أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-5-2018
745
التاريخ: 24-05-2015
1538
التاريخ: 13-5-2018
1162
التاريخ: 6-5-2018
1372
|
وهناك سؤال يطرحه كلّ من يؤمن بتواتر النصوص ووضوح دلالتها؛ لمّا يُشاهد المعارضة بينها وبين الأمر الواقع في السقيفة وما بعدها، وانثيال كثير من المهاجرين والأنصار إلى غير عليّ، فيقع في الحيرة والتعجّب، فيقول: لو كانت النصوص النبويّة على هذا المستوى، فلماذا أعرض عنها المسلمون؟!، ولماذا لم يطلب الإمام حقّه الشرعي؟!، ولماذا رضي بالأمر الواقع ولم ينبس فيه ببنت شفة؟!، وهذا هو الّذي نحاول الإجابة عنه في المقام، فنقول:
إنّ المهمّ هو بيان السرّ الّذي دفع الإمام إلى ترك المطالبة بحقّه بالقدرة والعنف، وأمّا إعراض المهاجرين والأنصار، أو في الحقيقة إعراض الرؤوس منهم، عن النصّ، وانثيال غيرهم إليهم، فليس هذا أمراً عجباً؛ فقد أعرضوا عن كثير من النصوص واجتهدوا تجاهها، كما تقدم البحث عن موارده، وإليك تشريح ما هو المهم:
إنّ الإمام لم يسكت طول حياته عن بيان حقّه وإرشاد الناس إليه، بل أظهر عدم رضاه بالأمر الواقع، وهو تعبير آخر عن غصب حقّه، يقف عليه كلّ من قرأ مأساة السقيفة في كتب التاريخ.
فلم يكن للإمام قدرة على المطالبة بحقّه. وعلى فرض وجودها، كانت
المصلحة تكمن يومذاك في إداء الأمر إلى متقمّصيها، وعدم المطالبة بها بالقهر والقوّة، وإليك ما يدلّ على ذينك الأمرين من خلال دراسة التاريخ:
1 ـ هذا ابن قتيبة يسرد تاريخ السقيفة وما فيه من مآسي، يقول: إنّ عليّاً (عليه السّلام) أُتي به إلى أبي بكر وهو يقول: ((أنا عبد الله وأخو رسول الله))، فقيل له: بايع، فقال (عليه السّلام): ((أنا أحق بهذا الأمر منكم، وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من النبيّ، وتأخذوه منّا أهل البيت غصباً؟!، ألستم زعمتم للأنصار أنّكم أولى بهذا الأمر منهم لمّا كان محمد فيكم، فسلّموا إليكم الإمارة، وأنا احتجّ عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار، نحن أولى برسول الله حيّاً وميّتاً، فانصفوا إن كنتم تؤمنون، وإلاّ فبؤوا بالظلم وأنتم تعلمون)).
فقال له عمر: إنّك لست متروكاً حتّى تبايع، فقال له عليّ: ((احلب حلباً لك شطره، وشدّ له اليوم، يردده عليك غداً ـ ثُمَّ قال: ـ والله يا عمر لا أقبل قولك ولا أُبايعه)).
فقال له أبوبكر: فإن لم تبايع فلا أُكرهك، فقال أبو عبيدة بن الجراح لعليّ (عليه السّلام): يا ابن عم، إنّك حديث السنّ، وهؤلاء مشيخة قومك، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأُمور، ولا أرى أبا بكر إلاّ أقوى على هذا الأمر منك وأشدّ احتمالاً واستطلاعاً، فسلِّم لأبي بكر، فانّك إن تعش ويطل لك بقاء، فأنت لهذا الأمر خليق وحقيق في فضلك ودينك وعلمك وفهمك وسابقتك ونسبك وصهرك.
فقال عليّ (عليه السّلام): ((الله الله يا معشر المهاجرين لا تُخرجوا سلطان محمد في العرب من داره وقعر بيته، إلى دوركم وقعور بيوتكم، وتدفعون أهله عن مقامه في الناس وحقّه، فو الله يا معشر المهاجرين لنحن أحقّ الناس به؛ لأنّا أهل البيت، ونحن أحقّ بهذا الأمر منكم، ما كان فينا القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بسنن رسول الله، المتطلّع لأمر الرعيّة، الدافع عنهم الأُمور السيّئة، القاسم بينهم بالسويّة، والله إنّه لفينا، فلا تتبعوا الهوى فتضلّوا عن سبيل الله فتزدادوا من الحقّ بُعداً)).(1)
فأي بيان أروع من هذا البيان، وأي بلاغ أصرح منه، فقد فنّد خلافة المتقمّص ببيان فقده مؤهّلاتها، وهي الأُمور التالية:
1 ـ ما كان فينا القارئ لكتاب الله.
2 ـ الفقيه في دين الله.
3 ـ العالم بسنن رسول الله.
4 ـ المتطلّع لأمر الرعيّة.
5 ـ الدافع عنهم الأُمور السيّئة.
6 ـ القاسم بينهم بالسويّة.
ومعنى ذلك أنّ المتقمّص ومؤيديه فاقدون لهذه الصلاحيّات.
