أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-05-2015
4447
التاريخ: 26-05-2015
2753
التاريخ: 26-05-2015
927
التاريخ: 26-05-2015
2079
|
والأشاعرة خالفوا جميع العقلاء في ذلك، وجوزوا الادراك مع فقد جميع الشرائط، فجوزوا في الأعمى إذا كان في المشرق أن يشاهد ويبصر النملة السوداء الصغيرة على الصخرة السوداء في طرف المغرب في الليل المظلم، وبينهما ما بين المشرق والمغرب من البعد، وبينهما حجب جميع الجبال والحيطان.
ويسمع الأطرش وهو في طرف المشرق أخفى صوت، يسمع وهو في طرف المغرب (1) وكفى من اعتقد ذلك نقصا، ومكابرة للضرورة، ودخولا في السفسطة هذا اعتقادهم وكيف من يجوز لعاقل أن يقلد من كان هذا اعتقاده.
وما أعجب حالهم يمنعون من مشاهدة أعظم الأجسام قدرا، وأشدها لونا وإشراقا، وأقربها إلينا مع ارتفاع الموانع، وحصول الشرائط، ومن سماع الأصوات الهائلة القريبة، ويجوزون مشاهدة الأعمى لأصغر الأجسام وأخفاها في الظلمة الشديدة، وبينهما غاية البعد، وكذا في السماع، فهل بلغ أحد من السوفسطائية في إنكارهم المحسوسات إلى هذه الغاية، ووصل إلى هذه النهاية؟.
مع أن جميع العقلاء حكموا عليهم بالسفسطة ، حيث جوزوا انقلاب الأواني التي في دار الإنسان حال خروجه أناسا فضلاء، مدققين في العلوم حال الغيبة، وهؤلاء جوزوا حصول مثل هذه الأشخاص في الحضور ولا يشاهدون، فهم أبلغ في السفسطة من أولئك.
فلينظر العاقل المنصف المقلد لهم: هل يجوز له أن يقلد مثل هؤلاء القوم، ويجعلهم واسطة بينه وبين الله تعالى، ويكون معذورا برجوعه إليهم، وقبوله منهم أم لا؟ فإن جوز ذلك لنفسه، بعد تعقل ذلك وتحصيله، فقد خلص المقلد من إثمه، وباء (2) هو بالإثم، نعوذ بالله من زوال الأقدام!.
وقال بعض الفضلاء ونعم ما قال: كل عاقل جرب الأمور، فإنه لا يشك في إدراك السليم حرارة النار إذا بقي فيها مدة مديدة حتى تنفصل أعضاؤه، ومحال أن يكون أهل بغداد على كثرتهم، وصحة حواسهم، يجوز عليهم جيش عظيم، ويقتلون، وتضرب فيهم البوقات الكثيرة، ويرتفع الريح، وتشتد الأصوات، ولا يشاهد ذلك أحد منهم، ولا يسمعه! ومحال أن يرفع أهل الأرض بأجمعهم أبصارهم إلى السماء، ولا يشاهدونها!. ومحال أن يكون في السماء ألف شمس كل واحدة منها ألف ضعف من هذه الشمس ولا يشاهدونها!. ومحال أن يكون لإنسان واحد مشاهد أن عليه رأسا واحدا، ألف رأس لا يشاهدونها، وكل واحد منها مثل الرأس الذي يشاهدونه. ومحال أن يخبر أحد بأعلى صوته ألف مرة، بمحضر ألف نفس، كل واحد منهم يسمع جميع ما يقوله بأن زيدا ما قام، ويكون قد أخبر بالنفي، ولم يسمع الحاضرون حرف النفي.
مع تكرره ألف مرة، وسماع كل واحد منهم جميع ما قاله، بل علمنا بهذه الأشياء أقوى بكثير من علمنا بأنا حال خروجنا من منازلنا، لا تنقلب الأواني التي فيها أناسا مدققين في علم المنطق والهندسة، وأن ابني الذي شاهدته بالأمس، هو الذي شاهدته الآن، وأنه يحدث حال تغميض العين ألف شمس، ثم تعدم عند فتحها، مع أن الله تعالى قادر على ذلك، وهو في نفسه ممكن، وأن المولود الرضيع الذي يولد في الحال، إنما يولد من الأبوين، ولم يمر عليه ألف سنة مع إمكانه في نفسه، وبالنظر إلى قدرة الله تعالى (3).
وقد نسب السوفسطائية إلى الغلط، وكذبوا كل التكذيب في هذه القضايا الجايزة، فكيف بالقضايا التي جوزها الأشاعرة التي تقتضي زوال الثقة عن المشاهدات.
ومن أعجب الأشياء جواب رئيسهم، وأفضل متأخريهم " فخر الدين الرازي " في هذا الموضع حيث قال: (يجوز أن يخلق الله تعالى في الحديدة المحماة بالنار برودة عند خروجها من النار، فلهذا لا تحس، واللون الذي فيها، والضوء المشاهد منها يجوز أن يخلقه الله تعالى في الجسم البارد) (4).
وغفل عن أن هذا ليس بموضع النزاع لأن المتنازع فيه: أن الجسم الذي هو في غاية الحرارة، يلمسه الإنسان الصحيح البنية، السليم الحواس حال شدة حرارته، ولا يحس بتلك الحرارة، فإن أصحابه يجوزون ذلك، فكيف يكون ما ذكره جوابا؟!.
_______________
(1) شرح التجريد للقوشجي - ص 239.
(2) وفي النهاية لابن الأثير - ج 1: أبوء بنعمك، أي ألزم، وأرجع، وأقر، وأصل البواء : اللزوم.
(3) تجد في كتاب الفصل لابن حزم - ج 5 ص 14 وجه ما ذهب إليه الأشاعرة في أشباه هذه المسألة.
(4) واستند إلى ذلك الفضل بن روزبهان في المقام، مع ما فيه من الخروج عن حريم النزاع.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|