المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
اقليم حشائش السافانا
2024-11-05
اقليم الغابات المعتدلة الدافئة
2024-11-05
ماشية اللحم في كازاخستان (النوع كازاك ذو الرأس البيضاء)
2024-11-05
الانفاق من طيبات الكسب
2024-11-05
امين صادق واخر خائن منحط
2024-11-05
اماني اليهود بدخول الجنة
2024-11-05

Industrial Exposures
28-2-2016
مركبات المتجهات (Component of the Vector)
23-2-2016
التّحريف في تفسير الآية : ( وأنّ المساجد للّه)
23-11-2014
السيئة المحيطة
2024-08-10
ما لم يصل حد الرشد لا يمكن ان يعطيه ماله
4-6-2019
جريمة الانتفاع من الاشغال أو المقاولات أو التعهدات
2024-10-30


هل يجوز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد أم لا ؟  
  
3985   06:57 مساءاً   التاريخ: 27-04-2015
المؤلف : علي فاني الاصفهاني
الكتاب أو المصدر : اراء حول القران
الجزء والصفحة : ص 145-161.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / تاريخ القرآن / التحريف ونفيه عن القرآن /

قبل بيان الأقوال لا بدّ من بيان جهات ترجع إلى العموم والخصوص أو بالأحرى إلى صيغ العموم وحقيقة التخصيص :

الأولى : اختلفوا في اختصاص العام بصيغة تخصه ولتحقيق هذه الجهة وهي أم الباب نقول بأن ما يتوهم كونه من ألفاظ العموم ثلاثة :

1- الألفاظ الموضوعة للمعاني الاسمية كالموصولات - من وما وأي - بناء على كونه اسما ، فذهب جمع كثير إلى كونها موضوعة للمعاني العامة ، والتحقيق أن الموصولات وكذلك - أي - وضعت للمفاهيم المبهمة المجردة عن أي لحاظ في ناحية مفاهيمها من العموم والخصوص ومن الإخبارية والإنشائية وغير ذلك ، فكلمة - من - إنما وضعت لمفهوم اسمي مبهم ، معرى عن كل قيد وخصوصية في عالم الوضع ، ولكنها لما تأتي في دور الاستعمال تختلف أغراض المستعملين في استعمالها فتارة تستعمل في نفس مفهومها الوضعي ، وحينذاك يكون قيدها في دور الاستعمال التجرد عن الخصوصيات ، وإن شئت قلت البشر طلائية بمعنى اشتراط مفهومها بسلب جميع القيود والخصوصيات ، كقولك - من - موصول يحتاج إلى الصلة ، وأعني بذلك ما إذا تجردت الجملة عن قصد الاخبار وقصد الإنشاء معا وهو مورد التعليم والتّدريس ، اذ الأمثلة النحوية كلها مجردة عن قصد الاخبار وقصد الإنشاء ، ولذا يكون تقسيم الجمل الكلامية إلى الاخبارية والإنشائية منزلا على الغالب وإلا ففيه مسامحة بينة ، وأخرى تستعمل في مفهومها مع التطبيق على الخارج ، ومن البديهي أن الكلمة بمفهومها الوضعي لا تدل على التطبيق بل لا بدّ من ضميمة بها يفهم المطبق عليه لذلك المفهوم ، ويعبر عن تلك الضميمة بالصلة لاتصالها بكلمة - من - الموصولة ، ومن المعلوم أن التطبيق على الخارج إنما هو بيد المتكلم بحسب ما للمفهوم من الاستعداد الذاتي للانطباق سعة وضيقا ، وكلمة - من - في مفهومها قابلة للانطباق على فرد أو أفراد ، وكذلك الجملة التي فيها تلك الكلمة قابلة للانشائية والاخبارية ، فتتكثر الأقسام بلحاظ التطبيقات المتعددة :

الأول : أكرم من أكرمك ، الجملة إنشائية ، وهي عامة لعموم الصلة ، فالمطبق عليه بالإرادة الجدية عام.

الثاني : أكرم من جاء بالأمس ، الجملة إنشائية ، وهي خاصة لأن الصلة عهد خاص فالمطبق عليه خاص.

الثالث : قوله تعالى : {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ} [الجمعة : 1] ، الجملة خبرية ، لعموم الصلة ، فالمطبق عليه عام.

الرابع : رأيت من جاءك بالأمس ، الجملة خبرية والصلة خاصة بسبب العهد ، فالمطبق عليه خاص ، ثم ان المطبق عليه المعهود تارة خارجي وأخرى ذهني ، كقولك : أكرم من في المدرسة ، أو قتل من في العسكر ، وفي جميع تلك الأمثلة لم تستعمل كلمتي - من وما - الموصولتين إلا في معناهما البسيط الابهامي ، وليستا مشتركتين لفظيتين بين المعاني المقصودة من مفاهيمهما في الموارد المختلفة ، وذلك دليل على أنهما ليستا من ألفاظ العموم بالوضع اللغوي ، كيف وقد يراد منهما الخاص من دون تجوز أصلا وقس عليهما غيرهما.

الثانية : أدوات العموم وهي - كل وأي - بناء على كونها حرفا أو ما يرادفهما من أيّة لغة ، حيث يقال أنها وضعت للعموم ، لكن التحقيق أن السعة والضيق لموارد انطباقات تلك الأدوات لا ترتبطان بمفادها لأن المعنى الحرفي إنما يكون تعلقيا ، ومقتضى التعلقية قصر اللحاظ على المتعلق من حيث العموم والخصوص ، والشاهد على ذلك أن النحاة قد عدوا لكلمة - أي - معاني خمسة مع أن - أي - ليست مشتركة لفظية لتلك المعاني الخمسة فصيرورة - أي - موصولة وموصوفة واستفهامية بل وزائدة إنما هي ناشئة من موارد انطباقات - أي - من دون استعمالها إلا في معناها الابهامي القابل للتطبيق على تلك الموارد أو المعاني حسب تعبيرهم ، ولذا يكون المستعمل فيه في : زيد شاعر أي شاعر ، وفي : أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي ، وفي : أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ، معنى واحدا ، وكذلك الكلام في - كل - ، فكلمة كل في قولك :

كل ما في الكون وهم أو أو خيال ، مساوق في المعنى لقولك : كل ما في كيسي درهم ، أو أكرم كل هؤلاء مع كونهم خمسة.

وملخص الكلام أن - كل - وما بمعناه سورة للقضايا ومحيط بها ، ومن ناحية احاطته بمدخوله يقال أنه للعموم بمعنى الشمول لا الاستغراق ومن حيث التطبيق لا الوضع.

قال العضدي في شرح المختصر للحاجبي : ذهب الشافعي وجميع المحققين إلى أن العموم له صيغة موضوعة له حقيقة ، وتحرير محل النزاع كما في الأمر وحاصله راجع إلى أن الصيغ المخصوصة التي سنذكرها هل هي للعموم أو لا؟ ، فقال الأكثر له صيغة هى حقيقة فيه ، وقال قوم : الصيغة حقيقة للخصوص ، وهي في العموم مجاز ، وقال الأشعري تارة بأنها مشتركة وتارة بالوقف ، وقيل بالوقف في الأخبار دون الأمر والنهي ، وقال القاضي بالوقف ، أما على أنا لا ندري أوضع لها أم لا؟ أو ندري أنه وضع لها ولا ندري أ حقيقة منفردا أو مشتركا أم مجازا؟ ، ثم الصيغة الموضوعة له عند المحققين هي هذه ، فمنها أسماء الشرط والاستفهام ، نحو - ومن وما ومهما وأيما - ومنها الموصولات نحو - من وما والذي - ، ومنها المجموع المعرفة تعريف جنس لا عهد ، والمجموع المضافة نحو : العلماء وعلماء بغداد.

ومنها اسم الجنس كذلك أي معرفة تعريف جنس أو مضافا ، ومنها النكرة في سياق النفي دون الإثبات ، نحو : ما من رجل ، لنا أن السيد إذا قال لعبده : تقرب أحدا ، فهم منه العموم حتى لو ضرب واحدا عد مخالفا ، والتبادر دليل الحقيقة ، فالنكرة في النفي للعموم حقيقة فللعموم صيغة ، وأيضا لنا أن نقطع بأن العلماء لم يزالوا يستدلون بمثل : السارق والسارقة فاقطعوا ، الزانية والزاني فاجلدوا ، إلى آخر ما قال ومنه استدلاله بفهم أبي بكر وعمر ونحو ذلك.

الثالثة : الهيئات العارضة للصيغ ببركة كلمة - ال - التعريف ، أو مع زيادة هيئة الجمع ، أو إضافة الجنس أو المصدر إلى شي‏ء ما ، فيقال أن الجنس المحلى باللام للعموم ، أو صيغة الجمع المحلي باللام للعموم ، أو المصدر المضاف يفيد العموم ، والتحقيق أن اللام إنما هو للتعريف ، والمعرف تارة نفس مدلول المدخول وأخرى ما طبق عليه المدخول ، والثاني يكون تارة المعهود الذكرى وأخرى الخارجي وثالثة الذهني ، وفي جميع تلك الموارد ليست كلمة - ال - الا مستعملة فيما لها من المفهوم اللغوي الموضوع لها اللفظ ، والخصوصيات المذكورة ، بأجمعها تعرف بسبب التطبيقات ، وان شئت قلت القرائن الكلامية ، وأما هيئة الجمع فهي موضوعة للجمع بالمعنى اللغوي لا الاصطلاحي ولذا صح أن يقال أن تلك الهيئة إنما هي موضوعة للجمع المصطلح عليه بالجمع المنطقي ، وأعني به الأزيد من الواحد دون‏

الجمع الأصولي أو النحوي وهو الأزيد من اثنين.

وأما الاضافة فهي ربط بين المضاف والمضاف إليه ، ومن البديهي أن سعة المضاف وضيقه تابعان لسعة المضاف إليه وضيقه ، فلا فرق بين قولك :

نقد البلد وبين قولك : نقدي ، من جهة المضاف والإضافة ، وإنما الفرق في المضاف إليه عموما وخصوصا ، فتبين أنه لا صيغة للعام وضعا.

