المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الإحتياط
9-9-2016
لا تخلو الأرض من حجّة .
10-12-2015
المهن الجديدة في مجال الإعلام
2023-04-12
حكم الاسئار
23-12-2015
اجهزة نقل
2023-03-23
توزيع السكان حسب العُمر في المغرب
26-3-2018


الأدب في عصر إسماعيل  
  
1310   11:32 صباحاً   التاريخ: 1-10-2019
المؤلف : عمر الدسوقي
الكتاب أو المصدر : في الأدب الحديث
الجزء والصفحة : ص:121-124ج1
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الحديث /

لم يكن لهذه النهضة الشاملة، وهذا الإحياء القويّ الذي ظهر في عصر إسماعيل, ورجال البعثات أثر كبير في الأدباء الذين نشأوا في عصر محمد علي, وعاصروا إسماعيل بعد أن جمدت طباعهم، ورسخت عادتهم, وصار عسيرًا عليهم أن يتقبلوا الأفكار الجديدة, ويغيروا أسلوبهم في التعبير والتفكير، ولم يكن من المنتظر أن تؤثر النهضة في مثل هؤلاء الأدباء، ولم يتشربوا مبادئها، ويسيروا على هداها، ويتمتعوا بنورها ردحًا طويلًا من الزمن، ولم يكن من السهل التخلص من أوضار الماضي وتقاليده، ولا سيما ذلك الماضي القريب الذي يمت إلى عصور الضعف اللغويّ والفكريّ والخلفيّ؛ إذ لم ير الأدباء أمامهم أمثلةً تحتذى إلّا ما قيل في الماضي إن قريبًا وإن بعيدًا, أما الأدب الأوربيّ القويّ فلم يترجم في عصر إسماعيل منه إلّا شيءٌ يسيرٌ وبلغة ضعيفةٍ, ولا سيما الروايات المسرحية، ولو عرفه الأدباء ما استساغوه؛ لأن ثقافتهم كانت محدودة، وكان عصرهم مثقلًا بتلك التقاليد القديمة، والمدارس قليلة العدد، والمتعلمون في الأمة يعدون عدًّا.
هذا، وقد كان اهتمام مصر في عهد محمد علي وإسماعيل بالعلوم أعظم من اهتمامها بالأدب، ولولا ما أخرجته المطبعة العربية حينذاك من الكتب القديمة، واطلاع المحبين في الأدب, والراغبين في التزود من ينابيعه على آثار السلف، ودواوين كبار الشعراء الذين ظهروا في عصور القوة, لما كان للأدب في مصر والشرق العربيّ نصيب.
ولما كان الأدب الموروث هو أول ما عرفوا من الآداب, كان طبيعيًّا أن يحتذوه، ويحاكوه في موضوعاته وأسلوبه، ومعانيه وأخيلته، وقد تفاوت الأدباء في هذا التقليد تبعًا لمواهبهم وشخصياتهم، كما تفاوتوا في اختيار من قلدوهم فمنهم:
1-
أدباء لم تكن لهم شخصية ألبتة، بل ساروا في الطريق المعبَّد الذي سلكه مِنْ قبلهم أدباء عصور الانحطاط والضعف، ذلك هو طريق الشعراء النظامين أو العروضيين, لا يعرفون الشعر والأدب إلّا أنه مهارةٌ لفظيةٌ وقدرةُ على التفوه بعباراتٍ شعريةٍ ونثريةٍ لا حياة فيها ولا عاطفة ولا قوة, وإنما غرضها إظهار

(1/121)

البراعة في اقتناص ألوان البديع، حتى إنهم ليخلون بالإعراب في الكمات والتصريف، إذا تعارض الإعراب أو التصريف مع ما يريدونه من جناسٍ أو طباقٍ، ويفسدون بنية الكلمة، عساها تصادف ما يجرون وراءه من هذه الحلى التي يسترون بها عوار لغتهم الركيكة, وأفكارهم السقيمة، وخيالاتهم المريضة، ومثال هذه المدرسة العروضية في عصر إسماعيل: السيد علي أبو النصر, والشيخ علي الليثي، ولولا ما بهما من ظرفٍ طبيعيٍّ، ورقة قاهرية، ولولا أنهم أَلِفَا منادمة الأمراء والعظماء، وتطلبت المنادمة منهما أدبًا وحلاوة نكتة، وسرعة بديهة, لما خرجا عن نطاق أدباء مصر والشام إبَّان الدولة العثمانية، ولما امتازا بشيءٍ عن عبد الله الشبراوي، وحسن قويدر, وأضرابهما.
2-
أدباء كانت لهم -مع تقليدهم للسلف والأدب الموروث -شخصية، بيد أن هذه الشخصية كانت ترى من بعيد، ومن خلف الحجب الكثيفة من التقاليد، في العبارات والأساليب والأخلية، حائلة غير واضحة ولا مميزة، ولكنها تدل على أن هذا الأديب قد جاهد في أن ينفذ بشاعريته وأدبه من خلال هذه الحوائل الغليظة، وإن لم تمكنه شخصيته القوية، ولا أدبه المتين من التغلب عليها، خير مثل لهذا النوع من الأدباء هو: محمود صفوت الساعاتي، وإبراهيم مرزوق، وصالح مجدي.
3-
أدباء قويت شخصيتهم بعض الشيء، وحاولوا أن يجددوا، وأن يلونوا أدبهم بما يظهر نفسيتهم, ويطبعه بطابعهم، وقد نجحوا في ذلك أحيانًا، ولكنهم لم يستطيعوا أن يقاوموا سيطرة الأدب الموروث، ولا إغراء المحسنات، والزخارف، فضعفت هذه الشخصية، وتضاءلت أمام هذا الإغراء، فجاء أدبهم إبَّان هذا الضعف من نمط المدرسة الثانية، ومن هذه المدرسة: عبد الله فكري، تراه آنًا ينطلق على سجيته ولا يتقيد بهذه الصناعة السمجة المتكلفة في نثره، وبهذه الزخرفة اللفظية الممجوجة, فتتضح شخصيته وتنجلي فكرته، ويترسل في كتابته, فيفهم الناس منه ما يقول دون عناء، وهذا قليل في كتابته، وآنًا يجذبه ذلك الزخرف فيستعد ويهتم ويحتفي بموضوعه, ويبذل جهدًا شديدًا في صوغ العبارات، ويكاد هذا يطغى على شخصيته، وأكثر شعره ونثره من هذا الطراز.

(1/122)

4- وأدباء رزقوا الشخصية الغلابة، والأدب المتين، وحاكوا النماذج الرفيعة من أدب السلف، فاستحصدت مرتهم، وعظمت ذخريتهم من الأدب الرصين، فمزقوا هذه الحجب الكثيفة، وطرحوها جانبًا، وارتفعوا بالشعر وبالأدب إلى حيث الشمس الساطعة القوية, فتراءت معانيه، وتجلت أخيلته، واهتزت لديباجته المشرقة النفوس، قلدوا القدماء بل عارضوهم، وجروا وإياهم في ميدانٍ واحدٍ, ولكنهم لم يقلدوا الغَثَّ من الآداب, بل عمدوا إلى فحول الشعراء ينسجون على منوالهم, ويبارونهم في قصائدهم المشهورة الخالدة، فحلَّقوا معهم في سماواتهم، وأضفوا على الشعر لونًا جديدًا جذابًا, لم يستمتع به منذ أمد طويل.
أجل! لم يكونوا دائمًا في قوة فحول الأدباء والشعراء السابقين، بل قصروا عنهم في كثير من الأوقات، ولكن حسبهم أن سلم شعرهم من هذه العلل والأوصاب التي أزمنت لدى الشعر العربيّ قرونًا، ووصلت به إلى درك الغثاثة والركة والعجمة، وخير مثل لهذا النوع من الأدباء -أستغفر الله- بل باعث الشعر العربيّ في العصر الحديث، وصاحب هذه اليد الطولى على الأدب هو البارودي.
هذا, وقد ظهر في أخريات عصر إسماعيل فجر نهضةٍ جديدةٍ في الأدب، لم تكن مدارس إسماعيل، ولا حركة الإحياء في عهده هي الباعث عليها، ولكن رغبة إسماعيل في أن يرى مصر بين عشيةٍ وضحاها قطعةً من أوربا في مدنيتها وحضارتها، وجعلته يسرف في مال مصر ويبدده في هذه السبيل, غير ناظر إلى الشعب ومصيره. واتخذ الأجانب من حب إسماعيل للحضارة الأوروبية وسيلةً لاستيطان مصر، فجاؤوا زرافاتٍ ووحدانًا، يرتادون هذه الأرض البكر, وينشئون البيوت التجارية والمصارف المالية، ويتقدمون لخدمة الحكومة في جميع مصالحها, ولما استدان إسماعيل، وأثقلته ومصر الديون, عظم نفوذ هؤلاء الأجانب, وشجعتهم حكوماتهم وحمتهم امتيازاتهم، فكان هذا النفوذ المتزايد سببًا في تنبه المصريين إلى الخطر الداهم الذي ينتظر بلادهم.

(1/123)

وتصادف أن كان بمصر الزعيم المصلح السيد جمال الدين الأفغاني -وكان من الملهمين في العصر الحديث- فبثَّ تعاليمه الإصلاحية، وشجَّع حركة الاستياء من طغيان النفوذ الأجنبين، وأخذ يقتحم هذا الحمى الذي ظل قرونًا لا يقرب، وهو حق الحاكم في التصرف برعاياه وأموالهم ونفوسهم، فوجَّه الانتقاد لإسماعيل, وحاسبه في الصحف المختلفة التي يكتب فيها أتباعه ومريدوه, من أمثال: أديب إسحاق، وإبراهيم المويلحي، وسليم نقاش، وعبد الله نديم، ويوسف أبو السعود، وهو من ورائهم يغذيهم بروحه وتشجيعه وآرائه، ويكتب هو أحيانًا مستترًا.
وهذه الحركة أنتجت أدبًا قوميًّا؛ حيث وجهت الأدب -ولا سيما النثر- إلى النظر إلى شئون الشعوب العربية، والدفاع عن حقوقها, ووصف أمراضها وأدوائها، وماتتطلبه هذه الأوصاب من علاجٍ، ولنا عودة إلى هذا الأدب ومظاهره فيما بعد.
وحريٌّ بنا، وقد ألقينا هذه النظرة العاجلة على ألوان الأدب في عصر إسماعيل, أن نعود إلى هذه الألوان والنماذج فندرسها بشيءٍ من التفصيل.





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.