أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-10-2017
1782
التاريخ: 23-1-2019
2404
التاريخ: 1-07-2015
1521
التاريخ: 31-1-2018
1597
|
أقول : بعد ما تقرّر أنّ الممكن لا يقتضي الوجود ولا العدم ، وأنّهما بالنسبة إليه متساويان، فقد أصبح احتياج الممكن في وجوده إلى العلّة ضرورياً لا يقبل الترديد ، والخفاء الطارئ عليه في بدء النظر إنّما هو ؛ لعدم تصوّر الممكن كما هو حقّه ، وعدم وضوح مفهومه ، وإلاّ فالتصديق في نفسه ضروري ، على حدّ التصديق بأنّ الكل أعظم من الجزء . وهذا ممّا لا ينبغي أن يُتكلّم فيه أكثر من ذلك ، وإنّما المهم معرفة علّة هذه الحاجة ، فإنّ الباحثين قد اختلفوا فيها على أقوال:
فمنها : أنّها الإمكان ، وهو مذهب الحكماء
والمحقّقين من متأخّري المتكلّمين ، كما في الشوارق (1)
.
ومنها : أنّها الحدوث ، نسبه في المواقف إلى
المتكلّمين (2) ، وقيل : إنّه مذهب جماعة منهم
.
ومنها : أنّها الإمكان والحدوث مركّباً ، نُقل عن
بعض المتكلّمين .
ومنها : أنّها الإمكان بشرط الحدوث ، حكي أيضاً
عن بعضهم .
ومنها : أنّها الوجود ، قال به بعض الفلاسفة
الماركسية (3) .
استدلّوا على الأَوّل ، بأنّ العقل إذا لحظ كون
الشيء بحيث يتساوى طرفا وجوده وعدمه بالنظر إلى ذاته ، حكم بأنّه لا يترجّح أحد
طرفيه على الآخر إلاّ لمرجّح ، سواء لاحظ الحدوث في هذه الحالة أو لم يلاحظه ،
فالعلم بإمكان شيء لمّا استلزم العلم بافتقاره ، دلّ على أنّ الإمكان هو العلّة
للافتقار في نفس الأمر دون الحدوث ؛ إذ يمكن تصوّر الحدوث بلا استلزامه حصول العلم
بافتقار الشيء الحادث إلى علّته ما لم يُلحظ إمكانه ، حتى لو فُرض حادث واجب
بالذات ـ فرض محال ـ يحكم باستغنائه عن المؤثّر كما قيل ، والعمدة في نفي علّية
الحدوث للحاجة ـ ولو بنحو الشرطية ـ أنّ الحدوث كيفية للوجود ؛ لأنّه عبارة عن
مسبوقية الوجود بالعدم ، فيتأخّر عن الوجود ، المتأخّر عن الإيجاد ، المتأخّر عن
الحاجة ، المتأخّرة عن الإمكان ، فلو كان الحدوث هو علّة الحاجة لكان سابقاً على
نفسه بدرجات وهو محال .
وتوهّم صاحب المواقف (4)
أنّ هذا الدليل مغالطة ناشئة من اشتباه الأُمور الذهنية بالخارجية ؛ لأنّ القائلين
بعلّية الحدوث لا يريدون إلاّ أنّ حكم العقل بالحاجة لملاحظة الحدوث وحده أو مع
الإمكان ، لا أنّ الحدوث علّة في الخارج للحاجة ، فيوجد فتوجد الحاجة ؛ لأنّ
الحدوث والحاجة أمران اعتباريان ، فكيف يتصوّر كون أحدهما علّة للآخر في الخارج
حتى يرد عليه ما أُورد ؟
لكن خفي عليه أنّهما وإن لم يكونا بخارجيين ،
إلاّ أنّهما من الأُمور الموجودة في نفس
الأمر ؛ إذ لا شك أنّ الممكن متّصف في نفس الأمر بالحاجة ، وهذا الاتّصاف
محتاج إلى علّة في نفس الأمر ، فهي إن كانت الإمكان فهو ، وإن كانت الحدوث فجاء
فيه المحذور المذكور ، وأمّا كونه علّةً للتصديق بالحاجة فقط ، فهو خارج عن محلّ
الكلام ، فإنّ البحث في العلّة في نفس الأمر لا في مقام الإثبات .
فإن قيل : الإمكان ـ أيضاً لكونه كيفية النسبة
بين الماهية والوجود ـ متأخّر عن الوجود ، فلا يكون علّةً للافتقار المتقدّم عليه
بمراتب .
فيقال : الإمكان إنّما هو كيفية النسبة بين
الماهية ومفهوم الوجود من حيث هو متصوّر ، لا بين الماهية والوجود الحاصل لها ؛
ولهذا تُوصف الماهية بالإمكان قبل اتّصافها بالوجود بخلاف الحدوث ، فإنّه مسبوقية
الوجود الحاصل للماهية بالعدم ، فلا شك في تأخّره عن الإيجاد .
والإنصاف أنّ الحكم بعلّية الإمكان للافتقار
ضروري أو قريب منه جداً ، فإنّ الإمكان هو تساوي الطرفين ، بمعنى عدم اقتضاء
الممكن شيئاً منهما في نفسه كما مرّ ، وهذا المعنى يُعطي حاجته إلى المرجّح في أحد
الطرفين بالضرورة ، ولا نعني بالعلّية إلاّ هذا المعنى ، وإن شئت فقل : كما أنّ
الغَناء معلول للوجوب والامتناع بلا مدخلية القِدم فيهما ، فكذا الافتقار وعدم
الغَناء معلول لعدم الوجوب والامتناع ـ وهو الإمكان ـ بلا مشاركة الحدوث أصلاً .
نقل وإبطال:
إنّ الذين قالوا بعلّية الحدوث للحاجة زعموا أنّ
الممكن متساوي الطرفين ، فلا حاجة له إلاّ مع اعتبار حدوثه خارجاً ، فما لم يلحظه
العقل موصوفاً بصفة الحدوث لم يجزم باحتياجه إلى سبب، وإنّ الإمكان إذا كان علّةً
للافتقار لاحتاج الباقي أيضاً إلى المؤثّر مع أنّه غير ممكن ، فإنّ التأثير إن كان
في الحاصل لزم تحصيل الحاصل ، وإن كان في أمر متجدّد كان الباقي مستغنياً،
والتأثير إنّما هو في الحادث ، (5) ولأحتاج
المعدوم منه أيضاً إلى العلّة ، فتكون الأعدام الأزلية معلّلةً مع كونها مستمرّةً
.
وأمّا مَن ذهب إلى أنّ السبب هو الإمكان بشرط
الحدوث ، فكأنّه ظنّ أنّ العقل ما لم يُحط بالإمكان المفسّر باستواء الطرفين لم
يحكم بالاحتياج إلى السبب ، وما لم يَلحظ معه صفة الحدوث لم يتحقّق بنظره حصول
الاحتياج ، كما أنّ مَن دان باشتراكهما في السببية ، نظر إلى عدم تحقّق الحاجة
بدون كلّ منهما ، ويمكن أن يكون القولان الأخيران ناشئين من عدم ترجيح أحد القولين
الأَوّلين على الآخر ، فتوهّموا أنّ لكلّ من الإمكان والحدوث مدخليةً في السببية ،
وأنّ أدلة الطرفين تقتضي اعتبارهما معاً فيها .
أقول : يبطل القول الأَوّل بأنّ الإمكان أحوجَ
الممكن في وجوده إلى المؤثّر ، فالحدوث متعلّق الحاجة لا سببها ، وأمّا الممكن
الباقي فهو كالحادث منه في الاحتياج على ما سيمرّ بك بحثه ، ويلحق بالباقي المعدوم
الممكن في الحاجة ، فإنّ عدم علّة الوجود علّة لعدم المعلول ، وهذا ممّا لابدّ منه
؛ لئلا يلزم ترجّح أحد المتساويين على الآخر ، وممّا ذكرنا تسقط بقية الأوهام
أيضاً .
وقال المحدّث المجلسي قدّس سره (6) : وأحد الآخرين ـ علّية الحدوث أو الإمكان بشرط
الحدوث ـ هو الظاهر من أكثر الأخبار .
أقول : نحن وإن لم نلاحظ تلك الأخبار بتمامها ،
إلاّ أنّا لا نقبل منه هذا الاستظهار ، وأنّ الروايات لا تثبت ذلك كما ظهر لنا من
ملاحظة بعضها فلاحظ .
وأمّا قول بعض أتباع ماركس فحاصله : أنّه لا وجود
متحرّر من الحاجة أصلاً ، مستنداً في ذلك إلى التجارب التي حُقّقت في مختلف ميادين
الكون ، على أنّ الوجود بشتى ألوانه التي كشفت عنها التجربة ، لا يتجرّد عن سببه ،
ولا يستغني عن العلة ، واستنتجوا منه إنكار الواجب الوجود ، فإنّه وجود لا علّة له
، وقالوا : إنّ القول به قول بالصدفة !
أقول : وفيه أَوّلاً : إنّ الوجود ليس علّةً
للافتقار ، والتجربة لا تقدر أن تثبت مثل هذه المسألة العقلية ، فإنّ المحسوس هو
احتياج الموجود إلى العلّة ، أمّا أنّ مِلاكه هل هو الوجود أو الحدوث أو الإمكان
فلا ، بل العلّة هي الإمكان ...
وثانياً : إنّ التجربة إنّما تحكم على ما هو في
سلطانها من المادّيات المحسوسة ، ولا نفوذ لها إلى مطلق الوجودات ، وهذا ظاهر ،
إلاّ أن تغلب الغباوة على الشخص !
_____________________
(1) الشوارق 1 / 80.
(2) شرح المواقف 1 / 412.
(3) فلسفتنا / 300.
(4) شرح المواقف 1 / 414.
(5) شرح قواعد العقائد / 10.
(6) بحار الأنوار 14 / 52.
|
|
كل ما تود معرفته عن أهم فيتامين لسلامة الدماغ والأعصاب
|
|
|
|
|
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
|
|
|
|
|
بالتعاون مع العتبة العباسية مهرجان الشهادة الرابع عشر يشهد انعقاد مؤتمر العشائر في واسط
|
|
|