الثانية : اختلفوا في أن التخصيص هل هو مجاز في كلمة العام أم لا؟

وفي أن العام المخصوص هل هو حجة في الباقي وإن كان مجازا لأنه أقرب المجازات إلى العام أم لا؟.

وبعد ما عرفت أنه لا صيغة للعموم وأن المراد التطبيقي إنما هو العموم المستفاد من إطلاق الكلام ، فالتحقيق أن هذه الأبحاث سوالب لا موضوع لها ، وتوضيح ذلك أنّ من البديهي أن المدار في عالم تفهيم المقاصد على الألفاظ ، ومن البديهي أيضا أن للقرائن الكلامية وإن لم تكن لفظية دخلا في تفهيم المقاصد فتفهيمها ليس محصورا بالألفاظ الموضوعة لمعانيها ، وعلى هذا فالكلام باعتبار الاختلاف في سنخ التفهيم يتنوع إلى أقسام خمسة :

الأول : ما يكون تفهيم المقصد بسبب اللفظ المستعمل في معناه الحقيقي ، كقولك : ائتني بالماء ، مريدا به الإتيان الخارجي للجسم السيال البارد بالطبع نعم ربما يطبق المعنى الحقيقي على فرد تنزيلي ، كقولك للرجل الشجاع : هذا أسد ، وهذا هو المجاز العقلي الّذي حققه السكاكي.

الثاني : ما يكون تفهيم المقصد بسبب اللفظ المستعمل في غير معناه الحقيقي كقولك : رأيت أسدا ، مستعملا كلمة الأسد في غير الحيوان المفترس ، وهذا هو المجاز في الكلمة.

الثالث : ما إذا كان المراد الجدي من لوازم أو ملزومات أو ملازمات ما استعمل اللفظ فيه إذا كان حقيقة ، بل وإن كان مجازا وهذا هو الكناية فتقول :

زيد كثير الأحباب ، مريدا بذلك أنه جواد أو حسن الخلق.

الرابع : ما إذا كان اللفظ مستعملا في معناه الحقيقي ومرادا منه ذلك بالإرادة الجدية ولكن أسند إليه ما ليس له كقول الإمام السّجاد (عليه السلام) في دعاء أبي حمزة الثمالي : «و قد خفقت عند رأسي أجنحة الموت» ، فأثبت للموت الجناح مع أنه للطائر ، والغرض نزول الموت على الآدمي بسرعة على غفلة منه ، وهذه هي الاستعارة ، ولها أقسام مذكورة في علم المعاني والبيان.

الخامس : ما إذا كان المراد الجدي معلوما بسبب المقام وهذا ما يسمى بقرينة الحال أو العقل ، فترى أن هيئة - أفعل - إنما وضعت لمفهوم عام وهو البعث نحو المادة - مبدأ افعل - ، إلا أن المراد الجدي للمتكلم بها إنما يفهم من الخارج ، كالمولوية على أنواعها من الوجوب والاستحباب والإباحة والترخيص وكالإرشادية وغيرهما ، فإذا كان المتكلم بتلك الهيئة - أعني هيئة افعل - مولى افترضت طاعته وكان في مقام أعمال المولوية ، يلزم العقل العمل على وفقها ، ولذا قلنا في مبحث الأوامر بأن استفادة الوجوب من الصيغة إنما هي ببركة حكم العقل وليس الوجوب مدلولا للصيغة ، وفرعنا على ذلك أن قصد الوجوب وصفا وغاية غير معتبر في العبادات وذلك لأنه مضافا إلى أن الوجوب ليس مدلولا للصيغة لم يدل دليل على اعتبار قيد المدلول في المأمور به جزءا أو شرطا ونظير استفادة الوجوب المولوي من المقام وهو مقام المولوية من دون تأثير لهيئة اللفظ فيه استفادة العموم والاطلاق من ألفاظهما ، اذ قد عرفت بأن العموم ليس من مقومات مدلول أي لفظ كان في أيّة لغة ، فيكون استناد فهم العموم إلى المقام ، وبيان ذلك أنه إذا قال المولى : أكرم العلماء ، ولم يقيد - العلماء - بقيد من غاية أو وصف أو استثناء ولم يأت بمخصص متصل أو منفصل ، فالمقام يقتضي العموم ، بتقريب أن لفظة العلماء بما لها من الهيئة والمادة لها مفهوم قابل للانطباق على كل فرد من العلماء ، وهذا هو المراد من السريان الطبعي للمفهوم ، دون أن يكون المفهوم متقوما في وعاء الوضع‏ اللغوي بالسريان والشمول ، وبعد ثبوت السريان الطبعي لمفهوم هذه الكلمة إذا أتى بها المتكلم الّذي يتكلم على مقتضى قوانين المحاورة ولم يقيد الكلام بقوله : إلى أن يفسقوا أو العدول أو إلا الفساق منهم أو لا تكرم الفساق منهم ، فلا بد عليه أن يريد من قوله : أكرم العلماء ، كل عالم ، ثم إن قيد المجموعية أو البدلية أيضا خارج عن صميم ذات المفهوم ، فإذا كان غرضه اشتراط إكرام كل واحد منهم بالآخر ، لزم عليه أن يقيد الكلام بكلمة - بشرط الاجتماع - وكذا لو كان غرضه إكرام كل واحد بدلا عن الآخر ، لزمه أيضا التقييد بقوله : أكرم العالم أي عالم كان ، فالمقام هو الذي يتكفل لإفهام العموم أو الاستغراق ، وحينذاك يكون تقسيم العام إلى الاستراقي والمجموعي والبدلي صحيحا باعتبار المعنى المقصود من الكلام ، لا لأنها مدلولات للصيغة.

