المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



الطفل والحاجة الى معرفة الذات  
  
1392   09:20 صباحاً   التاريخ: 25-1-2023
المؤلف : د. علي القائمي
الكتاب أو المصدر : الأسرة ومتطلبات الطفل
الجزء والصفحة : ص455 ــ 466
القسم : الاسرة و المجتمع / الطفولة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-4-2016 2646
التاريخ: 2023-02-27 1251
التاريخ: 15-1-2016 2078
التاريخ: 3/11/2022 3888

من هو الانسان؟ ظاهرة مليئة بالأسرار، اعجوبة من خلق الله، وموجودٌ نصفه مادي ونصفه الآخر معنوي، ويتسم بالدقة واللطافة في الخلق، في ابعاده الوجودية، ويتجلى بعجائب صنع الله تعالى. ويمتلك القدرة على السير من نقطة معينة الى ما لانهاية، ولو أنه اتجه نحوا المعنى ليقفون على الملائكة أيضاً، ولو انحدر نحو الحيونة لسقط الى دون مستواها.

يولد الانسان في هذه الدنيا وهو ضعيف جداً ويجهل اسرار خلقته. لا يملك القدرة في الدفاع عن نفسه، بل ويجهل كيفية استخدام اعضاء بدنه. وهو أتفه من أن يحيط بشيء عن نفسه، وهو أضعف من ان يعبر عن نفسه بشيء.

في البحث عن معرفة الذات :

منذ الاسابيع الأولى للولادة، وعندما يفتح الطفل عينيه على هذا العالم يتعرف على ظواهر هذا العالم عن طريق الاعضاء والحواس، ويتجه نحو اكتشاف ذاته والتعرف على الظواهر المحيطة، وينظر الى العالم بدهشة بالغة. انه يريد ان يعرف كنه هذا الوجود وما يمثل هو كعضو من اعضاء هذا العالم وجزء من هيكل الوجود.

هذه المعرفة ضرورية بالنسبة له لأن امكانية العيش بدون ذلك لن تتسنى له ولغرض نجاحه في هذا المسعى تجده يطلب العون من اعضائه ويلجأ الى الحركة وبذل الجهد من خلال أرضية التفحص الكامنة لديه.

ان محاولات الطفل للتعرف على الظواهر سرعان ما تثمر بحيث انه في السنين الثلاثة الاولى من العمر يتعرف الى حد كبير على محيط.

أما فيما يتعلق بنفسه لا شك في أنه يحصل على المعرفة السطحية بنفسه وبحدود التعرف واكتشاف ذاته فقط. واما بخصوص حصوله على معلومات اعمق في هذا المجال ، فلا بد ان ينتظر سنين مديدة ولا يعلم أيضاً من انه سيحقق نجاحاً معيناً في هذا المجال أم لا.

الحاجة الى معرفة الذات:

ان الطفل بحاجة الى معرفة نفسه ولأسباب متعددة وان يُلم بظروفه وامكانياته من جهات مختلفة، إذ يجب ان يعرف نفسه ويقف على محدودية حياته لكي يصبح بإمكانه ان يمتلك رؤية حسنة عن نفسه أو يكون قادراً على ان يخطط ويقرر لمواصلة حياته . وطالما لم يتوصل الى معرفة نفسه كيف سيصح بوسعه ان يتخذ موقفاً تجاه حقائق وواقعيات الحياة.

انه يجب ان يعرف نفسه لكي يقف على اهمية وقيمة ذاته، وان ينظر لنفسه باحترام معين. ويكتشف أي شخص هو وما هي حالته ومكانته تجاه الآخرين. انه بحاجة لان يكتشف هويته لكي يتمكن الالمام باحتياجاته ويبذل جهوده ومساعيه لتأمينها واشباعها، ويهتم بتطوير الآراء الصحيحة المتعلقة به، ويبذل ما بوسعه على طريق بناء نفسه ورقيها وسموها.

مظاهر هذه الحاجة :

تظهر على الطفل وبحدود الشهر السادس من العمر بعض الامارات التي تدل على حصوله على بعض المفاهيم الصحيحة نوعاً ما حول نفسه وبعد ان ينمو ويكبر تدريجياً يهتدي الى اكتشاف نفسه كفرد مستقل ويكتشف الفرق الموجود بين الأنا وأنت. وفي هذه المرحلة ايضاً يبدي اهتمامه التدريجي بالأخلاق والسلوك.

كما أنه بحدود الشهر السادس بعد الولادة يبدأ بوضع اصبعه في فمه، وينظر لنفسه في المرآة، ويدس اصبعه في أنفه، ويستمتع بالنظر الى نفسه في المرآة ويهتز لذلك، ولو تعرض موضع ما في جسمه للألم فانه يداري ذلك الموضع وكل ذلك يدل على معرفته بنفسه.

والكثير من الاطفال يحصلون على معلومات عميقة وقيّمة نوعاً ما عن انفسهم في السنوات ٣-٤ من العمر ويصبح علمه بنفسه كفرد مستقل أمر قطعي في السنة الرابعة من العمر. ولكي يتيقن الطفل احياناً من هويته ومكانته يحاول ان يزج نفسه في ادوار مختلفة أو يبرز قدرة معينة من نفسه تجاه والديه أو أصدقائه، ويقوم بالتالي بتقييم ردود الفعل الناجمة عن ذلك وهذا مظهر آخر عن معرفته بنفسه ايضا.

ضرورته واهميته :

معرفة النفس والهوية من ضروريات حياة الانسان ومن عوامل سلامة الروح. وتزول على اثر ذلك النزاعات النفسية وتحصل له حالة الاعتماد والثقة بالنفس وحالة التوازن والاتزان كذلك، إذ على الانسان ان يعرف من هو لكي يشعر بهويته فيما بعد ويواصل حياته بكل هدوء وراحة.

معرفة النفس امر مهم من زاوية اخرى اذ يتمكن الانسان نتيجة لذلك من تقبل جوانبه الايجابية والسلبية. ويخرج من طبيعته المنقسمة على نفسها ويكتشف هويته، وهذه مقدمة جيدة جداً لكي يعطي وجهة نظر صحيحة بشأن نفسه.

معرفة النفس مهمة لان الانسان يتمكن من خلالها ان يحافظ على وحدته طول الدهر ويميز أخلاقه عن الآخرين بل وحتى يكتشف نواقص شخصيته. وهذه المسألة من شروط سلامة وصحة النفس والروح لكي يتمكن الانسان ان ينال المعرفة بشأن نفسه وفيما بعد بقدرته على اتخاذ المواقف تجاه ظواهر الوجود.

وأخيراً فان معرفة النفس وقيمتها الوجودية تصبح السبب في ان يكتشف الطفل بأنه كائن عزيز كريم، ويمتلك القيمة والاستقلال والمكانة، وتتضح دوافعه، ويعرف لأي الاعمال يمكن أن يصلح، وما الموقف الذي ينبغي اتخاذه في الحياة بل وماذا تمثل له الحياة من حُسن و...

اضرار عدم المعرفة :

ان الذي لا يعرف نفسه ويعجز عن ادراك هويته، لن تتعدى حياته حدود الحياة البهيمية. ولن تتحقق سلامته الروحية ولن يكون قادراً على اظهار موقف سليم تجاه القضايا المختلفة. وما اكثر الصدمات الناجمة عن الاصطدام مع الذات والذي يحصل بسبب عدم المعرفة بالنفس.

ويمثل الانسان في عامل اليوم المزدحم والمكتض عضواً صغيراً ولا يعدو كونه ذرة صغيرة جداً بين الظواهر الأخرى. والمحافظة على النفس وسط هذه المعركة المحتدمة تتطلب المعرفة الكافية بالنفس والامكانيات الذاتية وبدون تحقق ذلك لن نحصل على شيء سوى الحيرة والتخبط.

والذين لم يفلحوا باكتشاف ومعرفة انفسهم خلال حياتهم لن يقدروا على اكتشاف قابلياتهم وامكانياتهم مطلقاً ولن يأخذوا نصيبهم منها وبالنتيجة سيكون مثلهم كمثل المخازن المليئة بالجواهر الثمينة واودعت التراب دون ان يلمسها أحد. كما ان هؤلاء الافراد لن يتمكنوا من الوقوف على قيمة انفسهم اطلاقاً ولن ينظروا باحترام الى انفسهم. فيقعون عرضة للاستغلال وحياتهم عبارة عن الضياع وفقدان المحتوى.

فوائد للطفل:

في الوقت الذي لا يعد الطفل عن كونه فرداً صغيراً فانه يستفيد من هذا الامر كثيراً، فالتوصل الى مفهوم الذات يبعث اولا على ان يشعر الطفل بالزهو والثقة بالنفس. وان يمد رجله على قدر بساطه ويندفع الى الامام على قدر امكانيته وقابليته.

وعلى اثر المعرفة بالنفس يقف الطفل على حقيقة مكانته وحالته ومدى قدرته واستطاعته. وبناء على ذلك سيمهد الارضية امام تحركه واندفاعه الى الامام قدماً في خضم الحياة الاجتماعية. ويتمكن المحافظة على نفسه بشكل سل واكثر في خضم الاحداث والوقائع وان ينعم بالحياة بشكل أفضل.

ويتمكن الطفل في ظل معرفة الذات ان يجد مستلزمات التطابق والانسجام مع محيطه. وان ينأى بنفسه بعيداً عن التخيلات، وعدم الانسجام، وكثرة التعويل، والجهود العابثة، والاتلاف والاسراف ويحذر منها ولن يستولي عليه الاضطراب خلال مواجهة المسائل التي أوجدها بنفسه. أنه يعتمد على قدراته الذاتية ومؤمن بقدراته وقابلياته.

العوامل المؤثرة على معرفة الذات :

عادة ما تكون المعلومات التي يتوصل لها الافراد حول انفسهم ناجمة عن عوامل كثيرة، ومن بين العوامل التي تحظى بأهمية أكثر في هذا المجال العوامل المشار إليها ادناه:

١- حكم الآخرين عليه، أي ما يقوله الافراد المحيطين به من الاهل والاقرباء وغيرهم وكيف يقيمونه وما هي تصوراتهم عنه. هل يرونه قوياً أم ضعيفاً ؟ نشيط أم خامل ؟ جبان أم شجاع؟ و... هذه المواقف الودية والحريصة عندما تصل الى أسماع الطفل فانه سيستنبط منها رؤية معينة حول نفسه.

٢- التصور الذي يعتقده لنفسه لدى الآخرين يعد من العوامل المهمة ايضاً؛ إذن الطفل ووفقاً لمقدار الحب او البغض اللذان يلمسهما من لدن أبويه سيقدر مثلاً كم هو عزيز عندهم وبأي منظار ينظرون اليه. وهذا الفهم الذي يحمله الطفل عن نفسه لدى الآخرين يمثل أحد ابعاد معرفته بنفسه.

٣- التجارب اليومية والاحتكاك ومواجهة المسائل والمشكلات تمثل بحد ذاتها مسألة اخرى تساعد على العثور على رؤية ونظرة جديدة حول نفسه على اثر التجارب بحكم ضميره ويكتشف الى اي حد هو لائق وجدير أم لا. وعلى اساس هذه التصورات يتمكن ان يميز نفسه عن الآخرين.

المعرفة واثبات الهوية :

في سياق انعتاق الانسان من القيود وامتلاك مسيرة تكاملية لا يوجد شيء أفضل وأهم من المعرفة بالذات والشعور بهويته. ذلك ان الانسان انما يتمكن بواسطة هذا الطريق فقط من الوقوف على خصوصياته الايجابية والسلبية والالمام بمحدودياته ونواقصه وينهض بالتالي لتحقيق كماله.

ان المعرفة بالذات والهوية تعد أرضية مناسبة لأي شكل من اشكال التفكير والعمل واثبات الوجود والشخصية ومواصلة الطريق الذي اختاره لتحقيق سعادته. وكل ابداع او ابتكار يصدر عن الانسان انما هو مرهون بهذا الامر. والطفل الذي عرف نفسه أو شعر بهويته سيحاول ان يعبر عن عين ذاته ويتحرك بناءً على مستوى تفكيره وادراكه وليس على اساس ما يحكم به الآخرون عليه.

وعلى اثر المعرفة سيتعين ويشخص تفكيره بشأن موقفه تجاه نفسه، والعالم، والبشرية والظواهر الموجودة في هذا الكون. إذ سيعرف انه انسان، ومسلم، وتلميذ، فقير ام ثري، وقادر ام ضعيف و... ويعرف ايضا كيف يعمل ويتصرف وفقاً لذلك.

معرفة الذات ، بناء النفس ، تحمّل المسؤولية :

هناك ارتباط بين معرفة الذات وبناء النفس وتحمل المسؤولية، إذ بإمكاننا ان نبنى انفسنا وفقاً لخطة ونظرة معينة عندما نعرف ذاتنا، ونقف على نقاط قوتنا وضعفنا، ونعرف من وما ذا نحن؟ وما هي قدراتنا وامكانياتنا؟ وما هو الفرق بيننا وبين الآخرين.

هذه المعرفة تمهد الارضية اللازمة امامنا لكي نحدد نمط تعاملنا مع الظواهر والاشياء. وليصبح معلوماً لدينا هل بإمكاننا مواجهة المسألة الفلانية أم لا؟ وفي هذه الحالة تكتسب مسألة تحملنا للمسؤولية معناها الحقيقي وسيصبح بمقدورنا ان نأخذ على عاتقنا عملاً معيناً في ميدان الحياة الاجتماعية وان نفي بالتزاماتنا في هذا المجال.

وفي ظل قضية معرفة الذات سنقف على حقيقة قدراتنا وامكانياتنا، ونعرف حدود مسؤولياتنا ومقدار الاهتمام الذي ينبغي ان نوليه في هذا المجال وحتى يصبح بمقدورنا انتخاب الطريق والاسلوب الذي يجب ان نسلكه للوصول الى الاهداف التي نبغي الوصول اليها ويصدق هذا الامر بشأن الطفل أيضاً.

دورها في الوقاية ومعالجة المفاسد :

ما اكثر الحوادث التي تعترضنا ونعاني منها بسبب ضعفنا وعجزنا عن معرفة انفسنا ليس الا. فالأحلام الكثيرة، والآمال الطويلة والعريضة، وحب التسلط والجاه، فقدان الامن وحالات اليأس والاحباط في الحياة اغلبها ناجمة عن عدم معرفتنا بأنفسنا، إذ بسبب عدم معرفة الفرد بنفسه وقدراته يعد برنامجاً معيناً لنفسه ويتعهد بالإيفاء به ومن ثم يفشل فيه عملياً.

وما اكثر السلوكيات التي تتم عن الرياء والنفاق التي تعترضنا في طريقنا وتستحوذ على الانسان وتجعله اسيراً لها. فالطفل (والكبير ايضا) لا يجد حاجة الى انتهاج سلوك ينم عن النفاق أو المسايرة في ظل المعرفة بالذات أو ان يشعر بالغلو آو الدنو تجاه الآخرين، إذ ان شخصيته ستكون متزنة واخلاقه وسلوكه الوقوف عليهما.

ويرى لكيانه قيمة وقدراً ومشاعره تجاه نفسه تنم عن الاحترام. ومن هذا المنطق لن يبيع نفسه بثمن بخس ولن يستسلم للرذائل والفضائح. والكثير من الافراد سقطوا في احضان الفساد والسبب يعود الى عدم معرفتهم بعزتهم وكرامتهم عن جهة وعدم اطلاعهم على خواء وتفاهة الفساد والرذائل. فمن ينظر الى نفسه وكيانه بعين الاهمية والاعتزاز لن يسقط مأسوراً في احضان الفساد ولن يجعل نفسه في موقع الذلة والضعة.

ولا نجد ضيراً هنا ان نشير الى هناك بعض الاطفال الذين لا يتمتعون بالوقار والهيبة اللازمة. ويجعلون انفسهم عرضة للاستهزاء دائماً، ويحاولون ان يكونوا مادة للاستهزاء، ودرعاً لآلام الآخرين، فيضحكون ويضحكون الآخرين لكي يلفتوا انظار الآخرين إليهم وكل ذلك ناجم عن عدم الوقوف على هويته وقيمته بالضبط.

التمهيد لذلك:

على الآباء والمربين ان يبذلوا ما بوسعهم لخلق الارضية والعوامل المساعدة على نجاح الطفل ووصوله الى معرفته بذاته ونفسه ولو على نحو الاجمال، وان يلم بشخصيته وقيمته، ويقف على آماله وطموحاته ليعلم أيضاً مدى أهمية واعتبار وقيمة ما يحلم به ويطمح اليه.

وبإمكان المدرسة ايضاً ان تضع بين يدي الطفل امكانيات لا بأس بها في هذا المجال وتتسبب في نجاح الطفل في هذا الامر. وبوسع هاتين المؤسستين وعن طريق توجيه الطفل، ووضعه في مسار التجارب الاختبارات، والقاء المسؤوليات الصغيرة والكبيرة على عاتقه ان تحمل الطفل وتدفعه الى التأمل ليعرف من هو وما هي إمكانياته وقدراته.

ان توحيد عمل المربين، بما في ذلك البيت والمدرسة، والتنسيق فيما بينهم في تنفيذ البرامج والخطط تعد من أهم عوامل تطبيق هذه الأصول وتبعث على ان يكتشف الطفل نفسه ويزيد من نسبة فائدته من خلال التخطيط ووضع البرامج المناسبة.

آفاق معرفة الذات :

ما اكثر الآفات والمخاطر التي تعترض الطفل في طريقه ولا تدعه الوقوف على حقيقته ومعرفة ذاته كما ينبغي أو ان كان يمتلك معرفة معينة بذاته فتدفعه تلك الآفات الى ان يودعها في بوتقة النسيان والاجمال ولا يخطو خطوة الى الامام.

وسنشير فيما يلي لبعض منها لغرض تنبيه الآباء والمربين لهذه الآفات :

١- المغالات بشأن الطفل بحيث ان الآباء والأمهات يقومون بمدحه والثناء عليه في كل مجلس ومحفل ويقدمونه للمجتمع بشكل اكبر مما هو عليه أو ان يقولوا له لا يوجد طفل ذكي ومتابع لدروسه مثلك و..؛ إذ يتسبب هذا الأمر في ان ينظر الطفل لنفسه بخلاف حقيقته وان يرى بأنه أفضل وأسمى مما هو عليه في واقع الحال وعندها يختلط عليه الامر.

٢- تحقير وتوبيخ الآباء المفرط للطفل يعد من آفات معرفة الذات؛ إذ ان توبيخ الطفل يضطره الى التأمل والتشكيك بنفسه متسائلاً عما اذا كان فعلاً احمقاً وأبلهاً كما يصفه والده؟ أو لئلا يكون تافهاً ولا يعرف هو بذلك ايضاً.

٣- الوقوع في شباك تقليد النماذج الخاصة من الممكن ان توقع الطفل في اللبس والغموض بشأن معرفته بذاته وقيمته وكذلك قدراته وامكانياته وتعرض قابليته على الانسجام مع المجتمع الى الخطر.

٤- التشبث والميل الى الذهنية النظرية والابتعاد عن العمل يبعث على خلق الهوة بين الذات العينية والذات الذهنية وان يكون الطفل جاهلا بحاله ووضعه. إذ ان تفكيره يدور حول ان يقوم بكذا وكذا من الاعمال ولكن من الناحية العملية يعجز عن ذلك.

٥- كثرة الهموم أو الفرح المفرط من العوامل التي تبعد الفرد عن حقيقته وواقعه ويجعل مسألة المعرفة بذاته أمراً مشكلاً ؛ إذ ان الفرد الذي يعيش دائماً حالة القلق والاضطراب أو الفرح والسرور يبقى غافلا عن نفسه.

٦- اليأس والاحباط من العوامل السيئة والملحقة للضرر؛ إذ ان الطفل الذي يرى نفسه دائماً في حالة من الضعف والخوار عند مواجهة الامور وكلما دخل ميداناً بقصد النجاح والفلاح يواجهه الفشل والانكسار لن يكون بوسعه معرفة نفسه دون اشكال معين .

٧- الاضطرابات النفسية الحادة تهيئ الارضية اللازمة لهذا الاشكال في معرفة الذات كالاضطرابات العصبية والمعاناة الناجمة عنها، حصول الخلل في الذاكرة، تغلب الاضطراب والقلق على الافراد.

ضرورة تقوية معرفة الذات :

لغرض تقوية وتحكيم معرفة الذات يمكن الاستعانة بطرق متعددة للولوج في هذا الامر منها حمل الطفل على الممارسة والاختيار، تداول ولمس الاشياء، وضع النفس في مسار الواقعيات وفي مواجهة المشاكل والمعضلات أو خلق مسألة ما في طريقه وحمله على التعامل معها.

هذا التمرين يخرج الطفل من حالة التشدد وعدم المرونة والتعاطي ويجعله بعيداً عن اقامة العلاقات الغير سليمة والرضا او عدم الرضا المفرطين. وفي هذه الحالة يصبح قادراً على التعاطي مع المشاكل بنظرة واقعية ، وان لا ينهزم امام مواجهة المعرقلات، ويدرك دوره ومكانته جيداً ويندفع للأمام بناء على هذا الاساس.




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.