أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-8-2020
2350
التاريخ: 28-8-2021
1796
التاريخ: 2-10-2021
1815
التاريخ: 9-9-2021
2541
|
لغة المقال الصحفي
نعرف أن الصحافة عمل اجتماعي بحت، وأن اللغة التي تستخدم لهذا الغرض مشتقة من الحياة الواقعة التي يحياها الناس في المجتمعات، وهذه الحياة الواقعة تلد للصحافة كل يوم جملة صالحة من الالفاظ والتراكيب التي لا عهد لرجال العلم أو الادب بها، والذين مارسوا الصحافة في أية أمة من الامم لم يجدوا بداً من إيثار هذه الالفاظ التي ولدتها الحياة الواقعة، ومازالت هذه الامم الكبرى تلد أمثالها إلى اليوم.
وعلى هذا فالمعين الاول الذي يستقى منه المعجم اللغوي للصحافة في كل أمة من الامم، هو الشعب، أو شعوب العالم كله حين تضطر هذه الشعوب إلى استحداث ألفاظ تعبر بها عن معان جديدة في المجال الدولي تارة، وفي المجال الإقليمي تارة أخرى.
على أن المسألة ليست مسألة الالفاظ المستحدثة فقط، وإنما هي مسألة التراكيب التي يألفها الشعب نفسه كذلك. وللشعب قدرة عجيبة على صوغ التراكيب الحديثة التي يعبر بها عن بعض التجارب الإنسانية التي تمر به.
ومعنى ذلك أن الشعب يعمل ذوقه في الالفاظ من جهة، وفي التراكيب والجمل من جهة ثانية.
ولكن أي طبقة من طبقات الشعب يمكنها عملياً أن تقوم بهذه المهمة المزدوجة؟ لا شك أنها الطبقة المثقفة التي يقدر أفرادها دائماً على نحت الالفاظ الجديدة. والذي لاشك فيه أيضاً أن على محرري الصحف في كل بلد من بلاد العالم المتحضر يقع العبء الاكبر في القيام بهذه المهمة التي نتحدث عنها.
والعجب كل العجب أن نرى بعض المجددين في الادب يطالبون ملحين بين الحين والحين باصطناع اللهجة العامية في الكتابة تيسيراً على القراء، وإشراكاً لأكبر عدد منهم في التعليم والثقافة، وما درى هؤلاء المجددون وهم يتعبون أنفسهم في هذا السبيل أن الصحافة الشعبية تقوم لهم بهذا العمل الجليل، وتتقدم كل يوم خطوة جديدة نحو هذه الغاية، ولكن من غير أن تثير عليها ضجة من جانب المحافظين المتزمتين الذين يحمون اللغة الفصيحة من أن يتسرب إليها بعض الالفاظ والجمل التي ليست منها في الحقيقة.
ورب قائل يقول: ولكن هاتين المقدمتين السابقتين بينهما شيء من التعارض، والواقع أن هاتين، المقدمتين، لا تعارض بينهما، لانهما تقودان إلى النتيجة المطلوبة. فالمقدمة الاولى تقول: إن الحياة الواقعة تستحدث ألفاظاً وتراكيب جديدة لا عهد لرجال العلم أو الادب بها، والمقدمة الثانية تقول: إن الفئة المثقفة في الامة هي التي تقوم بهذه المهمة المزدوجة. والنتيجة التي تقودنا إليها المقدمتان هي أن الصحافة لها من "صفة الشعبية" في التعبير: صفة التطور في الكتابة، وإفصاح المجال للجديد من الالفاظ والمعاني التي لم يعرفها القدامى.
أما من حيث الالفاظ فمن ذا الذي يقول إن القدماء كانوا يعرفون كلمات: التأتميم، والتدويل، والتصنيع، والتعايش السلمى، والضمان الاجتماعي، والحكم الديمقراطي، والحكم الاوتوقراطي، والنقطة الرابعة، وغير ذلك من الكلمات التي نسمع بها في الصحف من حين لآخر وسنسمع في المستقبل؟
وأما حيث التراكيب، فمن ذا اليوم يقول: إن القدماء والمحافظين منهم بنوع خاص يستسيغون استخدام الاساليب العامية، حين يؤثرها الكتاب والمحررون على الاساليب الكلاسيكية، حتى أن البعد أو القرب في الصحافة من المستوى الشعبي في الكتابة يحدد طوراً من أطوار التحرير الصحفي، أو يعين مرحلة من المراحل التي يمر بها التحرير في عهوده المختلفة؟
من أجل هذا نرى كثيرين من المحررين حتى المحافظين منهم على عربية الاسلوب يحشون مقالاتهم بالألفاظ والتراكيب العامية والامثال الشعبية، ومن الامثلة على ذلك:
قول بعضهم في مقام التعبير عن الحياة أريد أن أعرف رأسي من رجلي، وقول بعضهم في مقام التعجب: يا سلام!، وقول بعضهم في مقام التهوين أو التخفيف من حدة السامع أو القارئ: الدنيا بخير يا أخي!
وقول بعضهم في معنى الانتقال من حديث إلى آخر: ما علينا إلى غير ذلك من آلاف الامثلة!
ألست ترى معنى أن كل هذه الجمل والتراكيب مما يصطنعه الناس في أحاديثهم الخاصة، وأنهم لا يكادون يستخدمون غيرها في مثل هذه المواضع التي أشرنا إليها؟.
وأكثر من هذا وذاك أن عنوانات بعض المقالات تأتي أحياناً على شكل صور شعبية لا صلة لها كذلك بغيرها من العنوانات "التقليدية" التي نجدها في الكتب القديمة أو الحديثة.
ومن الامثلة على ذلك مقام كتبه الدكتور "طه حسين" في موضوع التربية والتعليم بعنوان "ولو" رد فيه على الذين يناقشونه آراءه الخاصة به في هذه الناحية.
وكثير من العنوانات التي يستخدمها كتاب آخرون غير "طه حسين" تكون في معظمها على شكل مثل عامي، أو حكمة شعبية، جارية على الالسن، ونحو ذلك.
"والخلاصة" أن المقال الصحفي ينبغي أن يكتب باللغة التي يفهمها أكبر عدد ممكن من الشعب على اختلاف أذواقهم أو أفهامهم، أو بيئاتهم وثقافتهم، وهذه اللغة التي هي اللغة القومية في صورة من صورها تمتاز بأشياء منها: البساطة والوضوح، والإيناس، واللطف، والرشاقة، وتنأى ما أمكن عن صفات التعالي على القراء، والتقعر، أو الغرابة في الاسلوب، أو المبالغة في التعمق الذي لا تقبله طبيعة الصحف بحال من الاحوال (1)..
___________________
(1) راجع كتاب "الصحافة والادب في مصر" للمؤلف "الفصل الثاني" بعنوان: لغة الادب ولغة الصحافة.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|