أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-1-2019
1931
التاريخ: 10-5-2016
13010
التاريخ: 2024-10-22
142
التاريخ: 22-5-2016
2018
|
لابد من الإشارة في بادئ الأمر إلى أهمية التفريق بين مفهومي القوة القاهرة والحدث المفاجئ، لأنه في بعض أنواع المسؤولية، يوجد اختلاف بينهما من حيث ترتب الأثر في الإعفاء من المسؤولية المدنية.
ومن الجدير بالذكر أن هناك من يفرق بين الحادثة غير المتوقعة، وبين الحادث الفجائي، إلا أننا مع الرأي القائل بهدم هذه التفرقة، وعدهما مترادفين، ذلك لأن كلا منهما تترتب النتيجة نفسها ألا وهي دفع المسؤولية المدنية للمدعى عليه، ولأنهما يتفقان من حيث ضرورة تحقق شروطهما، المتمثلة بوجوب كون الحادث خارجة عن الإرادة، وعدم إمكان التوقع، وكذلك استحالة الدفع، وقد سار المشرع العراقي
ونظيره المصري على هذا النهج (1) علما أننا وبعد بيان ماهية الحادث المفاجئ، وما يتطلبه من شروط، نرى أن من الضروري بيان أهم الفروق الجوهرية بينه وبين القوة القاهرة، بوصفها أحد تطبيقات السبب الأجنبي يقطع الرابطة السببية، ومن ثم انتفاء المسؤولية، على الرغم من وجود صفة جامعة أو مشتركة بينهما، تتمثل في وجود صفتي المفاجأة، وعدم التوقع، وعدم إمكان الدفع عنهما، وبذلك نجد أن هناك فائدة من التفريق بينهما. وسوف ندرس في متن البحث أثر القوة القاهرة، والفروق بينها وبين الحدث المفاجئ في كل نوع من أنواع المسؤولية المدنية.
ونشير هنا أيضا إلى أن أثر القوة القاهرة في المسؤولية المدنية، قد يكون سبب إعفاء كلي من المسؤولية المدنية في حالة كونها السبب الوحيد في إحداث الضرر، أما في حالة كونها قد ساهمت مع غيرها من الأسباب في إحداث الضرر، فإن القوة القاهرة تكون سبب إعفاء جزئي من المسؤولية.
فإذا أثبت المدعى عليه أن القوة القاهرة، هي السبب الوحيد للضرر، ولم يساهم معها أي سبب آخر، فإن الرابطة السببية لا تكون موجودة، ويعفى المدعى عليه من المسؤولية إعفاء كلية. وهذا ما نصت عليه أغلبية التشريعات (م/1148) مدني فرنسي، (م/165) مدني مصري، (م/211) مدني عراقي.
ففي حالة إثبات المدعي الضرر الذي لحق به قامت قرينة على مسؤولية المدعى عليه عن الضرر الحاصل، إلا إذا تمكن المدعى عليه من نفي العلاقة السببية بين فعله الضار والضرر وذلك عن طريق إثباته وجود العلاقة بين القوة القاهرة والضرر، حيث يعفى من المسؤولية التقصيرية إعفاء كليا، وقيام المدعى عليه بإقامة الدليل على أن القوة القاهرة هي السبب الوحيد لوقوع الضرر، كما يترتب على حدوث القوة القاهرة في إطار المسؤولية التعاقدية استحالة تنفيذ الالتزام بصورة نهائية وتبرأ ذمة المدين.
