة المفرد بلحاظ القائد؛ كما في الآيتين الأولى والثانية من سورة "التحريم".
9. راجع روح المعاني، ج 1، ص 410.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|