أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-9-2020
25733
التاريخ: 26-03-2015
28347
التاريخ: 13-9-2020
17410
التاريخ: 25-03-2015
4911
|
الاستعارة أفضل المجاز، وأول أبواب البديع، وليس في حلي الشعر أعجب منها، وهي من محاسن الكلام إذا وقعت موقعها، ونزلت موضعها، والناس مختلفون فيها: منهم من يستعير للشيء ما ليس منه ولا إليه، كقول لبيد:
وغداة ريح قد وزعت وقرة ... إذ أصبحت بيد الشمال زمامها
فاستعار للفجر ملاءة، وأخرج لفظة مخرج التشبيه.. وكان أبو عمرو بن العلاء لا يرى أن لأحد مثل هذه العبارة، ويقول: ألا ترى كيف صير له ملاءة، ولا ملاءة له، إنما استعار له هذه اللفظة؟ وبعض المتعقبين يرى ما كان من نوع بيت ذي الرمة ناقص الاستعارة؛ إذ كان محمولاً على التشبيه، ويفضل عليه ما كان من نوع بيت لبيد، وهذا عندي خطأ؛ لأنهم إنما يستحسنون الاستعارة القريبة، وعلى ذلك مضى جلة العلماء، وبه أتت النصوص عنهم، وإذا استعير للشيء ما يقرب منه ويليق به كان أولى مما ليس منه في شيء، ولو كان البعيد أحسن استعارة من القريب لما استهجنوا قول أبي نواس:
بح صوت المال مما ... منك يشكو ويصيح
فأي شيء أبعد استعارة من صوت المال؟ فكيف حتى بح من الشكوى والصياح مع ما أن له صوتاً حين يوزن أو يوضع؟ ولم يرده أبو نواس فيما أقدر؛ لأن معناه لا يتركب على لفظه إلا بعيداً، وكذلك قول بشار:
وجدت رقاب الوصل أسياف هجرها ... وقدت لرجل البين نعلين من خدي
فما أهجن " رجل البين " وأقبح استعارتها!! ولو كانت الفصاحة بأسرها فيها، وكذلك " رقاب الوصل: ولا مثل قول ابن المعتز وهو أنقد النقاد:
كل وقت يبول زب السحاب
فهذا أردأ من كل رديء، وأمقت من كل مقيت.
قال القاضي الجرجاني: الاستعارة ما اكتفى فيها بالاسم المستعار عن الأصلي، ونقلت العبارة فجعلت في مكان غيرها، وملاكها بقرب التشبيه، ومناسبة المستعار للمستعار له، وامتزاج اللفظ بالمعنى حتى يوجد بينهما منافرة، ولا يتبين في أحدهما إعراض عن الآخر.
وقال قوم آخرون منهم أبو محمد الحسن بن علي بن وكيع: خير الاستعارة ما بعد، وعلم في أول وهلة أنه مستعار، فلم يدخله لبس، وعاب على أبي الطيب قوله:
وقد مدت الخيل العتاق عيونها ... إلى وقت تبديل الركاب من النعل
إذ كانت الخيل لها عيون في الحقيقة، ورجح عليه قول أبي تمام:
ساس الأمور سياسة ابن تجارب ... رمقته عين الملك وهو جنين
إذ كان الملك لا عين له في الحقيقة.
وقال أبو الفتح عثمان بن جني: الاستعارة لا تكون إلا للمبالغة، وإلا فهي حقيقة، قاله في شرح بيت أبي الطيب:
فتىً يملأ الأفعال رأياً وحكمةً ... وبادرةً أحيان يرضى ويغضب
وكلام ابن جني أيضاً حسن في موضعه؛ لأن الشيء إذا أعطى وصف نفسه لم يسم استعارة، فإذا أعطى وصف غيره سمي استعارة، إلا أنه لا يجب للشاعر أن يبعد الاستعارة جداً حتى ينافر، ولا يقربها كثيراً حتى يحقق، ولكن خير الأمور أوساطها.. قال كثير يمدح عمر بن عبد العزيز واستعار حتى حقق:
وقد لبست لبس الهلوك ثيابها ... وأبدت لك الدنيا بكف ومعصم
وترمق أحياناً بعينٍ مريضةٍ ... وتبسم عن مثل الجمان المنظم
وحسبك أنه وصف العين التي استعار بالمرض، وشبه المبسم بالجمان، وهذا إفراط غير جيد ههنا.
قال أبو الحسن الرماني: الاستعارة استعمال العبارة على غير ما وضعت له في أصل اللغة، وذكر قول الحجاج " إني أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها ".
