المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

تقويض البروتينات ونتروجبن الأحماض الأمينية
21-9-2021
مفاهيم الجغرافية التاريخية - المظهر الخارجي المتغير للبيئة عبر الزمن
28-10-2020
إنتاج المعلومات
23-7-2019
الطي والنشر
25-03-2015
الغفلة منه ممتنعة
30-8-2021
زراعة الشمام
2023-03-13


تفسير الاية (65-69) من سورة النحل  
  
16153   06:48 مساءً   التاريخ: 11-8-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف النون / سورة النحل /

 

قال تعالى: {وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66) وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67) وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 65 - 69].

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

أخبر سبحانه عن نعمته على خلقه فقال: { وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} أي: غيثا ومطرا { فأحيا به } أي: بذلك الماء { الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} أحياها بالنبات بعد جدوبها وقحطها { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً } أي: حجة ودلالة { لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} أي: يستصغون أدلة الله ويتفكرون فيها ويعتبرون بها .

ثم عطف سبحانه على ما تقدم من دلائل التوحيد وعجائب الصنعة وبدائع الحكمة بقوله { وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ} يعني الإبل والبقر والغنم { لعبرة } أي: لعظة واعتبارا ودلالة على قدرة الله تعالى { نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا} وروى الكلبي عن ابن عباس قال: إذا استقر العلف في الكرش صار أسفله فرثا وأعلاه دما ووسطه لبنا فيجري الدم في العروق واللبن في الضرع ويبقى الفرث كما هو فذلك قوله { مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا} لا يشوبه الدم ولا الفرث.

 { سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} أي: جائزا في حلوقهم والكبد مسلطة على هذه الأصناف فيقسمها على الوجه الذي اقتضاه التدبير الإلهي بين سبحانه لمن ينكر البعث أن من قدر على إخراج لبن أبيض سائغ من بين الفرث والدم من غير أن يختلط بهما قادر على إخراج الموتى من الأرض من غير أن يختلط شيء من أبدانهم بأبدان غيرهم ثم قال { وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا} قيل: معناه ولكم عبرة فيما أخرج الله لكم من ثمرات النخيل والأعناب عن الحسن وقيل: معناه من ثمرات النخيل والأعناب ما تتخذون منه سكرا والعرب تضمر ما الموصولة كثيرا قال سبحانه: وإذا رأيت ثم رأيت نعيما أي: ما ثم وقيل: إن تقديره ومن ثمرات النخيل والأعناب شيء تتخذون منه سكرا { ورزقا حسنا } فحذف الموصوف لدلالة الصفة عليه والأعناب عطف على الثمرات أي ومن الأعناب شيء تتخذون سكرا وهو كل ما يسكر من الشراب كالخمر .والرزق الحسن ما أحل منهما كالخل والزبيب والرب والرطب والتمر عن ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وقتادة ومجاهد وغيرهم .

وروى الحاكم في صحيحه بالإسناد عن ابن عباس أنه سئل عن هذه الآية فقال السكر ما حرم من ثمرها والرزق الحسن ما أحل من ثمرها قال قتادة نزلت الآية قبل تحريم الخمر ونزل تحريمها بعد ذلك في سورة المائدة قال أبو مسلم ولا حاجة إلى ذلك سواء كان الخمر حراما أم لم يكن لأنه تعالى خاطب المشركين وعدد إنعامه عليهم بهذه الثمرات والخمر من أشربتهم فكانت نعمة عليهم وقيل إن المراد بالسكر ما يشرب من أنواع الأشربة مما يحل والرزق الحسن ما يؤكل والحسن اللذيذ عن الشعبي والجبائي فالمعنى تتخذون منه أصنافا من الأشربة والأطعمة.

 وقد أخطأ من تعلق بهذه الآية في تحليل النبيذ لأنه سبحانه إنما أخبر عن فعل كانوا يتعاطونه فأي رخصة في هذا اللفظ والوجه فيه أنه سبحانه أخبر أنه خلق هذه الثمار لينتفعوا بها فاتخذوا منها ما هو محرم عليهم ولا فرق بين قوله هذا وبين قوله تتخذون أيمانكم دخلا بينكم { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً } أي: دلالة ظاهرة { لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} عن الله تعالى ذلك ويتفكرون فيه بين الله سبحانه بذلك أنكم تستخرجون من الثمرات عصيرا يخرج من قشر قد اختلط به فكذلك الله يستلخص ما تبدد من الميت مما هو مختلط به من التراب { وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} أي: ألهمها إلهاما عن الحسن وابن عباس ومجاهد وقيل: جعل ذلك في غرائزها بما يخفى مثله عن غيرها عن الحسن قال أبوعبيدة الوحي في كلام العرب على وجوه منها وحي النبوة ومنها الإلهام ومنها الإشارة ومنها الكتاب ومنها الإسرار فوحي النبوة في قوله أويرسل رسولا فيوحي بإذنه والإلهام في قوله { وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} و{ أوحينا إلى أم موسى } والإشارة في قوله فأوحى إليهم أن سبحوا قال مجاهد معناه أشار إليهم وقال الضحاك: كتب لهم والإسرار في قوله { يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا }.

 وأصل الوحي عند العرب أن يلقي الإنسان إلى صاحبه شيئا بالاستتار والإخفاء وأما ما روي عن ابن عباس أنه قال لا وحي إلا القرآن فإن المراد به أن القرآن هو الوحي الذي نزل به جبرائيل على محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) دون أن يكون أنكر ما قلناه ويقال أوحي له وأوحي إليه قال العجاج :أوحي لها القرار فاستقرت والمعنى أن الله تعالى ألهم النحل اتخاذ المنازل والمساكن والأوكار والبيوت في الجبال والشجر وغير ذلك وتقديره { أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا} للعسل ولا يقدر على مثلها أحد.

 { وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} أي: ومن الكرم لأنه الذي يعرش ويتخذ منه العريش وفيه لغتان يعرشون ويعرشون بضم الراء وكسرها وقد قرىء بهما وقيل معنى يعرشون يبنون والعرش سقف البيت عن الكلبي والمعنى ما يبني الناس لها من خلاياها التي تعسل فيها ولولا إلهام الله إياها ما كانت تأوي إلى ما بني لها من بيوتها وإنما أتى بلفظ الأمر وإن كانت النحل لا تعقل الأمر ولا تكون مأمورة لأنه لما أتى بلفظ الوحي أجري عليه لفظ الأمر اتساعا { ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} أي من أنواع الثمرات من أي ثمرة شئت { فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ} أي فادخلي سبل ربك التي جعلها الله لك { ذللا } أي مذللة موطأة للسلوك واسعة يمكن سلوكها فيكون قوله { ذللا } صفة للسبل وهي منصوبة على الحال وهو قول مجاهد وقيل ذللا أي مطيعة لله منقادة مسخرة ويكون من صفة النحل عن قتادة.

 { يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ } وهو العسل فإن ألوانه مختلفة لأن منه ما هو شديد البياض ومنه ما هو أصفر ومنه ما يضرب إلى الحمرة وذلك أن النحل تتناول ألوانا مختلفة من النبات والزهر فيجعلها الله تعالى عسلا على ألوان مختلفة يخرج من بطونها إلا أنها تلقيه من أفواهها كالريق الذي يخرج من فم ابن آدم وإنما قال سبحانه { من بطونها } ولم يقل من فيها لئلا يظن أنها تلقيه من فيها ولم يخرج من بطنها { فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ } من الأدواء عن قتادة وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال عليكم بالشفاءين القرآن والعسل وقيل معناه فيه شفاء للأوجاع التي شفاؤها فيه عن السدي والحسن وروي عن مجاهد أن الهاء في فيه راجعة إلى القرآن أي القرآن فيه شفاء للناس يعني ما فيه من الحلال والحرام والفتيا والأحكام والأول قول أكثر المفسرين وهو الأقوى إذ لم يسبق للقرآن ذكر.

 وفي النحل والعسل وجوه من الاعتبار منها اختصاصه بخروج العسل من فيه ومنها جعل الشفاء من موضع السم فإن النحل يلسع ومنها ما ركب الله من البدائع والعجائب فيه وفي طباعه ومن أعجبها أن جعل سبحانه لكل فئة يعسوبا هو أميرها يقدمها ويحامي عنها ويدبر أمرها ويسوسها وهي تتبعه وتقتفي أثره ومتى فقدته انحل نظامها وزال قوامها وتفرقت شذر مذر وإلى هذا المعنى فيما قال أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله أنا يعسوب المؤمنين.

 { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} معناه إن فيما ذكرناه من بدائع صنع الله تعالى دلالة بينة لمن تفكر فيه.

_________________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص172-177.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ واللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } سماع تدبر وتعقل للماء وفوائده ، وهذه الآية والتي بعدها من الآيات الكونية التي كررها القرآن بقصد التنبيه إلى دلائل التوحيد والبعث ، ومرت هذه الآية بسورة البقرة الآية 22 و164 ، وسورة الأنعام الآية 99 ، وسورة الرعد الآية 19 ، وسورة إبراهيم الآية 32 ، وبالسورة التي نفسرها الآية 10 .

{ وإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ ودَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ } . ذكر سبحانه بعض فوائد الأنعام في الآية 142 من سورة الأنعام : « ومن الأنعام حمولة وفرشا » وقال في الآية 80 من سورة النحل ،

وهي السورة التي نفسرها : « وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين » . وأجمع الآيات لفوائد الأنعام ما مر مع التفسير في أول هذه السورة ، وهوقوله تعالى : « والأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ ومَنافِعُ ومِنْها تَأْكُلُونَ ولَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وحِينَ تَسْرَحُونَ وتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الأَنْفُسِ » .