2 ـ لمّا انتهت إلى أمير المؤمنين أنباء السقيفة قال (عليه السّلام): ما قالت الأنصار؟، قالوا: قالت منّا أمير ومنكم أمير، فقال: ((هلاّ احتججتم عليهم بأنّ رسول الله وصّى بأن يحسن إلى محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم؟))، قالوا: وما في هذا من الحجّة عليهم؟!، فقال (عليه السّلام): ((لو كانت الإمامة فيهم، لم تكن الوصيّة))، ثُمَّ قال: ((فماذا قالت قريش؟)) قالوا: احتجّت بأنّها شجرة الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فقال (عليه السّلام): ((احتجّوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة)).(2)
3 ـ الإمام لم يكتف بهذه الجمل في بادئ الأمر، بل استمر على بيان الحق بأساليب مختلفة، منها:
احتجاجه بحديث الغدير في يوم الشورى سنة 23:
قال عامر بن واثلة: كنت على الباب يوم الشورى مع عليّ (عليه السّلام)، فسمعته يقول: ((لأحتجّنّ عليكم بما لا يستطيع عربيّكم ولا أعجميّكم تغيير ذلك))، ثُمَّ قال:
((أنشدكم الله، أفيكم من وحّد الله قبلي))، قالوا: لا، إلى أن قال: ((فأنشدكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهم والي من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره، ليبلغ الشاهد الغائب غيري؟، قالوا: اللّهم لا)).(3)
4 ـ كما ناشد يوم الرحبة سنة 35، روى الأصبغ قال: نشد عليّ الناس في الرحبة: ((من سمع النبيّ يوم غدير خم ما قال، إلاّ قام ولا يقوم إلاّ من سمع رسول الله يقول))؛ فقام بضعة عشر رجلاً، منهم: أبو أيّوب الأنصاري، وسهل بن حنيف، وخزيمة بن ثابت، وعبد الله بن ثابت الأنصاري، فقالوا: نشهد أنّا سمعنا رسول الله يقول: ((ألا من كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه، وأحبّ من أحبّه وابغض من أبغضه، وأعن من أعانه)).(4)
لم تكن المناشدة، منحصرة بهذين الموردين، بل ناشد الإمام في غير واحد من المواقف الأُخرى، كما ناشدت زوجته الصدّيقة الطاهرة بحديث الغدير، وبعدهما الحسنان السبطان، وعبد الله بن جعفر وعمار بن ياسر.
هذه شواهد باهرة على عدم سكوته ولا رضاه بالأمر الواقع، بل استمرّ على هذا إلى أُخريات حياته، ويتّضح هذا بالرجوع إلى خطبته المعروفة بالشقشقيّة الّتي ألقاها في آخر خلافته.
وأمّا عدم القيام بأخذ الحق بالقوّة؛ فلأجل أنّ القيام فرع القدرة، ولم يكن يومذاك أيّ مِنْعة وقدرة للإمام، ويكفي في ذلك كلامه في خطبته الأخيرة: ((فسدلت دونها ثوباً، وطويت عنها كشحاً، وطفقت ارتئي بين أن أصول بيد جذّاء أو أصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتّى يلقى ربه)).(5)
ولكن حتّى لو افترضنا وجود القدرة، فإنّ مصالح الإسلام كانت تكمن في المسالمة وإدلاء الأمر إليهم، يشير إليه الإمام تارة بالكناية وأُخرى بالتصريح؛ حيث يقول: ((أيّها الناس، شقّوا أمواج الفتن بسفن النجاة، وعرّجوا عن طريق المنافرة، وضعوا تيجان المفاخرة، أفلح من نهض بجناح أو استسلم فأراح، هذا ماء آجن، ولقمة يغصّ بها آكلها، ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها كالزارع بغير أرضه ،فإنّ أقلّ يقولوا: حرص على الملك، وإن أسكت يقولوا: جزع من الموت، هيهات بعد اللّتيّا والّتي، والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أُمّه، بل اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطَويِّ البعيدة).(6)
وقد أوضح ما ذكره مجملاً في هذه الخطبة الّتي ألقاها بعد وفاة الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بخطبته الّتي ألقاها بعد رجوع الناس إليه، وصرّح بأنّ مسالمته الخلفاء لأجل أخطار كانت تحدق بالمسلمين بعد موت النبيّ، فقال (عليه السّلام): ((إنّ الله سبحانه بعث محمّداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) نذيراً للعالمين ومهيمناً على المرسلين، فلمّا مضى (عليه السّلام) تنازع المسلمون الأمر من بعده، فو الله ما كان يلقى في روعي ولا يخطر ببالي أنّ العرب تزعج هذا الأمر من بعده عن أهل بيته، ولا أنّهم منحّوه عنّي من بعده، فما راعني إلاّ انثيال الناس على فلان يبايعونه، فأمسكت يدي حتّى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام؛ يدعون إلى محق دين محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولايتكم؛ الّتي إنّما هي متاع أيّام قلائل، يزول منها ما كان كما يزول السراب أو كما يتقشّع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث حتّى زاح الباطل وزهق، واطمأنّ الدين وتنهنه)).(7)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الإمامة والسياسة: 1/11 ـ 12.
(2) نهج البلاغة: الخطبة 67.
(3) الصواعق المحرقة: 75، المناقب، للخوارزمي: 135 برقم 152.
(4) أسد الغابة: 3/307 و5/205.
(5) نهج البلاغة: الخطبة 3.
(6) نهج البلاغة: الخطبة 5.
(7) نهج البلاغة: قسم الكتب 62.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|