فتلخص أن أصالة العموم وأصالة الإطلاق إنما هما أصلان مقاميان ، والقول بأنهما أصلان لفظيان ، نشأ من توهم وضع صيغ للعموم ، وإن صح هذا التعبير بلحاظ أنه لو لم يكن اللفظ مجردا عن القيد لم يفهم العموم ، فالعموم مستند إلى اللفظ لا محالة ومهما كان الأمر يكون العموم مستفادا من المقام لا اللفظ ، فالتخصيص لا يوجب التصرف في اللفظ بأن يصرفه عن مدلوله اللغوي حتى يكون مجازا ، ويتفرع على هذا أيضا أن العام حجة في الباقي لا من جهة أنه مستعمل فيما وضع له بتقريب أن الباقي أيضا عام ، بل لما عرفت من أن العموم ليس جزءا لمدلول الصيغة ، فالمفهوم قابل للتطبيق على الباقي ، لكونه بعد التخصيص محفوظ الاقتضاء بالنسبة إلى البقية ، فبحكم قانون المحاورة لا بدّ أن يكون مرادا للمتكلم بالارادة الجدية.

الثالثة : هل التخصيص تصرف في اللفظ أو في المقام؟

بعد ما تبيّن أن أصالة العموم إنما هي أصل مقامي في المحاورات والأخذ بها أخذ بما استقرت عليه طريقة العرف في باب تفهيم المقاصد ، نقول : أن المتكلم له أن يبين موضوع خبره أو إنشائه بألفاظ متعددة إذا كان هذا الموضوع‏ في الواقع وعلى وفق غرضه مقيدا لا مطلقا ، فله أن يأمر عبده : ائتني بماء حار في مورد تعلق غرضه بالماء إذا كان حارا ، وبقوله : ائتني بماء حار حلو ، في مورد تعلق غرضه بالماء إذا كان حارا وحلوا معا ، وهكذا ... ، ونتيجة ذلك أنه إذا كان في مقام بيان تمام مطلوبه ولم يقيده كان للمخاطب أن يأخذ بإطلاق كلامه في عالم الامتثال ، ولكن يبقى للمتكلم حق التصرف في كلامه بأن يقيده ولو بعد حين ، ما لم يتأخر البيان عن وقت الحاجة إلا إذا منعه مانع عن ذلك أو عرضت له مصلحة في التأخير ، وإذا صدر منه البيان لم يكن ذلك تصرفا لفظيا في كلامه السابق ، بل هو تصرف في مقام البيان ، وذلك لأن التقييد ليس إلا ضم لفظ له مدلول إلى لفظ له مدلول آخر ، فالماء له مدلول والحار له مدلول آخر ، وضم الأخير إلى الأول ليس إلا ضم مدلول إلى مدلول آخر اقتضى ذلك ضيق دائرة المطلوب ولما عرفت أن السريان في ألفاظ العموم ليس قيدا لمداليلها وضعا ، فقد عرفت أن التخصيص ليس تصرفا لفظيا في العام ، بل هو إما ضم وصف إليه في نحو : أكرم العلماء العدول ، وإما جعل غاية للحكم في نحو : أكرم العلماء إلى أن يفسقوا ، وأما بيان خروج نوع في نحو : أكرم العلماء الا الفساق منهم ، وأما منع عن سريان الحكم إلى نوع في نحو : أكرم العلماء ولا تكرم فساقهم ، المستلزم لقصر الحكم على من عداهم ، من غير استلزام للتصرف اللفظي في العام بأن يكون العام بلفظه منقلبا عن اطلاقه إلى التقييد بنقيض الخاص كما توهم البعض فلنا أن نقول بأن الخاص حاكم مقامي بالنسبة إلى العام. إذن الحكومات المتصورة من دليل على آخر تكون على أقسام.

1 - الحكومة اللفظية ، وهي حكومة القرينة على ذي القرينة الدالة على المجاز في اللفظ.

2 - الحكومة التعميمية ، وهي حكومة دليل على آخر بازدياد فرد أو نوع له ، وهذه الحكومة ليست تصرفا في اللفظ ، لأن ازدياد الفرد أو النوع حكومة في المدلول لا الدال ، كما إذا دل دليل على حرمة شرب المسكر ودل دليل آخر على أن الفقاع خمر.

3 - الحكومة التخصيصية ، كما إذا دل دليل على لزوم البناء على الأكثر في الشك بين الأقل والأكثر ، ودل دليل آخر على أنه لا شك لكثير الشك ، وهذه أيضا ليست تصرفا في لفظ الدليل الأول ، بل بيان لمورد تطبيقه بالإرادة الجدية وأن موضوع الحكم بالبناء على الأكثر ليس مطلق الشكوك بل الشك الّذي صدر ممن ليس بكثير الشك ، وكذلك الحال في التخصيص ، فلو جاء دليل على وجوب إكرام العلماء وجاء دليل آخر على إخراج الفساق من دائرة الموضوع وهو العلماء كان ذلك تصرفا في المقام لا اللفظ ، لما عرفت بأن صيغة الجمع المحلي باللام ، لم تكن موضوعة للاستغراق ، بل الاستغراق إنما هو في رتبة تطبيق المتكلم مفهوم الصيغة على جميع ما صح تطبيق الصيغة في الخارج عليه ، فإذا خرج الفساق من العلماء في المثال المذكور علم أنه لم يطبق المتكلم الصيغة المذكورة على الفساق فلم يكن الفساق من أول الأمر مرادا له في جعل الحكم بالارادة الجدية ، ولذا قالوا أن الإخراج صوري وإلا فالمخرج كان من أول الأمر - وفي عالم الثبوت - خارجا عن الحكم ، والشاهد الآخر استقرار رأي المتأخرين على أن العام بعد التخصيص ليس مجازا في الباقي ، وليتهم تفطنوا بأن ذلك علامة لعدم كون العام موضوعا للعموم اذ لو كان العموم جزء المدلول العام لكان التخصيص مستلزما للتجاوز عن الوضع قهرا وهو المجاز قطعا.

4 - الحكومة التفسيرية ، وهي دلالة دليل على المراد من الدليل الآخر ، وتنقسم إلى قسمين : حكومة غير لفظية ويعبر عنها بالحكومة البيانية للموضوع ، كما إذا ورد : عورة المؤمن على المؤمن حرام ، ثم جاء الدليل بأن المراد سر المؤمن لا شي‏ء آخر ، وحكومة لفظية ويعبر عنها بالحكومة البيانية للمفهوم كورود دليل مبين بعد ورود دليل مجمل ، مثل ما إذا ورد بأنه يجب‏

عليك انفاق شي‏ء ثم ورد دليل آخر على أن الشي‏ء درهم مثلا ، وهذه الحكومة لفظية باعتبار أنها تصرف في اللفظ ببيان ما أريد منه.

والخلاصة أن حكومة الخاص على العام ، إنما هي بيان لما أراده المتكلم من العام بالإرادة الجدية وليست حكومة على العام بالإرادة الاستعمالية ، إذ أنّ لفظ العام مستعمل في معناه الوضعي وباق على عمومه القهري وسريانه الطبعي ، خصص بخاص أو أكثر ، وعلى هذا فمعنى تخصيص الكتاب بخبر الواحد بيان المعصوم (عليه السلام) بأن مراد اللّه تعالى من العام ما عدا الخاص الذي أخبر العادل بذلك وإنما قيدنا البيان في تخصيص الكتاب ببيان المعصوم (عليه السلام) ، لأننا نحن الشيعة نعتقد بأن علم الكتاب عند العترة ، والمسلمين قاطبة - إلا من شذ منهم - يعترفون بأن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال : «إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي» (1) ، ولازم ذلك أن يكون العترة هم العالمين بالكتاب وقد سبق منا تحقيق أنهم هم الراسخون في العلم ، بقي الكلام في اشتراط تعدد الناقل أو كفاية الواحد في نقل تخصيص الكتاب ، والمختار هو الأخير بشرط أن يكون ثقة إذ لا اعتبار بخبر غير الثقة ، فقد يتوهم أن الخبر الواحد ظني ، فلا اعتبار به في تخصيص الكتاب ولكنه مدفوع بأن حجية الخبر الواحد عقلائية لا تعبدية ، والمدار في الحجية لدى العقلاء الوثوق بالصدور وعدم تعامل الظن غير المعتبر مع خبر الثقة ، والإشكال بأن الكتاب قطعي الصدور ولا يخصص القطعي بالظني ، فموهون ، لأن قطعية صدور القرآن لا تنافي أخبار المعصوم (عليه السلام) بالمراد التطبيقي لعموماته ، فحال تخصيص عمومات القرآن يكون كحال تقييد مطلقاته وكما يجوز تقييد مطلقات القرآن بخبر الواحد الموثوق به يجوز تخصيص عموماته به.

ولنذكر الأقوال في المسألة ، فنقول :

1- قال العضدي في شرح المختصر للحاجبي : يجوز تخصيص القرآن بالخبر المتواتر ، وأما الخبر الواحد فالحق جوازه ، وبه قال الأئمة الأربعة ، وقال ابن أبان : إنما يجوز إن كان العام قد خص من قبل بدليل قطعي متصلا كان أو منفصلا ، وقال الكرخي : إنما يجوز إن كان العام قد خص من قبل بدليل منفصل ، سواء كان قاطعا أو ظنيا ، والقاضي أبو بكر يقول بالوقف بمعنى لا أدري أ يجوز أم لا؟.

لنا : أن الصحابة خصوا القرآن بخبر الواحد من غير نكير ، فكان إجماعا منهم ، إلى آخر ما قال ...

2- قال السيد عميد الدين في شرح التهذيب للعلامة الحلي : اختلفوا في جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد ، فقال به الفقهاء الأربع مطلقا ، ومنعه السيد المرتضى (ره) وجماعة مطلقا ، وقال عيسى بن أبان : إن كان قد خص قبل ذلك بدليل قطعي جاز وإلا فلا ، وقال الكرخي : إن كان قد خص بدليل منفصل جاز وإلا فلا ، وتوقف القاضي أبو بكر.

لنا وجهان :

الأول : إن عموم الكتاب وخبر الواحد دليلان متعارضان وخبر الواحد أخص ، ومتى كان كذلك وجب العمل بالخبر مطلقا وبالعام فيما عدا صورة التخصيص أما الأول فلأننا نتكلم على تقديره‏ (2).

وأما الثاني : فلأنه لولاه للزم اما إبطال الدليلين مطلقا أو اعمالهما مطلقا ، أو اعمال أحدهما مطلقا وإهمال الآخر كذلك ، والكل محال.

أما الأول : فلما فيه من إبطال الدليل الخالي عن المعارض وذلك من‏ وجهين : أحدهما أن ما عدا الخاص من جزئيات العام لا معارض له لعدم تناول دليل الخاص إياه ، وثانيهما أن إبطالهما معا ملزوم لإبطال كل منهما ، فيبقى الآخر بلا معارض.

وأما الثاني : فلاستلزامه ستلزامه التناقض في صورة مدلول الخاص.

وأما الثالث : فلاستلزامه إبطال الدليل الخالي عن المعارض إن كان المعمول به الخاص والملقى العام ، أو تقديم المرجوح على الراجح إن كان بالعكس ، لأن دلالة الخاص على محله أرجح من دلالة العام عليه.

الثاني : إن تخصيص خبر الواحد للكتاب واقع فيكون جائزا ، ثم تمسك (ره) ببعض موارد تخصيص الكتاب لكنه قال إن التخصيص واقع إلا أن كون المخصص هو الخبر الواحد ، فغير معلوم.

3- قال الشيخ الطوسي (ره) في عدة الأصول ما ملخصه : إن أكثر الفقهاء والمتكلمين على جواز تخصيص العموم بالأخبار ، والظاهر من الشافعي وأصحابه وأبي الحسين ذلك ، وأجاز عيسى بن أبان إذا خص لأنه صار مجملا ومجازا ، وذهب البعض إلى الجواز إذا خص بالمنفصل لصيرورته مجازا حينذاك دون ما إذا خص بالمتصل لعدم صيرورته مجازا.

ثم قال : والّذي أذهب إليه أنه لا يجوز مطلقا ، واستدل على ذلك بأن عموم القرآن يوجب العلم وخبر الواحد غلبة الظن ، ولا يجوز أن يترك العلم للظن على حال فوجب أن لا يخص العموم به ، - إلى أن قال - : ليس ما دل على وجوب العمل بها - يعني الأخبار الآحاد - يدل على جواز التخصيص ، كما أن ما دل على وجوب العمل بها لا يدل على وجوب النسخ بها ، بل احتاج ذلك إلى دليل غير ذلك ، فكذلك التخصيص فلا فرق بينهما - إلى أن قال - : إن قيل : النسخ الّذي ذكرتموه قد كان يجوز أن يقع بخبر الواحد ، إلا أنه منع الإجماع منه فبقي كونه دليلا في ما عداه ، إلى أن قال : ما دل على‏ عمل الطائفة المحقة بهذه الأخبار من إجماعهم على ذلك لم يدل على العمل بما يخص القرآن ، ثم قال بعد أسطر. لا نسلم أن الطائفة عملت بأخبار آحاد يقتضي تخصيص القرآن وعلى من ادعى ذلك أن يبينه ، - إلى أن قال - : ورد عنهم ما لا خلاف فيه من قولهم : إذا جاءكم عنا حديث فاعرضوه على كتاب اللّه فإن وافق كتاب اللّه فخذوه وإن خالفه فردوه أو فاضربوا به عرض الحائط ، ويظهر من مجموع كلمات الشيخ (ره) أن للقائل بعدم جواز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد أدلة أربعة :

الأول : إن عموم الكتاب يوجب العلم واليقين ، وخبر الواحد لا يوجب إلا الظن ولا يجوز عقلا أن يترك العلم بالظن.

وفيه أولا : إن عموم العام لا يوجب العلم خصوصا بعد ما قلنا من أن العام ليس موضوعا للعموم ، لأن أصالة العموم أصل عقلائي محاوري مقامي ، بمعنى أن مقتضى المحاورة الأخذ بالعموم ، وذلك لأن مفهوم العام قابل للانطباق على كل ما يصدق عليه هذا المفهوم ، فعلى المتكلم تطبيقه على كل مصاديقه بالإرادة الجدية ، وأما بعد ورود بيان المراد الجدي بلسان التخصيص أو الغاية أو الاستثناء أو النهي عن نوع من أنواع العام ، يظهر بأن العام ليس مرادا جديا للمتكلم ، وعلى هذا فعموم العام لا يكون قطعيا ، نعم ، الظاهر المقامي هو العموم ولذا نتمسك بأصالة العموم ، وقد عرفت أننا لا نقول أنها أصالة لفظية بل مقامية وإن أمكن استنادها إلى اللفظ بسبب سريان المفهوم طبعا ولا وضعا.

وثانيا : إن قوله : خبر الواحد لا يوجب إلا الظن فمردود بأن خبر الواحد وإن لم يوجب العلم الوجداني إلا أن احتمال الخلاف الموجود فيه إنما هو بمثابة من الضعف ، بحيث لا يعتني به العقلاء حسب فطرتهم العقلائية التي بنوا عليها جميع شئونهم الحياتية ، وهل من المعقول أن يقال بعدم حجية خبر الموثوق به لكونه واحدا أو لأنه لا يوجب القطع واليقين والمعاملة معه معاملة الظنون غير المعتبرة الحاصلة من الرؤيا أو الرمل أو نحوهما ، كلا.

هذا على المختار من عدم جعل الطريق تعبدا ، وأما القائل بحجية خبر الواحد تعبدا كالشيخ نفسه فعليه أن يعامل معه معاملة العلم من حيث ترتيب الأثر ، وقد أطنب هو (ره) في كتاب - العدة - في تحقيق ذلك ، وإذا كان خبر الواحد حجة أي محرزا لمتنه عرفا أو شرعا أو هما معا في غير مورد تخصيص الكتاب فليكن كذلك فيه أيضا لوحدة الدليل وعدم قابلية المسألة الأصولية للتخصيص ، بمعنى تبعيض الحجية بالنسبة إلى تخصيص الكتاب به أو إثبات حكم منه.

فالقائل بحجية الخبر تعبدا إما أن يقول بقول الشّيخ الأنصاري (ره) بأن مفاد التعبد ، ألقى احتمال الخلاف ، وأما أن يقول بأن مفاده جعل الظن تعبدا ، مصداقا للعلم ، وأما أن يقول بأن مفاده تنزيل المؤدي منزلة الواقع ، أو أن مفاده إيصال الواقع في رتبة العمل وعلى كل الأقوال تكون النتيجة واحدة وهي لزوم الأخر بمؤدى الخبر ، وإن كنا في فسحة عن جميع هذه الاحتمالات لبنائنا على أن احتمال الخلاف في خبر الموثوق به مغفول عنه عرفا غير معتنى به قطعا وان كان في قرار النفس موجودا تمكن إثارته بالتشكيك والوسواس ولكن لا يعتني به ، ولذا يسمى الخبر الموثوق به بالعلم العادي أو الظن الاطمئناني أو العلم النظامي أو يقال بأن العلم هو سكون النفس وهو حاصل من خبر الموثوق به ، فتلخص أن عموم العام ليس قطعيا وخبر الواحد ليس ظنيا بحيث لا يمكن الاعتماد عليه في بيان المراد من عمومات الكتاب.

وقال الخراساني (قده) : إن الدوران بين أصالة العموم للكتاب والسند في الخبر وكلاهما ظنيان ، وحينئذ يكون الخبر بسنده ودلالته قرينة على التصرف في عموم العام ولا عكس لأن جعل أصالة العموم موجبة للتصرف في‏ الخبر ، مقتضاه إلغاء الخبر بالمرة لأن المفروض أن الخبر خاص والكتاب عام ، فكيف يعقل أن يؤخذ بعموم الكتاب ويترك الخبر؟.

وفيه أنه لا دوران بين أصالة العموم الكتابي وسند الخبر ، إذا المخالفة إنما هي في مدلول الخبر لا في نفس الخبر ، لأنه لو لم يكن مضمون الخبر متضمنا للتخصيص ومخالفا لعموم العام بالعموم والخصوص لم يكن موجبا لهذا النزاع ، فالدوران إنما هو بين الخبر الدال على التخصيص وعموم العام ، ولذا يلتزم القائل بعدم جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد بحجيته ما لم يكن مخالفا للكتاب ، فالجواب الصحيح أن الخاص حاكم على العام بالحكومة المقامية ومبين لمراد المتكلم الجدي من العام ، وبذلك يظهر ما في كلام السيد عميد الدين شارح - التهذيب - من الترديد والدوران الذي ذكره ، وأن الصحيح ما ذكرنا.

الثاني : أنه لو جاز تخصيص الكتاب بخبر الواحد ، لجاز نسخ الكتاب به ولا إشكال عند القوم بأنه لا يجوز ، فكذلك لا يجوز تخصيص الكتاب بخبر الواحد ، وفيه أن موارد النسخ محددة ومعينة في الشرع وجميع تلك الموارد ثابتة بالكتاب ، فلا يكون شي‏ء من الأحكام القرآنية إلا وقد علم ناسخها ومنسوخها ، فلم يبق مورد للنسخ حتى يتكفله الخبر الواحد ، فلا نقول بأنه لا يمكن أن يكون الناسخ موجودا عند أهل البيت (عليه السلام) كما سنشير إليه إن شاء اللّه في مسألة النسخ ، ولا نقول بأنه لا يمكن بيانه من قبلهم بعد حين ولا نقول أيضا بأنه لا يمكن أن يخبرنا بالنسخ العادل الثقة ، كيف ونحن نقول أن العلم بالأحكام الشرعية إنما هو من مختصات النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وأوصيائه (عليه السلام) فمقتضى حجية الخبر الموثوق به كونه محرزا لمؤداه وإن كان ناسخا أو مخصصا إلا أنه لا مجال لهذا القول لعدم وجود ناسخ يتكفله الخبر.

وأجاب الخراساني (ره) بأن الإجماع منعقد على عدم جواز نسخ الكتاب‏ بخبر الواحد ، ويرد عليه ما تفطن إليه الشيخ الطوسي (ره) في العدة ، من أن الخبر دليل شرعي لا عموم يخص بعضه ويبقى منه بعض ، ومراده من ذلك أن دليلية الدليل عبارة عن كونه حجة ووسطا في الإثبات ولا يفرق حينئذ في مؤداه بين ما إذا كان خاصا أو ناسخا ، اذ طريقية الخبر لا ترتبط بمتنه ، وبعبارة أخرى المسألة الأصولية غير قابلة للتخصيص ، نعم المسألة الفرعية قابلة له والمقام ليس منها.

وقد سبق أن قال الشيخ الطوسي لم يظهر من إجماع الطائفة العمل بخبر الواحد ، ويرد عليه أخذا باعترافه بعدم جواز التبعيض في الحجية ، أن الحجية لا تتبعض ، فلا فرق بين كون الخبر مخصصا لعموم القرآن أو مقيدا لمطلقه أو مفسرا له.

الثالث : إن دليل حجية خبر الواحد إجماع الطائفة المحقة على العمل بأخبار الآحاد ، لكنه لم يدل على العمل بما يخص الكتاب لأننا لا نسلم اتفاقهم على العمل بالخبر ، إذا كان مخصصا له.

و أجاب الخراساني بأن دليل حجية الخبر الواحد ليس منحصرا بالاجماع ولقد أجاد في ما أفاد ، إلا أن التحقيق ما حققنا في الأمر الأول من أنه لا تعبد من الشارع في باب الطرق ، وأن الأخبار أيضا تدل على أن حجية الخبر أمر عقلائي ، بشهادة تعليل الإرجاع إلى الراوي ، بكونه ثقة مأمونا على الدين والدنيا ونحو ذلك مما مرّ ، نعم ، حدد الشارع في بعض الموارد موضوع حكمه بما إذا ثبت بقول عدلين أو أربعة عدول اهتماما بالواقع وذلك من باب تقييد الأحكام ، لا تبعيض الحجية في باب كباب القضاء وإثبات الهلال وثبوت الزنا ، دون باب آخر كغير تلك الأبواب مما هو مذكور في الفقه.

الرابع : الروايات الواردة في عرض الأخبار المتعارضة على الكتاب ، وطرح ما يخالفه من تلك الأخبار ، ولعل نظر الشيخ إلى هذه الروايات وهي وان‏ اختلفت من حيث التعبير ، ففي بعضها : لم أقله ، وفي بعضها : ردوه ، وفي ثالث : اضربوه عرض الجدار ، إلا أنها متوافقة من حيث الجامع ، فروايات عرض الأخبار على الكتاب وطرح ما يخالفه دالة بنظر الشيخ (ره) على عدم جواز الأخذ بما يخالف الكتاب عموما وخصوصا.

وعلى هذا ، يرد عليه أن الخاص مبين للمراد من العام وحاكم على مقام البيان ، لأن السكوت عن بيان الخاص ، كان موضوعا للأخذ بالعموم ، وبورود الخاص تبدل السكوت بالبيان وارتفع الظهور ولم يبق مجال لتوهم العموم في لب الإرادة فأين المخالفة وكيف يمكن القول بشمول أخبار العرض للمخصصات؟.

وللخراساني (ره) جوابان :

أحدهما : أنه من كثرة ورود التخصيصات نقول بانصراف الأخبار المانعة عن قبول ما يخالف القرآن عن مورد التخصيص ، ويرد عليه ما قاله الشيخ الطوسي (ره) من إنكار كون التخصيصات واردة من طرق الآحاد ، والإنصاف وجود التخصيص في الآحاد.

ثانيهما : حمل الأخبار المانعة عن الأخذ بما يخالف القرآن على ما يخالفه ثبوتا ومن الجائز أن لا يكون الخاص مخالفا في الواقع مع العام ، ويرد عليه أن الظاهر من تلك الأخبار طرح ما يخالف القرآن في مرحلة الإثبات ، أي ما يكون في الظاهر مخالفا للقرآن.

والصحيح ما قلنا من أن الخاص بيان ، والبيان حاكم على ذي البيان وهو العام وهادم للسكوت المستلزم للعموم.

__________________________
(1) بحار الأنوار : ج 23 باب فضائل أهل البيت (عليهم السلام) ...

(2) يعني كون خبر الواحد دليلا كعموم الكتاب.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .