أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-4-2016
4042
التاريخ: 7-4-2016
3027
التاريخ: 7-4-2016
3014
التاريخ: 6-4-2016
2842
|
البيعة لأمير المؤمنين ( عليه السّلام ) بالخلافة :
لقد كان عامة المسلمين يتطلّعون بلهفة إلى من سيخلف عثمان عندما تتمخّض الأحداث عن قتله أو اعتزاله ، ولقد كان الطامعون فيها أكثر من واحد ، ومن بين أولئك من عمّق مجرى الأحداث ووسّع دائرتها وأمدّ النار المتأجّجة بالوقود كطلحة والزبير وعائشة ، وكان من أكثر الناس لهفة عليها طلحة ، وبلغ به الحال أن سبق نتائج تلك الأحداث ، وأخذ لنفسه المكان الذي قدّر أنّ الأيّام ستضعه فيه ، فاستولى على بيت المال ، وأقام الصلاة بالناس وعثمان محصور في داره لا يزال على قيد الحياة .
وبلا شك فإنّ الأربعة الباقين من الستّة أصحاب الشورى كانوا أوفر من سائر الناس حظّا ، وكان نصيب عليّ ( عليه السّلام ) أوفر من نصيب الجميع ، واليه تتّجه الجماهير في المدينة وخارجها ، وحتى الثوار لم يعدلوا به أحدا ، لأنّهم يعلمون بأنّه سيحقّق لهم الأهداف التي ثاروا من أجلها ، ويعلمون في الوقت ذاته أنّ طلحة والزبير لم يغضبا للحقّ وللّه ، وأنّهما لا يختلفان عن عثمان وبطانته ، وتأكّد ذلك لهم من موقفهما من عثمان خلال الأيام التي سبقت قتله .
وحدّث البلاذري في أنساب الأشراف : أنّ عليّا ( عليه السّلام ) لزم منزله بعد أن يئس من إصلاح الأمر بين الفريقين ، فلما قتل عثمان وفرغ الناس من أمره وأدركوا أنّه لا بدّ لهم من إمام يجتمعون عليه ؛ جاء الناس كلّهم إلى عليّ يهرعون ، وهم يقولون : إنّ أميرنا عليّ بن أبي طالب ، حتى دخلوا عليه الدار ، وقالوا : امدد يدك حتى نبايعك ، فقال : ليس ذلك إليكم ، إنّما ذلك لأهل بدر ، فمن رضي به البدريون فهو الخليفة ، فلم يبق أحد من أهل بدر إلّا أتى عليّا فقالوا :
ما نرى أحدا أحقّ بها منك يا أبا الحسن[1].
وقال الطبري في الجزء الثالث من تأريخه : إنّ أصحاب رسول اللّه جاؤوه بعد مقتل عثمان ، فقالوا له : لابد للناس من إمام ، ولا نجد اليوم أحقّ بهذا الأمر منك ، فقال : لا تفعلوا فإنّي أكون وزيرا خير من أن أكون أميرا ، فقالوا : لا واللّه ما نحن بفاعلين حتى نبايعك ، وما زالوا به حتى قبل بيعتهم ، ولكنه أبى إلّا أن تكون في المسجد ويرضى جميع الناس[2].
وفي رواية ثالثة : أنّه أصرّ على رفض البيعة بالرغم من الإلحاح الشديد عليه ، فتوسّلوا بالأشتر لإقناعه وكان على رأس وفد الكوفة ، فقال له : أبسط يدك نبايعك ، فرفضها ، فألحّ عليه ، وخوّفه الفتنة إن هو بقي على موقفه ، وما زال به حتى أقنعه ، فبايعه الوجوه ، ثم انثال عليه الناس من كلّ جانب ، وقام الزبير فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثم قال : أيّها الناس ! إنّ اللّه قد رضي لكم حكم الشورى ، فأذهب به الهوى ، وقد تشاورنا فرضينا عليا فبايعوه[3].
وجاء في الإمامة والسياسة عن أبي ثور أنّه قال : لمّا كانت البيعة بعد مصرع عثمان ؛ خرجت في أثر عليّ ( عليه السّلام ) والناس حوله يبايعونه ، فدخل حائطا من حيطان بني مازن ، فألجأوه إلى نخلة وحالوا بيني وبينه ، فنظرت إليهم وقد أخذت أيدي الناس ذراعه تختلف أيديهم على يده ، ثم أقبلوا به إلى المسجد الشريف ، فكان أول من صعد المنبر في المسجد طلحة وبايعه بيده ، وكانت أصابعه شلّاء ، فتطيّر منها بعض من حضر وقال : لا يتمّ واللّه هذا الأمر ! ثم بايعه الزبير وأصحاب النبيّ وجميع من في المدينة من المسلمين[4].
وقد وصف هو - سلام اللّه عليه - موقف المسلمين منه وإصرارهم على بيعته في خطبته المعروفة بالشقشقية ، حيث قال : « فما راعني إلّا والناس كعرف الضبع ينثالون عليّ من كلّ جانب مجتمعين حولي كربيضة الغنم ، حتى لقد وطئ الحسنان وشقّ عطفاي ، فلمّا قمت بالأمر نكثت طائفة ومرقت أخرى وقسط آخرون ، كأنّهم لم يسمعوا كلام اللّه حيث يقول : تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ .
ومضى في خطبته هذه يصف موقفه من الخلافة فقال : أما والذي فلق الحبّة ، وبرأ النسمة ، لولا حضور الحاضر ، وقيام الحجّة بوجود الناصر ، وما أخذ اللّه على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أوّلها ، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عطفة عنز » .
لقد تمّت البيعة لعليّ ( عليه السّلام ) بعد ما رأى أن لا مفر له منها في ذلك الجوّ المشحون بالفتن والاختلافات ؛ وذلك بعد وفاة عثمان بثلاثة أيّام أو خمسة ، وبايعه جميع المهاجرين والأنصار وغيرهم ممن وفدوا على المدينة من الأمصار الثلاثة ، ولم يتخلّف عن بيعته من القرشيّين سوى أفراد قلائل ، كان من بينهم مروان بن الحكم وسعد بن أبي وقّاص وعبد اللّه بن عمر[5].
وليس بغريب على مروان بن الحكم والأمويين إذا هم تخلّفوا عن بيعة عليّ أو كرهوها ، كما يبدو للمتتبّع في تاريخ البيت الأموي مع الهاشميّين وغيرهم من أصحاب الرسالات .
وأمّا سعد بن أبي وقّاص فلقد كان يتمنّاها لنفسه ، ولو وسعه العمل من أجلها لم يقصر ، ولعله قد بدأ يفكّر فيها ، فقد جعله ابن الخطاب أحد من تدور الخلافة في فلكهم وأعطاه أكثر مما يستحق ، ولا أظنّه قبل ذلك كان يفكّر فيها ، أو يتصوّر أنّ المسلمين سيجعلونه إلى جانب عليّ في يوم من الأيام ، ولكنّه بعد أن رأى انصراف الناس حتى عن طلحة والزبير وهما أبرز منه ، ولهما مكانتهما بين صحابة الرسول في المصرين الكوفة والبصرة لم يتعرّض لها ، واكتفى أن يعتزل ولا يبايع عليّا ( عليه السّلام ) تضامنا مع الأمويين الذين تربطه بهم القرابة من قبل امّه حمئة ، وكان هواه معهم ، ولم يقف منهم موقفا معاديا حتى بعد أن عزله عثمان عن الكوفة وأعطاها لأخيه الوليد[6] ، وأمير المؤمنين يعلم منه ذلك كما يعلم بموقف الأمويين وبما سيؤول إليه أمر طلحة والزبير وأكثر القرشيّين ، وقد وصف موقفهم منه بعد البيعة بقوله :
« اللهم إنّي أستعديك على قريش ، فإنّهم قطعوا رحمي وأكفأوا إنائي ، فنظرت فإذا ليس لي رافد ولا ذابّ ولا ساعد إلا أهل بيتي » .
وقال مرة أخرى : « ما لي ولقريش ؟ واللّه قاتلتهم كافرين ولاقاتلنّهم مفتونين ، وإنّي لصاحبهم بالأمس كما أنا صاحبهم اليوم »[7].
ومهما كان الحال فلمّا دعي سعد بن أبي وقّاص إلى البيعة ؛ تمنّع منها تضامنا مع الأمويين ، فتركه أمير المؤمنين ولم يسمح للثائرين أن يستعملوا معه العنف ، ولمّا دعي إليها عبد اللّه بن عمر بن الخطاب وامتنع منها ؛ طلب منه كفيلا بأن لا يشترك مع أحد في عمل ضدّه ، ولمّا امتنع عن تقديم الكفيل تركه وقال للناس : خلّوه فأنا كفيله ، ثم التفت اليه وقال : « اذهب فإنّي ما علمتك إلا سيّئ الخلق صغيرا وكبيرا » .
ولمّا تمّت البيعة ؛ انصرف أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) منذ اليوم الأول يجنّد كلّ إمكانياته لإصلاح ما أفسدته بطانة عثمان في جميع شؤون الدولة ، تلك البطانة التي تركت جميع الأجهزة تنخر بالفساد والانحلال ، وكان يرى أنّ الواجب يدعوه لمعالجة الأهمّ فالأهمّ من المشاكل المستعجلة التي يتضجّر منها الناس ، وتأتي في طليعتها مشكلة الولاة التي أثارت تلك الضجّة على الخليفة الراحل وأودت بحياته ، حتى إذا فرغ منها اتّجه إلى غيرها من المشاكل التي يراها أكثر إلحاحا وأعمّ نفعا ، ولم يكن ذلك ليمنعه من أن يبسط للناس السياسة التي سينتهجها في عهده الجديد .
وبعد أيام قلائل من خلافته وقف على المنبر ليعلن على الملأ المحتشد من حوله إلغاء بعض الأنظمة التي اتّبعها أسلافه خلال عشرين عاما أو تزيد ، وكان على ثقة بأنّ عمر بن الخطاب حينما قسّم الفيء حسب أقدار الناس وقدمهم في الإسلام قد استجاب لمصالحه الذاتّية أكثر مما استجاب لمبادئ الإسلام ، وأنّ عثمان بن عفان حينما ترك أهله يعبثون به ويفسدون في الأرض قد استجاب للعنصرية الجاهلية وللروح الأموية الحاقدة على الإسلام الذي لا يعطي أحدا على حساب أحد من الناس[8].
[1] أنساب الأشراف : بيعة الإمام عليّ بن أبي طالب : 205 - 219 ، تحقيق المحمودي .
[2] تأريخ الطبري : 3 / 450 ، مؤسسة الأعلمي - بيروت .
[3] اليعقوبي : 2 / 75 .
[4] الفتوح : 1 - 2 / 436 ، الأمم والملوك : 3 / 456 .
[5] راجع الكامل : 3 / 98 - 99 ، واليعقوبي : 2 / 75 .
[6] حياة الإمام الحسن : 1 / 384 عن الفتوح : 2 / 258 - 259 .
[7] نهج البلاغة : 336 ، طبعة صبحي الصالح ، رقم 217 ، الخطبة 33 .
[8] راجع سيرة الأئمة الاثني عشر للسيد هاشم معروف الحسني : 1 / 390 - 393 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|