وبالتالي، ما أثر القوة القاهرة على كل نوع من أنواع المسؤولية المدنية. وما فائدة التفريق بينها وبين الحادث المفاجئ؟ هذا ما سوف نتناوله في الفقرتين الآتيتين:
الفقرة الأولى: أثر القوة القاهرة على المسؤولية المدنية:
سوف نتناول هذا الأثر على كل من المسؤولية العقدية والتقصيرية والوضعية من خلال البندين الآتيين:
أولا: أثر القوة القاهرة على المسؤولية العقدية:
نصت المادة (342) من قانون الموجبات والعقود اللبناني على أنه يجب على المديون أن يقيم البرهان على وجود القوة القاهرة، ويبقى مع ذلك للدائن متسع لكي يثبت أن الطارئ الذي وقع بمعزل عن المديون كان مسبوقا أو مصحوبة بخطأ ارتكبه المديون، كإبطاء في التنفيذ جعله في حالة التأخر. وفي مثل هذا الموقف يظل الموجب قائما". فيكون المشرع اللبناني قد أشار الى القوة القاهرة كسبب مانع للمسؤولية العقدية. وبالتالي، يعفي المدين من هذه المسؤولية في حال تحققت القوة القاهرة نتيجة لاستحالة تنفيذ الموجب، ولكن لا مانع قانونية من اتفاق الفريقين في العقد على أن يلتزم المدين بموجب ضمان هلاك الشيء، حتى لو حدث نتيجة لقوة قاهرة، أو أن يدخل ضمن نطاقه عدم مسؤوليته العقدية، في حالات لا تخضع، عادة لوصف القوة القاهرة، ولكن سمح بإدخالها ضمن مفهوم القوة القاهرة(2).
ويلاحظ من نص المادة المذكور، أن المشرع لم يشر إلى فعل صادر عن المدين؛ بل نص على الخطأ الصادر عنه، ما يعني وجوب انصاف فعل المدين بصفة الخطأ، سواء أكان قصدية أم غير قصدي؛ وبالتالي، إذا كانت استحالة التنفيذ ناتجة عن قوة قاهرة، سقطت الموجبات دون مسؤولية على أحد، إلا إذا ثبت أن الاستحالة كانت بسبب خطأ ارتكبه المدين، عندها ينظر في توزيع المسؤولية، وتحميل كل من الطرفين نسبة مساهمته في إحداث الضرر.
ثانيا: أثر القوة القاهرة على المسؤولية التقصيرية والوضعية:
لم يلحظ المشرع اللبناني القوة القاهرة كمانع من المسؤولية التقصيرية، كما فعل في إطار المسؤولية العقدية. وذلك لأن المسؤولية التقصيرية تقوم إما نتيجة لفعل قصدي ضار، وإما نتيجة الإهمال وقلة احتراز، وفي كلتا الحالتين لا محل للتذرع بالقوة القاهرة المتمثلة بحادث مفاجئ غير متوقع، وغير قابل للدفع أحدث الضرر المشكو منه، وذلك لعدم ائتلافها مع فكرة الخطأ.
أما في القانون العراقي، فإذا أثبت المدعى عليه أن القوة القاهرة هي السبب الوحيد للضرر، ولم يساهم معها أي سبب آخر، فإن الرابطة السببية لا تكون موجودة، ويعفى المدعى عليه من المسؤولية التقصيرية. وهذا ما ذهبت إليه محكمة التمييز العراقية في قرار لها جاء فيه: (لدى التدقيق والمداولة وجد أن الحكم المميز بالنظر لما استند إليه من أسباب صحيحة، جاء موافقا للقانون، وذلك لأنه قد ثبت أن انقلاب السارة العائدة للمميز (شركة النفط الوطنية ) والتي كان يقودها المميز عليه قد حدث قضاء وقدرا، وكان بسبب رش الطريق بالزفت، ولم يثبت إهمال أو تقصير المميز عليه في هذا الحادث، الذي أدى الى حصول الضرر؛ وعليه، تصبح الاعتراضات التمييزية غير واردة، فقرر ردها وتصديق الحكم المميز، وتحميل المميز رسم التمييز، إضافة لوظيفته وصدر القرار بالاتفاق في2013/12/22 (3) نلاحظ أن محكمة التمييز استخدمت في هذا القرار مصطلح القضاء والقدر؛ حيث إن الواقعة المذكورة لا يد للمدعي عليه فيها، لذلك تكون من قبيل القوة القاهرة، كما أن محكمة التمييز لم تبين سبب رش الطريق بالزفت، والجهة المكلفة بهذه المهمة، والتي كان يجب عليها أن تضع إشارات تحذيرية لسائقي المركبات ما