أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-08-2015
![]()
التاريخ: 12-08-2015
![]()
التاريخ: 28-4-2018
![]()
التاريخ: 12-08-2015
![]() |
المسائل اليقينية إمّا ضروريات أو نظريات منتهية إليها قطعاً .
والضروريات المذكورة ست :
منها : الأوّليات : وهي ما لا يتوقف إدراكه على
شيء زائد من تصوّر طرفيه ، وإن كان هذا التصوّر كسبياً ، كقولنا : الممكن محتاج ،
وتُسمّى بالبديهيات أيضاً .
ومنها : الحسّيات : وهي ما يحكم العقل به بواسطة
إحدى الحواس ، فإن كانت ظاهرةً تسمّى المشاهدات ، وإن كانت باطنةً ـ وهي الحس
المشترك ( بنطاسيا ) والخيال ، والواهمة ، والحافظة ـ تسمّى الوجدانيات (1) ،
وفيها يدخل ما تدركه النفس لا بتوسّط الآلات ، مثل شعورنا بذاتنا وبصفاتنا النفسية
، كالخوف ، والسرور ، والحزن ، والجزع ، والشبع ونظائرها.
قال المحقّق اللاهيجي في بحث أعراض الشوارق :
ويدخل في المشاهدات الباطنية : الوهميات التي جعلها بعضهم قسماً سابعاً ، وذلك ما
يحكم به الوهم في المحسوسات فيصدّقه العقل في ذلك ، نحو كلّ جسم فهو في جهة ، ولا
يكون جسم واحد في مكانين ، فإنّ العقل يصدّق الوهم في أحكامه على المحسوسات لا على
المجرّدات والمعقولات ، كحكمه بأنّ كلّ موجود في جهة أو مكان ... إلخ .
ومنها : المتواترات : وهي ما يحكم العقل به لكثرة
أخبار المخبرين ، بحيث يزول معها الشك والاحتمال بتواطؤ المخبرين على الكذب ، ثمّ
إنّ إفادة التواتر اليقين موقوف على أمور :
1 ـ كون المخبر عنه أمراً محسوساً ؛ إذ لو كان
أمراً حدسياً لَما حصل اليقين منه ؛ لاحتمال خطأ الجميع في حدسهم كخطأ الفرد ،
وهذا بخلاف الحسّيات حيث إنّ وضوحها ينفي هذا الاحتمال ، وخالف فيه الفارابي (2)
فذكر أنّه لا حجّة أقوى من اجتماع الآراء على شيء واحد ، بل هو ظاهر جماعة من
المتكلّمين ، حيث استدلّوا على إثبات الصانع بإجماع الأنبياء والعقلاء ، وعلّلوه بأنّ اتّفاق جمّ غفير من الأذكياء على
شيء يوجب اليقين بصحّته ؛ إذ من المحال عادةً أن يتّفقوا على أمر غير واقع ، بل
ذكر العلاّمة المجلسي رحمه الله (3) ، أنّ ما يُجمع عليه العقلاء لا يكون إلاّ
ضرورياً أو قريباً من الضروري ، وبه استدلّ على استحالة النقص على الله تعالى .
أقول : حصول العلم يختلف باختلاف الأشخاص
والأحوال ، لكن الدليل حينئذٍ لا يكون إلزامياً ، ولعلّ الغالب هو عدم حصول العلم
منه في الحدسيات .
2 ـ عدم العلم بالمخبر عنه قبل حصول التواتر
لاستحالة تحصيل الحاصل .
3 ـ عدم انتهاء الناقلين في تمام الطبقات
والأدوار إلى عدد قليل يجوز تبانيهم على الكذب .
4ـ صفاء الذهن بالنسبة إلى المخبر عنه ، وعدم
الاعتقاد على خلافه ، وإلاّ لم يفد العلم . ذكره السيد المرتضى قدّس سره وقَبِله
عنه الآخرون ، ووجهه واضح .
