أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-8-2020
4358
التاريخ: 22-8-2020
6451
التاريخ: 24-8-2020
3894
التاريخ: 25-8-2020
6360
|
قال تعالى : {فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (39) لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (40) فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42) قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43) فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44) فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء : 38 - 51] .
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :
{فجمع السحرة لميقات يوم معلوم} أي : لوقت يوم بعينه اختاروه وعينوه وهو يوم عيدهم يوم الزينة {وقيل للناس} أي لأهل مصر {هل أنتم مجتمعون لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين} لموسى وأخيه {فلما جاء السحرة} وحضروا بين يدي فرعون {قالوا} له {أ إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين} أي هل لنا أجرة وجزاء على غلبتنا إياه إن نحن غلبناه ؟ .
{قال} فرعون {نعم} لكم على ذلك الأجر الجزيل {وإنكم} مع ما تعطون من الجزاء والأجر {إذا لمن المقربين} والمقرب المدني من مجلس الكرامة {قال لهم} أي للسحرة {موسى ألقوا ما أنتم ملقون} هذا بصورة الأمر والمراد به التحدي {فألقوا حبالهم وعصيهم} أي طرحوا ما كان معهم من الحبال والعصي {وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون} والعزة القوة التي يمتنع بها من لحاق ضيم لعلو منزلتها وهذا القول قسم منهم وإن كان غير مبرور {فألقى} عند ذلك {موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون} أي أن العصا تتناول جميع ما موهوا به في أوجز مدة من الزمان {فألقي السحرة ساجدين} لما بهرهم ما أظهره موسى (عليه السلام) من قلب العصا حية وتلقفها جميع ما أتعبوا به نفوسهم فيه وعلموا إن ذلك من عند الله إذ أحد من البشر لا يقدر عليه .
{قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون} فعند ذلك {قال} فرعون مهددا لهم {آمنتم} أي صدقتم له فيما يدعو إليه {قبل أن آذن لكم} أي أنا في تصديقه {أنه لكبيركم} أي أستاذكم وعالمكم {الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون} فيما بعد ما أفعله بكم عقوبة لكم على تصديقكم إياه ثم فسر ذلك بقوله {لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف} يعني قطع اليد من جانب والرجل من الجانب الآخر كقطع اليد اليمني والرجل اليسرى {ولأصلبنكم أجمعين} مع ذلك على الجذوع ولا أترك أحدا منكم لا تناله عقوبتي .
{قالوا} في جوابه عن ذلك {لا ضير} أي لا ضرر علينا فيما تفعله يقال ضاره يضيره ضيرا وضره يضره ضررا {إنا إلى ربنا منقلبون} أي إلى ثواب ربنا راجعون فيجازينا على إيماننا وصبرنا بالنعيم الدائم الذي لا ينقضي ولا يضرنا قطعك وصلبك فإنه ألم ساعة عن قريب ينقضي قال الحسن لم يصل فرعون إلى قتل واحد منهم ولا قطعه وقيل إن أول من قطع الأيدي والأرجل فرعون .
ثم أخبر سبحانه عن السحرة أنهم قالوا لفرعون حين آمنوا {إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا} أي ما فعلناه من السحر وغيره {أن كنا أول المؤمنين} أي لأنا كنا أول من صدق موسى وأقر بنبوته وبما دعانا إليه من التوحيد ونفي التشبيه وقيل أنهم أول من آمن عند تلك الآية أو أول من آمن من آل فرعون لأن بني إسرائيل كانوا آمنوا به .
__________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج7 ، ص328-332 .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :
{فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} هو يوم العيد كما في الآية 59 من سورة طه : {قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} . {وقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ} لتشهدوا هذه المباراة ؟ والجماهير لا يحتاجون إلى من يحثهم على حضور هذا المشهد وأمثاله ، فإنهم يتلهفون عليه ، وينساقون إليه بفطرتهم . . وهذا ما يريده موسى ويتمناه ليحق الحق ، ويبطل الباطل بمرأى من الناس {لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ} . والذين قالوا هذا للناس هم فرعون وملأه ، وظاهر قولهم هذا يومئ إلى أنهم على شك من دين السحرة ، وانهم يبحثون عن الحق ليتبعوه ، ولكن هذا غير مراد لأنهم والسحرة على دين واحد ، والمعنى المقصود لعلنا نبقى ثابتين على ديننا ، ولا نتبع دين موسى .
{فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ} . هذه الآية وما بعدها إلى آخر آيات هذه المقطع قد ذكرت في سورة الأعراف من الآية 113 حتى نهاية الآية 126 ج 3 ص 377 . ولا فرق هنا وهناك إلا في بعض التعابير ، مثل قوله تعالى في سورة الأعراف : {وجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لأَجْراً} . وقوله هنا في سورة الشعراء : {فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لأَجْراً} .
______________
1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج5 ، ص 496.
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :
قوله تعالى : {فجمع السحرة لميقات يوم معلوم} هو يوم الزينة الذي اتفق موسى وفرعون على جعله ميقاتا للمعارضة كما في سورة طه ففي الكلام إيجاز وتلخيص .
قوله تعالى : {وقيل للناس هل أنتم مجتمعون لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين} الاستفهام لحث الناس وترغيبهم على الاجتماع .
قال في الكشاف ، ما حاصله أن المراد باتباع السحرة اتباعهم في دينهم - وكانوا متظاهرين بعبادة فرعون كما يظهر من سياق الآيات التالية - وليس مرادهم بذلك إلا أن لا يتبعوا موسى لا اتباع السحرة ، وإنما ساقوا كلامهم مساق الكناية ليحملوا به السحرة على الاهتمام والجد في المغالبة .
قوله تعالى : {فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين} الاستفهام في معنى الطلب ، وقد قالوا : إن كنا} ولم يقولوا ، إذا كنا نحن الغالبين ليفيد القطع بالغلبة كما يفيده قولهم بعد : {بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون} بل ألقوه في صورة الشك ليكون أدعى لفرعون إلى جعل الأجر .
وقد أثر ذلك أثره حيث جعل لهم أجرا وزاد عليه الوعد بجعلهم من المقربين .
قوله تعالى : {قال لهم موسى ألقوا} إلى قوله - تلقف ما يأفكون} الحبال جمع حبل ، والعصي جمع عصا ، واللقف الابتلاع بسرعة ، وما يأفكون من الإفك بمعنى صرف الشيء عن وجهه سمي السحر إفكا لأن فيه صرف الشيء عن صورته الواقعية إلى صورة خيالية ، ومعنى الآيات ظاهر .
قوله تعالى : {فألقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون} يريد أن السحرة لما رأوا ما رأوا من الآيات الباهرة بهرهم وأدهشهم ذلك فلم يتمالكوا أنفسهم دون أن خروا على الأرض ساجدين لله سبحانه فاستعير الإلقاء لخرورهم على الأرض للدلالة على عدم تمالك أنفسهم كأنهم قد طرحوا على الأرض طرحا .
وقوله : {قالوا آمنا برب العالمين} فيه إيمان بالله سبحانه إيمان توحيد لما تقدم أن الاعتراف بكونه تعالى رب العالمين لا يتم إلا مع التوحيد ونفي الآلهة من دونه .
وقوله : {رب موسى وهارون} فيه إشارة إلى الإيمان بالرسالة مضافا إلى التوحيد .
قوله تعالى : {قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون} إلى آخر الآية ، القائل فرعون ، والمراد بقوله : {آمنتم له قبل أن آذن لكم} آمنتم من دون إذن مني كما في قوله تعالى : {لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي} وليس مفاده أن الإذن كان ممكنا أو متوقعا منه كما قيل .
وقوله : {إنه لكبيركم الذي علمكم السحر} بهتان آخر يبهت به موسى (عليه السلام) ليصرف به قلوب قومه وخاصة ملإهم عنه .
وقوله : {فلسوف تعلمون} تهديد لهم في سياق الإبهام للدلالة على أنه في غنى عن ذكره وأما هم فسوف يعلمونه .
وقوله : {لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين} القطع من خلاف أن تقطع اليد اليمنى مع الرجل اليسرى أو بالعكس والتصليب جعل المجرم على الصليب ، وقد تقدم نظير الآية في سورتي الأعراف وطه .
قوله تعالى : {قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون} الضير هو الضرر ، وقوله : {إنا إلى ربنا منقلبون} تعليل لقولهم : لا ضير أي إنا لا نستضر بهذا العذاب الذي توعدنا به لأنا نصبر ونرجع بذلك إلى ربنا وما أكرمه من رجوع .
قوله تعالى : {إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين} تعليل لما يستفاد من كلامهم السابق أنهم لا يخافون الموت والقتل بل يشتاقون إلى لقاء ربهم يقولون : لا نخاف من عذابك شيئا لأنا نرجع به إلى ربنا ولا نخاف الرجوع لأنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا بسبب كوننا أول المؤمنين بموسى وهارون رسولي ربنا .
وفتح الباب في كل خير له أثر من الخير لا يرتاب فيه العقل السليم فلو أن الله سبحانه أكرم مؤمنا لإيمانه بالمغفرة والرحمة لم تطفر مغفرته ورحمته أول الفاتحين لهذا الباب والواردين هذا المورد .
____________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج15 ، ص219-221 .
تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :
اجتماع السحرة من كلّ مكان :
في هذه الآيات يُعرض مشهداً آخر من هذه القصّة المثيرة ، إذ تحرك المأمورون بحسب اقتراح أصحاب فرعون إلى مدن مصر لجمع السحرة والبحث عنهم ، وكان الوعد المحدد {فجمع السحرة لميقات يوم معلوم} .
وبتعبير آخر : إنّهم هيأوهم من قبل لمثل هذا اليوم ، كي تجتمعوا في الوعد المقرر في «ميدان العرض» . . .
والمراد من «اليوم المعلوم» كما يستفاد من بعض الآيات في سورة الأعراف ، أنّه بعض أعياد أهل مصر ، وقد اختاره موسى (عليه السلام) للمواجهة ومنازلة السحرة . . . وكان هدفه أن يجد الناس فرصة أوسع للإجتماع ، لأنّه كان مطمئناً بأنّه سينتصر ، وكان يريد أن يظهر آيات الله وضعف فرعون والملأ من حوله للجميع ، وليشرق نور الإيمان في قلوب جماعة كثيرين ! . . .
وطُلب من الناس الحضور في هذا المشهد : {وقيل للناس هل أنتم مجتمعون} وهذا التعبير يدلّ على أنّ المأمورين من قِبَلِ فرعون بذلوا قصارى جهودهم في هذا الصدد . . . وكانوا يعلمون أنّهم لو أجبروا الناس على الحضور لكان ردّ الفعل سلبيّاً ، لأنّ الإنسان يكره الإجبار ويعرض عنه بالفطرة ! لذلك قالوا : هل ترغبون في الحضور؟ وهل أنتم مجتمعون؟ ومن البديهي أن هذا الأسلوب جرّ الكثير إلى حضور ذلك المشهد .
وقيل للناس : إنّ الهدف من هذا الحضور والإجتماع هو أنّ السحرة اذا انتصروا فمعنى ذلك انتصار الالهة وينبغي علينا اتباعهم : {لعلنا نتّبع السحرة إن كانوا هم الغالبين} فلابدّ من تهييج الساحة للمساعدة في هزيمة عدو الالهة إلى الأبد .
وواضح أنّ وجود المتفرجين كلّما كان أكثر شدّ من أزر الطرف المبارز ، وكان مدعاةً لأن يبذل أقصى جهده ، كما أنه يزيد من معنوياته وعندما ينتصر الطرف المبارز يستطيع أن يثير الصخب والضجيج إلى درجةً يتوارى بها خصمه ، كما أن وجود المتفرجين الموالين بإمكانه أن يضعف من روحيّة الطرف المواجه «الخصم» فلا يدعه ينتصر !
أجل إن اتباع فرعون بهذه الآمال كانوا يرغبون أن يحضر الناس ، كما أنّ موسى(عليه السلام) كان يطلب ـ من الله ـ أن يحضر مثل هذا الجمع الحاشد الهائل ! ليبيّن هدفه بأحسنِ وجه .
كل هذا من جهة ، ومن جهة أُخرى كان السحرة يحلمون بالجائزة من قبل فرعون {فلما جاء السحرة قالوا لفرعون ءَإنّ لنا لأجراً إن كنّا نحن الغالبين} . . .
وكان فرعون قلقاً مضطرب البال ، لأنّه في طريق مسدود ، وكان مستعدّاً لأن يمنح السحرة أقصى الإمتيازات ، لذلك فقد أجابهم بالرضا و {قال نعم وإنّكم إذاً لمن المقرّبين} . اي إن فرعون قال لهم : ما الذي تريدون وتبتغون ؟! المال أم الجاه ، فكلاهما تحت يديّ ! . . .
وهذا التعبير يدلُّ على أن التقرب من فرعون في ذلك المحيط كان مهمّاً إلى درجة قصوى ! بحيث يذكره فرعون للسحرة ويعدّه أجراً عظيماً ، وفي الحقيقة لا أجر أعظم من أن يصل الإنسان إلى مقربة من القدرة المطلوبة ! . . .
فإذا كان الضالّون يعدّون التقرب من فرعون أعظم أجر ، فإنّ عباد الله لا يرون أجراً أعظيم من التقرب الى الله تعالى حتى الجنّة بما فيها من النعيم المقيم لا تقاس بنظرة من وجهه الكريم لهم ! . . .
ولذلك فإنّ الشهداء في سبيل الله الذين ينبغي أن ينالوا أعظم الأجر لإيثارهم الكبير ، ينالون التقرب من الله بشهادة القرآن ! والتعبير القرآني {عند ربّهم} شاهد بليغ على هذه الحقيقة ! . . .
وكذلك فإنّ المؤمن السليم القلب حين يؤدي العبادة الله ، يؤديها بهدف «قربة الى الله» . . .
وقوله تعالى : {قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43) فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44) فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء : 43 - 51] .
نور الإيمان في قلوب السَحَرَةَ :
حين اتفق السحرة مع فرعون ووعدهم بالأجر والقرب منه ، وشدّ من عزمهم ، فإنّهم بدأوا بتهيئة المقدمات ووفروا خلال ماسخت لهم الفرصة عصيّهم وحبالهم ، ويظهر أنّهم صيّروها جوفاء وطلوها بمادة كيميائية كالزئبق ـ مثلا ـ بحيث تتحرك وتلمع عند شروق الشمس عليها !
وأخيراً كان اليوم الموعود والميقات المعلوم ، وانثال الناس إلى ساحة العرض ليشهدوا المبارزة التاريخيّة ، ففرعون وقومه من جانب ، والسحرة من جانب آخر ، وموسى وأخوه هارون من جانب ثالث ، كلهم حضروا هناك !
وكعادة القرآن في حذف المقدمات المفهومة من خلال الآيات المذكورة ، والشروع بذكر أصل الموضوع ، فيتحدّث عن مواجهة موسى للسحرة حيث التفت إليهم و : {قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون} .
ويستفاد من الآية (115) من سورة الأعراف ، أنّ موسى(عليه السلام) قال ذلك عندما سأله السحرة : هل تلقي أنت أوّلا أم نلقي نحن أوّلا ؟
وهذا الإقتراح من قبل موسى (عليه السلام) يدلّ أنّه كان مطمئناً لانتصاره ، ودليلا على هدوئه وسكينته أمام ذلك الحشد الهائل من الأعداء وأتباع فرعون . . . كان هذا الإقتراح يُعدّ أوّل «ضربة» يدمغ بها السحرة ، ويبيّن فيها أنه يتمتع بالهدوء النفسي الخاص ، وأنّه مرتبط بمكان آخر ومتصل به .
وأمّا السحرة الغارقون بغرورهم ، والذين بذلوا أقصى جهودهم لانتصارهم في هذا «الميدان» ، فقد كانوا مستعدين ومؤمّلين لأن يغلبوا موسى(عليه السلام) (فألقوا حبالهم وعصيّهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون} . (2)
أجل ، لقد استندوا إلى عزّة فرعون كسائر المتملقين ، وبدأوا باسمه وقدرته الواهية !
وهنا ـ كما يبيّن القرآن في مكان آخر من سورة وآياته ـ تحركت العصيُّ كأنّها الأفاعي والثعابين و {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه : 66] .
وقد انتخب السحرة العصي كوسائل لسحرهم ، لتتغلّب حسب تصوّرهم على عصى موسى ، وأضافوا عليها الحبال ليثبتوا علوّهم وفضلهم عليه . . .
فتهللت أسارير وجوه الناس ووجه فرعون فرحاً ، وأشرق الأمل في عيني فرعون وأتباعه ، وسُرّوا سروراً لم يكن ليخفى على أحد ، وسرت فيهم نشوة اللّذة من هذا المشهد !
إلاّ أنّ موسى(عليه السلام) لم يمهل الحاضرين ليستمر هذا المشهد ويدوم هذا الفصل المثير ، فتقدم {فألقى موسى عصاه} فتحولت الى ثعبان عظيم وبدأت بالتهام وسائل وادوات السحرة بسرعة بالغة {فإذا هي تلقفُ ما يأفكون} . (3)
وهنا طاف صمت مهيب على وجوه الحاضرين وغشّاهم الوجوم وفغرت الأفواه من الدهشة والعجب ، وجمدت العيون ، ولكن سرعان ما انفجر المشهد بصراخ المتفرجين المذعورين ففر جماعة من مكانهم وبقي آخرون يترقبون نهاية المشهد ، وأفواه السحرة فاغرة من الدهشة . . .
وتبدّل كل شيء ، وثاب السحرة إلى رشدهم بعد أن كانوا ـ إلى تلك اللحظة ـ مع فرعون غارقين في الشيطنة ، ولأنّهم كانوا عارفين بقضايا السحر ودقائقه ، فإنّهم تيقنوا أن عصا موسى لم تكن سحراً ، بل هي معجزة إلهية كبرى {فأُلقي السحرة ساجدين} .
الطريف أنّ القرآن يعبر عن خضوع السحرة بـ «أُلقي» وهذا التعبير إشارة إلى منتهى التأثير وجاذبية معجزة موسى لهم ، حتى كأنّهم سقطوا على الأرض وسجدوا دون اختيارهم . . .
واقترن هذا العمل العبادي ـ وهو السجود ـ بالقول بلسانهم فـ {قالوا آمنا بربّ العالمين} .
ولئلا يبقى مجالُ للإبهام والغموض والتردد ، ولئلا يفسر فرعون ذلك تفسيراً آخر فإنّهم قالوا : {ربّ موسى وهارون} .
وهذا التعبير يدّل على أنّه وإن كان موسى(عليه السلام) متكفلاً لأمر المبارزة وإلقاء العصا ومحاججة السحرة ، إلاّ أنّ أخاه هارون كان يعاضده في الأمر ، وكان مستعداً لتقديم أي عون لأخيه .
وهذا التبدل والتغيّر المفاجيء العجيب في نفوس السحرة بحيث خطوا في لحظة واحدة من الظلمة المطلقة إلى النور المبين . ولم يكتفوا بذلك حتى أقحموا انفسهم في خطر القتل ، وأعرضوا عن مغريات فرعون ومصالحهم المادية . . . كلّ ذلك لما كان عندهم من «علم» استطاعوا من خلاله أن يتركوا الباطل ويتمسكوا بالحقّ !
إنّهم لم يجوبوا باقي الطريق بخطى العقل فحسب ، بل ركبوا خيول العِشْقِ ، وقد سكروا من عطر أزهاره ، حتى كأنّهم لم يفيقوا من سكرتهم ، وسنرى أنّهم لِهذا السبب استقاموا بشجاعة أمام تهديدات فرعون الرهيبة . . .
نقرأُ حديثاً عن الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال : «ما من قلب إلاّ بين إصبعين من أصابع الرحمان ، إن شاء أقامه ، وإن شاء أزاغه» (4) (وبديهي أن مشيئة الله في هاتين المرحلتين تتعلق باستعداد الإنسان ، وهذا التوفيق أو سلب التوفيق إنّما هو لأجل قابلية القلوب المختلفة ، وليس اعتباطاً) .
أمّا فرعون ، فحيث وجد نفسه مهزوماً معنوياً ويرى من جانب آخر أن وجوده وسلطانه في خطر ، وخاصّة أنه كان يعرف أيّ تأثير عميق لإيمان السحرة في قلوب سائر الناس ، ومن الممكن أن يسجد جماعة آخرون كما سجد السحرة ، فقد تذرع بوسيلة جديدة وابتكار ماكر ، فالتفت إلى السحرة و{قال آمنتم به قبل أن آذن لكم} . (5)
لقد تربع على عرش الإستبداد سنين طوالا ، ولم يكن يترقب من الناس أن لا يسجدوا أو يقوموا بعمل دون إذنه فحسب ، بل كان ترقُّبه أن تكون قلوب الناس وأفكارهم مرهونةً به وبأمره ، فليس لهم أن يفكّروا دون اذنه !! وهكذا هي سنة الجبابرة والمستكبرين ! .
هذا المغرور الطائش لم يكن مستعدّاً لأن يذكر اسم الله ولا اسم موسى ، بل اكتفى بالقول {آمنتم له} ! والمراد من هذا التعبير هو التحقير !!
إلاّ أن فرعون لم يقنع بهذا المقدار ، بل أضاف جملتين أُخريين ليُثّبت موقعه كما يتصوّر أوّلا ، وليحول بين أفكار الناس اليقظين فيعيدهم غفلةً نياماً .
فإتهم السحرة أوّلا بأنّهم تواطؤوا مع موسى(عليه السلام) وتآمروا على أهل مصر جميعاً ، فقال : {إنّه لكبيركم الذي علمكم السحر} .
وقد اتفقتم مع موسى من قبل أن تردوا هذه الساحة ، فتضلوا أهل مصر وتجرّوهم إلى الخضوع تحت سيطرة حكومتكم; وتريدون أن تطردوا أصحاب هذا البلد وتخرجوهم من ديارهم وتُحلّوا العبيد محلهم . . .
إلاّ أنني لا أدعكم تنتصرون في هذه المؤامرة ، وسأخنق المؤامرة في مهدها {فلسوف تعلمون لأُقطعنّ أيديكم وأرجلكم من خلاف ولاُصلبنكم أجمعين} .
أي : لا أكتفي بإعدامكم فحسب ، بل أقتلكم قتلاً بالتعذيب والزجر بين الملأ العام ، وعلى جذوع النخل ، (لأن قطع الأيدي والأرجل من خلاف يؤدي إلى الموت البطيء ، فيذوق معه الإنسان التعذيب أكثر) .
وهذه هي طريقة الجبابرة والحكّام الظلمة في كل عصر وزمان ، ففي البدء يتهمون الرجال المصلحين بالتآمر ضد الناس ، وبعد الإستفادة من حربة التهمة يعملون السيف في رقاب ليضعف موقع المطالبين بالحق ولا يجدوا معاضداً لهم ، فيزيحوهم من طريقهم .
إلاّ أن فرعون لم يحقق هدفه هنا ، لأن السحرة قبل لحظة ـ والمؤمنين في هذه اللحظة ـ قد غمر قلوبهم الإيمان ، وأضرمهم عشق الله; بحيث لم يهزّهم تهديد فرعون ، فأجابوه بضرس قاطع واحبطوا خطته و{قالوا لا ضير إنا إلى ربّنا منقلبون} .
فأنت بهذا العمل لا تنقص منّا شيئاً ، بل توصلنا إلى معشوقنا الحقيقي والمعبود الواقعي ، فيوم كانت هذا التهديدات تؤثر فينا لم نعرف أنفسنا ولم نعرف ربّنا ، وكنّا ، ضالين مضلين ، إلاّ أنّنا عثرنا اليوم على ضالتنا {فاقض ما أنت قاض} !
ثمّ أضافوا بأنّهم واجهوا النّبي موسى (عليه السلام) من قبل بالتكذيب وأذنبوا كثيراً ، ولكن مع ذلك فـ {إنا نطمع أن يغفر لنا ربّنا خطايانا أن كنا أوّل المؤمنين} . . .
إنّنا لا نستوحش اليوم من أي شيء ، لا من تهديداتك ، ولا من تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف ولا من الصلب على جذوع النخل .
وإذا كنّا نخاف من شيء ، فإنّما نخاف من ذنوبنا الماضية ، ونرجوا أن تمحى في ظل الإيمان وبفضل الله ولُطْفهِ !
أية طاقة وقوّة هذه التي إن وُجدت في الإنسان صغرت عندها أعظم القوى ، وهانت عنده أشد الأُمور ، وكرمت نفسه بسخاء في موقف التضحية والإيثار؟! إنّها قوّة الإيمان .
إنّها شعلة العشق النيرة ، التي تجعل الشهادة في سبيل الله أحلى من الشهد والعسل ، وتصيّر الوصال إلى المحبوب أسمى الأهداف !
هذه هي القوّة التي استعان بها النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وربّى المسلمين الأوائل عليها ، وأوصل أمة جهلاءَ متأخرة إلى أوج الفخر بسرعة مذهلة ، فكانت الأُمة المسلمة التي اذهلت الدنيا !
إلاّ أن هذا المشهد ـ على كل حال ـ كان غالياً وصعباً على فرعون وقومه ، بالرغم من أنّه طبّق تهديداته ـ طبقاً لبعض الروايات ـ فاستشهد على يديه السحرة المؤمنون ـ إلاّ أن ذلك لم يطفىء عواطف الناس تجاه موسى فحسب ، بل أثارها أكثر فأكثر ! . . .
ففي كل مكان كانت اصداء النّبي الجديد . . . وفي كل حدب وصوب حديث عن أوائل الشهداء المؤمنين ، وهكذا آمن جماعة بهذا النحو ، حتى أن جماعة من قوم فرعون وأصحابه المقربين حتى زوجته ، آمنوا بموسى ايضاً .
وهنا ينقدح هذا السؤال ، وهو : كيف عبر السحرة التائبون المؤمنون عن أنفسهم بأنّهم أوّل المؤمنين . . .
هل كان مرادهم أنّهم أوّل المؤمنين في ذلك المشهد ؟!
أو كان مرادهم أنّهم أوّل المؤمنين من حماة فرعون ؟!
أو أنّهم أوّل المؤمنين الذين وردوا «الشهادة» .
كل هذه الأُمور محتملة ، ولا تتنافى في مابينها .
وهذه التفاسير إنّما تصحّ في صورة ما لوقلنا بأنّ جماعة من بني إسرائيل أومن غيرهم آمنوا بموسى قبل ذلك ، أما لوقلنا بأنّهم أمروا بعد البعثة أن يتصلوا بفرعون مباشرةً وأن يوردوا الضربة الأُولى عليه ، فلا يبعد أن يكونوا أول المؤمنين ، ولا حاجة عندئذ إلى تفسير آخر .
_______________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج9 ، ص293-300 .
2 ـ «الحبال» جمع «حبل» على وزن (طبل) ومعناها واضح ، والعصي جمع العصا .
3 ـ (تلقف) مشتق من (اللقف) على زنه (السقف) ومعناه إمساك الشيء بسرعة ، سواء كان ذلك باليد أم الفم ، ومعلوم أن المراد هنا الإِمساك بالفم والإبتلاع ، و(يأفكون) مشتق من (الإفك) ومعناه الكذب ، وهي إشارة إلى وسائلهم الباطلة .
4 ـ تفسير في ظلال القرآن ، ج 6 ، ص 208 .
5 ـ جاء التعبير في هذه الآية والآية (71) من سورة طه بـ (آمنتم له)
وجاء التعبير في الآية (123) من سورة الأعراف (آمنتم به)
وكما يقول أصحاب اللغة : إن الإيمان إذا تعدى باللام فإنه يعني الخضوع ، وإذا تعدى بالباء فإنه يعني التصديق !
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|