يستتبع مسؤوليتها لعدم قيامها بذلك. والقرار جاء غامضا في ما يتعلق بسلوك المدعى عليه، فلم توضح المحكمة ما إذا كان السائق قد قاد السيارة بسرعة عالية بحيث فوجئ بالزفت الذي رش على الطريق، ولم يستطع جراء ذلك السيطرة على السيارة ما أدى إلى انزلاقها وانقلابها أو أن سرعته كانت معتدلة، لأن القيادة المعتدلة تتيح للسائق أن يتلافى وقوع الحادث بتخفيف السرعة، أما إذا أثبت أن سرعته كانت معتدلة ومع ذلك انقلبت السيارة، فإننا نكون أمام قوة قاهرة إذا توافرت شروطها، إذ من دون معرفة مدى صحة سلوك السائق لا يمكننا الجزم بوجود القوة القاهرة، وكان يجب على المحكمة أن تتأكد من عدم توقع المدعى عليه وجود هذه البقع (بقع الزيت)، وأن تتأكد من عدم إمكان دفع أو تلافي انزلاق السيارة وانقلابها، لذلك نرى قصورا في هذا القرار، إذ لا بد للمحكمة من إثبات وجود شروط القوة القاهرة. ويختلف الأمر في المسؤولية الوضعية لأن هذه المسؤولية غير مبنية على الخطأ. وباعتماد النظام الوضعي لا يمكن للمدين التنصل من المسؤولية، إلا بإثبات القوة القاهرة، أو خطأ شخص ثالث، ولا يكفي أن يثبت عدم خطئه لأن المسؤولية الوضعية – في الأصل - لا يتطلب قيامها توفر الخطأ؛ وبالتالي، لا تزول بنفيه. وقد نصت المادة (1384) من القانون المدني الفرنسي على أنه " يسأل المرء، ليس فقط عن الضرر الذي يحدثه بفعله الشخصي، وإنما عن الضرر الناتج عن فعل الأشياء التي تحت حراسته، وهذا النص ينطوي بالنسبة الحارس الشيء على قرينة الخطأ؛ وبالتالي، لا يمكنه هدمها إلا إذا أثبت أن الضرر يعود في سببه إلى حادث طارئ، أو قوة قاهرة، أو خطأ الضحية". تقابلها المادة (131) من قانون الموجبات والعقود اللبناني التي نصت في فقرتها الثانية على أن: وتلك التبعة الوضعية لا تزول، إلا إذا أقام الحارس البرهان على وجود قوة قاهرة، أو خطأ من المتضرر، ولا يكفي أن يثبت الحارس أنه لم يرتكب خطأ". ونجد هذا واضحا في القرار الصادر عن محكمة التمييز اللبنانية الذي جاء فيه: " وحيث إنه من الرجوع الى المادة (131 ) ق.م. ع. يتبين أنها تزيل التبعة الوضعية عن حارس الجوامد (المميز) إذا أقام البرهان على وجود خطأ من المتضرر وأنه لا يكفي أن يثبت الحارس أنه لم يرتكب خطأ. وحيث إن المادة (131) ق.م. ع. تنص على زوال التبعة الوضعية عن حارس الجوامد إذا أثبت توافر حالتين: القوة القاهرة، أو خطأ المتضرر، إلا أن المادة المذكورة لا تزيل التبعة المشار اليها عن حارس الجوامد، إذا أثبت أنه لم يرتكب خطأ، وعليه، فإن إدلاء المميز بأنه لم يرتكب أي خطأ أدى إلى سقوط التعتيبة الذي أدى إلى وفاة المرحوم ج . أ.، لا يزيل عنه التبعة الوضعية، ويقتضي رد إدلاء المميز لهذه الجهة(4) .
وفي إطار الإعفاء من المسؤولية الوضعية يسيب القوة القاهرة، لا بد من توفر الصفة الخارجية أو الأجنبية عن الشيء للقوة القاهرة. فبالإضافة إلى شرطي عدم التوقع، وعدم إمكانية الدفع للأخذ بالقوة القاهرة، يجب أن يكون الحدث الضار قد حصل من خارج الشيء، أي إنه لم يكن نابعة منه، وإلا تعطلت مسؤولية حارس الشيء عن الأضرار التي يحدثها عيب في بنيته، فالمفروض هو أن الحارس بصفته هذه ملزم بضمان الحوادث التي يحدثها هذا العيب للغير. وهنا تبدو فكرة الخطأ كامنة وراء هذه المسؤولية، دون أن تكون أساسا لها باعتبار أن مسؤولية الحارس وضعية وليست تقصيرية) ومضمونها أن تقصيرا حصل من قبل الحارس في التأكد من سلامة البنية، أو في اتخاذ الاحتياطات اللازمة للحؤول دون إحداثها ضررا للغير.