وأمّا اشتراط الإسلام ، والعدالة ، واختلاف النسب
، وعدم جمعهم في بلد ، وتعيين عدد خاصّ من الناقلين ، كالخمسة أو العشرين أو
الأربعين أو السبعين أو ثلاثمِئة ، فغير لازم قطعاً ، بل بعضها جزاف .
ثمّ إنّ التواتر على أقسام ثلاثة :
الأَوّل : التواتر اللفظي : وهو اتّفاق الناقلين
على ألفاظ الخبر وعباراته ، كتواتر ألفاظ القرآن ، وحديث المنزلة ، وحديث الغدير
ونحوها .
الثاني : التواتر المعنوي : وهو تواطؤهم على معنىً
واحد وإن اختلفت ألفاظهم ، سواء كانت دلالة الألفاظ على المعنى المخبر عنه
بالمطابقة ، أو بالتضمّن ، أو بالالتزام، وهذا مثل ما ورد من الأخبار الحاكية عن
شجاعة علي ( عليه السلام ) .
الثالث : التواتر الإجمالي : وهو نقل الوقائع
الكثيرة ، فإنّه يحصل العلم بوقوع بعضها عادةً ، وإن كان كل واقعة بخصوصه مشكوكاً
فيها ، وأورد عليه الأُصولي الشهير المحقّق النائيني قدّس سره (4) ، بأنّ الأخبار
إذا بلغت من الكثرة ما بلغت ، فإن كان بينها جامع يكون الكلّ متّفقاً على نقله فهو
راجع إلى التواتر المعنوي ، وإلاّ فلا وجه لحصول القطع بصدق واحد منها بعد جواز
الكذب على كلّ منها في حدّ نفسه .
ويدفع أَوّلاً : بجريانه في القسمين الأَوّلين
أيضاً وهو لا يلتزم به .
وثانياً : أنّه شبهة في مقابل البداهة ، أَليس
مَن لاحظ كتاب التهذيب مثلاً ، يضطر إلى القطع بصدور بعض ما فيه عن الأئمة عليهم السلام
؟ ثم إنّه يمكن أن يقال بوجود جامع غير مقصود في التواتر الإجمالي ، ولو في بعض
مواردها ، كما في مثل الروايات الدالّة على حجية خبر الثقة أو العادل ـ كما
قرّرناه بعد ذلك في آخر كتابنا ( روح ) ـ دون الجامع المقصود كما في التواتر
المعنوي .
ومنها : الفطريات : وهي ما يحكم به العقل باعتبار
أوسط لا ينفك عن الذهن عند تصوّر حدودها ، كقولنا : الاثنان زوج ؛ لأنّه منقسم
بمتساويين ، والانقسام المذكور لا يغيب عن الذهن بعد معرفة طرفي القضية ، ويقال
لها : قضايا قياساتها معها أيضاً .
ومنها : التجربيات : وهي ما يحكم به العقل بسبب
مشاهدات متكرّرة مع انضمام قياس خفي ، وهو أنّه لو كان اتّفاقياً لَما كان دائمياً
أو أكثرياً ، بل هناك سبب إذا علم وقوعه علم وجود المسبّب ، كقولنا : الضرب مؤلم ،
والفرق بينها وبين الاستقراء هو هذا القياس كما ذكر بعضهم ؛ ولذا لم يعتبروا
الاستقراء ، وربّما نوقش (5) في إفادة التجربة لليقين ، إلاّ أنّه غير مسموع جزماً
، نعم هي لا تنهض دليلاً على غير المجرّب .
