أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-8-2016
1560
التاريخ: 9-8-2016
1909
التاريخ: 8-8-2016
1746
التاريخ: 16-10-2016
1869
|
والتكلّم في هذا الباب تارة في مادّة الأمر واخرى في صيغته.
فنقول: قد ذكر للمادّة معان كالفعل كما في قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} [هود: 97]، والمطلب العظيم كما في قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا} [هود: 66]إلى غير ذلك، والبحث في ذلك وأنّ مرجعها إلى معنى واحد أو معنيين لا جدوى تحته.
نعم الظاهر أنّ كونها حقيقة في الوجوب ممّا لا شكّ فيه بحكم تبادره منه، وممّا يرادفه في الفارسيّة من لفظ «فرمان» مع إمكان الاستشهاد بقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف: 12] حيث رتّب التوبيخ على مجرّد مخالفة الامر، وقوله صلى اللّه عليه وآله: «لو لا أن أشق على امّتي لأمرتهم بالسواك» ونحوهما.
لنا دعويان في لفظ الأمر بمعناه الطلبي لا بمعانيه الأخر:
الاولى: أنّ الأمر في هذا اللفظ من حيث كونه مشتركا لفظيّا بين الوجوب والندب أو معنويّا أو حقيقة في خصوص الأوّل أو خصوص الثاني أسهل من الصيغة، فبأيّ من هذه الأقوال قلنا هناك نقول هنا بكون هذا اللفظ حقيقة في خصوص الوجوب، والدليل على هذه الدعوى هو التبادر مضافا إلى الأدلّة اللفظيّة كقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ} [النور: 63] الخ حيث دلّ على وجوب الحذر من مخالفة مجرّد الأمر، وقوله تعالى {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ}الخ، حيث رتّب التوبيخ على مخالفة مجرّد الأمر، وقوله صلى اللّه عليه وآله: «لو لا أن أشقّ على امّتي لأمرتهم بالسواك»، حيث دلّ على ثبوت المشقّة في مجرّد الأمر، ومن الواضح عدم المشقّة في الطلب البدني، كما أنّ من الواضح تعلّقه بالسواك.
وأمّا الثانية فيحتاج بيانها إلى مقدّمة وهي أنّ بعض العناوين يستحدث بتبع الدلالة على المعنى ويكون معلولا لها وواقعا في طولها بحيث لا يصير موجودا بمجرّد تحقّق أصل المعنى، وبضميمة إظهاره، والكشف عنه يصير متحقّقا سواء كان الدالّ لفظا أو كناية أو إشارة ونحوها، فيكون الدالّ بعنوانه الأوّلي كاشفا عن ذاك المعنى، ولكونه كاشفا عنه محدثا لهذا العنوان بالعليّة الانجعاليّة القهريّة، لا أن يكون بعنوانه الأوّلي محدثا لهذا العنوان بالعليّة الجعليّة، وذلك لما عرفت سابقا من أنّ العليّة أمر كامن في ذات العلّة ولا يقبل الجعل، وذلك كما في عنوان المعاملة؛ فإنّ من الواضح عدم تحقّق هذا العنوان بمجرّد تحقق رضى القلبي من الطرفين بالنقل، بل لا بدّ من إظهار هذا الرضى القلبي والكشف عنه بقول أو فعل، فيحدث بتبع هذا الإظهار والكشف عنوان المعاملة، فيكون معنى بعت على هذا هو الرضى الموجود في النفس فعلا بالنقل، وكذلك عنوان النكاح؛ لوضوح عدم تحقّقه بمجرّد الرضى القلبي من الطرفين بالتزويج، بل لا بدّ من صدور الكاشف عن هذا الرضى القلبي منهما فيحدث بتبعه عنوان النكاح، فمعنى أنكحت على هذا هو الرضى القلبي الفعلي بالتزويج.
ونظير ذلك عنوان التعظيم؛ لعدم تحقّقه بمجرّد تحقّق العظمة للمعظّم بالفتح في نفس المعظّم بالكسر، بل لا بدّ من إظهار هذه العظمة النفسانيّة وإبرازها بسلام أو قيام أو ركوع ونحوها، فيحدث بتبع هذا الإظهار عنوان التعظيم، ونظير ذلك في المعاني التصوريّة للألفاظ المفردة أيضا موجود؛ فإنّ اللفظ الدالّ يحدث عند سماعه بواسطة دلالته على معناه انتقاش صورة معناه في ذهن السامع، فليس هذا الانتقاش معناه الأوّلي، بل يكون حادثا في طول دلالته على معناه وبسببها.
إذا تقرّر ذلك فنقول: لا يخفى أنّه متى تحقّق في النفس الإرادة من الغير فما دام هذه الإرادة مكنونة في نفس المريد ولم يظهرها لهذا الغير وإن التفت هو إليها من غير قبله برمل ونحوه لم يحدث بينهما شيء أصلا ولم يكن في البين سوى هذه الحالة النفسانيّة.
وأمّا إذا أظهر المريد الإرادة الحاصلة في نفسه لهذا الغير فيقع هذا الغير في قيد هذه الإرادة بحيث يتحرّك إلى العمل لو كان منقادا، فهذا المعنى أعني إيقاع الغير في قيد الإرادة قد استحدث ببركة إظهار هذه الإرادة النفسانيّة بعد ما لم يكن شيئا موجودا، سواء كان إظهار الإرادة بالصيغة أو بالإشارة كما في أوامر رؤساء العسكر، ومن أجل وجود هذا المعنى المستحدث قد افيد أنّ هنا معنيين يعبّر عن أحدهما بالفارسيّة ب (طلب داشتن) وعن الآخر ب (طلب كردن) والثاني مفاد الصيغة، لكنّك عرفت أنّه لا معنى لكون الثاني مفاد الصيغة بحيث كانت بعنوانها الأوّلي محدثة له بالعليّة الجعليّة بل هي كاشفة عن الأوّل ومحدثة للثاني بتوسّط الكشف.
فالمدّعى أنّ مادّة الأمر موضوعة لهذا المعنى المستحدث، والشاهد هو التبادر؛ ولهذا لو تحقّق الإرادة في نفس العالي بالنسبة إلى السافل وعلم السافل بها من طريق الرمل مثلا لا يقول: إنّه أمرني، ولفظة «فرمان دادن» في الفارسيّة مشتركة مع لفظ الأمر في العربيّة في هاتين الدعويين، هذا هو الكلام في بيان معنى مادّة الأمر.
وينبغي هنا التعرّض للنزاع المعروف بين الأشاعرة والمعتزلة في غيرية الطلب للإرادة أو عينيته معها، لابتنائه على المقدّمة المذكورة أيضا، فنقول: إن أراد الأشعري بقوله إنّ الطلب غير الإرادة أنّ في النفس صفة اخرى غير الإرادة موجودة ويعبّر عنها بالطلب، فجوابه أنّا نعلم علما ضروريّا بأنّه لا في نفس الفاعل شيء غير الشوق الأكيد المنبعث عن ملاحظة المصلحة ودفع المنافيات المعبّر عنه بالإرادة، ولا في نفس الآمر شيء ممّا سوى الإرادة،
وإن أراد أنّ في النفس صفة واحدة يعبّر عنها بالإرادة ثمّ يحدث بتبع إظهار هذه الصفة معنى آخر يعبّر عنه بالطلب.
فيرد عليه أنّ أصل هذا المطلب أعني أصل وجود هذين المعنيين وتغايرهما من البديهيّات، فلا يصلح لأن يقع موردا لنزاع أهل المعقول، وبعد كونه من البديهيّات فالنزاع في أنّ اللفظين مترادفان أو متغايرا المعنى لا يطلح إلّا للغوي، ويظهر من استدلالهم بأنّ الطلب متحقّق في الأوامر الامتحانيّة، ولا أراه أنّ مرادهم هو الثاني.
وأمّا المعتزلي فإن فهم من كلام الأشعري الوجه الأوّل فكلامه راجع إلى ما ذكرنا من أنّه ليس في النفس إلّا صفة واحدة، وإن فهم منه الوجه الثاني فأنكر وجود المعنى المستحدث فجوابه أنّ وجوده من البديهيّات.
ثمّ إنّ في الكفاية ما حاصله أنّ الحقّ كما عليه أهله والمعتزلة أنّ لفظي الطلب والإرادة مترادفان موضوعان لمفهوم واحد، والمصداق الحقيقي لأحدهما أعني ما يصحّ تطبيقه عليه بالحمل الشائع الصناعي هو المصداق الحقيقي للآخر، والمصداق الاعتباري الغير الواقعي له وهو ما لا يصح تطبيقه عليه بهذا الحمل هو المصداق الاعتباري الغير الواقعي للآخر، فالمراد اتّحاد اللفظين في هذه المراتب الثلاث لا اتّحاد المرتبة الثانية مع الثالثة، كيف والمغايرة بينهما من البديهيّات، كما أنّ من البديهيّ أيضا عدم صفة اخرى قائمة بالنفس غير الإرادة يكون هو الطلب سواء في الفاعل أم الآمر.
وبذلك يظهر أنّه يمكن المصالحة بين القولين بأن يكون مراد القائل بالاتّحاد هو ما ذكرنا، والقائل بالمغايرة يريد أنّ المنساق من لفظ اطلب عند الإطلاق هو الإنشائي، والمنساق من لفظ الإرادة عنده هو الحقيقي، فهما متغايران إطلاقا لا وضعا.
فإن قلت: إذا لم يكن غير الصفات المعروفة في الإنشاءات وغير العلم في الجملة الخبريّة صفة اخرى قائمة بالنفس، ومن المعلوم أنّ هذه الصفات لا يكون مدلولاتها فما ذا يكون مدلولها؟
قلت: أمّا مفاد الجملة الخبريّة فهو الحكاية عن ثبوت النسبة في موطنها من ذهن كما في زيد عالم، أو خارج كما في زيد قائم، وأمّا الإنشاءات فهي موجدة لمعانيها بمعنى أنّ معانيها يحدث بقصد تحقّقها بها، وهذا المعنى الإنشائي ممكن الانفكاك عن تلك الصفات الحقيقيّة وإن كان غالبا لا ينفكّ عنها.
ويمكن الخدشة فيه أوّلا: بأنّه لا وجه لجعل الطلب الإنشائي فردا غير واقعي لجامع الطلب النفسي؛ فإنّه كما أنّ للطلب النفسي جامعا، كذلك للطلب الإنشائي وإن كان أمرا اعتباريّا أيضا جامع؛ إذ الجامع عبارة عن الصورة الحاصلة من الشيء في العقل بعد طرح خصوصيّاته وهي متحقّقة في الامور الاعتباريّة كالفوقيّة والملكيّة ونحوهما، كما في الامور المتأصّلة بلا فرق، فالامور الاعتباريّة مصاديق حقيقيّة وأفراد واقعيّة لجامعها، وعلى هذا فلا بدّ من الالتزام باشتراك لفظي الطلب والإرادة لفظا أو كونهما حقيقة ومجازا بالنسبة إلى هذين المفهومين.
وثانيا: بعدم تعقّل معنى لكون الصيغ الإنشائيّة بعناوينها الأوّليّة موجدة لمعانيها بالعليّة الجعليّة، وقد مرّ تفصيل ذلك عند الخدشة فيما ذكره قدّس سرّه في الفرق بين الخبر والإنشاء بكلا طرفيه.
ولا بأس بالإشارة الإجماليّة هنا إليه، فنقول: أمّا الخدشة فيما ذكره قدّس سرّه في طرف الخبر فهي أنّ مجرّد الحكاية عن ثبوت المعنى في موطنه من نفس أو خارج غير كاف في خبريّة الخبر؛ ضرورة تحقّق هذه الحكاية في مثل قولنا: زيد القائم الموجود في الخارج، مع عدم كونه خبرا، بل لا بدّ من زيادة وصف التمام في التعريف قيدا للنسبة بأن يقال: إنّ الهيئة القائمة في العربيّة مقام «است» في الفارسيّة موضوعة للنسبة التامّة، وهذا الوصف أمر نفساني لا خارجي أعني: التجزّم وعقد القلب بالنسبة، وهو وإن كان مغايرا للاعتقاد لكنّه من سنخه، فيحكي عن ثبوت النسبة في الخارج؛ ولهذا يتّصف الخبر بالصدق والكذب، وهذا هو الفارق بينه وبين ما ذكر من قولنا: زيد القائم الخ؛ ضرورة عدم تحقّق العقد القلبي المذكور في الثاني؛ ولهذا يصح أن يجعل محموله قولنا: ليس بموجود.
|
|
كل ما تود معرفته عن أهم فيتامين لسلامة الدماغ والأعصاب
|
|
|
|
|
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|