الانهار والاودية النهرية : وقد حظيت الانهار ونشأته، والاودي وتكوينها باهتمام الجغرافيين والمؤرخين القدماء. ورغم أفكارهم القيمة بشأن قدرة مياه الانهار على نقل الرواسب والقائها في البحار والخلجان، وردمها وتكوين السهول الفيضية والدالات، فانهم مكثو طويلا في الظلام يتلمسون أصل نشأة الانهار. ويذكرون أسبابا كثير منها بعيد عن الصواب. من ذلك ما اعتقده الجغرافيون الايونيون من ان الانهار كلها على اتصال جوفي بالبحار. ورأي أفلاطون أن جوف الارض، مثلما يزخر بالمواد النارية السائلة، والمجاري الطينية والهواء، فانه يحوي الكثير من المياه التي نفذت من سطح الارض  الى باطنها، وكونت جداول ومجاري، ما تلبث ان تنبثق الى السطح مرة أخرى، في هيئة ينابيع وأنها وبحيرات.

ويعرض أرسطو فكرة مشابهة لتكوين الانهار، فمياه الامطار تغور في الصخور الجيرية، وتتجمع مع مياه الهواء الموجود في باطن الارض، والذي يتكثف ويتحول الى ماء بسبب البرودة، في كهوف ومغاور، ومنها تنبثق في عيون وينابيع على سطح الارض. والواقع ان ما كان يشاهده علماء الاغريق والرومان من ظواهر كارستية في بلادهم المطيرة المؤلفة من صخور جيرية، كان يقودهم الى نتائج في أصل نشأة الانهار تبتعد نوعا عن الحقيقة. كأن يرون الجريان السطحي عقب سقوط الامطار لمسافات قصيرة نوعا، ثم تغور المياه فجأة، وهي الظاهرة التي ندعوها الآن بالانهار العمياء، ثم يشاهدون المياه وقد انبثقت من خلال الصخور، مكونة للينابيع التي تستقى منها الانهار.

وفي أصل نشأة النيل يقول بلينيوس  ، أنه بعد ان يجري باطنيا مسافة طويلة، تنبثق مياهه على السطح، ويرى نور العالم في مصر. ويرى سينيكا ان مخزن المياه الجوفي يتغذى بتكثيف الهواء الباطني، أضافة الى ما يرد اليه باطنيا من مياه البحر، كما اعتقد ان كل من مياه الينابيع هي في الاصل مياه أمطار تسربت الى داخل الارض.

ولقد جذبت ظواهر تكوين الاودية النهرية واشكالها انتباه الجغرافيين القدامى، خصوصا منها الاودية الجبلية، في منطقة البحر المتوسط وغيرها، لكنهم لم يتمكنوا من الوصول الى تفسير صحيح لها. ولقد ذكر وصف وتفسير للاودية الجبلية العرضية في  الجزء الثالث من كتاب يو – كونج  في الوصف الجغرافي لأقدم الامبراطوريات الصينية، الذي ألفه يو  وزير الامبراطور ياو . واشار هيرودوت الى وادي اسكر الخانقي الذي يخترف منطقة هاموس وجبال البلقان (شرقي صفيا ونابعا من هضبة رودوب ليصب في الدانوب)، وكذلك خانق بينايوس الذي ينتهي في وادي تيمبى (الذي يخترق الجبال وينتهي في خليج سالونيكا شمال غرب بحرايجة).