وذكر ، جلت حكمته ، هنا من فوائد الأنعام اللبن بالخصوص ، وقال : انه يخرج من بطون بعض الأنعام أي الإناث - أنظر فقرة « الإعراب » - وانه مستخلص من بين فرث ودم ، والفرث ما يبقى في الكرش بعد الهضم ، ويقول العارفون : ان الحيوان يأكل النبات ، وبعد الهضم تطرد أمعاؤه الفضلات الضارة إلى الخارج ، وتمتص العصارة النافعة التي تتحول إلى دم يسري في العروق والغدد حتى إذا وصل بعض هذا الدم إلى الغدد التي في الضرع تحوّل إلى لبن خالص سائغ للشاربين .

{ ومِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ والأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً ورِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } . الظاهر من السكر هنا كل شراب مسكر خمرا كان أوغيره . . ولكن الآية لا تومئ من قريب أوبعيد إلى حكم المسكر ، وانه كان حين نزول هذه الآية حلالا أوحراما ، وانما حكت الآية عن عادة الناس من أنهم يتخذون من ثمرات النخيل والأعناب شرابا مسكرا ، أما الرزق الحسن فالمراد به التمر والرطب والزبيب والعنب والخل والرب ، وما إلى ذلك . وجاء في بعض الروايات ان المقصود بالسكر في الآية ما كان حراما وبالرزق ما كان حلالا . .

وتكلمنا مفصلا عن الدليل على تحريم الخمر عند تفسير الآية 219 من سورة البقرة ج 1 ص 328 . وفي الجزء الرابع من كتاب فقه الإمام جعفر الصادق ، باب الأطعمة والأشربة .

{ وأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ } المراد بالوحي هنا الفطرة التي منحها اللَّه للنحل { أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً ومِنَ الشَّجَرِ ومِمَّا يَعْرِشُونَ } أي مما يرفع الناس من الكروم ، قال الرازي : النحل نوعان : نوع يسكن في الجبال والغياض ، ولا يتعهده أحد من الناس ، وهوالمراد بقوله : « ان اتخذي من الجبال بيوتا ومن  الشجر » ونوع يسكن بيوت الناس ، ويكون في تعهدهم ، وهو المراد بقوله « ومما يعرشون » .

{ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ } والزهر والنبات التي تشتهين { فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا } ادخلي الطرق التي ذللها وعبدها اللَّه لك { يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ } وهو العسل تلقيها من الفم كالريق { مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ } بياضا وحمرة وصفرة تبعا للمرعى { فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ } كفقر الدم ، وسوء الهضم ، والتهاب الفم والرئة والمثانة ، وأمراض الكبد ، وما إلى ذلك مما ذكره الأطباء { إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } في خلق اللَّه وما فيه من بدائع وعجائب تدل على وجود حكيم عليم .

وقد وضع أهل الاختصاص المؤلفات في تدبير النحل وتعاونها ونظامها المحكم في عيشها وبناء بيوتها والدفاع عن نفسها ، وأشرنا فيما سبق إلى أنه اكتشف مؤخرا ان النحل عندما ترتفع درجة الحرارة يبدأ البعض منها بنقل الماء في خراطيمه بينما يقوم البعض الآخر برشه داخل الخلية ، ويهز البعض الآخر أجنحته ليصنع تيارات من الهواء ، فيتبخر بسرعة ، ومع التبخر تنخفض درجة الحرارة . وهذا المثال وحده يعني عن كل ما كتب في هذا الباب .

__________

1- التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية،ج4، صفحه 527-529.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

رجوع بعد رجوع إلى عد النعم والآلاء الإلهية واستنتاج التوحيد والبعث منها والإشارة إلى مسألة التشريع وهي النبوة.

قوله تعالى:{ وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } إلخ، يريد إنبات الأرض بعد ما انقطعت عنه بحلول الشتاء بماء السماء الذي هو المطر فتأخذ أصول النباتات وبذورها في النموبعد سكونها، وهي حياة من سنخ الحياة الحيوانية وإن كانت أضعف منها، وقد اتضح بالأبحاث الحديثة أن للنبات من جراثيم الحياة ما للحيوان وإن اختلفتا صورة وأثرا.

وقوله:{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } المراد بالسمع قبول ما من شأنه أن يقبل من القول فإن العاقل الطالب للحق إذا سمع ما يتوقع فيه الحق أصغى واستمع إليه ليعيه ويحفظه، قال تعالى:{ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}: الزمر: 18.

فإذا ذكر من فيه قريحة قبول الحق حديث إنزال الله المطر وإحيائه الأرض بعد موتها كان له في ذلك آية للبعث وأن الذي أحياها لمحيي الموتى.

قوله تعالى:{ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً} إلخ} الفرث هو الثفل الذي ينزل إلى الكرش والأمعاء فإذا دفع فهو سرجين وليس فرثا، والسائغ اسم فاعل من السوغ يقال: ساغ الطعام والشراب إذا جرى في الحلق بسهولة.

وقوله:{ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً } أي لكم في الإبل والبقر والغنم لأمرا أمكنكم أن تعتبروا به وتتعظوا ثم بين ذلك الأمر بقوله:{ نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ} إلخ، أي بطون ما ذكر من الأنعام أخذ الكثير شيئا واحدا.

وقوله:{ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ } الفرث في الكرش وألبان الأنعام مكانها مؤخر البطن بين الرجلين، والدم مجراه الشرايين والأوردة وهي محيطة بهما جميعا فأخذ اللبن شيئا هو بين الفرث والدم كأنه باعتبار مجاورته لكل منهما واجتماع الجميع في داخل الحيوان وهذا كما يقال، اخترت زيدا من بين القوم ودعوته وأخرجته من بينهم إذا اجتمع معهم في مكان واحد وجاورهم فيه وإن كان جالسا في حاشية القوم لا وسطهم، والمراد بذلك أني ميزته من بينهم وقد كان غير متميز.

والمعنى: نسقيكم مما في بطونه لبنا خارجا من بين فرث ودم خالصا غير مختلط ولا مشوب بهما ولا مستصحب لشيء من طعمهما ورائحتهما سائغا للشاربين فذلك عبرة لمن اعتبر وذريعة إلى العلم بكمال القدرة ونفوذ الإرادة، وأن الذي خلص اللبن من بين فرث ودم لقادر على أن يبعث الإنسان ويحييه بعد ما صار عظاما رميما وضلت في الأرض أجزاؤه.

قوله تعالى:{ وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا } إلى آخر الآية، قال في المفردات: السكر - بضم السين - حالة تعرض بين المرء وعقله - إلى أن قال - والسكر - بفتحتين - ما يكون منه السكر، قال تعالى:{ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا } انتهى.

وقال في المجمع السكر في اللغة على أربعة أوجه: الأول ما أسكر من الشراب، والثاني ما طعم من الطعام، قال الشاعر:{جعلت عيب الأكرمين سكرا} أي جعلت ذمهم طعما لك، والثالث السكون ومنه ليلة ساكرة أي ساكنة، قال الشاعر:(وليست بطلق ولا ساكرة) ويقال: سكرت الريح سكنت، قال:(وجعلت عين الحرور تسكر)، والرابع المصدر من قولك: سكر سكرا ومنه التسكير التحيير في قوله:{سكرت أبصارنا} انتهى.

والظاهر أن الأصل في معناه هو زوال العقل باستعمال ما يوجب ذلك، وسائر ما ذكره من المعاني مأخوذة منه بنوع من الاستعارة والتوسع.

وقوله:{ وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ} إما جملة اسمية معطوفة على قوله:{ وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءًء} كقوله في الآية السابقة:{ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً}، والتقدير: ومن ثمرات النخيل والأعناب ما - أوشيء(2) - تتخذون منه إلخ، قالوا: والعرب ربما يضمر ما الموصولة كثيرا، ومنه قوله تعالى:{ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا }: الانسان: 20، والتقدير رأيت ما ثم، أو التقدير ومن ثمرات النخيل والأعناب شيء تتخذون منه، بناء على عدم جواز حذف الموصول وإبقاء الصلة على ما ذهب إليه البصريون من النحاة.

وإما جملة فعلية معطوفة على قوله:{أنزل من السماء}، كما في الآية التالية:{وأوحى ربك} والتقدير خلق لكم أوآتاكم من ثمرات النخيل والأعناب، وقوله:{تتخذون منه} إلخ، بدل منه أواستئناف كأن قائلا يقول: ما ذا نستفيد منه فقيل: تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا، وإفراد ضمير{منه} بتأويل المذكور كقوله:{مما في بطونه} في الآية السابقة.

وقوله:{ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا } أي تتخذون مما ذكر من ثمرات النخيل والأعناب ما هو مسكر كالخمر بأنواعها ورزقا حسنا كالتمر والزبيب والدبس وغير ذلك مما يقتات به.

ولا دلالة في الآية على إباحة استعمال السكر ولا على تحسين استعماله إن لم تدل على نوع من تقبيحه من جهة مقابلته بالرزق الحسن وإنما الآية تعد ما ينتفعون به من ثمرات النخيل والأعناب وهي مكية تخاطب المشركين وتدعوهم إلى التوحيد.

وعلى هذا فالآية لا تتضمن حكما تكليفيا حتى تكون منسوخة أوغير منسوخة وبه يظهر فساد القول بكونها منسوخة بآية المائدة كما نسب إلى قتادة.

وقد أغرب صاحب روح المعاني إذ قال: وتفسير السكر بالخمر هو المروي عن ابن مسعود وابن عمر، وأبي رزين والحسن ومجاهد والشعبي والنخعي وابن أبي ليلى وأبي ثور والكلبي وابن جبير مع خلق آخرين، والآية نزلت في مكة والخمر إذ ذاك كانت حلالا يشربها البر والفاجر، وتحريمها إنما كان بالمدينة اتفاقا، واختلفوا في أنه قبل أحد أوبعدها والآية المحرمة لها:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ }، على ما ذهب إليه جمع فما هنا منسوخ بها وروى ذلك غير واحد ممن تقدم كالنخعي وأبي ثور وابن جبير.

وقيل: نزلت قبل ولا نسخ بناء على ما روي عن ابن عباس أن السكر هو الخل بلغة الحبشة أوعلى ما نقل عن أبي عبيدة أن السكر المطعوم المتفكه به كالنقل وأنشد)جعلت أعراض الكرام سكرا) - إلى أن قال - وإلى عدم النسخ ذهب الحنفيون وقالوا: المراد بالسكر ما لا يسكر من الأنبذة واستدلوا عليه بأن الله تعالى امتن على عباده بما خلق لهم من ذلك، ولا يقع الامتنان إلا بمحلل فيكون ذلك دليلا على جواز شرب ما دون المسكر من النبيذ فإذا انتهى إلى السكر لم يجز انتهى موضع الحاجة.

أما ما ذكره في الخمر فقد فصلنا القول في ذلك في ذيل آيات التحريم من سورة المائدة، وأقمنا الشواهد هناك على أن الخمر كانت محرمة قبل الهجرة وكان الإسلام معروفا بتحريمها وتحريم الزنا عند المشركين عامتهم، وأن تحريمها نزل في سورة الأعراف وقد نزلت قبل سورة النحل قطعا، وفي سورتي البقرة والنساء وقد نزلتا قبل سورة المائدة.

وأن التي نزلت في المائدة إنما نزلت لتشديد الحرمة وزجر بعض المسلمين حيث كانوا يتخلفون عن حكم التحريم كما وقع في الروايات وهو الذي يشير إليه بقوله: يشربها البر والفاجر وفي لفظ الآيات دلالة على ذلك إذ يقول:{فهل أنتم منتهون}.

وأما ما نقله عن ابن عباس أن السكر في لغة الحبشة بمعنى الخل فلا معول عليه، واستعمال اللفظ غير العربي وإن كان غير عزيز في القرآن كما قيل في إستبرق وجهنم وزقوم وغيرها لكنه إنما يجوز فيما لم يكن هناك مانع من لبس أو إبهام، وأما في مثل السكر وهو في اللغة العربية الخمر وفي الحبشية الخل فلا وكيف يجوز أن ينسب إلى أبلغ الكلام أنه ترك الخل وهو عربي جيد واستعمل مكانه لفظة حبشية تفيد في العربية ضد معناها؟ وأما ما نسبه إلى أبي عبيدة فقد تقدم ما عليه في أول الكلام فراجع.

وأما ما نسبه إلى الحنفية من أن المراد بالسكر النبيذ وأن الآية تدل على جواز شرب القليل منه ما لم يصل إلى حد الإسكار لمكان الامتنان ففيه أن الآية لا تدل على أكثر من أنهم يتخذون منه سكرا، وأما الامتنان عليهم بذلك فبمعزل من دلالة الآية وإنما عد من النعم ثمرات النخيل والأعناب لا كل ما عملوا منها من حلال وحرام ولوكان في ذلك امتنان لم يقابله بالرزق الحسن الدال بمقابلته على نوع من العتاب على اتخاذهم منه سكرا كما اعترف به البيضاوي وغيره.

على أن ما في الآية من لفظ السكر غير مقيد بكونه نبيذا أو خمرا ولا قليلا لا يبلغ حد الإسكار ولا غيره فلو كان اتخاذ السكر متعلقا للامتنان الدال على الجواز لكانت الآية صريحة في حلية الجميع ثم لم يقبل النسخ أصلا فإن لسان الامتنان لا يقبل أمدا يرتفع بعده، كيف يجوز أن يعد الله شيئا من نعمه ويمتن على الناس به ثم يعده بعد برهة رجسا ومن عمل الشيطان كما في آية المائدة إلا بالبداء بمعناه المستحيل عليه تعالى.

ثم ختم سبحانه الآية بقوله:{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } حثا على التعقل والإمعان في أمر النبات وثمراته.

قوله تعالى:{ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا} إلى آخر الآيتين، الوحي - كما قال الراغب - الإشارة السريعة وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز أوبصوت مجرد عن التركيب أوبإشارة ونحوها، والمحصل من موارد استعماله أنه إلقاء المعنى بنحويخفى على غير من قصد إفهامه فالإلهام بإلقاء المعنى في فهم الحيوان من طريق الغريزة من الوحي وكذا ورود المعنى في النفس من طريق الرؤيا أومن طريق الوسوسة أوبالإشارة كل ذلك من الوحي، وقد استعمل في كلامه تعالى في كل من هذه المعاني كقوله:{ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} الآية، وقوله:{ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى}: القصص: 7، وقوله:{ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ }: الأنعام: 121، وقوله:{ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا }: مريم: 11، ومن الوحي التكليم الإلهي لأنبيائه ورسله، قال تعالى:{ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا}: الشورى: 51، وقد قرر الأدب الديني في الإسلام أن لا يطلق الوحي على غير ما عند الأنبياء والرسل من التكليم الإلهي.

قال في المجمع: والذلل جمع الذلول، يقال: دابة ذلول بين الذل ورجل ذلول بين الذل والذلة. انتهى.

وقوله:{ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ } أي ألهمه من طريق غريزته التي أودعها في بنيته، وأمر النحل وهو زنبور العسل في حياته الاجتماعية وسيرته وصنعته لعجيب، ولعل بداعة أمره هو الموجب لصرف الخطاب عنهم إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ قال:{وأوحى ربك}.

وقوله:{ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ } هذا من مضمون الوحي الذي أوحي إليه، والظاهر أن المراد بما يعرشون هو ما يبنون لبيوت العسل.

وقوله:{ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ } الأمر بأن تأكل من كل الثمرات مع أنها تنزل غالبا على الأزهار إنما هولأنها إنما تأكل من مواد الثمرات أول ما تتكون في بطون الأزهار ولما تكبر وتنضج.

وقوله:{ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا } تفريعه على الأمر بالأكل يؤيد أن المراد به رجوعها إلى بيوتها لتودع فيها ما هيأته من العسل المأخوذ من الثمرات وإضافة السبل إلى الرب للدلالة على أن الجميع بإلهام إلهي.

وقوله:{ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ } إلخ، استئناف بعد ذكر جملة ما أمرت به يبين فيه ما يترتب على مجاهدتها في امتثال أمر الله سبحانه ذللا وهوأنه يخرج من بطونها أي بطون النحل{شراب} وهو العسل{مختلف ألوانه} بالبياض والصفرة والحمرة الناصعة وما يميل إلى السواد{ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ } من غالب الأمراض.

وتفصيل القول في حياة النحلة هذه الحشرة الفطنة التي بنت حياتها على مدنية عجيبة فاضلة لا تكاد تحصى غرائبها ولا يحاط بدقائقها ثم الذي تهيئه ببالغ مجاهدتها وما يشتمل عليه من الخواص خارج عن وسع هذا الكتاب فليراجع في ذلك مظان تحقيقه.

ثم ختم الآية بقوله:{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } وقد اختلف التعبير بذلك في هذه الآيات فخص الآية في إحياء الأرض بعد موتها بقوم يسمعون، وفي ثمرات النخيل والأعناب بقوم يعقلون، وفي أمر النحل بقوم يتفكرون.

ولعل الوجه في ذلك أن النظر في أمر الموت والحياة بحسب طبعه من العبرة والموعظة، وهي بالسمع أنسب، والنظر في الثمرات من حيث ما ينفع الإنسان في وجوده من السير البرهاني من مسلك اتصال التدبير وارتباط الأنظمة الجزئية ورجوعها إلى نظام عام واحد لا يقوم إلا بمدبر واحد وهو للعقل أنسب، وأمر النحل في حياتها يتضمن دقائق عجيبة لا تنكشف للإنسان إلا بالإمعان في التفكر فهوآية للمتفكرين.

وقد أشرنا سابقا إلى ما في آيات السورة من مختلف الالتفاتات، وعمدتها في هذه الآيات ترجع إلى خطاب المشركين رحمة لهم وإشفاقا بحالهم وهم لا يعلمون، والإعراض عن مخاطبتهم لكفرهم وجحودهم إلى خطاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا ظاهر مشهود في آيات السورة فلا يزال الخطاب فيها يتقلب بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين المشركين فيتحول منه إليهم ومنهم إليه.

______________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج12،ص235-240.

2- الترديد مبني على المذهبين في حذف الموصول كما سيأتي.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

المياه، الثمار، الأنعام:

مرّة أُخرى، يستعرض القرآن الكريم النعم والعطايا الإِلهية الكثيرة، تأكيداً لمسألة التوحيد ومعرفة اللّه، وإِشارة إِلى مسألة المعاد، وتحريكاً لحس الشكر لدى العباد ليتقربوا إِليه سبحانه أكثر، ومن خلال هذا التوجيه الرّباني تتّضح علاقة الربط بين هذه الآيات وما سبقها من آيات.

فالآية الأخيرة من الآيات السابقة تناولت مسألة نزول القرآن وما فيه من حياة لروح الإِنسان، وبنفس السياق تأتي الآية الأُولى من الآيات مورد البحث لتتناول نزول الأمطار وما فيها من حياة لجسم الإِنسان: { وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}.

لقد تناولت آيات قرآنية كثيرة مسألة إِحياء الأرض بواسطة نزول الأمطار من السماء، فكم من أرض يابسة أو ميتة أحياناً أو أصابها الجفاف فأخرجها عن مجال الإِستفادة من قبل الإِنسان، ونتيجة لما وصلت إِليه من وضع قد يخيل للإِنسان أنّها أرض غير منبتة أصلا، ولا يصدّق بأنّها ستكون أرض معطاء مستقبلا ـ ولكنّ، بتوالي سقوط المطر عليها وما يبث عليها من أشعة الشمس، ترى وكأنّها ميت قد تحرك حينما تدب فيه الروح من جديد، فتسري في عروقها دماء المطر وتعادلها الحياة، فتعمل بحيويه ونشاط وتقدم أنواع الورود والنباتات، ومن ثمّ تتجه إِليها الحشرات والطيور وأنواع الحيوانات الأُخرى من كل جانب، وبذلك...تبدأ عجلة الحياة على ظهرها بالدوران من جديد.

وخلاصة المقال أنّه سيبقى الإِنسان مبهوتاً أمام تحول الأرض الميتة إِلى مسرح جديد للحياة، وهذا بحق من أعظم عجائب الخلقة.

وهذا المظهر من مظاهر قدرة وعظمة الخالق عزَّوجلّ يدلل بما لا يقبل الشك على إِمكان المعاد، وما ارتداء الأموات لباس الحياة الجديد إِلاّ أمر خاضع لقدرته سبحانه.

وإِنّ نعمة الأمطار (التي لا يتحمل الإِنسان أي قسط من أمر إِيجادها) دليل آخر على قدرة وعظمة الخالق سبحانه.

وبعد ذكر نعمة الماء (الذي يعتبر الخطوة الأُولى على طريق الحياة) يشير القرآن الكريم إِلى نعمة وجود الأنعام، وبخصوص ما يؤخذ منها من اللبن كمادة غذائية كثيرة الفائدة، فيقول: { وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً}.

وأية عبرة أكثر من أنْ: { نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ}.

«الفرث» لغةً: بمعنى الأغذية المهضومة في المعدة والتي بمجرّد وصولها إِلى الامعاء تزود البدن بمادتها الحياتية، بينما يدفع الزائد منها إِلى الخارج.. فما يهضم من غذاء داخل المعدة يسمّى «فرثاً» وما يدفع إِلى الخارج يسمّى (روثاً).

ونعلم بأنّ جدار المعدة لا يمتص إِلاّ مقداراً قليلا من الغذاء (كبعض المواد السكرية) والقسم الأكبر منه ينتقل إِلى الأمعاء كي يمتص الدم ما يحتاجه منه.

وكما نعلم أيضاً بأنّ اللبن يترشح من غدد خاصّة داخل ثدي الإِناث، ومادته الأصلية تؤخذ من الدم والغدد الدهنية.

فهذه المادة الناصعة البياض ذات القوّة الغذائية العالية تنتج من الأغذية المهضومة المخلوطة بالفضلات، ومن الدم.

والعجب يكمن في استخلاص هذا النتاج الخالص الرائع من عين ملوثة!

وبعد حديثه عن الأنعام وألبانها يتناول القرآن ذكر النعم النباتية، فيقول: { وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.

«السكر» لغةً، له معاني مختلفة، إِلاّ أنّه هنا بمعنى: المسكرات والمشروبات الكحولية (وهو المعنى المشهور من تلك المعاني).

وممّا لا يقبل الشك أنّ القرآن لا يجيز في هذه الآية صنع المسكرات من التمر والعنب أبداً، وإِنّما جاء ذكر المسكرات هنا لمقابلته بـ (رزقاً حسناً) وكإِشارة صغير لتحريم الخمر ونبذه. وعلى هذا .. فلا حاجة للقول بأنّ هذه الآية نزلت قبل تحريم الخمر أو أنّها تشير إِلى تحليله، بل حقيقة التعبير القرآني يشير إِلى التحريم، ولعل الآية كانت تمثل الإِنذار الأوّل للتحريم.

وقد تبدو العبارة وكأنّها جملة اعتراضية بين قوسين داخل الآية القرآنية.

{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ}!

انتقل الأسلوب القرآني بهاتين الآيتين من عرض النعم الإِلهية المختلفة وبيان أسرار الخليقة إِلى الحديث عن «النحل» وما يدره من منتوج (العسل) ورمز إِلى ذلك الالهام الخفي بالوحي الإِلهي إِلى النحل: {أن اتّخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر وممّا يعرشون}.

وفي الآية المباركة جملة تعبيرات تستدعي التوقف والدقّة:

1 ـ ما هو «الوحي»

«الوحي» في الإصل (كما يقول الراغب في مفرداته) بمعنى الإِشارة السريعة، ثمّ بمعنى الالقاء الخفى.

وقد جاءت كلمة «الوحي» في القرآن الكريم لترمز إِلى عدّة أشياء، ولكنّها بالنتيجة تعود لذلك المعنى، منها:

وحي النّبوة: حيث نلاحظ وروده في القرآن بهذا المعنى كثيراً. كما في الآية (51) من سورة الشورى: { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا...}.

ومنها: الوحي بمعنى «الإِلهام» سواء كان الملُهَم منتبهاً لذلك (كما في الإِنسان { وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ }(القصص،7)، أو مع عدم انتباه المُلهم كالإِلهام الغريزي (كما في النحل) وهو ما ورد في الآية مورد البحث.

ومن المعروف أنّ الوحي في هذا المورد يعني الأمر الغريزي والباعث الباطني الذي أودعه اللّه في الكائنات الحيّة.

ومنها: أنّ الوحي بمعنى الإِشارة، كما ورد في قصّة زكريا في الآية (11) من سورة مريم { فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا }.

ومنها أيضاً: إِيصال الرسالة بشكل خفي، كما في الآيه (112) من سورة الأنعام { يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا }.

2 ـ هل يختص الإِلهام الغريزي بالنحل؟

وإِذا كان وجود الغرائز (الإِلهام الغريزي) غير منحصر بالنحل دون جميع الحيوانات، فلماذا ورد ذكره في الآية في النحل خاصّة؟

والإِجابة على السؤال تتّضح من خلال المقدمة التالية: إِنّ الدراسة الدقيقة التي قام بها العلماء بخصوص حياة النحل، قد أثبتت أنّ هذه الحشرة العجيبة لها من التمدن والحياة الإِجتماعية المدهشة ما يشبه لحد كبير الجانب التمدني عند الإِنسان وحياته الإِجتماعية، من عدّة جهات.

وقد توصل العلماء اليوم لاكتشاف الكثير من أسرار حياة هذه الحشرة والتي أوصلتهم بقناعة تامة إِلى توحيد الخالق والإِذعان لربوبيته سبحانه وتعالى.

وأشار القرآن الكريم إِلى ذلك الإِعجاز بكلمة «الوحي» ليبيّن أنّ حياة النحل لا تقاس بحياة الأنعام، وليدفعنا للتعمق في عالم أسرار هذه الحشرة العجيبة، ولنتعرف من خلالها على عظمة وقدرة خالقها، ولعل «الوحي» هو التعبير الرمزي الذي اختصت به هذه الآية نسبة إِلى الآيات السابقة.

3 ـ المهمّة الأُولى في حياة النحل:

وأوّل مهمّة أمر بها النحل في هذه الآية هي: بناء البيت، ولعل ذلك إِشارة إِلى أن اتّخاذ المسكن المناسب بمثابة الشرط الأوّل للحياة، ومن ثمّ القيام ببقية الفعاليات، أو لعله إِشارة إِلى ما في بيوت النحل من دقة ومتانة، حيث أن بناء البيوت الشمعية والسداسية الأضلاع، والتي كانت منذ ملايين السنين وفي أماكن متعددة ومختلفة، قد يكون أعجب حتى من عمليه صنع العسل(2).

فكيف تضع هذه المادة الشمعيه الخاصة؟ وكيف تبني الخلايا السداسية بتلك الهندسة الدقيقة؟ وبيوت النحل ذات هيئة وأبعاد محسوبة بدقة فائقة وذات زوايا متساوية تماماً، ومواصفاتها تخلو من أية زيادة أو نقصان..

فقد اقتضت الحكمة الربانية من جعل بيوت النحل في أفضل صورة وأحسن اختيار وأحكم طبيعة، وسبحان اللّه خالق كل شيء.

4ـ اين مكان النحل:

وقد عيّنت الآية المباركة مكان بناء الخلايا في الجبال، وبين الصخور وانعطافاتها المناسبة، وبين أغصان الإشجار، وأحياناً في البيوت التي يصنعها لها الإِنسان.

ويستفاد من تعبير الآية أن خلايا النحل يجب أن تكون في نقطة مرتفعة من الجبل أو الشجرة أو البيوت الصناعية ليستفاد منها بشكل أحسن.

ويذكر القرآن الكريم في الآية التالية المهمّة الثّانية للنحل: { ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا }.

«الذلل»: (جمع ذلول) بمعنى التسليم والإِنقياد.

ووصف الطرق بالذلل لأنّها قد عينت بدقّة لتكون مسلمة ومنقادة للنحل في تنقله، وسنشير إِلى كيفية ذلك قريباً.

وأخيراً يعرض القرآن المهمّة الأخيرة للنحل (كنتيجة لما قامت به من مهام سابقة): { يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} في طبيعة حياتها وما تعطيه من غذاء للإِنسان {فيه شفاء}، وهو دليل على عظمة وقدرة الباري عزَّوجلّ.

_______________

1- تفسير الامثل،ناصر مكارم الشيرازي،ج7،ص93-101.

2 ـ عُرِفَ لحد الآن (4500) نوعاً من النحل الوحشي، والعجيب أنّها في حال واحدة من حيث: الهجرة، بناء الخلايا، المكان، تناول رحيق الأزهار، أوّل جامعة، الجزء الخامس.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .