المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17644 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

Minimum Edge Cover
26-4-2022
RELAY CIRCUITS AND CONTROL PROBLEMS-Special problems involving the design of relay circuits
4-1-2017
سفاهة المنافقين
2023-09-28
امراض البيكان (مرض اللفحة في المشتل)
26-8-2020
منزلة النبي ووصيه بالحق يوم القيامة
13-12-2014
الانحرافات الاقتصادية لدى الشباب
2023-03-05


تفسير الآية (41-48) من سورة ص  
  
7054   09:09 صباحاً   التاريخ: 21-4-2020
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الصاد / سورة ص /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-4-2020 3866
التاريخ: 21-4-2020 3270
التاريخ: 21-4-2020 11804
التاريخ: 21-4-2020 7055

قال تعالى : {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47) وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ } [ص : 41 ، 48]

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

ذكر سبحانه قصة أيوب (عليه السلام) فقال {واذكر} يا محمد {عبدنا أيوب} شرفه الله سبحانه بأنه أضافه إلى نفسه واقتد به في الصبر على الشدائد وكان في زمان يعقوب ابن إسحاق وتزوج ليا بنت يعقوب {إذ نادى ربه} أي حين دعا ربه رافعا صوته يقول يا رب لأن النداء هو الدعاء بطريقة يا فلان ومتى قال اللهم افعل بي كذا وكذا كان داعيا ولا يكون مناديا .

{أني مسني الشيطان بنصب وعذاب} أي بتعب ومكروه ومشقة وقيل بوسوسة فيقول له طال مرضك ولا يرحمك ربك عن مقاتل وقيل بأن يذكره ما كان فيه من نعم الله تعالى من الأهل والولد والمال وكيف زال ذلك كله وحصل فيما هو فيه من البلية طمعا أن يزله بذلك ويجد طريقا إلى تضجره وتبرمه فوجده صابرا مسلما لأمر الله وقيل إنه اشتد مرضه حتى تجنبه الناس فوسوس الشيطان إلى الناس أن يستقذروه ويخرجوه من بينهم ولا يتركوا امرأته التي تخدمه أن تدخل عليهم فكان أيوب يتأذى بذلك ويتألم منه ولم يشك الألم الذي كان من أمر الله تعالى قال قتادة دام ذلك سبع سنين وروي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال أهل التحقيق أنه لا يجوز أن يكون بصفة يستقذره الناس عليها لأن في ذلك تنفيرا فأما المرض والفقر وذهاب الأهل فيجوز أن يمتحنه الله بذلك .

فأجاب الله دعاءه وقال له {اركض برجلك} أي ادفع برجلك الأرض {هذا مغتسل بارد وشراب} وفي الكلام حذف أي فركض رجله فنبعت بركضته عين ماء وقيل نبعت عينان فاغتسل من أحدهما فبرأ وشرب من الآخر فروي عن قتادة والمغتسل الموضع الذي يغتسل منه وقيل هو اسم للماء الذي يغتسل به عن ابن قتيبة .

{ووهبنا له أهله ومثلهم معهم} هذا مفسر في سورة الأنبياء وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن الله تعالى أحيا له أهله الذين كانوا ماتوا قبل البلية وأحيا له أهله الذين ماتوا وهو في البلية {رحمة منا} أي فعلنا ذلك به لرحمتنا إياه فيكون منصوبا بأنه مفعول له ويجوز أن يكون منصوبا على المصدر لما كانت الموهبة بمعنى الرحمة {وذكرى لأولي الألباب} أي ليتذكر ويعتبر به ذوو الألباب أي العقول ويعرفوا حسن عاقبة الصبر فيصبروا كما صبر قالوا أنه أطعم جميع أهل قريته سبعة أيام وأمرهم بأن يحمدوا الله ويشكروه {وخذ بيدك ضغثا} وهو ملء الكف من الشماريخ وما أشبه ذلك أي وقلنا له ذلك وذلك أنه حلف على امرأته لأمر أنكره من قولها لئن عوفي ليضربنها مائة جلدة فقيل له خذ ضغثا بعدد ما حلفت به {فاضرب به} أي واضربها به دفعة واحدة فإنك إذا فعلت ذلك برت يمينك {ولا تحنث} في يمينك نهاه عن الحنث وروي عن ابن عباس أنه قال كان السبب في ذلك أن إبليس لقيها في صورة طبيب فدعته لمداواة أيوب (عليه السلام) فقال أداويه على أنه إذا برىء قال أنت شفيتني لا أريد جزاء سواء قالت نعم فأشارت إلى أيوب بذلك فحلف ليضربنها وقيل إنها كانت ذهبت في حاجة فأبطأت في الرجوع فضاق صدر المريض فحلف .

ثم أخبر سبحانه عن حال أيوب وعظم منزلته فقال {إنا وجدناه صابرا} على البلاء الذي ابتليناه به {نعم العبد إنه أواب} أي رجاع إلى الله منقطع إليه وروى العياشي بإسناده أن عباد المكي قال : قال لي سفيان الثوري إني أرى لك من أبي عبد الله (عليه السلام) منزلة فاسأله عن رجل زنى وهو مريض فإن أقيم عليه الحد خافوا أن يموت ما تقول فيه فسألته فقال لي هذه المسألة من تلقاء نفسك أو أمرك بها إنسان؟ فقلت : إن سفيان الثوري أمرني أن أسألك عنها فقال إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أتي برجل أحبن (2) قد استسقى بطنه وبدت عروق فخذيه وقد زنى بامرأة مريضة فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فأتي بعرجون فيه مائة شمراخ فضربه به ضربة وضربها به ضربة وخلى سبيلهما وذلك قوله {وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث} .

ثم عطف سبحانه على ما تقدم حديث الأنبياء فقال {واذكر} يا محمد لقومك وأمتك {عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب} ليقتدوا بهم في حميد أفعالهم وكريم خلالهم فيستحقوا بذلك حسن الثناء في الدنيا وجزيل الثواب في العقبي كما استحق أولئك وإذا قرىء عبدنا فيكون التقدير واذكر عبدنا إبراهيم خصه بشرف الإضافة إلى نفسه واذكر إسحاق ويعقوب وصفهم جميعا فقال {أولي الأيدي} أي ذوي القوة على العبادة {والأبصار} الفقه في الدين عن ابن عباس ومجاهد وقتادة ومعناه أولي العلم والعمل فالأيدي العمل والأبصار العلم عن أبي مسلم وقيل أولي الأيدي أولي النعم على عباد الله بالدعاء إلى الدين والأبصار جمع البصر وهو العقل .

{إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار} أي جعلناهم لنا خالصين بأن خلصت لهم ذكرى الدار والخالصة بمعنى الخلوص والذكرى بمعنى التذكير أي خلص لهم تذكير الدار وهو أنهم كانوا يتذكرونها بالتأهب لها ويزهدون في الدنيا كما هو عادة الأنبياء وقيل المراد بالدار الدنيا عن الجبائي وأبي مسلم أي خصصناهم بالذكر في الأعقاب من بين أهل الدنيا {وإنهم عندنا} وبحسب ما سبق في علمنا {لمن المصطفين} للنبوة وتحمل أعباء الرسالة {الأخيار} جمع خير كالأموات جمع ميت وهو الذي يفعل الأفعال الكثيرة الحسنة وقيل هي جمع خير فيكون كالأقيال جمع قيل وهذا مثل قوله ولقد اخترناهم على علم على العالمين .

{واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل} أي اذكر لأمتك هؤلاء أيضا ليقتدوا بهم ويسلكوا طريقتهم وقد تقدم ذكرهم {وكل من الأخيار} قد اختارهم الله للنبوة .

_________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص364-370 .

2- الأحبن : الذي عظم بطنه ، وورم .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{واذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ} . لأيوب سفر خاص في العهد القديم ، وقد استغرق حوالي 40 صفحة ، وفي قاموس الكتاب المقدس : ان هذا السفر كتب شعرا في الأصل ، وان بعض الناس يظنون أنه كتب في القرن الرابع قبل الميلاد ، وان من المحتمل أن يكون أيوب عاش في الألف الثانية قبل الميلاد . ثم قال المساهمون في وضع القاموس ، في مادة عوص بضم العين : ان أيوب أقام في أرض عوص ، ويعتقد ان هذه الأرض في الصحراء السورية ، وهناك من يعتقد انها حوران .

{إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وعَذابٍ} . مضت مئات القرون ، والناس تضرب الأمثال بمصائب أيوب ، وينسجون حولها الأساطير . . وتدل هذه الآية والآية 83 من سورة الأنبياء ان أيوب قد أصيب في نفسه وماله ، وانه نسب ما حل به إلى الشيطان ، وهذا ما دعا جماعة من المفسرين أن يؤلفوا رواية {أيوب والشيطان} . . ومن قارن بين روايتهم وبين ما جاء في سفر أيوب من التوراة يجد أنهم يفسرون القرآن الكريم بالإسرائيليات . . وتتلخص رواية العهد القديم والمفسرين أيضا بأن اللَّه سلط الشيطان على أيوب ليختبر إيمانه ، فأتلف أمواله وأهلك أسرته ، ولما فشل أصابه في جسده ، ففشل أيضا .

والآية صريحة في أن الشيطان قد مس أيوب بالأتعاب والصعاب ، ولكنها سكتت عن تحديدها وبيان نوعها ، ونحن نسكت عما سكت اللَّه عنه ، ولا نتكلف البحث والتنقيب ، ولو كلفنا اللَّه لبين ، وحيث لا بيان منه فلا تكليف . وقد أشرنا إلى قصة أيوب في ج 5 ص 295 .

{ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وشَرابٌ} . لجأ أيوب إلى اللَّه شاكيا إليه مما قاساه ، فاستجاب له ، وأمره أن يضرب الأرض برجله فيخرج ماء بارد ، يغتسل به ويشرب منه ، فيبرأ بإذن اللَّه تعالى . وهكذا كان {ووَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ ومِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وذِكْرى لأُولِي الأَلْبابِ} . شفاه اللَّه ورزقه من الأولاد والأحفاد ضعف ما فقد منهم . وتقدم مثله في الآية 84 من سورة الأنبياء ج 5 ص 295 .

{وخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ ولا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} . قال المفسرون : ان أيوب غضب على زوجته حين كان طريح الفراش ، غضب عليها لأمر يحدث بين المرء وزوجه . . فحلف ليضربنها كذا ضربة ان شفاه اللَّه ، وبعد ان كتب اللَّه له الشفاء أمره أن يضرب زوجته بمجموعة من الأغصان ونحوها دفعة واحدة ، وبذلك يتحلل من يمينه .

والآية لا تشير إلى امرأة أيوب ولا إلى غيرها من قريب أو بعيد ، ومع هذا فلا ننكر قول المفسرين ، حيث جاء في الآية ذكر الحنث والضرب ، وليس من شك ان الحنث فرع اليمين والضرب يستدعي وجود المضروب . . وطريح الفراش يضيق بأدنى الأمور ، وبالخصوص إذا حدث من أهله . . فمن الجائز - إذن - أن يحلف أيوب على ضرب زوجته لأدنى شيء يبدر منها . . وبالتالي فإن قول المفسرين غير بعيد .

وتسأل : ان قوله تعالى : وخذ بيدك ضغثا الخ يدل على أن الاحتيال على الدين جائز في شريعة القرآن مع أنه أنكر على بني إسرائيل احتيالهم لصيد الحيتان ، كما صرحت الآية 163 من سورة الأعراف : {إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً ويَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ} . أنظر ج 3 ص 410 .

الجواب أولا : ان الضرب على هذا النحو مختص بأيوب وحده ولا يعم جميع الحالفين ، والا صرحت السنّة النبوية بذلك ، وأفتى به جميع العلماء .

ثانيا : ان هذا احتيال من أجل الرحمة والإنسانية ، وليس احتيالا على الحق والإنسانية .

{واذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وإِسْحاقَ ويَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي والأَبْصارِ} . أولي الأيدي أصحاب القوة على الصالحات ، والأبصار كناية عن العلم باللَّه ودينه ، والمعنى أذكر يا محمد هؤلاء الأنبياء الذين علموا دين اللَّه وعملوا به مخلصين ، وجاهدوا في سبيله صابرين ، أذكرهم واصبر على المكذبين من قومك كما صبر هؤلاء الرسل من قبلك .

{إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ} أي دار الآخرة ، وخالصة صفة لا يشوبها شيء ، وهي انهم يعملون للآخرة ، ويؤثرونها على كل شيء {وإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيارِ} . أخلصوا للَّه فاختصهم برسالته ، وجعلهم من خيرة خلقه {واذْكُرْ إِسْماعِيلَ والْيَسَعَ وذَا الْكِفْلِ وكُلٌّ مِنَ الأَخْيارِ} . لم أجد في فهرس الكتاب المقدس وقاموسه ذكرا لليسع وذي الكفل ، والذي وجدته يشوع ابن نون خليفة موسى ، ويقال : انه اليسع ، ومهما كان فإنه هو وذو الكفل تماما كإسماعيل وإسحاق ويعقوب من الأنبياء الأصفياء . وتقدم مثله في الآية 85 من سورة الأنعام ج 3 ص 218 والآية 84 من سورة الأنبياء ج 5 ص 295 .

_______________

  1. الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص381-383 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

القصة الثالثة مما أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يصبر ويذكرها وهي قصة أيوب النبي (عليه السلام) وما ابتلي به من المحنة ثم أكرمه الله بالعافية والعطية .

ثم الأمر بذكر إبراهيم وخمسة من ذريته من الأنبياء (عليهم السلام) .

قوله تعالى : {واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب} دعاء منه (عليه السلام) وسؤال للعافية وأن يكشف عنه ربه ما أصابه من سوء الحال ، ولم يصرح بما يريده ويسأله تواضعا وتذللا غير أن نداءه تعالى بلفظ ربي يشعر بأنه يناديه لحاجة .

والنصب التعب ، وقوله : {إذ نادى} إلخ بدل اشتمال من {عبدنا} أو{أيوب} وقوله : {أني مسني} إلخ حكاية ندائه .

والظاهر من الآيات التالية أن مراده من النصب والعذاب ما أصابه من سوء الحال في بدنه وأهله وهو الذي ذكره عنه (عليه السلام) في سورة الأنبياء من ندائه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين بناء على شمول الضر مصيبته في نفسه وأهله ولم يشر في هذه السورة ولا في سورة الأنبياء إلى ذهاب ماله وإن وقع ذكر المال في الروايات .

والظاهر أن المراد من مس الشيطان له بالنصب والعذاب استناد نصبه وعذابه من الشيطان بنحو من السببية والتأثير وهو الذي يظهر من الروايات ، ولا ينافي استناد المرض ونحوه إلى الشيطان استناده أيضا إلى بعض الأسباب العادية الطبيعية لأن السببين ليسا عرضيين متدافعين بل أحدهما في طول الآخر وقد أوضحنا ذلك في تفسير قوله تعالى : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ } [الأعراف : 96] في الجزء الثامن من الكتاب .

ولا دليل يدل على امتناع وقوع هذا النوع من التأثير للشيطان في الإنسان وقد قال تعالى : {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة : 90] فنسبها أنفسها إليه ، وقال حاكيا عن موسى (عليه السلام) : {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ } [القصص : 15] يشير إلى الاقتتال .

ولو أغمض عن الروايات أمكن أن يحتمل أن يكون المراد بانتساب ذلك إلى الشيطان إغراؤه الناس بوسوسته أن يتجنبوا من الاقتراب منه وابتعادهم وطعنهم فيه أن لوكان نبيا لم تحط به البلية من كل جانب ولم يصر إلى ما صار إليه من العاقبة السوأى وشماتتهم واستهزائهم به .

وقد أنكر في الكشاف ، ما تقدم من الوجه قائلا : لا يجوز أن يسلط الله الشيطان على أنبيائه (عليهم السلام) ليقضي من تعذيبهم وإتعابهم وطره ولو قدر على ذلك لم يدع صالحا إلا وقد نكبه وأهلكه ، وقد تكرر في القرآن أنه لا سلطان له إلا الوسوسة فحسب .

انتهى .

وفيه أن الذي يخص الأنبياء وأهل العصمة أنهم لمكان عصمتهم في أمن من تأثير الشيطان في نفوسهم بالوسوسة ، وأما تأثيره في أبدانهم وسائر ما ينسب إليهم بإيذاء أو إتعاب أو نحو ذلك من غير إضلال فلا دليل يدل على امتناعه ، وقد حكى الله سبحانه عن فتى موسى وهو يوشع النبي (عليه السلام) : {فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} [الكهف : 63] .

ولا يلزم من تسلطه على نبي بالإيذاء والإتعاب لمصلحة تقتضيه كظهور صبره في الله سبحانه وأوبته إليه أن يقدر على ما يشاء فيمن يشاء من عباد الله تعالى إلا أن يشاء الله ذلك وهو ظاهر .

قوله تعالى : {اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب} وقوع الآية عقيب ندائه ومسألته يعطي أنه إيذان باستجابة دعائه وأن قوله تعالى : {اركض برجلك} إلخ حكاية لما أوحي إليه عند الكشف عن الاستجابة أوهو بإضمار القول والتقدير فاستجبنا له وقلنا : اركض {إلخ} وسياق الأمر مشعر بل كاشف عن أنه كان لا يقدر على القيام والمشي بقدميه وكان مصابا في سائر بدنه فأبرأ الله ما في رجليه من ضر وأظهر له عينا هناك وأمره أن يغتسل منها ويشرب حتى يبرأ ظاهر بدنه وباطنه ويتأيد بذلك ما سيأتي من الرواية .

وفي الكلام إيجاز بالحذف والتقدير فركض برجله واغتسل وشرب فبرأه الله من مرضه .

قوله تعالى : {ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب} ورد في الرواية أنه ابتلي فيما ابتلي بموت جميع أهله إلا امرأته وأن الله أحياهم له ووهبهم له ومثلهم معهم ، وقيل : إنهم كانوا قد تفرقوا عنه أيام ابتلائه فجمعهم الله إليه بعد برئه وتناسلوا فكانوا مثلي ما كانوا عددا .

وقوله : {رحمة منا وذكرى لأولي الألباب} مفعول له أي فعلنا به ما فعلنا ليكون رحمة منا وذكرى لأولي الألباب يتذكرون به .

قوله تعالى : {وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب} في المجمع ، : الضغث ملء الكف من الشجرة والحشيش والشماريخ ونحو ذلك انتهى ، وكان (عليه السلام) قد حلف لئن عوفي أن يجلد امرأته مائة جلدة لأمر أنكره عليها على ما سيأتي من الرواية فلما عافاه الله تعالى أمره أن يأخذ بيده ضغثا بعدد ما حلف عليه من الجلدات فيضربها به ولا يحنث .

وفي سياق الآية تلويح إلى ذلك وإنما طوي ذكر المرأة وسبب الحلف تأدبا ورعاية لجانبه .

وقوله : {إنا وجدناه صابرا} أي فيما ابتليناه به من المرض وذهاب الأهل والمال ، والجملة تعليل لقوله : {واذكر} أو لقوله : {عبدنا} أي لتسميته عبدا وإضافته إليه تعالى ، والأول أولى .

وقوله : {نعم العبد إنه أواب} مدح له (عليه السلام) .

قوله تعالى : {واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار} مدحهم بتوصيفهم بأن لهم الأيدي والأبصار ويد الإنسان وبصره إنما يمدحان إذا كانا يد إنسان وبصر إنسان واستعملا فيما خلقا له وخدما الإنسان في إنسانيته فتكتسب اليد صالح العمل ويجري منها الخير على الخلق ويميز البصر طرق العافية والسلامة من موارد الهلكة ويصيب الحق ولا يلتبس عليه الباطل .

فيكون كونهم أولي الأيد والأبصار كناية عن قوتهم في الطاعة وإيصال الخير وتبصرهم في إصابة الحق في الاعتقاد والعمل وقد جمع المعنيين في قوله تعالى : {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ } [الأنبياء : 72] فجعلهم أئمة والأمر والوحي لأبصارهم وفعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة لأيديهم (2) وإليه يئول ما في الرواية من تفسير ذلك بأولي القوة في العبادة والبصر فيها .

قوله تعالى : {إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار} الخالصة وصف قائم مقام موصوفه ، والباء للسببية والتقدير بسبب خصلة خالصة ، وذكرى الدار بيان للخصلة والدار هي الدار الآخرة .

والآية أعني قوله : {إنا أخلصناهم} إلخ لتعليل ما في الآية السابقة من قوله : {أولي الأيدي والأبصار} أو لقوله : {عبادنا} أو لقوله : {واذكر} وأوجه الوجوه أولها ، وذلك لأن استغراق الإنسان في ذكرى الدار الآخرة وجوار رب العالمين وركوز همه فيها يلازم كمال معرفته في جنب الله تعالى وإصابة نظره في حق الاعتقاد والتبصر في سلوك سبيل العبودية والتخلص عن الجمود على ظاهر الحياة الدنيا وزينتها كما هو شأن أبنائها قال تعالى : {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} [النجم : 29 ، 30] .

ومعنى الآية وإنما كانوا أولي الأيدي والأبصار لأنا أخلصناهم بخصلة خالصة غير مشوبة عظيمة الشأن هي ذكرى الدار الآخرة .

وقيل : المراد بالدار هي الدنيا والمراد بالآية بقاء ذكرهم الجميل في الألسن ما دامت الدنيا كما قال تعالى : {وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49) وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا } [مريم : 49 ، 50] والوجه السابق أوجه .

قوله تعالى : {وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار} تقدم أن الاصطفاء يلازم الإسلام التام لله سبحانه ، وفي الآية إشارة إلى قوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آل عمران : 33] .

والأخيار جمع خير مقابل الشر على ما قيل ، وقيل : جمع خير بالتشديد أو التخفيف كأموات جمع ميت بالتشديد أو بالتخفيف .

قوله تعالى : {واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار} معناه ظاهر .

_________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج17 ، ص172-175 .

  1. رواها القمي في تفسيره عن ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

حياة أيّوب المليئة بالحوادث والعبر :

الآيات السابقة تحدّثت عن سليمان (عليه السلام) وعن القدرة التي منحها إيّاه الباريء عزّ وجلّ ، والتي كانت بمثابة البشرى لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولمسلمي مكّة الذين كانوا يعيشون تحت ضغوط صعبة .

آيات بحثنا هذا تتحدّث عن أيّوب الذي كان اُنموذجاً حيّاً للصبر والاستقامة ، وذلك لتعطي درساً لمسلمي ذلك اليوم ويومنا الحاضر وغداً ، درساً في مقاومة مشاكل وصعاب الحياة ، ولتدعوهم إلى الإتّحاد والتعاون ، كما وضّحت العاقبة المحمودة للصبر والصابرين .

وأيّوب هو ثالث نبي من أنبياء الله تستعرض هذه السورة (سورة ص) جوانب من حياته ، وهي بذلك تدعو رسولنا الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى تذكّر هذه القصّة ، وحكايتها للمسلمين ، كي يصبروا على المشاكل الصعبة التي كانت تواجههم ، ولا ييأسوا من لطف ورحمة الله .

اسم «أيّوب» أو قصّته وردت في عدّة سور من سور القرآن المجيد ، منها الآية (163) في سورة النساء ، والآية (84) في سورة الأنعام التي ذكرت إسمه في قائمة أنبياء الله الآخرين ، وبيّنت وأثبتت مقام نبوّته ، بخلاف كتاب التوراة الحالي الذي لم يعتبره من الأنبياء ، وإنّما إعتبره أحد عباد الله المحسنين والأثرياء وذا عيال كثيرين .

كما أنّ الآيات (83) و84) في سورة الأنبياء إستعرضت بصورة مختصرة جوانب من حياة أيّوب (عليه السلام) ، أمّا آيات بحثنا هذه فإنّها تستعرض حياته بصورة مفصّلة أكثر من أيّ سورة اُخرى من خلال أربعة آيات :

فالاُولى تقول : { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص : 41] .

«نصب» على وزن (عسر) ، و(نصب) على وزن (حسد) ، وكلاهما بمعنى البلاء والشرّ .

هذه الآية تبيّن أوّلا علو مقام أيّوب عند الباري عزّوجلّ ، وذلك من خلال كلمة «عبدنا» ، وثانياً فإنّها تشير بصورة خفيّة إلى الإبتلاءات الشديدة التي لا تطاق ، وإلى الألم والعذاب الذي مسّ أيّوب (عليه السلام) .

ولم يرد في القرآن الكريم شرحاً مفصّلا لما جرى على أيّوب (عليه السلام) ، وإنّما نقرأ في كتب الحديث المعروفة والتفاسير تفاصيل هذه القصّة .

ففي تفسير نور الثقلين نقرأ أنّ أبا بصير سأل الإمام الصادق عن بليّة أيّوب التي ابتلي بها في الدنيا لأيّ علّة كانت؟ (لعلّ السائل كان يظنّ أنّ أيّوب ابتلي بما ابتلي به لمعصية إرتكبها) فأجاب (عليه السلام) بقوله : «لنعمة أنعم الله عزّوجلّ عليه بها في الدنيا وأدّى شكرها ، وكان في ذلك الزمان لا يحجب إبليس دون العرش ، فلمّا صعد ورأى شكر نعمة أيّوب (عليه السلام) حسده إبليس ، فقال : ياربّ ، إنّ أيّوب لم يؤدّ إليك شكر هذه النعمة إلاّ بما أعطيته من الدنيا ، ولو حرمته دنياه ما أدّى إليه شكر نعمة أبداً ، فسلّطني على دنياه حتّى تعلم أنّه لم يؤدّ إليك شكر نعمة أبداً» .

(ولكي يوضّح الباريء عزّوجلّ إخلاص أيّوب للجميع ، ويجعله نموذجاً حيّاً للعالمين حتّى يشكروه حين النعمة ويصبروا حين البلاء ، سمح الباري عزّوجلّ للشيطان في أن يتسلّط على دنيا أيّوب) .

«فقال له الباري عزّوجلّ : قد سلّطتك على ماله وولده ، قال : فانحدر إبليس فلم يبق له مالا ولا ولداً إلاّ أعطبه (أي أهلكه) فإزداد أيّوب لله شكراً وحمداً . قال : فسلّطني على زرعه يا ربّ ، قال : قد فعلت ، فجاء مع شياطينه فنفخ فيه فاحترق ، فازداد أيّوب لله شكراً وحمداً ، فقال : يا ربّ سلّطني على غنمه ، فسلّطه على غنمه فأهلكها ، فإزداد أيّوب لله شكراً وحمداً ، فقال : ياربّ سلّطني على بدنه فسلّطه على بدنه ما خلا عقله وعينيه ، فنفخ فيه إبليس فصار قرحة واحدة من قرنه إلى قدمه ، فبقي في ذلك دهراً طويلا يحمد الله ويشكره» .

(ولكن وقعت حادثة كسرت قلبه وجرحت روحه جرحاً عميقاً ، وذلك عندما زارته مجموعة من رهبان بني إسرائيل) .

«وقالوا له : يا أيّوب لو أخبرتنا بذنبك لعلّ الله كان يهلكنا إذا سألناه ، وما نرى إبتلاك بهذا الإبتلاء الذي لم يبتل به أحد إلاّ من أمر كنت تستره؟ فقال أيّوب (عليه السلام) : وعزّة ربّي لم أرتكب أي ذنب ، وما أكلت طعاماً إلاّ ويتيم أو ضعيف يأكل معي»(2) .

حقّاً إنّ شماتة أصحابه كانت أكثر ألماً عليه من أيّة مصيبة اُخرى حلّت به ، ورغم هذا لم يفقد أيّوب صبره ، ولم يلوّث شكره الصافي كالماء الزلال بالكفر ، وإنّما توجّه إلى الباريء عزّوجلّ وذكر العبارة التي ذكرناها آنفاً ، أي قوله تعالى : {انّي مسّني الشيطان بنصب وعذاب} ولكونه خرج من الإمتحان الإلهي بنتيجة جيّدة ، فتح الباري عزّوجلّ ـ مرّة اُخرى ـ أبواب رحمته على عبده الصابر المتحمّل أيّوب ، وأعاد عليه النعم التي إفتقدها الواحدة تلو الاُخرى ، لا بل أكثر ممّا كان يمتلك من المال والزرع والغنم والأولاد ، وذلك كي يفهم الجميع العاقبة الحسنة للصبر والتحمّل والشكر .

بعض كبار المفسّرين ، إحتملوا أنّ الوساوس التي وسوس بها الشيطان في قلب أيّوب هي المقصودة من أذى وعذاب الشيطان لأيّوب ، إذ كان يقول له أحياناً : لقد طالت فترة مرضك ، ويبدو أنّ ربّك قد نسيك!

وأحياناً كان يقول له : ما زلت تشكر الله رغم أنّه أخذ منك النعم العظيمة والسلامة والقوّة والقدرة!

يحتمل أنّهم ذكروا هذا التّفسير لكونهم يستبعدون إمكانية تسلّط الشيطان على الأنبياء كأيّوب ، ولكن مع الإنتباه إلى أنّ هذه السلطة : أوّلا : كانت بأمر من الله . وثانياً : محدودة ومؤقتة . وثالثاً : لإمتحان هذا النّبي الكبير ورفع شأنه ، فلا إشكال في ذلك .

على أيّة حال ، قيل : إنّ فترة ألمه وعذابه ومرضه كانت سبع سنين ، وفي رواية اُخرى قيل : إنّها كانت (18) سنة ، وحالته وصلت إلى حدّ بحيث تركه أصحابه وحتّى أقرب المقربين إليه ، عدا زوجته التي صمدت معه وأظهرت وفاءها له . وهذا شاهد على وفاء بعض الزوجات !

وأشدّ ما آذى وآلم روح أيّوب (عليه السلام) من بين ذلك الأذى والعذاب الذي مرّ به ، هو شماتة أعدائه ، لذا فقد جاء في إحدى الروايات أنّ أيّوب (عليه السلام) سئل بعد ما عافاه الله ، أيّ شيء كان أشدّ عليك ممّا مرّ؟ فقال : شماتة الأعداء .

في النهاية خرج أيّوب (عليه السلام) سالماً من بودقة الإمتحان الإلهي ، ونزول الرحمة الإلهيّة عليه يبدأ من هنا ، إذ صدر إليه الأمر (اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب) .

«اركض» مشتقّة من (ركض) على وزن (فقر وتعني دكّ الأرض بالرجل ، وأحياناً تأتي بمعنى الركض ، وهنا تعطي المعنى الأوّل .

فالله الذي فجّر عين زمزم في صحراء يابسة وحارقة تحت أقدام الطفل الرضيع إسماعيل ، هو الذي أصدر أمراً بتفجّر عين باردة لأيّوب ليشرب منها ويغتسل بمائها للشفاء من كافّة الأمراض التي أصابته (الظاهرية والباطنية) .

ويرى البعض أنّ تلك العين عبارة عن ماء معدني صالح للشرب ، وفيه شفاء لكلّ الأمراض ، ومهما كان فإنّه من لطف الله ورحمته النازلة على نبيّه الصابر المقاوم أيّوب (عليه السلام) .

(مغتسل) يعني الماء الذي يغسل به ، وقال البعض : إنّها تعني محل الغسل ، لكنّ المعنى الأوّل أصحّ .

وعلى أيّة حال ، فإنّ وصف ذلك الماء بالبارد ، قد يكون إشارة إلى التأثيرات الخاصّة التي يتركها الماء البارد على سلامة الجسم ، وذلك ما أثبته الطبّ الحديث اليوم . إضافةً إلى أنّه إشارة لطيفة إلى أنّ كمال ماء الغسل يتمّ إن كان طاهراً ونظيفاً كماء الشرب .

والشاهد على هذا ما جاء في الروايات من إستحباب شرب جرعة من الماء قبل الإستحمام به (3) .

النعمة المهمّة الاُولى التي اُعيدت على أيّوب هي العافية والشفاء والسلامة ، أمّا بقيّة النعم التي اُعيدت عليه ، فاستعرضها القرآن المجيد {ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمةً منّا وذكرى لاُولي الألباب} .

وعن كيفية عودة عائلته إليه ؟ وردت تفاسير متعدّدة ، أشهرها يقول : إنّهم كانوا أمواتاً فأحياهم الله مرّة اُخرى .

ولكن البعض قال : إنّهم كانوا قد تفرّقوا عنه أيّام إبتلائه بالمرض ، فجمعهم الله إليه بعد برئه .

ويحتمل أنّ جميعهم أو بعضهم ابتلي بمختلف أنواع الأمراض ، وقد شملتهم الرحمة الإلهية وعادت إليهم صحّتهم وعافيتهم ، ليجتمعوا مرّة اُخرى حول أيّوب .

أمّا قوله تعالى : (ومثلهم معهم) ، فإنّها إشارة إلى تناسلهم وزيادة عددهم إلى الضعف ، وبهذا إزداد عدد أبناء أيّوب إلى الضعف .

ورغم أنّ الآيات لا تتطرّق إلى إعادة أموال أيّوب إليه ، ولكن الدلائل كلّها تبيّن أنّ الباريء عزّوجلّ أعاد إليه أمواله وأكثر من السابق .

الذي يلفت النظر في آخر الآية ـ محلّ البحث ـ أنّ هدف إعادة النعم الإلهيّة على أيّوب تحدّد بأمرين :

الأوّل : (رحمة منّا) والتي كان لها صبغة فردية ، وفي الحقيقة إنّها مكافأة وجائزة من الباريء عزّوجلّ لعبده الصابر المقاوم أيّوب .

والثّاني : إعطاء درس لكلّ أصحاب العقول والفكر على طول التأريخ لأخذ العبر من أيّوب ، كي لا يفقدوا صبرهم وتحمّلهم عند تعرّضهم للمشاكل والحوادث الصعبة ، وأن لا ييأسوا من رحمة الله ، بل يزيدوا من أملهم وتعلّقهم به .

المشكلة الوحيدة التي بقيت لأيّوب (عليه السلام) هي قسمه بضرب زوجته ، إذ كان قد أقسم أيّام مرضه لئن برىء من مرضه ليجلدنّ امرأته مائة جلدة أو أقل لأمر أنكره عليها ، ولكن بعدما برىء من مرضه رغب أيّوب في العفو عنها إحتراماً وتقديراً لوفائها ولخدماتها التي قدّمتها إليه أيّام مرضه ، ولكن مسألة القسم بالله كانت تحول دون ذلك .

وهنا شمل الباريء عزّوجلّ أيّوب (عليه السلام) مرّة اُخرى بألطافه ورحمته ، وذلك عندما أوجد حلاًّ لهذه المشكلة المستعصية على أيّوب {وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث} .

«ضغث» تعني ملء الكفّ من الأعواد الرقيقة ، كسيقان الحنطة والشعير أو الورد وما شابهها .

وعن الأمر الذي أنكرته زوجة أيّوب على زوجها والتي تدعى (ليا) بنت يعقوب ، فقد إختلف المفسّرون في تفسيره . . .

فقد نقل عن (ابن عبّاس) أنّ الشيطان ظهر بصورته الطبيعية لزوجة أيّوب ، وقال لها : إنّي اُعالج زوجك بشرط أن تقولي حينما يتعافى : إنّي الوحيد الذي كنت السبب في معافاته ، ولا اُريد أيّ اُجرة على معالجته . . . الزوجة التي كانت متألّمة ومتأثّرة بشدّة لإستمرار مرض زوجها وافقت على الإقتراح ، وعرضته على زوجها أيّوب فيما بعد ، فتأثّر أيّوب كثيراً لوقوع زوجته في شرك الشيطان ، وحلف أن يعاقب زوجته .

وقال البعض إنّ أيّوب بعث زوجته لمتابعة عمل ما ، فتأخّرت في العودة إليه ، فتأثّر أيّوب الذي كان يعاني من آلام المرض ، وحلف أن يعاقب زوجته .

على أيّة حال ، فإنّ زوجته كانت تستحقّ الجزاء من هذا الجانب ، أمّا من جانب وفائها وخدمتها أيّوب طوال فترة مرضه فإنّه يجعلها تستحقّ العفو أيضاً .

حقّاً إنّ ضربها بمجموعة من سيقان الحنطة أو الشعير لا تعطي مصداقاً واقعياً لحلفه ، ولكنّه نفّذ هذا الأمر لحفظ إحترام اسم الله ، والحيلولة دون إشاعة مسألة إنتهاك القوانين ، وهذا الأمر ينفّذ فقط بشأن الطرف الذي يستحقّ العفو ، وفي الموارد الاُخرى التي لا تستحقّ العفو لا يجوز لأحد القيام بمثل هذا العمل (4) .

الآية الأخيرة في بحثنا هذا ـ التي هي بمثابة عصارة القصّة من أوّلها حتّى آخرها ـ تقول : {إنّا وجدناه صابراً نعم العبد إنّه أوّاب} .

ومن الواضح أنّ دعاء أيّوب الباريء عزّوجلّ ، وطلبه دفع الوساوس الشيطانية عنه ، ورفع البلاء والمرض عنه ، كلّ هذه لا تتنافى مع مقام صبره وتحمّله ، ذلك الصبر والتحمّل الذي استمرّ لمدّة سبع سنين ، وفي روايات اُخرى لمدّة ثمانية عشر عاماً ـ للأوجاع والأمراض والفقر والعسر وإستمرار الشكر .

الذي يلفت النظر في هذه الآية أنّها أعطت ثلاثة أوصاف لأيّوب ، كلّ واحد منها إن توفّر في أي إنسان فهو إنسان كامل .

أوّلا : مقام عبوديته .

ثانياً : صبره وتحمّله وثباته .

ثالثاً : إنابته المتكرّرة إلى الله .

 

وقوله تعالى : {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47) وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ} [ص : 46 - 48]

 

الأنبياء الستّة :

متابعة للآيات السابقة التي تطرّقت بإختصار إلى حياة (داود) و (سليمان) وبصورة أكثر إختصاراً لحياة (أيّوب) إذ بيّنت أهم النقاط البارزة في حياة هذا النّبي الكبير ، وتستعرض آيات بحثنا هذا أسماء ستّة من أنبياء الله ، وتوضّح بصورة مختصرة بعض صفاتهم البارزة التي يمكن أن تكون اُنموذجاً حيّاً لكلّ بني الإنسان .

والذي يلفت الإنتباه ، هو أنّ هذه الآيات إستعرضت ستّ صفات مختلفة لاُولئك الأنبياء الستّة ، ولكلّ صفة معناها ومفهومها الخاصّ بها .

ففي البداية تخاطب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) {واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب} .

مقام العبودية هو أوّل ميزة لاُولئك الأنبياء ، وحقّاً فإنّ كلّ شيء جمع في هذه الصفة فالعبودية لله تعني التبعية المطلقة له ، وتعني الإستسلام الكامل لإرادته ، والإستعداد لتنفيذ أوامره في كلّ الأحوال .

العبودية لله تعني عدم الإحتياج لغيره ، وعدم التوجّه لسواه ، والتفكير بلطفه ورحمته فقط ، هذا هو أوج تكامل الإنسان وأفضل شرف له .

ثمّ تضيف الآية : {اُولي الأيدي والأبصار} .

إنّه لتعبير مثير للعجب؟ أصحاب الأيدي والأبصار!

«أيدي» جمع (يد) ، و (أبصار) جمع (بصر) .

الإنسان يحتاج إلى قوّتين لتحقيق أهدافه ، الاُولى قوّة الإدراك والتشخيص ، والثانية حسن الأداء . وبعبارة اُخرى : يجب عليه الإستفادة من (العلم) و (القدرة) للوصول إلى أهدافه .

وقد وصف الباريء عزّوجلّ أنبياءه بأنّهم ذوو إدراك وتشخيص وبصيرة قويّة ، وذوو قوّة وقدرة كافية لإنجاز أعمالهم .

إنّ هؤلاء الأنبياء على مستوى عال من المعرفة ، وأنّ مستوى علمهم بشريعة الله وأسرار الخلق وخفايا الحياة لا يمكن تحديده .

أمّا من حيث الإرادة والتصميم وحسن الأداء ، فإنّهم غير كسولين أو عاجزين أو ضعفاء ، بل هم أشخاص ذوو إرادة قويّة وتصميم راسخ ، إنّهم قدوة لكلّ السائرين في طريق الحقّ ، فبعد مقام العبودية الكامل لله تعالى ، لتسلّحوا بهذين السلاحين القاطعين .

وممّا يستنتج من هذا الحديث أنّه ليس المراد من اليد والعين أعضاء الحسّ التي يمتلكها غالبية الناس ، لأنّ هناك الكثيرين ممّن يمتلكون هذين العضوين لكنّهم لا يمتلكون الإدراك والشعور الكافي ، ولا القدرة على التصميم ، ولا حسن الأداء في العمل ، وإنّما هي كناية عن صفتين هما (العلم والقدرة) .

أمّا الصفة الرابعة لهم فيقول القرآن بشأنها : {إنّا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار}(5) .

نعم ، إنّهم يتطلّعون إلى عالم آخر ، واُفق نظرهم لا ينتهي عند الحياة الدنيا ولذّاتها المحدودة ، بل يتطّلعون إلى ما وراءها من حياة أبدية ونعيم دائم ، ولهذا يبذلون الجهد ويسعون غاية السعي لنيلها .

وعلى هذا فإنّ المراد من كلمة (الدار) هي الدار الآخرة ، لأنّه لا توجد دار غيرها ، وإن وجدت فما هي إلاّ جسر أو ممرّ يؤدّي إلى الآخرة في نهاية الأمر .

بعض المفسّرين احتملوا أن يكون المراد من الدار هنا دار الدنيا ، وعبارة (ذكرى الدار) إشارة إلى الذكر الحسن الباقي لاُولئك الأنبياء في هذه الدنيا ، وهذا الإحتمال مستبعد جدّاً ، وخاصّة أنّ كلمة (الدار) جاءت بشكل مطلق ، وكذلك لا تتناسب مع كلمة (ذكرى) .

والبعض الآخر إحتمل أنّ المراد هو ذكرهم الحسن والجميل في دار الآخرة ، وهذا مستبعد أيضاً .

وعلى أيّة حال ، فلعلّ الإنسان يتذكّر الآخرة بين حين وآخر ، خاصّة عند وفاة أحد أصدقائه أو مشاركته في مراسم التشييع أو مجالس الفاتحة ، وهذا الذكر ليس خالصاً وإنّما هو مشوب بذكر الدنيا ، أمّا عباد الله المخلصون فإنّ لهم توجّهاً خالصاً وعميقاً ومستمراً بالنسبة للدار الآخرة ، فهي على الدوام تتراءى أمام أعينهم ، وعبارة (خالصة) في الآية إشارة إلى هذا المعنى .

الصفتان الخامسة والسادسة جاءتا في الآية التالية {وإنّهم عندنا لمن المصطفين الأخيار} (6) .

إنّ إيمانهم وعملهم الصالح كانا السبب في إصطفاء الباريء عزّوجلّ لهم من بين الناس لأداء مهام النبوّة وحمل الرسالة ، وعملهم الصالح وصل إلى درجة . استحقّوا بحقّ إطلاق كلمة (الأخيار) عليهم ، فأفكارهم سليمة ، وأخلاقهم رفيعة ، وتصرفاتهم وأعمالهم طوال حياتهم متّزنة ، ولهذا السبب فإنّ بعض المفسّرين يستفيدون من هذه العبارة وأنّ الله سبحانه وتعالى اعتبر اُولئك أخياراً من دون أي قيد وشرط ، كدليل على عصمة الأنبياء ، لأنّه متى ما كان وجود الإنسان كلّه خيراً ، فمن المؤكّد أنّه معصوم (7) .

عبارة (عندنا) مليئة بالمعاني العميقة ، وتشير إلى أنّ إصطفاءهم وإعتبارهم من الأخيار لم يتمّ وفق تقييم الناس لهم ، التقييم الذي لا يخلو من التهاون وغضّ النظر عن كثير من الاُمور ، وإنّما تمّ بعد التحقّق من كونهم أهلا لذلك وبعد تقييمهم ظاهرياً وباطنياً .

وبعد أن أشارت الآية السابقة إلى مقام ثلاثة أنبياء بارزين ، تشير الآية التالية ، إلى ثلاثة آخرين ، إذ تقول : {واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل كلّ من الأخيار} .

فكلّ واحد منهم كان مثالا واُسوة في الصبر والإستقامة وطاعة أوامر الباريء عزّوجلّ ، خاصّة «إسماعيل» الذي كان على إستعداد كامل للتضحية بروحه في سبيل الله ، ولهذا السبب اُطلق عليه لقب (ذبيح الله) وهو الذي ساهم مع والده إبراهيم (عليه السلام) في بناء الكعبة الشريفة وتثبيت اُسس التجمّع العظيم الذي يتمّ في موسم الحجّ كلّ عام .

وإستعراض آيات القرآن الكريم لحياة اُولئك العظام ليستلهم منها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وكلّ المسلمين العبر ، ومطالعة حياة أمثال هؤلاء الرجال العظام توجّه حياة الإنسان ، وتبعث فيه روح التقوى والتضحية والإيثار ، وتجعله في نفس الوقت صابراً صامداً أمام المشاكل والحوادث الصعبة .

عبارة (كلّ من الأخيار) تشير إلى أنّ الأنبياء الثلاثة (إسماعيل ، واليسع ، وذو الكفل) تنطبق عليهم كافّة الصفات التي وصف بها الأنبياء الثلاثة السابقون (إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب) الذين اُطلقت عليهم الآية السابقة صفة (الأخيار) ، كما أنّ (الخير المطلق) له معان واسعة تشمل (النبوّة) و (الدار الآخرة) و (مقام العبودية) و (العلم والقدرة) .

أمّا (اليسع) فقد ورد إسمه مرتين في القرآن المجيد ، إحداها في هذه السورة ، والاُخرى في الآية (86) من سورة الأنعام ، وما جاء في القرآن الكريم يوضّح أنّه من الأنبياء الكبار ومن الذين يقول عنهم القرآن في آياته : { وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} [الأنعام : 86] .

البعض يعتقد أنّ (اليسع) هو (يوشع بن ذنون) أحد أنبياء بني إسرائيل المعروفين ، وقد دخلت الألف واللام على اسمه كما اُبدلت الشين بالسين ، ودخول الألف واللام على الإسم غير العربي (وهذا اسم عبري) أمر غير جديد ، فمثلها مثل (إسكندر) التي تلفظ وتكتب بالعربية (الإسكندر) إذ هو نوع من التقريب .

في حين أنّ البعض يعتبرها كلمة عربية مشتقّة من (يسع) والتي هي فعل مضارع مشتقّ من (وسعت) ولتحويله إلى إسم اُضيف إليه الألف واللام .

الآية (86) من سورة الأنعام بيّنت أنّه من ذريّة إبراهيم ، ولكن لم تبيّن إن كان من أنبياء بني إسرائيل ، أم لا؟

أمّا فصل الملوك في كتاب التوراة فقد جاء فيه أنّ إسمه (اليشع) بن (شافات) ، ومعنى (اليشع) في اللغة العبرية هو (الناجي) فيما تعني (الشافات) (القاضي) .

وقد إعتبر قسم آخر أنّه (الخضر) ولم يتوفّر بعد أيّ دليل واضح على هذا القول .

واعتبر قسم آخر أنّه (ذو الكفل) وهذا الكلام مخالف بوضوح لما جاء في الآية مورد بحثنا ، لأنّ ذا الكفل معطوفاً على اليسع .

وعلى أيّة حال ، فإنّ اليسع هو نبي له مقام رفيع وذو إستقامة ، وما ذكرناه بشأنه كاف للإستلهام منه .

وأمّا (ذو الكفل) فهو أيضاً معروف بأنّه أحد أنبياء الله ، وذكره ورد مع أنبياء آخرين في الآية (85) من سورة الأنبياء ، وجاء بالضبط بعد إسم إسماعيل وإدريس . والبعض يعتقد أنّه من أنبياء بني إسرائيل ، وأنّه من أبناء أيّوب وإسمه الحقيقي (بشر) أو (بشير) أو (شرف) والبعض يرى أنّه (حزقيل) وذو الكفل هو لقب اُطلق عليه (8) .

وحول تسمية (ذي الكفل) بهذا الإسم (الكفل يعني النصيب) ويعني (الكفالة والتعهّد) وردت عدّة تفاسير ، منها :

قال البعض : إنّه سمّي بذي الكفل لأنّ الله سبحانه وتعالى أنزل عليه نصيباً وافراً من الثواب وشمله برحمته الواسعة .

وقال بعضهم : لأنّه التزم بتعهّده بقيام الليل بالعبادة ، وصيام النهار ، وعدم السخط من قضاء الله ، وبهذا اُطلق عليه هذا اللقب .

وبعض آخر قال : سمّي بذي الكفل لأنّه تكفّل بمجموعة من أنبياء بني إسرائيل ، وأنقذهم من ملوك زمانهم الجبّارين .

وعلى أيّة حال ، فإنّ ما في حوزتنا اليوم من معلومات عن نبي الله ذي الكفل يدلّ على إستقامته في طريق طاعة وعبادة الله ، ومقاومة الجبابرة ، وأنّه نموذج بارز ليومنا الحاضر وما بعده ، رغم أنّ البعد الزمني بيننا وبينهم يحول دون المعرفة الدقيقة لتفاصيل أحوالهم .

________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج11 ، ص410-423 .

2 ـ هذه الرواية وردت في تفسير نور الثقلين نقلا عن تفسير علي بن إبراهيم ، ونفس المضمون

ورد في (تفسير القرطبي) و(الفخر الرازي) و(الصافي) وغيرها مع إختلاف بسيط .

3 ـ وسائل الشيعة ، المجلّد الأوّل ، الباب الثالث عشر من أبواب آداب الحمّام الحديث 13 .

4 ـ نظير هذا المعنى ورد في باب الحدود الإسلامية وتنفيذها بحقّ المرضى المذنبين (كتاب الحدود أبواب حدّ الزنا) .

5 ـ (ذكرى الدار) من الممكن أن تكون خبراً لمبتدأ محذوف ، وتقدير العبارة (هي ذكر الدار) ، ومن الممكن أن تكون بدلا من (خالصة) .

6 ـ (مصطفين) (بفتح الفاء) جمع مصطفى ، وفي الأصل كانت (مصطفيين) حذفت ياؤها الاُولى فأصبحت (مصطفين) .

7 ـ تفسير الفخر الرازي ، المجلّد 26 ، الصفحة 217 .

8 ـ أعلام القرآن وتفسير القرطبي وتفسير روح البيان وتفسير الميزان ، كلّ منها أشارت إلى جزء من الموضوع المذكور أعلاه .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .