أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-10-23
70
التاريخ: 2023-05-25
1575
التاريخ: 2024-10-27
119
التاريخ: 12-10-2014
2482
|
السيئة المحيطة
إن السيئة التي توجب الخلود هي تلك التي تحيط بكل وجود الإنسان المسيء المذنب، وهي تشمل الذنوب التي تختتم بالشرك أو الكفر أو تكذيب آيات الله، وليست هي أي سيئة؛ ذلك أن الذنب الذي لا يضر بالعقيدة ولا يكون نظير الشرك، والكفر، والارتداد، وأمثال ذلك فهو وإن ظهر في الأعمال، وأحاط بالجوارح أو بعض من الأوصاف والأحوال، وشمل قسماً من الجوانح، إلا أنه لا يحيط بمجامع القلب، والباطن، والصدر، والفؤاد؛ لأن مقام الاعتقاد التوحيدي يبقى مصوناً من ضرر السيئة؛ وتأسيساً على ذلك فمن الممكن لعنوان السيئة في الآية محط البحث أن يكون عاماً أو مطلقاً، لكن قيد الإحاطة: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 81] يسقطه من العموم أو الإطلاق.
وخلاصة القول:
1. ليس كل ذنب سبباً للخلود؛ لأن المؤمن الفاسق يدخل الجنة بعد تطهيره بجهنم.
2. لا يراد من السيئة في الآية مدار البحث أي ذنب، بل يراد منها الذنب المحيط بهوية المذنب، ولا يعثر على معصية محيطة بالعاصي إلا في خصوص الشرك والكفر والارتداد وأمثالها وليس في غيرها.
3. هذا المبحث إما أن يستفاد من تعدد الدال والمدلول، أو من وحدتهما؛ أي إذا كان المراد من السيئة عاماً أو مطلقاً وكان قيد الإحاطة قيداً احترازياً إذن يستنبط من تعدد الدال والمدلول خصوصية الذنب المذكور وإذا كان المراد من السيئة خاصاً أو مقيداً وكان عنوان الإحاطة شاهداً توضيحياً عليه، فإنه يستظهر من وحدة الدال والمدلول خصوصية السيئة المشار إليها.
4. ما من ذنب غير محيط يكون سبباً في الخلود بتاتاً، وإذا ورد التهديد بالخلود بخصوص بعض الكبائر من الذنوب كقتل المؤمن: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93] فإما أن يكون المقصود منه هو قتل المؤمن لإيمانه حيث إن تعليق الحكم على الوصف يشعر بعليته وعندئذ تعود هذه المعصية إلى الكفر، أما إذا لم يكن القتل المذكور بسبب الإيمان وكان على خلفية مسائل أخرى، كالنزاع على المال أو الحق أو ما شاكل ذلك فيكون المراد من الخلود هو المكث الطويل وليس الخلود بالمعنى الحقيقي للكلمة، أو أن هذا النمط من الذنوب الكبيرة يقوض أرضية الإيمان ويهيئ الإنسان المذنب للتكذيب بآيات الله (الكفر والارتداد) فتكون عاقبته الخلود؛ وذلك لأن الارتداد وأمثاله هي ذنوب تحيط بهوية الإنسان المذنب فتشمل جميع جوارحه وجوانحه، وإذا فرضنا أن له بعض الأعمال الصالحة، أي الحسن الفعلي، فهو ينتفع بها في الدنيا لكنها ستحبط في الآخرة ولن يكون في تلك النشأة أثر للصلاح، أو الفلاح، أو النجاح في الشخص المشرك، أو الكافر، أو المرتد، أو من شابه هؤلاء؛ كما سيأتي توضيحه.
أن تنويه: 1. صحیح عهد الله سبحانه وتعالى مبني على أن لا يخلد المؤمن الفاسق في النار وأن هذا الميثاق الإلهي هو من المواثيق المشتركة بین الله وجميع الأنبياء والأولياء والأقوام والأمم ولا تختص به أمة الإسلام، ولا ريب أنه مطروح في دين اليهودية وأن توراة موسى الكليم (عليه السلام) ناطقة به، بيد أن هذه الأمور جميعاً تخص الذنب غير المحيط؛ إذا كان المرء مؤمناً، وكان فضاء صدره يشكل ظرفاً للإيمان بالمعارف الحقة، وقد ملأ وعاء فؤاده الاعتقاد الصائب والإيمان الصحيح، وصينت جوانحه الاعتقادية من مضار إحاطة الذنب القلبي، لكنه ـ في مقام أعمال جوارحه أو بعض أحواله النفسانية وأوصافه الجوانحية ـ كان مبتلى بإحاطة الذنب فإن مذنباً كهذا سيشمل بعفو الله وكرامته وعند ذاك سيدخل الجنة، لكن الذنب المحيط بتمام الهوية، وهو بحثنا الحالي، فهو لم ولن يخضع لمثل هذا الميثاق.
2. الضمير في: (خطيئته) يعود إلى الإنسان المجرم وإن إضافة الخطيئة إلى الضمير العائد إليه يشعر بأن الحالة التي حصل عليها وكسبها إنما تختص به هو [1] . والسر في هذا الاختصاص هو أنه وإن كانت بين العامل والعمل آصرة العلة والمعلول وأن كل فعل إنما يرتبط بفاعل خاص، لكن العنوان الذي يتخذ طابع التهديد والمنتزع من هذا الفعل له صبغة حقوقية وفي النظام الحقوقي فإن هذا النمط من الجرائم له ارتباط وثيق لا يقبل الفصل مع فاعل نفس الفعل وليس مع غيره. والغرض من هذا هو أنه ثمة بين الفاعل والفعل علاقة العلمية والمعلولية وأن الفعل قبل تحت تصرف الفاعل سواء كان هذا الفعل قبل صالحاً أم طالحاً، لكن بعد الصدور فإن كان الفعل طالحاً فإنه سيجعل الفاعل تحت هيمنته وإن الآيات التي تحكي عن كون الأشخاص مرهونين بقبائحهم وذنوبهم إنما تشير إلى تورط الفاعل بعد الفعل.
إنّ استخدام التعبير: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 81] يوحي بأن الاختلاف بين «السيئة» و«الحسنة» يكمن في أن «السيئة» تحيط بصاحبها فتجعله تحت تصرفها وتوصد جوارحه وجوانحه وتصيره رهناً بها؛ خلافاً للحسنة التي لا تقيد يدي ورجلي الإنسان المحسن ولا تحبسه على الإطلاق، بل على العكس فهي تكون سبباً في حريته وحيويته وحركته نحو الهدف وتوصله إلى المقصد المطلوب. إنهما السيئة والذنب فقط اللذان يوقعان الإنسان المذنب في الفخ، ويجعلانه ـ على أساس الآية: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21] ـ في رهنهما وحبسهما، ويحولان دون بلوغه الهدف، وإذا أحاطا بصاحبهما فسيهيئان في نهاية المطاف أسباب خلوده في جهنم ويجعلانه أصحاب النار (ممن يرافقونها ويجالسونها على الدوام)، وإن السر في استثناء القرآن الكريم لـ «أصحاب اليمين»: {إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ} [المدثر: 39] ، و«أصحاب الميمنة»: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} [الواقعة: 8] ومن يعلوا على هؤلاء قهراً، أي {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [الواقعة: 88] ويبرئهم من نيل أذى الرهن وضرره هو أن للذنب ترسبات تغلق أبواب التكامل من جميع الجهات، وأن للطاعة صفاء ولطافة تفتح سبل الصعود من كل اتجاه.
وإنه على هذا الأساس يقال للسيئة «الخطأ» (وهو ما لا يصل إلى الهدف وينحرف عنه) في مقابل الحسنة التي يطلق عليها لفظ «الصواب» (وهو ما يبلغ الهدف ويصيب المقصد) وإن اختلاف الاثنين، أي «الخطأ» و«السيئة»، يكمن في أن «الخطأ» ـ كما هو مع «الصواب» ـ ناظر الحال إلى مقصد العمل، بينما «السيئة» ـ حالها حال «الحسنة» ـ ناظرة إلى صاحب العمل.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
العتبة الحسينية تطلق فعاليات المخيم القرآني الثالث في جامعة البصرة
|
|
|