فالصفة الخارجية أو الأجنبية عن الشيء، شرط أساسي للأخذ بالقوة القاهرة في معرض البحث في نفي مسؤولية حارس الشيء عن الضرر الحاصل (5). وفي هذا السياق أصدرت محكمة التمييز العراقية قرارة جاء فيه: (...وقد وجد أن الدفع بالظروف الطارئة، والقوة القاهرة غير وارد، لأن الثابت من الإضبارة التحقيقية أن الشرطة استخبرت مساء يوم 2011/1/9 بوجود طفل فارق الحياة بالصعقة الكهربائية، وظهر أن هيئة الأنواء الجوية بينت بكتابها أن سرعة الرياح في الساعة 9:35 بلغت 24,5 متر/ثانية، ثم بدأت سرعة الرياح تخف حتى صارت في الساعة الثالثة مساء 0.5 متر/ثانية، ثم سكنت تماما في الساعة التاسعة وتحسن الجو، فعلى هذا يكون الصعق الكهربائي قد حصل في وقت خفت فيه سرعة الرياح، وكان على المؤسسة (المميزة) أن تبادر إلى إصلاح الخطوط، وتحافظ على أرواح الناس من الأسلاك المقطوعة على فرض أن السلك الذي صعق الطفل كان قد قطع بسبب الريح صباح ذلك اليوم، ولم يكن مقطوعا قبل ذلك، وحيث إنها لم تفعل، وتهاونت في إصلاح الخطوط الكهربائية تكون قد أخطأت وقصرت ما يترتب على ذلك مسؤوليتها عن تعويض المدعي ..ولذا قرر تصديق الحكم المميز، ورد الطعون التمييزية، وتحميل المميز رسم التمييز، وصدر القرار بالاتفاق في 2011/9/17 (6) وقد أصابت محكمة التمييز في قراراها هذا، إلا أننا لاحظنا إيراد مصطلح الظر وف الطارئة، الى جانب مصطلح القوة القاهرة في هذا القرار، على الرغم من الاختلاف الكبير بين المصطلحين، لأن نظرية الظروف الطارئة، تقتصر على المسؤولية العقدية، وطبق بشكل خاص على العقود المستمرة التنفيذ، أو الفورية، التي يكون تنفيذها مؤجلا، وذلك عندما يصبح تنفيذ الالتزام مرهقا للمدين, هذا، ولم تقصد محكمة التمييز عند إيرادها لهذا المصطلح نظرية الظروف الطارئة ذاتها، وإنما قصدت التعبير عن الواقعة المادية ( موضوع الدعوى)
ولا بد من الإشارة، إلى التطور الحاصل في التشريع الفرنسي، فقد صدر في فرنسا قانون متعلق بحوادث السير في 5 تموز 1985، والغاية منه كانت حماية لمصلحة الضحية، بتوفير سبل أخرى لتعويضها أكثر مما توفره لها الأحكام العامة في المسؤولية. فالأحكام العامة، تستبعد أحيانا التعويض كلية عندما يكون سبب الضرر قوة قاهرة. أي إن التشريع العام قد لا يعطي الضحية تعويضا كاملا يشمل كافة الأضرار التي لحقتها ، إذا كان الضرر قد نتج عن قوة قاهرة، فجاء التشريع الخاص (قانون 85) متجاوز هذه الحالة، ومن الضحية على العموم، عند توافر شروطه، من الحصول على تعويض كامل، ولو كان منشأ الضرر قوة قاهرة، إذا تورطت (7) عربة معينة في الحادث الذي ألحق الضرر بها.
وفي مصر والعراق، يحمل حارس الشيء المسؤولية كاملة، حتى وإن ساهمت القوة القاهرة مع خطئه في إحداث الضرر، لأن هذه القوانين أخذت بمبدأ المسؤولية التضامنية عند تعتد المسؤولين عن الضرر، وبالتالي، المتضرر مطالبة أي واحد منهم بالتعويض كله، دون أن يكون لهذا الأخير الاحتجاج بمشاركة القوة القاهرة في إحداث الضرر.
الفقرة الثانية: أثر الحادث المفاجئ في المسؤولية المدنية:
إن كلا من القوة القاهرة والحادث المفاجئ يعدان من العوارض التي تتعلق بركن الرابطة السببية في المسؤولية المدنية، إلا أن الحادث المفاجئ، ينحصر مجال تطبيقه العملي في المسؤولية العقدية دون التقصيرية، وهذا ما نلمسه بوضوح في مضمون نص المادة (146) من القانون المدني العراقي(8)، في حين أن مجال تطبيق القوة القاهرة، يتوسع ليشمل كلا المسؤوليتين، العقدية منها والتقصيرية (9)
أما الأثر المترتب على تحقق القوة القاهرة في كلا المسؤوليتين العقدية والتقصيرية، فهو انقضاء الالتزام الملقى على عاتق المدين بالكامل، ومن ثم عدم تحمل المدين تبعة الضرر كلية، وذلك لأنه لا التزام بمستحيل، في حين لا يؤدي تحقق الحادث المفاجئ إلى انقضاء الالتزام في المسؤولية المدنية العقدية بالكامل، وإنما يجيز للقاضي أو تعطى له السلطة التقديرية في أن يتدخل بعد الموازنة بين مصلحة الدائن والمدين وأن يحكم بإنقاص الالتزام الملقى على عاتق المدين إلى الحد المعقول، إذا ما اقتضت العدالة ذلك، ومن ثم، فإن كل ما هناك هو أنه يتم توزيع التبعة بين الدائن والمدين، والسبب في ذلك يكمن في أن تحقق القوة القاهرة، يجعل من تنفيذ التزام المدين مستحي استحالة مطلقة، في حين لا يؤدي تحقق الحادث المفاجئ إلى تحقيق هذه النتيجة؛ بل يؤدي إلى أن يكون تنفيذ الالتزام مرهقا للمدين، بحيث يؤدي تنفيذه إلى تهديده بخسارة فادحة، دون أن تصل إلى حد الاستحالة(10)
وبما أنه يترتب على تحقق الحادث المفاجئ اختلال التوازن الاقتصادي بين طرفي العقد، بحيث يكون تنفيذ الالتزام العقدي من قبل المدين أمرا مرهقا له، يأتي دور القاضي في معالجة التوازن الاقتصادي المختل بين الطرفين أو إعادته، وذلك عن طريقين:
1- تعديل العقد:
أجاز المشرع العراقي في المادة 2/146 من القانون المدني، وبعد تحقق الحادث المفاجئ، للقاضي أن يتدخل، وينقص الالتزام المرهق بفعل هذا الظرف إلى الحد المعقول، وذلك إذا ما تبين له بعد إجراء الموازنة بين مصلحة طرفي العقد، واقتضت ضرورات العدالة ذلك، وأحيانا قد يقتضي الأمر وقف تنفيذ العقد لمدة معينة، قد تتحدد بزوال الحادث المفاجئ، وذلك لأن هذا الحادث يكون مقدرة له الزوال في وقت قريب عادة، إلا أن هذا الإجراء مقيد بشرط مهم، إلا وهو عدم الإضرار بالدائن ضررا جسيما(11) .
أما إذا حصلت حالة لم تؤد الى القضاء الالتزام، فيكون إصدار القرار بوقف تنفيذ العقد لتلك المدة أمرا غير ذي جدوى، ولهذا يجوز للقاضي بدلا من إصدار القرار بوقف تنفيذ العقد، إصدار القرار بمنح المدين أجة لتنفيذ التزامه، وفق الطريقة أو الصورة التي يضعها القاضي له(12) .
2- فسخ العقد: على الرغم من إيراد المشرع العراقي قاعدة عامة النظرية في المادة (/146 2 )من القانون المدني، والتي أعطت الحق أو السلطة التقديرية للقاضي بإنقاص الالتزام إلى الحد المعقول، وذلك بتعديل العقد، ودون أن تصل هذه السلطة إلى حد فسخ العقد المبرم، إلا أنه أورد استثناء على هذه القاعدة، يجيز بموجبه فسخ العقد، وذلك عندما تحدث ظروف استثنائية تؤدي إلى إرهاق المدين، بسبب الاختلال الخطير في التوازن الاقتصادي، وتجعل من إصدار القرار بتعديل العقد أمر غير ذي جدوى؛ حيث لا يحقق الهدف أو الغاية المرجوة من النظرية، والمتمثل بإعادة التوازن بين الطرفين أو إعادة التوازن الاقتصادي بينهما؛ ولذلك، فإنه في المادة (878) من القانون المدني الخاصة بعقد المقاولة، على سبيل المثال، وفي سبيل هذه الغاية، أعطى المشرع السلطة التقديرية لقاضي الموضوع ليقضي بزيادة الأجرة المطلوبة أو المتفق عليها، أو فسخ العقد عند انهيار التوازن الاقتصادي بين التزامات رب العمل والمقاول انهيارا تامة، يؤدي إلى انعدام الأساس الذي قام عليه التقدير المالي لعقد المقاولة (13) . وقد أورد المشرع العراقي تطبيق آخر لهذه النظرية في المادة 1/792 من القانون المدني؛ حيث أجاز بموجبها أيضا فسخ العقد بسبب حدوث الحادث المفاجئ، كما أجاز لكلا طرفي العقد طلب فسخ وتجدر الإشارة إلى أن المشرع العراقي أجاز لأطراف المسؤولية المدنية التقصيرية الاتفاق على تحمل المدين تبعة المسؤولية، حتى إذا كان الضرر ناشئا عن سبب أجنبي لا بد له فيه، في حين أنه لم يجيز للأطراف في المسؤولية العقدية إبرام مثل هذا الاتفاق عند تحقق الحادث المفاجئ، واعتبر أن أي انفاق بهذا الصدد يلحقه البطلان.
وفي القانون اللبناني، هل يدخل الحادث المفاجئ في مفهوم السبب الأجنبي الذي يثبت استحالة التنفيذ؟ وبالتالي الإعفاء من المسؤولية التي نحن بصدد معالجتها؟
يبدو من سياق عبارات نص المادتين (341) و (342) م. ع (14)، حول المسؤولية العقدية، تقديم السبب الأجنبي الذي يجعل التنفيذ مستحيلا، على القوة القاهرة، وخطأ الدائن، بينما لم ترد إشارة إلى الحادث المفاجئ
ولا شك في أن القانون اللبناني ميز بين القوة القاهرة والحادث المفاجئ تمييزا واضحا، متبنيا وجهة نظر "جوسران"، ليس في نطاق المسؤولية التقصيرية والوضعية فقط بل وفي نطاق المسؤولية التعاقدية أيضا، علما أن الحادث المفاجئ لا تأثير له على هذه الأخيرة.
أما في ما يتعلق بالمسؤولية التقصيرية، فيمكن الأخذ بالسبب الداخلي إذا كان غير متوقع، وغير قابل للدفع، كالنوبة القلبية التي تفقد الإنسان السيطرة على سيارته، فتنحرف وتحدث ضررا للغير. فإذا ادعي على السائق بصفته حارسا، لا تؤثر هذه النوية على حراسته لأنها تستمر معه، أما إذا ادعي عليه بالاستناد الى المسؤولية التقصيرية، فيمكن عندها التذرع بالحدث الداخلي المفاجئ، لأنه ينفي حصول الخطأ (15). فالمسؤولية الوضعية عن فعل الشيء لا تزول بإثبات الحارس علم ارتكابه خطا، بينما المسؤولية التقصيرية تزول بعدم توفر الخطأ.
أي إنه لا تأثير للحدث المفاجئ على المسؤولية الوضعية، وهذا ما أكدته المادة (131) م. ع وأيده الاجتهاد؛ حيث جاء في قرار صادر عن محكمة التمييز(16) أنه "لا تزول مسؤولية الحارس إلا إذا أقام البرهان على وجود قوة قاهرة أو خطأ من المتضرر. وتقدير الأمور التي من شأنها أن تشكل القوة القاهرة أو الحادث المفاجئ المحرر من المسؤولية، يستقل به قضاة الأساس، ولا يخضع لرقابة محكمة التمييز".
___________
1- فرهاد حاتم حسبن، عوارض المسؤولية المدنية، منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الأولى، 2014، ص:204
2- مصطفى العوجي، القانون المدني الجزء الثاني المسؤولية المدنية، منشورات الحلبي الحقوقية الطبعة الثالثة 2007 ، ص:118
3- محكمة التمييز العراقية، قرار رقم 24 مدني /2013، تاريخ القرار 2013/12/22 ، غير منشور .
4- محكمة التمييز المدنية اللبنانية، الغرفة الثانية، قرار رقم 82 تاريخ 2006/6/13 ، صادر، بيروت، 2006, ص .438
5- مصطفي العوجي، المسؤولية المدنية، مرجع سابق، ص :605
6- محكمة التمييز العراقية، قرار رقم 835/مدني 2011، تاريخ 2011/9/17 ، منشور في الوقائع العدلية، بغداد ، 2011، ص 124 .
7- لم نستعمل تعبير تسبيت بل تورطت" وذلك لأن من شروط التعويض في قانون حوادث السير 1985، شرط التورط وليس السببية. والفرق بين السببية و التورط"، هو أن الأول هو العامل الذي يربط بين الخطأ، وبين الضرر؛ وبالتالي، يمكن أن تنتفي المسؤولية عند القوة القاهرة، أما التورط فهو عامل يربط العربية ليس بالضرر، إنما بالحادث الذي نتج عنه الضرر؛ وبالتالي، لا تأثير للقوة القاهرة على قيام المسؤولية.
8- نصت الفقرة الثانية من المادة (146) من القانون المدني العراقي على أنه إذا طرأت حوادث استثنائية عامة، لم يكن في الوسع توقعها، وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي، و إن لم يصبح مستحيلا، صار مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة، جاز للمحكمة بعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن تنقص الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، إن اقتضت العدالة ذلك، ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك).
9- مراجعة نص المادتين (168) و(211) من القانون المدني العراقي
10- العبارة الأخيرة الواردة في نص المادة ( 2/146 ) من القانون المدني العراقي تؤكد هذه التفرقة بين القوة القاهرة والحادث المفاجئ من هذه الجهة
11- أنور سلطان، الموجز في النظرية العامة للالتزام، دار الجامعة للنشر الاسكندرية طبعة 2005 ، ص: 250.
12- رمضان أبو السعود، مصادر الالتزام، دار الجامعة الجديدة، مصر، 2009، ص 243.
13- فرهاد حاتم حسين، عوارض المسؤولية المدنية، مرجع سابق، ص:225.
العقد قبل انتهاء مدته، إذا كان من شأن تحقق الظرف المذكور أن يجعل تنفيذ عقد الإيجار - من البداية أو أثناء سريانه - مرهقا.
14- نصت المادة (341) موجبات وعقود على ما يلي: (يسقط الموجب إذا كان، بعد نشأته قد أصبح موضوعه مستحيلا من الوجه الطبيعي أو الوجه القانوني بدون فعل أو خطأ من المديون)، وكذلك نصت المادة (142) موجبات وعقود على أنه يجب على المديون أن يقيم البرهان على وجود القوة القاهرة، ويبقى مع ذلك للدائن متسع لكي يثبت أن الطارئ الذي وقع بمعزل عن المديون كان مسبوقا أو مصحوبا بخطأ ارتكبه المديون، كإبطاء في التنفيذ جعله في حالة تأخر. وفي مثل هذا الموقف يظل الموجب قائما).
15- مصطفى العوجي، المسؤولية المدنية، مرجع سابق، ص: 605 .
16-تمييز 1968/1/9 ، العدل 1968، ص: 390.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
العتبة الحسينية تطلق فعاليات المخيم القرآني الثالث في جامعة البصرة
|
|
|