أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-1-2022
1956
التاريخ: 24-3-2021
2715
التاريخ: 2023-03-20
1217
التاريخ: 27/10/2022
1264
|
(إياك والغضب فأوله جنون وآخره ندم) (1).
شبّه الشعراء وذووا الشعور المرهف من الناس بعض صفات الإنسان وحالاته وغرائزه ببعض حالات الطبيعة:
فشبهت حالة الغم بحالة الخريف الذي تتجرد فيه الأشجار من أوراقها، أو الغروب، والكرم والسماحة بالسحاب الهطول وأمثال ذلك.
والغضب أيضاً من الغرائز التي شبهت بالعاصفة المحطمة أو الرعد القاصف أو البرق الخاطف والبركان المتفجر حمماً.
وإذا دققنا النظر في حالة الغضبان وجدنا الدم يسري في سيماه أحمر فانياً ورأينا عينيه تتحلقان ووجدنا فمه وقد امتلأ رغوة ورأينا أركانه الأربعة تهتز لا يرى الا قريباً ولا يصرخ الا عالياً، غارزاً أظافره في راحتيه مسلما إرادته وفكره للغضب!
ما هو الغضب؟
وبصرف النظر عن التعبيرات الشاعرية ينبغي ان نعرف ما هو الغضب؟ ان الغضب يعتبر حالة اتخاذ موقف من قبل موجود حي عند تعرضه لدافع أو عامل يهدد منافعه أو مصالحه وينبع هذا الموقف من احساسه بحب ذاته وهو حس وميل فطري أودعه الله في أعماق كل موجود حي لحفظ النفس وتأمين مصالح الحياة وبتعبير أوضح، فان الغضب هو رد فعل كل موجود حي في قبال الحوادث التي تمنعه من تحقيق متطلباته.
يقول (كانن) العالم الوظيفي المعروف (ان الغضب وضع في الموجود الحي للإستعداد للصراع والنهوض) (2).
لزوم حالة الغضب:
لقد جعل الله تعالى الغضب كالغرائز الأخرى في الإنسان بسبب فوائدها التي يعلمها، ولذا فينبغي ان لا نتصور ان هذه الغريزة لا تنتج سوى السوء فهي صفة سيئة دائمة، ذلك لان الإنسان لا يستغني أحياناً عن رد فعل قوي تجاه الموانع، وقد عرفنا ان رد الفعل هذا هو (الغضب).
فان الإنسان في أكثر الأحيان يتخذ هذا الموقف عندما يدافع عن دينه ونفسه وماله وعرضه وبواسطة الغضب يرفع تلك الموانع من طريقه. والمجتمع أيضاً يمتلك حالة الفرد هذه فمتى ما واجه المجتمع عاملاً يهدد وجود المجتمع وسعادته فانه يغضب ويعمل بقوة الدفاع عن وجوده، اللهم الا ان يكون المجتمع مخذولاً سيطر عليه الخوف والهلع.
وهكذا يمكننا ان نصل إلى هذه النتيجة وهي أن عزة الأمة وصمودها ومقاومتها يرتبط إلى حد بعيد جدا بكيفية استثمارها الصحيح السليم لهذه الغريزة.
وأننا لنجد الغضب أحياناً - في التصور الإسلامي - فريضة عندما يواجه المسلم الكفار وأعداء الدين.
يكتب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى أهل مصر معرفاً لهم مالك الأشتر - القائد الإسلامي المضحي الكبير - واصفاً إياه بانه (أشد على الفجار من حريق النار) (3).
ضبط الغضب
ان الغضب لو كان في اختيار الإنسان لكان سلاحاً حاداً مفيداً له فلا يطعن الا صدر العدو ولا يستفاد منه الا في المواضع اللازمة. اما إذا كان الإنسان نفسه في اختيار الغضب فانه سيكون مضراً أشد الضرر كما لو سلمت السيف ليد إنسان جاهل سكران.
وبتعبير آخر فان الغضب حالة مزدوجة مثله مثل باقي الغرائز فإذا وجه التوجيه الصحيح واستعمل بالمقدار الصحيح وفي محله وبالشكل المتوازن عاد وسيلة للسعادة والصلاح والكمال ولكنه إذا ترك وشأنه فانه يوجب الويل والشقاء انه كالحصان الجموح ان ألجم وهيئ ومسك زمامه بقوة فانه سيصبح مركباً جيداً يسير باتزان وقوة والا فهو مركب يقود إلى الهلاك ويلقي براكبه أرضاً فلا تحمد عواقبه.
ذلك لان الغضب بلا ضبط نوع من الجنون وبدلاً من ان يكون في خدمة الفضائل يعود مسخّراً للرذائل. ان الإنسان لا يقرب من الجريمة في حالاته العادية فإذا خرج عن حالته العادية ولم يعد يملك نفسه فحينذاك يغطي الدم رؤية العين ووعي العقل ويثور الغضب العاصف في الأعماق وتحدث الجريمة.
وفي مثل هذه الحالة إذا وجدت قوة ضابطة للغضب كالإيمان أو العقل فأننا سوف لن نتوقع حادثة مؤسفة مع ذلك.
يقول الإمام علي (عليه السلام): (أعدى عدو للمرء غضبه وشهوته فمن ملكهما علت درجته وبلغ غايته) (4).
ويقول أيضاً: (ضبط النفس عند حادث الغضب يؤمن مواقع العطب) (5).
والحقيقة ان الحروب المدمرة التي جرّت العالم إلى النار والدم قد نشأت كلها على أساس غضب سريع جامح ليس في محله.
يقول الإمام الصادق (عليه السلام) (سمعت أبي يقول: أتى رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ رجل بدوي فقال أني أسكن البادية فعلمني جوامع الكلم فقال: آمرك ان لا تغضب، فأعاد عليه الأعرابي المسألة ثلاث مرات حتى رجع الرجل إلى نفسه فقال: لا أسأل عن شيء بعد هذا، ما امرني رسول الله الا بالخير قال: وكان أبي يقول أي شيء أشد من الغضب ان الرجل ليغضب فيقتل النفس التي حرم الله ويقذف المحصنة) (6).
ويقول أيضاً: (الغضب مفتاح كل شر) (7).
الغضب والتعقل:
ولأجل ضبط الغضب نحتاج إلى مدد العقل، فان العقل القوي يمكنه بمتابعة المراقبة ان يسيطر على الغضب، ولذا فيجب تقوية العقل وتحكيمه.
يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (الحلم غطاء ساتر والعقل حسام قاطع فاستر خلل خلقك بحلمك، وقاتل هواك بعقلك) (8).
ويقول النبي (صلى الله عليه وآله) (9).
فيمكن للإنسان من خلال نافذة العقل والتفكير ان يطلع على عواقب الغضب ويتأمل فيها وبالتالي ان يصرف نفسه عن ذلك لان مراجعة عواقب الأمور له دوره الأساسي في تحذير الإنسان من كثير من الأخطار. يقول (صلى الله عليه وآله): إذا أنت هممت بأمر فتدبر عاقبته فإن يك رشداً فامضه، وان يك غياً فانتهِ عنه) (10).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ علم النفس التربوي، تأليف الدكتور علي أكبر سياسي، ص 212.
2ـ علم النفس للحياة، للدكتور مهدي جلالي، ص 281.
3ـ نهج البلاغة، فهارس الصالح، ص 411.
4ـ غرر الحكم، طبع النجف، ص 96.
5ـ المصدر السابق، ص 205.
6ـ وسائل الشيعة، ج 11، ص 287 - 288.
7ـ المصدر السابق.
8ـ نهج البلاغة، الكلمات القصار.
9ـ مستدرك الوسائل، ج 2، ص 286.
10ـ وسائل الشيعة، ج 11، ص 223.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|