وقد يأتي القدماء من الاستعارات بأشياء يتجنبها المحدثون، ويستهجنونها، ويعافون أمثالها ظرفاً ولطافة، وإن لم تكن فاسدة ولا مستحيلة؛ فمنها قول امرئ القيس:
وهر تصيد قلوب الرجال ... وأفلت منها ابن عمرو حجر
فكان لفظة هر استعارة الصيد معها مضحكة هجينة، ولو أن أباه حجراً من فارات بيته ما أسف على إفلاته منها هذا الأسف، وأين هذه الاستعارة من استعارة زهير حين قال يمدح:
ليث بعثر يصطاد الرجال إذا ... ما كذب الليث عن أقرانه صدقا
لا على أن امرأ القيس أتى بالخطأ على جبهته، ولكن للكلام قرائن تحسنه، وقرائن تقبحه، كذكر الصيد في هذين البيتين.
ولعل معترضاً يقول: العرب لا تعرف إلا الحقائق، ولا تلتفت إلى كلام السفلة، فقد قدمت هذا في أول كلامي، وعرفت أنه لا يلزم، ولكن يرغب عنه في الواجب، ألا ترى أن بعض الوزراء وقيل: بل هو المأمون غير المسلحة واستهجنها لما فيها فقال: قولوا المصلحة، وليس ذلك لعلة إلا موافقة كلام السفلة.
وقال الرماني: الاستعارة الحسنة ما أوجب بلاغة، ببيان لا تنوب منابه الحقيقة، كقول امرئ القيس: قيد الأوابد واسترذل قول بعض المولدين: اسفري لي النقاب يا ضرة الشمس بأن قال: أتراه ظن أن الضرة لا تكون إلا حسنة؟! وإلا فأي وجه لاختياره هذه الاستعارة.
ومثل قول امرئ القيس المتقدم ذكره في القبح قول مسلم بن الوليد:
وليلةٍ خلست للعين من سنةٍ ... هتكت فيها الصبا عن بيضة الحجل
فاستعار للحجل يعني الكلل بيضة، كما استعارها امرؤ القيس للخدر في قوله: وبيضة خدر لا يرام خباؤها وكلاهما يعني المرأة، فاتفق لمسلم سوء الاشتراك في اللفظ؛ لأن بيضة الحجل من الطير تشاركها، وهي لعمري حسنة المنظر كما عرفت.. وقال في موضع آخر:
رمت السلو وناجاني الضمير به ... فاستعطفتني على بيضاتها الحجل
فما الذي أعجبه من هذه الاستعارة قبحها الله!!؟ ولو قال " الكلل " لتخلص وأبدع فكان تبعاً لامرئ القيس في جودة هذه الاستعارة..
وقال حبيب على بصره بهذا النوع: والله مفتاح باب المعقل الأشب فجعل الله تعالى اسمه مفتاحاً، وأي طائل في هذه الاستعارة مع ما فيها من البشاعة والشناعة!!؟ وإن كنا نعلم أنما أراد أمر الله وقضاءه.
واعترض بعض الناس على قول أبي تمام:
وللجود باب في الأنام ولم تزل ... مذ كنت مفتاحاً لذاك الباب
بحضرة بعض أصحابنا، وقال: أتى إلى ممدوحه فجعله مفتاحاً، فهلا قال كما قال ابن الرومي:
قبل أنامله فلسن أناملا ... لكنهن مفاتح الأرزاق
فقال له الآخر: عجبت منك تعيب أن يجعل ممدوحه مفتاحاً وقد جعل ربه كذلك، وأنشد البيت المتقدم عجزه.
وقال في ممدوح ذكر أنه يعطيه مرة ويشفع له أخرى إلى أن يعطيه:
فإذا ما أردت كنت رشاء ... وإذا ما أردت كنت قليبا
فجعله مرة حبلاً ومرة بئراً.. وقال الآخر هو أبو تمام:
ضاحي المحيا للهجير وللقنا ... تحت العجاج تخاله محراثا
فلعنة الله على المحراث ههنا، ما أقبحه وأركه!!! وأين هذا كله من قوله المليح البديع:
أو ما رأت بردى من نسج الصبا ... ورأت خضاب الله وهو خضابي
وإن كان إنما أخذه من قول الله عز وجل: " صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة " قالوا: يريد الختان، وقيل: الفطرة.
والاستعارة إنما هي من اتساعهم في الكلام اقتداراً ودالة، ليس ضرورة؛ لأن ألفاظ العرب أكثر من معانيهم، وليس ذلك في لغة أحد من الأمم غيرهم، فإنما استعاروا مجازاً واتساعاً. ألا ترى أن للشيء عندهم أسماء كثيرة وهو يستعيرون له مع ذلك؟ على أنا نجد أيضا اللفظة الواحدة يعبر بها عن معان كثيرة، نحو " العين " التي تكون جارحة، وتكون الماء، وتكون الميزان، وتكون المطر الدائم الغزير، وتكون نفس الشيء وذاته، وتكون الدينار، وما أشبه ذلك كثير، وليس هذا من ضيق اللفظ عليهم، ولكنه مع الرغبة في الاختصار، والثقة بفهم بعضهم عن بعض. ألا ترى أن كل واحد من هذه التي ذكرنا له اسم غير العين أو أسماء كثيرة؟ ومما اختاره ابن الأعرابي وغيره قول أرطاة بن سهية:
فقلت لها يا أم بيضاء إنني ... هريق شبابي واستشن أديمي
فقال هريق شبابي لما في الشباب من الرونق والطراوة التي هي كالماء، ثم قال استشن أديمي لأن الشن هو القربة اليابسة؛ فكأن أديمه صار شناً لما هريق ماء شبابه؛ فصحت له الاستعارة من كل وجه ولم تبعد.
ومثل ذلك في الجودة ما اختاره ثعلب وفضله جماعة مما قبله، وهو قول طفيل الغنوي:
فوضعت رحلي فوق ناجية ... يقتات شحم سنامها الرحل
فجعل شحم سنامها قوتاً للرحل، وهذه استعارة كما تراها كأنها الحقيقة لتمكنها وقربها، وقد تناولها جماعة منهم كلثوم بن عمرو العتابي: قال في قصيدة يعتذر فيها إلى الرشيد:
ومن فوق أكوار المهاري لبانة ... أحل لها أكل الذرى والغوارب
ثم أتى أبو تمام وعول على العتابي وزاد المعنى زيادة لطيفة بينة فقال:
وقد أكلوا منها الغوارب بالسرى ... فصاحت لها أشباحهم كالغوارب
وكان ابن المعتز يفضل ذا الرمة كثيراً، ويقدمه بحسن الاستعارة والتشبيه، لا سيما بقوله:
فلما رأيت الليل والشمس حية ... حياة الذي يقضي حشاشه نازع
لأن قوله والشمس حية من بديع الكلام والاستعارة، وباقي البيت من عجيب التشبيه. واختار الحاتمي في باب الاستعارة في وصف سحائب وأظنه لابن ميادة، واسمه الرماح بن أبرد من بني مرة، وميادة أمه:
إذا ما هبطنا القاع قد مات بقله ... بكينا به حتى يعيش هشيم
ورواه قوم لأبي كبير، وابن ميادة أولى به وأشبه.
والاستعارة كثيرة في كتاب الله عز وجل وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم: من ذلك قوله تعالى: " لما طغى الماء " وقوله: " فلما سكت عن موسى الغضب " وقوله: " وسمعوا لها شهيقاً وهي تفور، تكاد تميز من الغيظ "، فالشهيق والغيظ استعارتان، وقوله تعالى: " يا أرض ابلغي ماءك " وكثير من هذا لو تقصى لطال جداً. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " الدنيا حلوة خضرة " وقوله لحالب حلب ناقة: " دع داعي اللبن " يعني بقية من اللبن في الحلب، وقوله: " تمسحوا بالأرض فإنها بكم برة ". قال أبو عبيد: يريد أنها منها خلقهم، ومنها معادهم وهي بعد الموت: كفاتهم وقوله: " رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي " فغسل الحوبة استعارة مليحة.
ومن أناشيد هذا الباب وهو فيما زعم ابن وكيع استعارة وقعت قول امرئ القيس يصف الليل:
وليل كموج البحر أرخى سدوله ... علي بأنواع الهموم ليبتلي
فقلت له لما تمطى بجوزه ... وأردف أعجازاً وناء بكلكل
فاستعار لليل سدولاً يرخيها، وهو الستور، وصلباً يتمطى به، وأعجازاً يردفها، وكلكلاً ينوء به، وقال حسان بن ثابت يذكر قتلة عثمان رحمة الله عليه:
ضحوا بأشمط عنوان السجود به ... يقطع الليل تسبيحاً وقرآنا
فالاستعارة قوله عنوان السجود به وقد أخذه من قول الله تعالى: " سيماهم في وجوههم من أثر السجود " وقال جميل العذري:
أكلما بان حي لا تلائمهم ... ولا يبالون أن يشتاق من فجعوا
علقتني بهوى منهم، فقد جعلت ... من الفراق حصاة القلب تنصدع
البديع " حصاة القلب " . ومن كلام المولدين قول أبي التواس:
بصحن خد لم يغض ماؤه ... ولم تخضعه أعين الناس
البديع كل البديع عجز البيت. وقال أيضاً:
فإذا بدا اقتادت محاسنه ... قسراً إليه أعنة الحدق
البديع " أعنة الحدق " وقوله: " اقتادت " . وقال أبو الطيب:
ضممت جناحيهم على القلب ضمة ... تموت الخوافي تحتها والقوادم
أراد بالجناحين ميمنة العسكر وميسرته، وبالقلب موضع الملك، والخوافي والقوادم السيوف والرماح، وهذا تصنيع بديع، كله حسن الاستعارات.. وقال:
صدمتهم بخميس أنت غرته ... وسمهريته في وجهه شمم
وهذا كالأول جودة.. وقال السري والموصلي:
يشق جيوب الورد في شجراته ... نسيم متى ينظر إلى الماء يبرد
فالبديع قوله: " متى ينظر ".
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|