ومنها : الحدسيات : وهي ما يحكم العقل به بواسطة
حدس من النفس بمشاهدة القرائن ، كالحكم بأنّ نور القمر مستفاد من الشمس . والفرق
بينها وبين التجربيات مع افتقار كلّ منهما إلى تكرار المشاهدة : أنّ الثاني يتوقّف
على فعل يفعله الإنسان حتى يحصل المطلوب بسببه ، فإنّ الإنسان ما لم يجرّب الدواء
بتناوله ، أو إعطائه غيره مرةً بعد أُخرى ، لا يحكم عليه بأنّه مُسهِل مثلاً ،
وهذا بخلاف الحدس فإنّه غير موقوف على ذلك (6) .
ثمّ إنّ الحدس عبارة عن انتقال الذهن الدفعي من
المبادئ إلى المطالب ، وإن شئت فقل : إنّه حضور المبادئ في الذهن بلا مهلة وتراخٍ
حين توجّهه إلى المطالب ، وإحاطة النفس دفعةً واحدة على المطالب والمبادئ ؛ ولذا
أدخلوها في الضروريات دون النظريات الموقوفة على الفكر المعتبر فيها الحركة .
هذه هي القضايا الضرورية التي تقع مواد للبرهان
القطعي ، والأقوى منها هو : الأَوّليات ، ثمّ المحسوسات ، ثمّ الفطريات ، ثمّ
المتواترات ، ثمّ الحدسيات ، ثمّ المجرّبات ، والمستدلّ بأحد هذه المبادئ يسمّى
عندهم حكيماً ، لكن الأَولى أن يُسمّى محقاً أو مبرهناً .
أقول : وهنا قسم سابع يمكن إدخاله في الضروريات
المذكورة ، وهو ما يحكم به الفطرة دون العقل ، مثل قولنا : دفع الضرر واجب ،
فإنّه يذعن به مَن لا عقل له كالمجانين والحيوانات ونحوها ، نعم تمييز الموارد في
الجملة موقوف على إدراك العقل ، وأمّا أصل الحكم فهو غير موقوف عليه ؛ ولذا يجتنب
من الضرر كلّ حسّاس مميّز . ( فتأمّل ) .
هذه إحدى الصناعات الخمس .
وثانيها : الجدليات : وهي تتركب من المشهورات
والمسلّمات .
أمّا المشهورات : فهي قضايا تتّفق عليها الآراء ،
ويعترف بها عموم الناس ؛ إمّا لمصلحة عامة كقولنا : العدل حسن والظلم قبيح ، أو
لرقّة كقولنا : معاونة الفقراء محمودة، أو لحميّة كقولنا كشف العورة مذموم ، أو
لعادة كقولنا التلبس حسن ، أو لأدب كقولنا : شكر المنعم لازم ، وتسمّى بالشرائع
غير المكتوبة في مقابل الشرائع المكتوبة الإلهية التي لا يعترف بها العموم .
ومن المشهورات ما يعترف به الأكثر أو الطائفة
الخاصّة ، كقبح ذبح البقر عند الهنود ، فاعتراف العموم غير معتبر فيها . والفرق
بينها وبين الأَوّليات : اعتبار مطابقة الواقع في الثانية دون الأُولى ؛ ولذا قد
تجتمعان في مورد ، وربّما تشتبه الحال فلا يُعلم أنّ القضية الفلانية من
الأَوّليات أو من المشهورات ، والتمييز بأحد الوجود الثلاثة :
الأَوّل : تجريد النفس من جميع الخاطرات ، بحيث
يحسب أنّه مخلوق الساعة ، لم يشاهد أحداً ، ولم يمارس عملاً ، فإذن إن حكم على
القضية بحكم فهي برهانية ، وإن توقف فهي مشهورية .
الثاني : احتمال الكذب في المشهورات ؛ إذ ربّ
شهرة لا أصل لها ، بخلاف الأَوّليات .
الثالث : اختلاف المشهورات حسب اختلاف العادات
والآداب ، دون الأَوّليات .
أقول : والكل غير مطرّد كما لا يخفى على اللبيب .
وأمّا المسلّمات : فهي قضايا مسلّمة عند الخصم ،
فيُستدلّ بها لإلزامه أو إرشاده ، سواء كانت باطلةً عند المستدل أو صحيحةً . وللمسلّمات
معنى آخر (7) وهو : المسائل المأخوذة من علم للاستدلال والتعليم بها في علم آخر ،
وبهذا المعنى تنقسم إلى المصادرات ، والعلوم المتعارفة ، والأصول الموضوعة. والمستدل بالمشهورات والمسلّمات يسمّى مجادلاً
، غرضه إقناع القاصرين وإلزام المعاندين، وقد عرفت أنّ نسبة المسائل الكلامية إلى
الجدل ـ كما صدرت عن جماعة من الحكماء ـ نسبة كاذبة لا أصل لها .
ثالثها : الخطابيات : وهي تلتئم من المقبولات
والمظنونات .
أمّا الأُولى فهي ما يؤخذ من العلماء والأولياء ،
وأمّا الثانية فهي ما يحكم به العقل حكماً راجحاً غير جازم كقولنا : هذا الجدار
ينهدم لانتشار ترابه ، وزيد فقير لاندراس لباسه، فهي أعم من المقبولات صدقاً ،
والمستدلّ بها يسمّى خطيباً ، غرضه إرشاد الناس إلى السعادة ، وزجرهم عن الشقاوة
والهلاكة .
والخطابة وإن لا موقع لها في العلوم البرهانية ،
إلاّ أنّها أعظم شيء تأثيراً في نفوس العوام ، فلابدّ من الاعتناء بها في علم
الميزان .
رابعها : الشعريات : وهي تتألف من المخيّلات التي
هي قضايا لا تذعن النفس بها ، ولكن تنفعل بها ترغيباً أو تنفيراً ، ولا سيما إذا
كانت موزونةً ، ويسمّى مستعملها شاعراً .
خامسها : السفسطيات : وهي تتركب من الوهميات
والمشبّهات .
الأُولى ما يحكم به الوهم في المعقولات قياساً
على المحسوسات ، مثل : كل موجود متحيّز . ويعرف كذبه بمساعدة العقل ، وإلاّ لعدّت
من الأَوّليات أو المشهورات ، والثانية قضايا كاذبة شُبّهت بالقضايا الصادقة ؛
لأجل الاشتباه اللفظي أو المعنوي . والمغالط يُسمّى سفسطياً إن كان في مقابل
المبرهن ، ومشاغباً إن كان في مقابل الجدلي .ثم إنّ الاستدلال إمّا من العلة على
المعلول ، فهو برهان لمّي ، وإمّا من المعلول على العلة أو من أحد المعلولين على
الآخر ، فهو دليل إنّي ؛ وإمّا من العلة على نفسها فهو شبه لم ، فما أُقيم على
إثبات وجود الواجب وسمّوه باللّم فهو من شبه اللّم.
_________________
(1) قيل : الفرق بين الوجدان ـ بكسر الواو ـ
والوجدان ـ بضمّها ـ: إنّ الأَوّل يُطلق على القوةّ المدركة ، والثاني على إدراكها
. وقيل : المتداول إطلاق كلّ منهما على كلّ من المعنيين .
(2) رهبر خرد / 236.
(3) البحار 3 / 231.
(4) أجود التقريرات 2 / 113.
(5) رهبر خرد / 232.
(6)
لاحظ شرح المطالع / 334، وذكر العلاّمة الحلي فرقاً آخر بينهما في شرح التجريد / 139.
(7) عبارة ( وللمسلّمات معنى آخر ) اصطلاح
منّا ( المؤلّف ) .
|
|
"إنقاص الوزن".. مشروب تقليدي قد يتفوق على حقن "أوزيمبيك"
|
|
|
|
|
الصين تحقق اختراقا بطائرة مسيرة مزودة بالذكاء الاصطناعي
|
|
|
|
|
مكتب السيد السيستاني يعزي أهالي الأحساء بوفاة العلامة الشيخ جواد الدندن
|
|
|