أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-12-2015
![]()
التاريخ: 2023-10-21
![]()
التاريخ: 3-12-2015
![]()
التاريخ: 25-09-2014
![]() |
الهداية التكوينية في القرآن الكريم
... أن الهداية التشريعية تعني ذلك الإرشاد الذي يتم عن طريق الوحي وسن القوانين والأحكام، والطريق المشخص المحدد لذلك هو تلقي القرآن الكريم وسنة المعصومين عليه لأجل التعرف على الحلال والحرام ويقال لهذا النحو من الهداية: (إراءة الطريق)، أما الهداية التكوينية التي يعبر عنها ب (الإيصال إلى المطلوب) فليس لها حدود معينة، وفيما يلي نشير إلى بعض الآيات الناظرة إلى الهداية التكوينية:
أ. {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11]: يظهر من هذه الآية الكريمة أن الهداية التكوينية يحظى بها الإنسان عندما يقطع جزءأ ومسافة من الطريق.
ب. {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]. فالهداية التي توهب للإنسان بعد الإيمان بالله والجهاد في سبيله هي الهداية التكوينية.
ج. {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } [محمد: 17]. فالله سبحانه يكافئ الواجدين للهداية من أهل السلوك والعمل، ومكافأتهم هي هداية أيضا، وهذه الهداية الثانية هداية تكوينية وجزائية، وبواسطتها يصبح إكمال بقية الطريق سهلا على السالك، وتكون حركته على نحو الجذب، حيث يشعر في باطنه أحيانا برغبة تجعله مجذوبا نحو العمل الصالح.
وتارة يجعل الله بهدايته التكوينية قلوب الناس تميل إلى المؤمن كجزاء ومكافأة له: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96] وعندها يكون المؤمن محبوبا لله وكذلك محبوبا لخلق الله، الا ومن هنا فإن عباد الله المحبين له يدعون له ودعاء القلب المحبة مؤثر.
وفي مقابل الجزاء الذي يعطى على نحو الهداية التكوينية للمهتدين والمجاهدين، إذا اختار أحد طريق الضلالة والعمى بعد البصيرة والهدي: {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى } [فصلت: 17] وواجه دين الله بالغطرسة والتكبر وبعد إمهاله مدة كي يتوب لكنه استمر في عناده ولم يتب، فحينئذ سيسلب منه توفيق فهم الآيات الإلهية وقبول الحق: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف: 146] وسيعين له رفيق دائمي وعهد إليه بولايته {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36].
د. {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} [المائدة: 15، 16]. هذه الآية الكريمة تبين جيدة الاختلاف بين الهداية التكوينية والتشريعية، لأنها من جهة تتحدث عن النور والكتاب المبين النازل من الله سبحانه لهداية جميع الناس والذي ذكر في آيات أخرى مثل: {هُدًى لِلنَّاسِ} [البقرة: 185] ، {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا } [الفرقان: 1] و {ذِكْرَى لِلْبَشَرِ } [المدثر: 31] ، ومن جهة أخرى تتحدث عن هداية المؤمنين التابعين والتواقين لرضوان الله، والسالكين سبيل الله الذين لا يتركون طاعة لأجل الله إلا وعملوا بها، فالله سبحانه يمسك بأيدي هؤلاء في مرحلة البقاء في ويعبر بهم بيسر وسلام جميع عقبات الدنيا المخوفة والمهولة.
(سبل السلام) هي السلامة في مراحل الحياة الثلاث: الولادة والموت والبعث، والتي جاءت على لسان النبي عيسى المسيح (عليه السلام) وأيضا على لسان النبي يحيى الشهيد (عليه السلام) مع قليل من الاختلاف: {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا } [مريم: 33]. فالذي يعيش بسلام فإنه يموت بسلام، ومن مات بسلام فإنه يبعث يوم القيامة بسلام، وتلك هي الهداية إلى الصراط المستقيم: {وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: 16].
والهداية إلى سبل السلام (الإيصال إلى المقصد بسلامة والخاصة بطالبي الرضوان الإلهي هي ذاتها الهداية التكوينية، وإلا فإن الهداية التشريعية التي تتم بإرسال الأنبياء وتبليغ الأحكام بواسطتهم فلا تختص بالمؤمنين.
تنويه: إن الهداية التكوينية بمعنى (الإيصال إلى المقصد بسلام) مختصة بالمؤمنين وإلا فإن (الإيصال إلى المطلوب) بمعناه العام غير مختص بالمؤمنين، لأن الله بهدايته التكوينية يوصل الجميع إلى مقاصدهم، سواء كان هدف السالك إلهيا أم شيطانيا، فالهداية التكوينية للكفار والفاسقين نحو جهنم تتم أيضا بأمر إلهي وبواسطة الملائكة:
{فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 23] ، لأن أحد أنواع العذاب التي يواجهها الكفار في القيامة هو أنهم يضلون طريقهم إلى مقصدهم "جهنم" وبعد شوط من الحيرة والتخبط تأتي جماعة من الملائكة فتسوقهم إلى جهنم. والهداية إلى جهنم هداية تكوينية دون شك، لأنه في ذلك اليوم يغلق باب التشريع والتكليف والعمل الاختياري وينتهي دوره، كما أن هداية أهل الجنة إلى الجنة هي هداية تكوينية: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا} [الأعراف: 43]
هـ. {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (116) وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الصافات: 114 - 118] أي مننا(1) على موسى وهارون (عليهما السلام) ونصرناهما في الحرب، وآتيناهما التوراة وهديناهما إلى الطريق المستقيم.
وهذه الهداية ليست هداية تشريعية، لأنها لو كانت هداية تشريعية لم تكن لموسى وهارون خاصة بل لكانت شاملة لجميع بني اسرائيل.
و. {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ } [الأنعام: 125].
أولئك الذين يريد الله هدايتهم يفتح قلوبهم، والقلوب المفتوحة والمنشرحة لها القدرة على فهم المعارف العالية: "إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها"(2) وكل من يريد الله أن يضله يجعل قلبه ضيقة، فالهداية للفئة الأولى والضلالة للفئة الثانية كلتاهما تكوينية، لأنه في نظام التشريع يكون الطريق مفتوحا للجميع والهداية عامة للعالمين. وأما الهداية التي تكون بعد الهداية العامة الشاملة، والتي تظهر للسائرين على الطريق الصحيح وعلى شكل سعة وشرح الصدر وللمنحرفين على شكل ضيق الروح فهي هداية تكوينية.
والصدر الواسع والقلب المنشرح كالبحر العظيم الذي لو ألقي فيه شيء لم يغيره وإذا أخذ منه شيء لم ينقصه القلب المنشرح لا يحزن للمصائب الكبيرة ولا يفرح للعم الضخمة لأنه ينظر إلى الحالين بأنهما امتحان واختبار إلهي.
ز. {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13.]
أصحاب الكهف رجال عظام وفتية آمنوا بربهم فزاد الله في هدايتهم، فهذه الهداية التي تأتي بعد الهداية الابتدائية ليست بمعنى تبيين الأحكام، بل هي بمعنى تقوية ورفد السالك و تسهيل حركته نحو الله، وهي الهداية التكوينية.
ح. {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} [الحج: 24] هداية أهل الجنة إلى القول الحسن والطيب هداية تكوينية، وإلا فإن الله سبحانه أمر الجميع في الهداية التشريعية أن يتكلموا بالأحسن، ويتجنبوا الكلام المؤذي والقبيح.
ط. {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56] يستفاد هي جيدا من هذه الآية الكريمة امتياز الهداية التكوينية عن التشريعية، ونفس هذا المضمون جاء في آية أخرى بهذا النحو: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى: 52].
والهداية التي تتعلق بفئة خاصة (من يشاء) هي الهداية التكوينية لأن الهداية التشريعية عامة لجميع الناس. ومهمة النبي هي تبليغ أحكام الدين إلى جميع الناس: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ } [المائدة: 99] ، وليس هناك إلا جماعة خاصة على أثر قبول الهداية التشريعية تتنور قلوبهم ويهدون إلى الصراط المستقيم، وهناك جماعات كثيرة تمتنع عن قبول الهداية التشريعية، كما حصل في غدير خم، حيث أعلن النبي امتثالا لأمر الله له: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67].
خلافة وولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى الناس، لكن الجميع أعرضوا عنها الا فئة قليلة.
تنويه: كما أن الله سبحانه بين طريق الحصول على الاستعانة استجابة لعبده المستعين {إياك نستعين} وذلك بقوله تعالى: {اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: 153] ، كذلك فعل في جواب عبده السالك الذي يسأله الهداية التكوينية: {اهدنا الصراط المستقيم} فبين له طرق الوصول ونيل الهداية التكوينية وهي الاستفادة من الهداية التشريعية والارتباط بها ومن ثم الطاعة والعبادة والإنابة ونظائرهن.
{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11] ، {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا } [النور: 54] ، {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} [الرعد: 27] ، { وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} [الشورى: 13] ، {نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى: 52].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. المئة هي النعمة الكبيرة والثقيلة التي يصعب حملها، ولم يذكر القرآن الكريم ان خلق السماوات والأرض ومجموع النظام الكوني بأنه منة، لكن عبر عن (الرسالة) و (الهداية) بالمنة: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا} [آل عمران: 164] ، {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} [الحجرات: 17].
2. نهج البلاغة، الحكمة 147.
|
|
4 أسباب تجعلك تضيف الزنجبيل إلى طعامك.. تعرف عليها
|
|
|
|
|
أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في بريطانيا تستعد للانطلاق
|
|
|
|
|
قسم السياحة الدينية: نحو 100 عجلةٍ ستشارك بنقل طلبة الجامعات خلال حفل التخرّج المركزيّ
|
|
|