المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

الأكسدة الهوائية Air Blowing
2024-07-30
ما هو نصّ هذا الحديث وسنده ومدى صحّته ؟
2024-10-27
السمع صفة لله عز وجل ودلالاته
2024-03-28
أحمد بن علي بن قدامة
22-8-2016
الكبريت
21-5-2018
الزواج الجديد والنزاعات
2023-02-21


تفسير الأية (1-8) من سورة طه  
  
7129   02:08 صباحاً   التاريخ: 5-9-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الطاء / سورة طه /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-9-2020 4021
التاريخ: 9-9-2020 3994
التاريخ: 9-9-2020 9914
التاريخ: 6-9-2020 4492

 

قال تعالى: {طهَ (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُو لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } [طه: 1 - 8]

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

{طه} قد بينا في أول البقرة تفسير حروف المعجم في أوائل السور والاختلاف فيه وقد قيل إن معنى طه يا رجل عن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد والكلبي غير أن بعضهم يقول هو بلسان الحبشية أوالنبطية وقال الكلبي هي بلغة عك وأنشد لتميم بن نويرة :

هتفت بطة في القتال فلم يجب               فخفت لعمري أن يكون موائلا(2)

 قال الآخر :

إن السفاهة طه من خلائقكم                 لا بارك الله في القوم الملاعين .

وقال الحسن هو جواب للمشركين حين قالوا إنه شقي فقال سبحانه يا رجل { مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} لكن لتستعد به وتنال الكرامة به في الدنيا والآخرة قال قتادة وكان يصلي الليل كله ويعلق صدره بحبل حتى لا يغلبه النوم فأمره الله سبحانه بأن يخفف على نفسه وذكر أنه ما أنزل عليه الوحي ليتعب كل هذا التعب { إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} قال المبرد معناه لكن أنزلناه تذكرة أي لتذكرة من يخشى الله والتذكرة مصدر كالتذكير {تنزيلا} أي: أنزلناه تنزيلا.

 { مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ} بدأ بالأرض ليستقيم رءوس الآي { وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى} أي: الرفيعة العالية نبه بذلك على عظم حال خالقهما ثم أكد ذلك بقوله { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} أي: هو الرحمن لأنه لما قال ممن خلق بينه بعد ذلك فقال هو الرحمن قال أحمد بن يحيى الاستواء الإقبال على الشيء فكأنه أقبل على خلق العرش وقصد إلى ذلك وقد سبق القول في معنى الاستواء في سورة البقرة والأعراف { لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} أي: له ملك ما في السماوات وما في الأرض وتدبيرهما وعلمهما يعني أنه مالك كل شيء ومدبره {وما بينهما} يعني الهواء { وَمَا تَحْتَ الثَّرَى} والثرى التراب الندي يعني وما وارى الثرى من كل شيء عن الضحاك وقيل يعني ما في ضمن الأرض من الكنوز والأموات { وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ} أي: إن ترفع صوتك به { فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} أي: فلا تجهد نفسك برفع الصوت فإنك وإن لم تجهر علم الله السر وأخفى من السر ولم يقل وأخفى منه لدلالة الكلام عليه كما يقول القائل فلان كالفيل أوأعظم وقيل: تقديره وإن تجهر بالقول أولا تجهر فإنه يعلم السر وأخفى منه.

 ثم اختلفوا فيما هو أخفى من السر فقيل ما حدث به العبد غيره في خفية وأخفى منه ما أضمره في نفسه ما لم يحدث به غيره عن ابن عباس وقيل السر ما أضمره العبد في نفسه وأخفى منه ما لم يكن ولا أضمره أحد عن قتادة وسعيد بن جبير وابن زيد وقيل السر ما تحدث به نفسك وأخفى منه ما تريد أن تحدث به نفسك في ثاني الحال وقيل العمل الذي تستره عن الناس وأخفى منه الوسوسة عن مجاهد وقيل: معناه يعلم السر أي أسرار الخلق وأخفى أي سر نفسه عن زيد بن أسلم جعله فعلا ماضيا وروي عن السيدين الباقر والصادق (عليهماالسلام) السر ما أخفيته في نفسك وأخفى ما خطر ببالك ثم أنسيته { اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} لا معبود تحق له العبادة غيره.

 { لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} أي: الأسماء الدالة على توحيده وعلى إنعامه على العباد وعلى المعاني الحسنة فأيها دعوت جاز وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال إنه لله تعالى تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة قال الزجاج تأويله من وحد الله تعالى وذكر هذه الأسماء الحسنى يريد بها توحيد الله وإعظامه دخل الجنة وقد جاء في الحديث من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة فهذا لمن ذكر اسم الله موحدا له به فكيف بمن ذكر أسماءه كلها يريد بها توحيده والثناء عليه وإنما قال الحسنى بلفظ التوحيد ولم يقل الأحاسن لأن الأسماء مؤنثة تقع عليها هذه كما تقع على الجماعة هذه كأنه اسم واحد للجمع قال الأعشى :

وسوف يعقبنيه إن ظفرت به                   رب كريم وبيض ذات أطهار

 وفي التنزيل حدائق ذات بهجة ومآرب أخرى .

____________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج7،ص7-9.

2- وءل:التجأ. وفي بعض النسخ (موالياً) مكان (موائلاً).

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ طهَ} . اختلفوا في المراد بطه ، فقيل : هو اسم من أسماء اللَّه . وقيل :

هو في معنى رجل ، واختاره الطبري ، حيث قال : هذا هو الأولى بالصواب لأن معنى يا طه في لغة عكّ يا رجل . . وذهب أكثر المفسرين إلى أن كلمة طه في الآية حروف تهجّى مثل ألم وكهيعص ، وفي تفسير الرازي ان الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) قال : « الطاء طهارة أهل بيت رسول اللَّه ( صلى الله عليه واله وسلم ) والهاء هدايتهم » .

وغير بعيد أن يكون هذا التفسير المنسوب إلى الإمام الصادق هو السبب لقول القائلين : ان طه من أسماء النبي (صلى الله عليه واله وسلم) لأنه هو المصدر الأول لطهارة أهل بيته وهدايتهم .

{ ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى } . كان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) يجهد نفسه ويتعبها بالعبادة ، وأيضا كان يجهدها ويتعبها تأسفا وحسرات على كفر الكافرين وعدم هدايتهم : « فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ » - 8 فاطر .

فعاتبه اللَّه على هذا الإجهاد ، وقال له : لم تشقّ على نفسك وتحمّلها ما لا تطيق من كثرة العبادة ومن التوجع لإعراض من أعرض عن دعوتك ؟ فما لهذا اصطفيتك وأنزلت عليك القرآن ، اني أنزلته عليك لتهتدي به أنت ومن اتبعك من المؤمنين ، وتذكر به الكافرين ويكون حجة للَّه عليهم ، فهو نعمة ورحمة على من آمن ، ونقمة على من أعرض وتمرد .

{ تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ والسَّماواتِ الْعُلى } . الذي نزل القرآن هو الذي خلق الكون ، والكون كتاب اللَّه الناطق بلسان الحال ، والقرآن كتابه الناطق بلسان المقال ، وكل منهما لخير الناس وسعادتهم فعلى م تتخذ يا محمد من نزول القرآن عليك وسيلة لتعبك واجهادك ؟ .

وتسأل : ان القرآن نزل على رسول اللَّه ( صلى الله عليه واله وسلم ) ليعمل به ويرشد إليه ، وقد جاء فيه : « وما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ » - 78 الحج . وأيضا قال تعالى : « فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وعَلَيْنَا الْحِسابُ » - 40 الرعد . فكيف أتعب النبي نفسه بالعبادة وبالحسرات ؟

الجواب : ان العظيم يستصغر الخير من فعله وان عظم ، ويستعظم الحقير من ذنبه وان صغر ، ويتهم نفسه بالتقصير مهما اجتهد . . والنبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) أعظم خلق اللَّه على الإطلاق ، ويستمد عظمته من علمه باللَّه وطاعته له وجهاده للدعوة إلى سبيله ، ومن أجل هذا يتهم نفسه ، ويراها متوانية في حق اللَّه مهما بالغ في التعبد له والدعوة إلى الحق بخاصة إذا لم تثمر دعوته التي يبتغيها من هداية عشيرته قريش .

{ الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى } هذا كناية عن الاستيلاء والتدبير ، وسبق مثله في سورة الأعراف الآية 54 ج 3 ص 339 { لَهُ ما فِي السَّماواتِ وما فِي الأَرْضِ وما بَيْنَهُما وما تَحْتَ الثَّرى } هذا بيان وتفسير لقوله تعالى : خلق الأرض والسماوات ، وقوله : على العرش استوى لأن الخالق والمدبر هو المالك ، ولا أحد يملك معه شيئا إلا من ملكه { وإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وأَخْفى } . والأخفى هو الذي يمر بخيالك دون ان تتفوه به ، وأوضح تفسير للأخفى قوله تعالى : « واللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ » - 154 آل عمران { لا إِلهً إِلَّا هُو لَهُ الأَسْماءُ الْحُسْنى } .

كل أسماء اللَّه حسنة لأنها تعبّر عن أحسن المعاني وأكمل الصفات . أنظر فقرة « هل أسماء اللَّه توقيفية أوقياسية » ج 3 ص 425 .

_____________

1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 204-205.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

غرض السورة التذكرة من طريق الإنذار تغلب فيها آيات الإنذار والتخويف على آيات التبشير غلبة واضحة، فقد اشتملت على قصص تختتم بهلاك الطاغين والمكذبين لآيات الله وتضمنت حججا بينة تلزم العقول على توحيده تعالى والإجابة لدعوة الحق وتنتهي إلى بيان ما سيستقبل الإنسان من أهوال الساعة ومواقف القيامة وسوء حال المجرمين وخسران الظالمين.

وقد افتتحت الآيات - على ما يلوح من السياق - بما فيه نوع تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن لا يتعب نفسه الشريفة في حمل الناس على دعوته التي يتضمنها القرآن فلم ينزل ليتكلف به بل هو تنزيل إلهي يذكر الناس بالله وآياته رجاء أن تستيقظ غريزة خشيتهم فيتذكروا فيؤمنوا به ويتقوا فليس عليه إلا التبليغ فحسب فإن خشوا وتذكروا وإلا غشيتهم غاشية عذاب الاستئصال أوردوا إلى ربهم فأدركهم وبال ظلمهم وفسقهم ووفيت لهم أعمالهم من غير أن يكونوا معجزين لله سبحانه بطغيانهم وتكذيبهم.

وسياق آيات السورة يعطي أن تكون مكية وفي بعض الآثار أن قوله: {فاصبر على ما يقولون} الآية: - 130 مدنية وفي بعضها الآخر أن قوله:{ لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} الآية: - 131، مدنية ولا دليل على شيء من ذلك من ناحية اللفظ.

ومن غرر الآيات في السورة قوله تعالى:{ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}.

قوله تعالى:{ طه  مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى } طه حرفان من الحروف المقطعة افتتحت بهما السورة كسائر الحروف المقطعة التي افتتحت بها سورها نحو الم الر ونظائرهما وقد نقل عن جماعة من المفسرين في معنى الحرفين أمور ينبغي أن يجل البحث التفسيري عن إيرادها والغور في أمثالها، وسنلوح إليها في البحث الروائي الآتي إن شاء الله تعالى.

والشقاوة خلاف السعادة قال الراغب: والشقاوة كالسعادة من حيث الإضافة فكما أن السعادة في الأصل ضربان: سعادة أخروية وسعادة دنيوية ثم السعادة الدنيوية ثلاثة أضرب: سعادة نفسية وبدنية وخارجية كذلك الشقاوة على هذه الأضرب - إلى أن قال - قال بعضهم: قد يوضع الشقاء موضع التعب نحوشقيت في كذا، وكل شقاوة تعب، وليس كل تعب شقاوة فالتعب أعم من الشقاوة.

انتهى، فالمعنى ما أنزلنا القرآن لتتعب نفسك في سبيل تبليغه بالتكلف في حمل الناس عليه.

قوله تعالى:{ إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى } التذكرة هي إيجاد الذكر فيمن نسي الشيء وإذ كان الإنسان ينال حقائق الدين الكلية بفطرته كوجوده تعالى وتوحده في وجوب وجوده وألوهيته وربوبيته والنبوة والمعاد وغير ذلك كانت أمورا مودعة في الفطرة غير أن إخلاد الإنسان إلى الأرض وإقباله إلى الدنيا واشتغاله بما يهواه من زخارفها اشتغالا لا يدع في قلبه فراغا أنساه ما أودع في فطرته وكان إلقاء هذه الحقائق إلفاتا لنفسه إليها وتذكرة له بها بعد نسيانها.

ومن المعلوم أن ذلك إعراض وإنما سمي نسيانا بنوع من العناية وهو اشتراكهما في الأثر وهو عدم الاعتناء بشأنه فلا بد في دفع هذا النسيان الذي أوجبه اتباع الهوى والانكباب على الدنيا من أمر ينتزع النفس انتزاعا ويدفعها إلى الإقبال إلى الحق دفعا وهو الخشية والخوف من عاقبة الغفلة ووبال الاسترسال حتى تقع التذكرة موقعها وتنفع في اتباع الحق صاحبها.

وبما تقدم من البيان يظهر وجه تقييد التذكرة بقوله:{لمن يخشى} وأن المراد بمن يخشى من كان في طبعه ذلك بأن كان مستعدا لظهور الخشية في قلبه لو سمع كلمة الحق حتى إذا بلغت إليه التذكرة ظهرت في باطنه الخشية فآمن واتقى.

والاستثناء في قوله:{إلا تذكرة} استثناء منقطع - على ما قالوا - والمعنى ما أنزلنا عليك القرآن لتتعب به نفسك ولكن ليكون مذكرا يتذكر به من من شأنه أن يخشى فيخشى فيؤمن بالله ويتقي.

فالسياق على رسله يستدعي كون{تذكرة} مصدرا بمعنى الفاعل ومفعولا له لقوله:{ما أنزلنا} كما يستدعي كون قوله:{تنزيلا} بمعنى اسم المفعول حالا من ضمير{تذكرة} الراجع إلى القرآن، والمعنى ما أنزلنا عليك القرآن لتتعب به نفسك ولكن لتذكر الخاشعين بكلام إلهي منزل من عنده.

وقوله:{ تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى} العلى جمع عليا مؤنث أعلى كفضلى وفضل، واختيار خلق الأرض والسماوات صلة للموصول وبيانا لإبهام المنزل لمناسبته معنى التنزيل الذي لا يتم إلا بعلو وسفل يكونان مبدأ ومنتهى لهذا التسيير، وقد خصصا بالذكر دون ما بينهما إذ لا غرض يتعلق بما بينهما وإنما الغرض بيان مبدإ التنزيل ومنتهاه بخلاف قوله: له ما في السماوات والأرض وما بينهما} إذ الغرض بيان شمول الملك للجميع.

قوله تعالى:{ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} استئناف يذكر فيه مسألة توحيد الربوبية التي هي مخ الغرض من الدعوة والتذكرة وذلك في أربع آيات{الرحمن - إلى قوله - له الأسماء الحسنى}.

وقد تقدم في قوله تعالى{ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ}: الأعراف: 54، أن الاستواء على العرش كناية عن الاحتواء على الملك والأخذ بزمام تدبير الأمور وهو فيه تعالى - على ما يناسب ساحة كبريائه وقدسه - ظهور سلطنته على الكون واستقرار ملكه على الأشياء بتدبير أمورها وإصلاح شئونها.

فاستواؤه على العرش يستلزم إحاطة ملكه بكل شيء وانبساط تدبيره على الأشياء سماويها وأرضيها جليلها ودقيقها خطيرها ويسيرها، فهو تعالى رب كل شيء المتوحد بالربوبية إذ لا نعني بالرب إلا المالك للشيء المدبر لأمره، ولذلك عقب حديث الاستواء على العرش بحديث ملكه لكل شيء وعلمه بكل شيء وذلك في معنى التعليل والاحتجاج على الاستواء المذكور.

ومعلوم أن{الرحمن} وهو مبالغة من الرحمة التي هي الإفاضة بالإيجاد والتدبير وهو يفيد الكثرة أنسب بالنسبة إلى الاستواء من سائر الأسماء والصفات ولذلك اختص من بينها بالذكر.

وقد ظهر بما تقدم أن{الرحمن} مبتدأ خبره{استوى} و{على العرش} متعلق بقوله{استوى} والمراد بيان الاستواء على العرش وهذا هو المستفاد أيضا من سائر الآيات فقد تكرر فيها حديث الاستواء على العرش كقوله:{ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ:} الأعراف: 54، وقوله:{ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ:} يونس: 3، وقوله:{ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ:} الم السجدة: 4، وقوله:{ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض}: الحديد: 4، إلى غير ذلك.

وبذلك يتبين فساد ما نسب إلى بعضهم أن قوله{الرحمن على العرش} مبتدأ وخبر ثم قوله{استوى} فعل فاعله{ما في السماوات} وقوله{له} متعلق بقوله:{استوى} والمراد باستواء كل شيء له تعالى جريها على ما يوافق إرادته وانقيادها لأمره.

وقد أشبعنا الكلام في معنى العرش في ذيل الآية 54 من سورة الأعراف في الجزء الثامن من الكتاب، وسيأتي بعض ما يختص بالمقام في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى:{ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى} الثرى على ما قيل: هو التراب الرطب أومطلق التراب، فالمراد بما تحت الثرى ما في جوف الأرض دون التراب ويبقى حينئذ لما في الأرض ما على بسيطها من أجزائها وما يعيش فيها مما نعلمه ونحس به كالإنسان وأصناف الحيوان والنبات وما لا نعلمه ولا نحس به.

وإذا عم الملك ما في السماوات والأرض ومن ذلك أجزاؤهما عم نفس السماوات والأرض فليس الشيء إلا نفس أجزائه.

وقد بين في هذه الآية أحد ركني الربوبية وهو الملك، فإن معنى الربوبية كما تقدم آنفا هو الملك والتدبير.

قوله تعالى:{ وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} الجهر بالقول: رفع الصوت به، والإسرار خلافه، قال تعالى:{ وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ:} الملك: 13، والسر هو الحديث المكتوم في النفس، وقوله:{وأخفى} أفعل التفضيل من الخفاء على ما يعطيه سياق الترقي في الآية ولا يصغى إلى قول من قال: إن{أخفى} فعل ماض فاعله ضمير راجع إليه تعالى، والمعنى: أنه يعلم السر وأخفى علمه.

هذا. وفي تنكير{أخفى} تأكيد للخفاء.

وذكر الجهر بالقول في الآية أولا ثم إثبات العلم بما هو أدق منه وهو السر والترقي إلى أخفى يدل على أن المراد إثبات العلم بالجميع، والمعنى: وإن تجهر بقولك وأعلنت ما تريده - وكأن المراد بالقول ما في الضمير من حيث إن ظهوره إنما هو بالقول غالبا - أوأسررته في نفسك وكتمته أوكان أخفى من ذلك بأن كان خفيا حتى عليك نفسك فإن الله يعلمه.

فالأصل ترديد القول بين المجهور به والسر وأخفى وإثبات العلم بالجميع ثم وضع إثبات العلم بالسر وأخفى موضع الترديد الثاني والجواب إيجازا.

فدل على الجواب في شقي الترديد معا وعلى معنى الأولوية بأوجز بيان كأنه قيل: وإن تسأل عن علمه بما تجهر به من قولك فهو يعلمه وكيف لا يعلمه؟ وهو يعلم السر وأخفى منه فهوفي الكلام من لطيف الصنعة.

وذكر بعضهم أن المراد بالسر ما أسررته من القول إلى غيرك ولم ترفع صوتك به، والمراد بأخفى منه ما أخطرته ببالك هذا والذي ذكره حق في الإسرار لكن القول لا يسمى سرا إلا من جهة كتمانه في النفس فالمعول على ما قدمناه من المعنى.

وكيف كان فالآية تثبت علمه تعالى بكل شيء ظاهر أوخفي فهي في ذكر العلم عقيب الاستواء على العرش نظيرة قوله تعالى:{ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} الآية: الحديد: 4، ومعلوم أن علمه تعالى بما يجري في ملكه ويحدث في مستقر سلطانه من الحوادث يستلزم رضاه بذلك وإذنه وبنظر آخر مشيئته لهذا النظام الجاري وهذا هو التدبير.

فالآية تثبت عموم التدبير كما أن الآية السابقة كانت تثبت عموم الملك ومجموع مدلوليهما هو الملك والتدبير وذلك معنى الربوبية المطلقة فالآيتان في مقام التعليل تثبت بهما ربوبيته تعالى المطلقة.

قوله تعالى:{ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} بمنزلة النتيجة لما تقدم من الآيات ولذلك كان الأنسب أن يكون اسم الجلالة خبرا لمبتدإ محذوف والتقدير هذا المذكور في الآيات السابقة هو الله لا إله إلا هو... إلخ، وإن كان الأقرب بالنظر إلى استقلال الآية وجامعيتها في مضمونها أن يكون اسم الجلالة مبتدأ وقوله:{لا إله إلا هو} خبره، وقوله:{له الأسماء الحسنى} خبرا بعد خبر.

وكيف كان فقوله:{الله لا إله إلا هو} يمكن أن يعلل بما ثبت في الآيات السابقة من توحده تعالى بالربوبية المطلقة ويمكن أن يعلل بقوله بعده:{له الأسماء الحسنى}.

أما الأول فلأن معنى الإله في كلمة التهليل إما المعبود وإما المعبود بالحق فمعنى الكلام الله لا معبود حق غيره أولا معبود بالحق موجود غيره والمعبودية من شئون الربوبية ولواحقها فإن العبادة نوع تمثيل وترسيم للعبودية والمملوكية وإظهار للحاجة إليه فمن الواجب أن يكون المعبود مالكا لعابده مدبرا أمره أي ربا له وإذ كان تعالى رب كل شيء لا رب سواه فهو المعبود لا معبود سواه.

وأما الثاني فلأن العبادة لأحد ثلاث خصال إما رجاء لما عند المعبود من الخير فيعبد طمعا في الخير الذي عنده لينال بذلك، وإما خوفا مما في الإعراض عنه وعدم الاعتناء بأمره من الشر وإما لأنه أهل للعبادة والخضوع.

والله سبحانه هو المالك لكل خير لا يملك شيء شيئا من الخير إلا ما ملكه هو إياه وهو المالك مع ذلك لما ملكه والقادر على ما عليه أقدره وهو المنعم المفضل المحيي الشافي الرازق الغفور الرحيم الغني العزيز وله كل اسم فيه معنى الخير فهو سبحانه المستحق للعبادة رجاء لما عنده من الخير دون غيره.

والله سبحانه هو العزيز القاهر الذي لا يقوم لقهره شيء وهو المنتقم ذو البطش شديد العقاب لا شر لأحد عند أحد إلا بإذنه فهو المستحق لأن يعبد خوفا من غضبه لولم يخضع لعظمته وكبريائه.

والله سبحانه هو الأهل للعبادة وحده لأن أهلية الشيء لأن يخضع له لنفسه ليس إلا لكمال فالكمال وحده هو الذي يخضع عنده النقص الملازم للخضوع وهو إما جمال تنجذب إليه النفس انجذابا أوجلال يخر عنده اللب ويذهب دونه القلب وله سبحانه كل الجمال وما من جمال إلا وهو آية لجماله، وله سبحانه كل الجلال وكل ما دونه آيته.

فالله سبحانه لا إله إلا هو ولا معبود سواه لأنه له الأسماء الحسنى.

ومعنى ذلك أن كل اسم هوأحسن الأسماء التي هي نظائره له تعالى، توضيح ذلك أن توصيف الاسم بالحسن يدل على أن المراد به ما يسمى في اصطلاح الصرف صفة كاسم الفاعل والصفة المشبهة دون الاسم بمعنى علم الذات لأن الأعلم إنما شأنها الإشارة إلى الذوات والاتصاف بالحسن أوالقبح من شأن الصفات باشتمالها على المعاني كالعادل والظالم والعالم والجاهل، فالمراد بالأسماء الحسنى الألفاظ الدالة على المعاني الوصفية الجميلة البالغة في الجمال كالحي والعليم والقدير، وكثيرا ما يطلق التسمية على التوصيف، قال تعالى:{قل سموهم} أي صفوهم.

ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى:{ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}: الأعراف: 180، أي يميلون من الحق إلى الباطل فيطلقون عليه من الأسماء ما لا يليق بساحة قدسه.

فالمراد بالأسماء الحسنى ما دل على معان وصفية كالإله والحي والعليم والقدير دون اسم الجلالة الذي هو علم الذات، ثم الأسماء تنقسم إلى قبيحة كالظالم والجائر والجاهل، وإلى حسنة كالعادل والعالم، والأسماء الحسنة تنقسم إلى ما فيه كمال ما وإن كان غير خال عن شوب النقص والإمكان نحو صبيح المنظر ومعتدل القامة وجعد الشعر وما فيه الكمال من غير شوب كالحي والعليم والقدير بتجريد معانيها عن شوب المادة والتركيب وهي أحسن الأسماء لبراءتها عن النقص والعيب وهي التي تليق أن تجري عليه تعالى ويتصف بها.

ولا يختص ذلك منها باسم دون اسم بل كل اسم أحسن فله تعالى لمكان الجمع المحلى باللام المفيد للاستغراق في قوله تعالى:{له الأسماء الحسنى} وتقديم الخبر يفيد الحصر فجميعها له وحده.

ومعنى كونها له تعالى أنه تعالى يملكها لذاته والذي يوجد منها في غيره فهو بتمليك منه تعالى على حسب ما يريد كما يدل عليه سوق الآيات الآتية سوق الحصر كقوله:{ هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}: غافر: 65، وقوله:{ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ}: الروم: 54 وقوله: هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }: غافر : 56، وقوله:{ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا }: البقرة: 165، وقوله:{ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا }: النساء: 139، وقوله:{ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء}: البقرة: 255، إلى غير ذلك.

ولا محذور في تعميم ملكه بالنسبة إلى جميع أسمائه وصفاته حتى ما كان منها عين ذاته كالحي والعليم والقدير وكالحياة والعلم والقدرة فإن الشيء ربما ينسب إلى نفسه بالملك كما في قوله تعالى:{ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي}: المائدة: 25.

______________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج14،ص96-102.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

لا تجهد نفسك إِلى هذا الحد:

مرّة أُخرى نواجه الحروف المقطعة في بداية هذه السورة، والتي تثير حبّ الاستطاع لدى الإِنسان :

لقد بحثنا في تفسير الحروف المقطعة في القرآن في بداية ثلاث سور بحثاً كافياً(2)، غير أنّنا نرى أن من اللازم أن نضيف هنا هذا المبحث، وهو أن من الممكن أن يكون لكل هذه الحروف المقطعة ـ أو على الأقل لقسم منها ـ معان ومفاهيم خاصّة، تماماً كالكلمة الواحدة التي تتضمّن محتوى معيناً.

إِنّنا نلاقي في كثير من الرّوايات وكلمات المفسّرين في بداية هذه السورة وسورة «يس» هذا البحث، وهو أن «طه» تعني: يا رجل، ونرى كلمة «طه» في بعض شعر العرب أيضاً، ولها معنى شبيه بـ (يا رجل) أو قريب منه، ويمكن أن تعود هذه الأشعار إِلى بداية ظهور الإِسلام، أو إِلى ما قبل الإِسلام(3).

وقد نقل لنا أحد المطلعين أن بعض علماء الغرب الملمين بالدراسات الإِسلامية، يعممون هذه النظرية على كل الحروف المقطعة في القرآن، ويعتقدون أن الحروف المقطعة في بداية كل سورة هي كلمة لها معنى خاص، أصبح بعضها متروكاً مع مرور الزمن، ووصل إِلينا البعض، وإِلاّ فإنّ من المستبعد أن مشركي العرب يسمعون الحروف المقطعة ولا يفهمون منها شيئاً، ولا يدركون لها معنى، ثمّ لا نراهم يسخرون ولا يستهزؤون منها، في حين أنّه لا يُرى ولا يلاحظ في أي من التواريخ أنّ هؤلاء الحمقى المتتبعين للعيوب والهفوات قد اتخذوا الحروف المقطعة وسيلة للقيام بردود فعل ضدها وضد الإِسلام.

وطبعاً من الصعب قبول هذا الرأي بصورة عامّة، وبالنسبة إِلى كل حروف القرآن المقطعة، إِلاّ أنّه يمكن قبوله في البعض منها، وقد بُحث هذا الموضوع أيضاً في الكتب الإِسلامية.

وممّا يلفت النظر، وهو أنّنا نقرأ في حديث عن الإِمام الصادق(عليه السلام): «إِنّ طه من أسماء النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، ومعناه: يا طالب الحق الهادي إِليه» ويظهر من هذا الحديث أنّ طه مركب من حرفين رمزيين، فالطاء إِشارة إِلى طالب الحق، والهاء إِلى الهادي إِليه، ونحن نعلم أن استعمال الحروف الرمزية وعلامات الإِختصار فيما مضى وفي يومنا هذا أمر طبيعي وكثير الإِستعمال، خاصّة في عصرنا الحاضر فإنّه كثير التداول والإِستعمال جدّاً.

وآخر كلام في هذا الباب هو أنّ (طه) كـ (يس) قد أصبحت تدريجياً وبمرور الزمان اسماً خاصاً للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، حتى أنّهم يسمون آل النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) آل طه أيضاً، وعُبِّر عن الإِمام المهدي عجل الله فرجه في دعاء الندبة بـ (يا بن طه).

ثمّ تقول الآية: { مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} فصحيح أن العبادة والتقرب إِلى الله عن طريق مناجاته من أفضل العبادات، إِلاّ أنّ لكل عمل حساباً ومقداراً، وللعبادة أيضاً مقدارها، فلا يجب أن تجهد نفسك بالعبادة حتى تتورم قدماك، وبالتالي ستضعف قوتك وتعجز عن التبليغ والجهاد.

وينبغي الإِلتفات إِلى أن «تشقى» مأخوذة من مادة الشقاء ضد السعادة، إِلاّ أنّ هذه المادة، وكما يقول الراغب في المفردات، تأتي أحياناً بمعنى المشقّة والتعب، والمراد في الآية هذا المعنى، كما يحكون ذلك أيضاً في أسباب النّزول.

ثمّ تبيّن الآية الأُخرى الهدف من نزول القرآن فتقول: { إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى}. إِنّ التعبير بـ «تذكرة» من جهة، وبـ «من يخشى» من جهة أُخرى يشير إِلى واقع لا يمكن إِنكاره، وهو: إِن التذكرة توحي بأن أسس ومقومات كل التعليمات الإِلهية موجودة في أعماق روح الإِنسان وطبيعته، وتعليمات الأنبياء تجعلها مثمرة، وتوصلها إِلى حد النضج، كما نذكّر أحياناً بمطلب وأمر ما.

لا نقول: إِنّ الإِنسان كان يعلم كل العلوم من قبل وزالت من ذاكرته، وإن أثر التعليم في هذا العالم هو التذكير فحسب ـ كما ينقلون ذلك عن أفلاطون ـ بل نقول: إِنّ مادتها الأصلية قد أخفيت في طينة الآدمي (دققوا ذلك).

إِنّ تعبير «من يخشى» يبيّن أن نوعاً من الإِحساس بالمسؤولية، والذي سمّاه القرآن بالخشية، إِذا لم يكن موجوداً في الإِنسان، فسوف لا يقبل الحقائق، لأنّ قابلية القابل شرط في حمل ونمو كل بذرة وحبة. وهذا التعبير في الحقيقة شبيه بما نقرؤه في أوّل سورة البقرة: (هدى للمتقين).

ثمّ تتطرق الآيات إِلى التعريف بالله تعالى المنزل للقرآن، لتتضح عظمة القرآن من خلال معرفته، فتقول: { تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى}(4).

إِنّ هذا التعبير في الحقيقة إِشارة إِلى ابتداء وانتهاء نزول القرآن، انتهاؤه إِلى الأرض وابتداؤه من السماوات، وإِذا لم تُصف هنا كلمة «وما بينهما» ـ كما في بعض الآيات الأُخرى من القرآن ـ فربّما كان لهذا السبب، وهو أنّ الهدف كان بيان الإِبتداء والإِنتهاء.

على كل حال، فإِنّ من المعلوم أنّ الله الذي عمت قدرته وتدبيره وحكمته كل أرجاء الأرض السماء، إِذا أنزل كتاباً، فكم سيكون غني المحتوى، وجنيّ الثمر؟!

ثمّ تستمر في تعريف الله المنزل للقرآن فتقول: { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وكما قلنا سابقاً في تفسير الآية: { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}(الاعراف،54)، فإِنّ كلمة عرش تقال للشيء الذي له سقف، وأحياناً تطلق على نفس السقف، أو على الأسرة المرتفعة القوائم كأسرة وكراسي السلاطين، وفي قصة سليمان نقرأ: { أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا}(النمل،38).

من البديهي أنّ الله سبحانه ليس له عرش، ولا محكومة كحكام البشر، بل المراد من عرش الله كل عالم الوجود الذي يعتبر عرشه، وبناء على هذا فإنّ قوله تعالى: { اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} كناية عن تسلط الله، وإحاطته الكاملة بعالم الوجود، ونفوذ أمره وتدبيره في جميع أنحاء العالم.

وأساساً فإنّ كلمة «عرش» في لغة العرب، كناية عن القدرة غالباً، فنقول مثلا: إِن فلاناً قد أنزلوه من العرش، أو أزاحوه عنه، فهذا يعني أنّهم قد أنهوا حكمه وقدرته، أو نقول: ثل عرشه.

وعلى كل حال، فإنّ من السخف أن يتوهم الإِنسان من هذا التعبير جسمية الله سبحانه.

ثمّ تتحدث عن مالكية الله بعد حاكميته فتقول: { لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى}.

«الثرى» في الأصل بمعنى التراب الرطب، ولما كانت قشرة الأرض ـ فقط ـ هي التي تجف نتيجة لأشعة الشمس وهبوب الرياح، وتبقى الطبقة السفلى ـ غالباً ـ رطبة، فإنّه يقال لهذه الطبقة: ثرى، وعلى هذا فإن {وما تحت الثرى} تعني أعماق الأرض وجوفها، وكلها مملوكة لمالك الملك وخالق عالم الوجود.

إِلى هنا بُينت ثلاثة أركان من أركان صفات الله: الركن الأوّل: «خالقيته»، والثّاني: «حاكميته»، والثّالث: «مالكيته».

وأشارت الآية التالية إِلى الرّكن الرّابع، أي: «العالمية»، فقالت: (وإِن تجهر بالقول فإنّه يعلم السر وأخفى). وهناك نقاش وبحث بين المفسّرين في المراد من «أخفى» هنا:

فذهب بعضهم إِلى أنّ السر هو أن يتحدث إِنسان مع آخر بصورة خفية، وأخفى: هو أن يحتفظ الإِنسان بذلك القول والأمر في قلبه ولا يحدث به أحداً.

وذهب آخرون: إن «السر» هو ما أضمره الإِنسان في قلبه، و«أخفى» هو الذي لم يخطر على باله، إِلاّ أنّ الله سبحانه مطلع عليه وعالم به.

وقال ثالث: إِنّ «السر» هو ما يقوم به الإِنسان من عمل في الخفاء، وأخفى: هي النية التي في قلبه.

وقال رابع: إِن (السر) يعني أسرار الناس، و(أخفى) هي الأسرار التي في ذات الله المقدسة.

في حديث عن الإِمامين الباقر والصادق(عليهما السلام): «السر ما أخفيته في نفسك، وأخفى ما خطر ببالك ثمّ أُنسيته»(5). إِنّ هذه الحديث يمكن أن يكون إِشارة إِلى أن ما يتعلمه الإِنسان يودع في مخزن الحافظة، غاية الأمر أن ارتباط الإِنسان قد ينقطع أحياناً مع زاوية من هذا المخزن، فتنتج حالة النسيان، ولذلك فإنّه إِذا ما تذكر ذلك المنسي بطريقة ما، فسيرى هذا المطلب واضحاً ومعروفاً لديه، وبناء على هذا فإن ما ينساه الإِنسان هو أخفى أسراره التي أُخفيت في زوايا الحافظة، وقُطع ارتباطه بها بصورة مؤقتة، أو دائمة.

ولكن لا مانع على كل حال من أن تُجمع كل هذه التفاسير التي ذكرت أعلاه في مفهوم الكلمة ومعناها الواسع. وعلى هذا فقد رُسمت صورة واضحة عن علم الله اللامتناهي، وعرف مُنزل القرآن من مجموع الآيات أعلاه معرفة إِجمالية في الأبعاد الأربعة: الخلقة، والحكومة، والمالكية، والعلم.

والآية التالية ربّما تشير إِلى ما ذكرنا: { اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}. وكما قلنا في تفسير الآية (80) من سورة الأعراف، فإنّ التعبير بالأسماء الحسنى قد ورد مراراً وتكراراً في الآيات القرآنية، وفي كتب الحديث ومن البديهي أن كل أسماء الله حسنة، ولكن لما كانت لبعض أسماء الله وصفاته أهمية أكبر، فقد سمّيت بالأسماء الحسنى.

ونقرأ في كثير من الرّوايات التي وصلتنا عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة(عليهم السلام) أن لله (99) إسماً، وكل من دعاه بهذه الأسماء يستجاب دعاؤه، وكل من أحصاها فهو من أهل الجنّة. ويلاحظ هذا المضمون أيضاً في مراجع الحديث المعروفة عند أهل السنة أيضاً.

ويبدو أنّ المراد من إِحصاء هذه الأسماء هو التخلق بصفاتها، لا مجرّد ذكر ألفاظها، ولا شك أن من تخلق بصفة العالم والقادر، أو الرحيم والغفور وأمثالها، وسطعت في وجوده أشعة وقبسات من هذه الصفات الإِلهية العظيمة، فإنّه من أهل الجنة، وممن يستجاب دعاؤه.

ولمزيد الإِيضاح راجع الآية (180) من سورة الأعراف من هذا التّفسير.

______________

1- تفسير الامثل،ناصر مكارم الشيرازي،ج8،ص105-110.

2- بداية سورة البقرة وآل عمران والأعراف من التّفسير الأمثل.

3- تفسير مجمع البيان، ذيل الآية مورد البحث.

4- هناك بحث بين المفسّرين في محل (تنزيلا) من الإِعراب، غير أن الأصح أنّها مفعول مطلق لفعل مجهول محذوف، وكان التقدير: نُزل تنزيلا ممن خلق الأرض.

2 ـ الأعراف، 54.

5- مجمع البيان، ذيل الآيه مورد البحث.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .