أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-8-2020
3490
التاريخ: 25-8-2020
4407
التاريخ: 22-8-2020
6536
التاريخ: 25-8-2020
4458
|
قال تعالى : {فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُو السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [الشعراء : 213 - 220] .
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :
خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) والمراد به سائر المكلفين فقال {فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين} بسبب ذلك وإنما أفرده بالخطاب ليعلم أن العظيم الشأن إذا أوعد فمن دونه كيف حاله وإذا حذر هو فغيره أولى بالتحذير {وأنذر عشيرتك الأقربين} أي رهطك الأدنين أي أنذرهم بالإفصاح من غير تليين بالقول كما تدعو إليه مقاربة العشيرة وإنما خصهم بالذكر تنبيها على أنه ينذر غيرهم وأنه لا يداهنهم لأجل القرابة ليقطع طمع الأجانب عن مداهنته في الدين وقيل إنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أمر بأن يبدأ بهم في الإنذار والدعاء إلى الله ثم بالذين يلونهم كما قال {قاتلوا الذين يلونكم من الكفار} لأن ذلك هو الذي يقتضيه حسن الترتيب وقيل إنه إنما خصهم لأنه يمكنه أن يجمعهم ثم ينذرهم وقد فعل ذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) واشتهرت القصة بذلك عند الخاص والعام .
وفي الخبر المأثور عن البراء بن عازب أنه قال لما نزلت هذه الآية جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بني عبد المطلب وهم يومئذ أربعون رجلا الرجل منهم يأكل المسنة (2) ويشرب العس فأمر عليا (عليه السلام) برجل شاة فأدمها (3) ثم قال ادنوا بسم الله فدنا القوم عشرة عشرة فأكلوا حتى صدروا ثم دعا بقعب (4) من لبن فجرع منه جرعة ثم قال لهم اشربوا بسم الله فشربوا حتى رووا فبدرهم أبو لهب فقال هذا ما سحركم به الرجل فسكت (صلى الله عليه وآله وسلّم) يومئذ ولم يتكلم .
ثم دعاهم من الغد على مثل ذلك من الطعام والشراب ثم أنذرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال يا بني عبد المطلب إني أنا النذير إليكم من الله عز وجل والبشير فأسلموا وأطيعوني تهتدوا ثم قال من يؤاخيني ويوآزرني ويكون وليي ووصيي بعدي وخليفتي في أهلي ويقضي ديني فسكت القوم فأعادها ثلاثا كل ذلك يسكت القوم ويقول علي (عليه السلام) أنا فقال في المرة الثالثة أنت فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب أطع ابنك فقد أمر عليك أورده الثعلبي في تفسيره .
وروي عن أبي رافع هذه القصة وأنه جمعهم في الشعب فصنع لهم رجل شاة فأكلوا حتى تضلعوا وسقاهم عسا فشربوا كلهم حتى رووا ثم قال إن الله تعالى أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين وأنتم عشيرتي ورهطي وإن الله لم يبعث نبيا إلا جعل من أهله أخا ووزيرا ووارثا ووصيا وخليفة في أهله فأيكم يقوم فيبايعني علي أنه أخي ووارثي ووزيري ووصيي ويكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فسكت القوم فقال ليقومن قائمكم أو ليكونن في غيركم ثم لتندمن ثم أعاد الكلام ثلاث مرات فقام علي (عليه السلام) فبايعه وأجابه ثم قال ادن مني فدنا منه ففتح فاه ومج في فيه من ريقه وتفل بين كتفيه وثدييه فقال أبو لهب فبئس ما حبوت به ابن عمك أن أجابك فملأت فاه ووجهه بزاقا فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) ملأته حكمة وعلما .
وعن ابن عباس قال لما نزلت الآية صعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) على الصفا فقال يا صباحاه فاجتمعت إليه قريش فقالوا ما لك فقال أ رأيتكم إن أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم ما كنتم تصدقونني قالوا بلى قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد قال أبو لهب تبا لك أ لهذا دعوتنا جميعا فأنزل الله تعالى تبت يدا أبي لهب وتب إلى آخر السورة وفي قراءة عبد الله بن مسعود وأنذر عشيرتك الأقربين ورهطك منهم المخلصين وروي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) .
{واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} أي ألن جانبك وتواضع لهم وحسن أخلاقك معهم عن أبي زيد وغيره {فإن عصوك} يعني أقاربك إنذارك إياهم وخالفوك فيما تدعوهم إليه {فقل} لهم {إني بريء مما تعملون} أي من أعمالكم القبيحة وعبادتكم الأصنام {وتوكل على العزيز الرحيم} أي فوض أمرك إلى العزيز المنتقم من أعدائه الرحيم بأوليائه ليكفيك كيد أعدائك الذين عصوك فيما أمرتهم به {الذي يريك حين تقوم} أي الذي يبصرك حين تقوم من مجلسك أو فراشك إلى الصلاة وحدك وفي الجماعة وقيل معناه يراك حين تقوم في صلاتك عن ابن عباس وقيل حين تقوم بالليل لأنه لا يطلع عليه أحد غيره وقيل حين تقوم للإنذار وأداء الرسالة .
{وتقلبك في الساجدين} أي ويرى تصرفك في المصلين بالركوع والسجود والقيام والقعود عن ابن عباس وقتادة والمعنى يراك حين تقم إلى الصلاة مفردا وتقلبك في الساجدين إذا صليت في جماعة وقيل معناه وتقلبك في أصلاب الموحدين من نبي إلى نبي حتى أخرجك نبيا عن ابن عباس في رواية عطا وعكرمة وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله صلوات الله عليهما قالا في أصلاب النبيين نبي بعد نبي حتى أخرجه من صلب أبيه من نكاح غير سفاح من لدن آدم (عليه السلام) وروي جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ((لا ترفعوا قبلي ولا تضعوا قبلي فإني أراكم من خلفي كما أراكم من أمامي)) ثم تلا هذه الآية {أنه هو السميع العليم} يسمع ما تتلو في صلاتك ويعلم ما تضمر فيها .
_________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج7 ، ص355-358 .
2- وفي بعض الروايات : ((الجدعة)) ، وفي بعضها : (الجفرة) . وهي من اولاد المعز ما بلغ اربعة اشهر ، وفصل عن امه ، وأخذ في الرعي . والعس : القدح الكبير .
3- أدم الخبز : خلطة بالأدام .
4- القعب : القدح الضخم الغليظ .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :
{فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ} . ظاهر السياق يدل ان الخطاب لرسول اللَّه (صلى الله عليه وآله وسلّم) ، ولكن القصد منه الإخبار بأن كل من يدعو مع اللَّه إلها آخر فهومن المعذبين كائنا من كان .
{وأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} . النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) مأمور بإنذار الناس أجمعين :
{يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ} . وفي الآية 2 من سورة يونس : {أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا} . وخص سبحانه عشيرة الرسول بالذكر لأن المؤدب يبدأ بنفسه ثم بأهله وعشيرته ، ثم بالآخرين ، ولأن عشيرته إذا صدقوه وآمنوا به كانوا عونا له على بث الدعوة وانتشارها .
وقد كثر كلام المسلمين حول هذه الآية ، فقال جماعة من السنة : انه حين نزلت قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله وسلّم) : يا فاطمة ابنة محمد . يا صفية ابنة عبد المطلب .
يا بني عبد اللَّه اعملوا فإني لا أملك لكم من اللَّه شيئا .
وقال الشيعة وجماعة آخرون من السنة ، منهم الإمام أحمد بن حنبل والنسائي والسيوطي وأبو نعيم والبغوي والثعلبي وصاحب السيرة الحلبية وصاحب كنز العمال قالوا وغيرهم : ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عندما نزلت هذه الآية دعا بني عبد المطلب ، وهم يومئذ أربعون رجلا ، فيهم أعمامه أبوطالب وحمزة والعباس وأبو لهب ، وكان قد أولم لهم ، وبعد ان أكلوا وشربوا قال : يا بني عبد المطلب اني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني اللَّه أن أدعوكم إليه ، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم ؟ فأحجم القوم جميعا إلا عليا قال : أنا يا نبي اللَّه . فأخذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) برقبته ، وقال : ان هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا (2) وذكر هذا الحديث محمد حسين هيكل في كتابه {حياة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) في الطبعة الأولى ، وحذفه في الطبعة الثانية .
وقال أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط : (وروي في ذلك أحاديث عن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله وسلّم) . يشير بذلك إلى الأحاديث التي جاء فيها ذكر الإمام علي (عليه السلام) ، والأحاديث التي لم يذكر فيها اسمه . . ولا تنافر وتعارض بين هذه الأحاديث ، فان الجمع بينها ممكن وقريب جدا . . أولم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) للأربعين من عشيرته ، وقال لهم : أيكم يؤازرني على هذا الأمر الخ ، ثم قال لهم بمناسبة ثانية : اني لا أملك لكم من اللَّه شيئا .
{واخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} . تقدم في الآية 88 من سورة الحجر ج 4 ص 490 {فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} . الخطاب لرسول اللَّه (صلى الله عليه وآله وسلّم) والواو في عصوك لعشيرته الذين أنذرهم . والقريب من اللَّه ورسوله من قرّبته التقوى ، والبعيد عنهما من أبعدته المعصية كائنا من كان {وتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} دعهم وشأنهم ان عصوك ، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات ، وتوجه إلى اللَّه وحده في جميع أمورك .
{الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ} إلى التهجد في جوف الليل : {وبِالأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات - 18] {وتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} . قال الشيعة الإمامية :
ان جميع آباء النبي موحدون ، ومن أدلتهم هذه الآية ، حيث فسروها بأن النبي تقلب في أصلاب الموحدين ، واللفظ يتحمل هذا المعنى ، ويتحمل أيضا تفسير من قال : ان اللَّه يراك يا محمد مع المصلين ، وظاهر السياق يدل على هذا التفسير دون ذاك {إِنَّهُ هُو السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} يسمع الأقوال ، ويعلم السرائر والأفعال ، ويجزي عليها ان خيرا فخير ، وان شرا فشرّ .
____________
1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج5 ، ص 521-522 .
2- انظر أعيان الشيعة للأمين ج 3 ص 110 طبعة 1960 ودلائل الصدق للمظفر ج 2 ص 232 طبعة 1953 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :
قوله تعالى : {فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين} خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ينهاه عن الشرك بالله متفرع على قوله : {وما تنزلت به الشياطين} إلخ ، أي إذا كان هذا القرآن تنزيلا من رب العالمين ولم تنزل به الشياطين وهو ينهى عن الشرك ويوعد عليه العذاب فلا تشرك بالله فينالك العذاب الموعود عليه وتدخل في زمرة المعذبين .
وكونه (صلى الله عليه وآله وسلم) معصوما بعصمة إلهية يستحيل معها صدور المعصية منه لا ينافي نهيه عن الشرك فإن العصمة لا توجب بطلان تعلق الأمر والنهي بالمعصوم وارتفاع التكليف عنه بما أنه بشر مختار في الفعل والترك متصور في حقه الطاعة والمعصية بالنظر إلى نفسه ، وقد تكاثرت الآيات في تكليف الأنبياء (عليهم السلام) في القرآن الكريم كقوله في الأنبياء (عليهم السلام) : {وَلَو أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [الأنعام : 88] ، وقوله في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر : 65] ، والآيتان في معنى النهي .
وقول بعضهم : إن التكليف للتكميل فيرتفع عند حصول الكمال وتحققه لاستحالة تحصيل الحاصل خطأ فإن الأعمال الصالحة التي يتعلق بها التكاليف من آثار الكمال المطلوب والكمال النفساني كما يجب أن يكتسب بالإتيان بآثاره ومزاولة الأعمال التي تناسبه والارتياض بها كذلك يجب أن يستبقى بذلك فما دام الإنسان بشرا له تعلق بالحياة الأرضية لا مناص له عن تحمل أعباء التكليف ، وقد تقدم كلام في هذا المعنى في بعض الأبحاث .
قوله تعالى : {وأنذر عشيرتك الأقربين} في مجمع البيان : ، عشيرة الرجل قرابته سموا بذلك لأنه يعاشرهم وهم يعاشرونه انتهى .
وخص عشيرته وقرابته الأقربين بالذكر بعد نهي نفسه عن الشرك وإنذاره تنبيها على أنه لا استثناء في الدعوة الدينية ولا مداهنة ولا مساهلة كما هو معهود في السنن الملوكية فلا فرق في تعلق الإنذار بين النبي وأمته ولا بين الأقارب والأجانب ، فالجميع عبيد والله مولاهم .
قوله تعالى : {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين أي اشتغل بالمؤمنين بك واجمعهم وضمهم إليك بالرأفة والرحمة كما يجمع الطير أفراخه إليه بخفض جناحه لها ، وهذا من الاستعارة بالكناية تقدم نظيره في قوله : { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر : 88] .
والمراد بالاتباع الطاعة بقرينة قوله في الآية التالية : فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون} فملخص معنى الآيتين : إن آمنوا بك واتبعوك فاجمعهم إليك بالرأفة واشتغل بهم بالتربية وإن عصوك فتبرأ من عملهم .
قوله تعالى : {وتوكل على العزيز الرحيم} أي ليس لك من أمر طاعتهم ومعصيتهم شيء وراء ما كلفناك فكل ما وراء ذلك إلى الله سبحانه فإنه لعزته سيعذب العاصين وبرحمته سينجي المؤمنين المتبعين .
وفي اختصاص اسمي العزيز والرحيم إلفات للذهن إلى ما تقدم من القصص ختمت واحدة بعد واحدة بالاسمين الكريمين .
فهو في معنى أن يقال : توكل في أمر المتبعين والعاصين جميعا إلى الله فهو العزيز الرحيم الذي فعل بقوم نوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وقوم فرعون ما فعل مما قصصناه فسنته أخذ العاصين وإنجاء المؤمنين .
قوله تعالى : {الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين} ظاهر الآيتين - على ما يسبق إلى الذهن - أن المراد بالساجدين الساجدون في الصلاة من المؤمنين وفيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في صلاته بهم جماعة ، والمراد بقرينة المقابلة القيام في الصلاة فيكون المعنى : الذي يراك وأنت بعينه في حالتي قيامك وسجودك متقلبا في الساجدين وأنت تصلي مع المؤمنين .
وفي معنى الآية روايات من طرق الشيعة وأهل السنة سنتعرض لها في البحث الروائي الآتي إن شاء الله .
قوله تعالى : {إنه هو السميع العليم} تعليل لقوله : {وتوكل على العزيز الرحيم} وفي الآيات - على ما تقدم من معناها - تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبشرى للمؤمنين بالنجاة وإيعاد للكفار بالعذاب .
_____________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج15 ، ص262-264 .
تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :
وأنذر عشيرتك الأقربين . . .
تعقيباً على الأبحاث الواردة في الآيات السابقة في شأن مواقف المشركين من الإسلام والقرآن . . . فإن الله سبحانه يبيّن لنبيّهِ ـ في الآيات محل البحث ـ منهجه وخطّته في خمسة أوامر ، في مواجهة المشركين . . .
وقبل كل شيء فإن الله يدعو النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الإعتقاد التام بالتوحيد; التوحيد الذي هو أساس دعوات الأنبياء جميعاً . . . يقول سبحانه : {فلا تدع مع الله إلهاً آخر فتكون من المعذبين} . . .
ومع أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) كان من المقطوع به أنّه ينادي إلى التوحيد ولا يمكن أن يُتصور انحرافه عن هذا الأصل . . . إلاّ أنّ أهمية هذه المسألة كانت بحيث أن يكون شخص النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ـ قبل كل شيء ـ مخاطباً بها . ليعرف الآخرون موقفهم . . . ثمّ إن بناء الآخرين يبدأ من بناء شخصية الإنسان نفسهِ . . .
ثمّ يأمره الله في مرحلة اُخرى أن ينطلق إلى مدى أرحب في دعوته قائلا : {وأنذر عشيرتك الأقربين} . (2)
ولا شكَّ أنّه للوصول إلى منهج تغييري ثوري واسع ، لابدّ من الإبتداء من الحلقات الأدنى والأصغر ، فما أحسن أن يبدأ النّبي دعوته من أقربائه وأرحامه ، لأنّهم يعرفون سوابقه النزيهة أكثر من سواهم كما أن علائق القربى والمودّة تستدعي الاصغاء إلى كلامه أكثر من غيرهم ، وأن يكونوا أبعد من سواهم من حيثُ الحسدُ والحقدُ والمخاصمة !
إضافة إلى ذلك فإنّ هذا الأمر يدلّ على أن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ليس لديه أية مداهنة ولا مساومة مع أحد ، ليستثني أقرباءه المشركين عن دعوته إلى التوحيد والحق والعدل ! . . .
وعندما نزلت هذه الآية ، قام النّبي بما ينبغي عليه من أجل تنفيذ هذا الأمر الإلهي ، وسيأتي تفصيل ذلك كله في حقل البحوث بإذن الله . . .
أمّا المرحلة الثّالثة ، فإنّ الله يوصي النّبي في دائرة أوسع فيقول : عليك أن تعامل اتباعك باللطف والمحبة : {واخفض جناحك لمن اتّبعك من المؤمنين} .
وهذا التعبير الجميل الرائع كناية عن التواضع المشفوع بالمحبة واللطف ، كما أن الطيور تخفض أجنحتها لأفراخها محبّة منها لها ، وتجعلها تحت أجنحتها لتكون مصانةً من الحوادث المحتملة ، ولتحفظها من التشتت والتفرّق ! فكذلك الأمر بالنسبة للنّبي إذ أُمرَ أن يخفض جناحه للمؤمنين الصادقين .
وهذا التعبير الرائع ذو المعنى الغزير يبيّن دقائق مختلفة في شأن محبة المؤمنين ، ويمكن إدراكها بأدنى التفاتة ! . . .
وذكر هذه الجملة ـ ضمناً ـ بعد مسألة الإنذار يكشف عن هذه الحقيقة ، وهي إذا كان التعويل على الخشونة في بعض الموارد بمقتضى الضرورات التربوية ، فإنّه وبلا فاصلة يأتي التعويل على المحبّة والعاطفة ليتوفر منهما نمط مناسب . . .
ثمّ تأتي المرحلة الرّابعة وهي أن الاعداء لم يقبلوا دعوتك وعصوا أوامرك . فلا تبتئس ولا تحزن : {فإن عصوك فقل إنّي بريء ممّا تعملون} . . . ليعرفوا موقفك منهم !
والظاهر أنّ الضمير في عصوك ـ يعود على عشيرة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) الأقربين . . . أيْ إذا لم يذعنوا بعد دعوتك إياهم للحق ، وواصلوا شركهم وعنادهم ، فعليك أن تبيّن موقفك منهم ، وهذا التوقع الذي احتمله القرآن حدث فعلا ، كما سنذكر ذلك في البحوث القادمة ، إذ امتنع الجميع عن قبول دعوة النّبي ما عدا علياً(عليه السلام) . . . فبعضهم لاذ بالصمت ، وبعضهم أبدى مخالفته عن طريق الإستهزاء والسخرية . . .
وأخيراً فالأمر الالهي الخامس للنّبي لإكمال مناهجه السابقة ، هو : {وتوكّل على العزيز الرحيم} .
فلا تدع لعنادهم مجالا للتأثير على عزيمتك . . . ولا لقلّة الأعوان والانصار طريقاً لتوهين ارادتك ، فلست وحدك . . . وسندك وملاذك هو الله القادر العزيز الذي لا يقهر ، والرحيم الذي لاحدّ لرحمته . . .
الله الذي سمعت وصفه في ختام قصص الأنبياء بالعزيز الرحيم ! . . .
الله الذي بقدرته أحبط ظلم فرعون وغرور نمرود ، وتمرّد قوم نوح ، وأنانية قوم هود ، واتباع الشهوات لقوم لوط . وكذلك انقذ أنبياءه ورسله الذين كانوا قلّة ، وشملهم برحمته الواسعة .
ذلك الله {الذي يراك حين تقوم وتقلّبك في الساجدين} .
أجل {إنه هو السميع العليم} . . .
وهكذا تذكر الآيات ثلاث صفات لله بعد وصفه بالعزيز الرحيم وكلّ منها يمنح الأمل ويشدّ من عزم النّبي على مواصلة طريقةِ ، إذ أن الله يرى جهوده وأتعابه وحركاته وسكناتهِ ، وقيامه وسجوده وركعاته ! . . .
ذلك الله الذي يسمع صوته .
الله الذي يعلم حاجاته وطلباته حاجته . . . أجل ، فعلى هذا الإله توكل ، وأركن إليه أبداً .
___________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج9 ، ص379-381 .
2 ـ العشيرة مشتقّة من «العشرة» العدد المعروف [10] وحيث أن العشرة تعتبر في نفسها عدداً كاملا ، فقد سمي أقرباء الرجل الذين يكمل بهم عشيرة ، ولعل المعاشرة مأخوذة من هذا المعنى ، لأنّها تجعل الناس بصورة مجموعة كاملة .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|