أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-8-2019
17771
التاريخ: 13-8-2019
25471
التاريخ: 6-8-2019
3789
التاريخ: 6-8-2019
1367
|
قال تعالى : {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة : 128 ، 129] .
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هاتين الآيتين (1) :
خاطب الله سبحانه جميع الخلق ، وأكد خطابه بالقسم فقال : {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} عنى بالرسول محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ، أي : جاءكم رسول من جنسكم من البشر ، ثم من العرب ، ثم من بني إسماعيل ، عن السدي وقيل : إن الخطاب للعرب ، وليس في العرب قبيلة إلا وقد ولدت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وله فيهم نسب ، عن ابن عباس . وقيل : معناه إنه من نكاح لم يصبه شئ من ولادة الجاهلية ، عن الصادق عليه السلام . وروى ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ما ولدني من سفاح أهل الجاهلية شيء ، ما ولدني إلا نكاح كنكاح الاسلام . وإنما من الله عليهم بكونه منهم ، لأنهم عرفوا مولده ، ومنشأه ، وشاهدوه صغيرا وكبيرا ، وعرفوا حاله في صدقه وأمانته ، ولم يعثروا على شيء يوجب نقصا فيه ، فبالحري أن يكونوا أقرب إلى القبول منه ، والانقياد له .
{عزيز عليه ما عنتم} معناه : شديد عليه عنتكم أي : ما يلحقكم من الضرر بترك الإيمان . وقيل : معناه شديد عليه ما أثمتم ، عن الكلبي ، والضحاك . وقيل :
ما أعنتكم وضركم ، عن القتيبي . وقيل : ما هلكتم عليه ، عن ابن الأنباري {حريص عليكم} معناه : حريص على من لم يؤمن أن يؤمن ، عن الحسن ، وقتادة .
{بالمؤمنين رؤوف رحيم} قيل : هما واحد . والرأفة . شدة الرحمة .
وقيل : رؤوف بالمطيعين منهم ، رحيم بالمذنبين . وقيل : رؤوف بأقربائه ، رحيم بأوليائه ، رؤوف لمن رآه رحيم بمن لم يره . وقال بعض السلف : لم يجمع الله سبحانه لأحد من الأنبياء بين اسمين من أسمائه إلا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فإنه قال : {بالمؤمنين رؤوف رحيم} وقال : {ان الله بالناس لرؤوف رحيم} {فإن تولوا} أي : ذهبوا عن الحق ، واتباع الرسول ، وما يأمرهم به ، وأعرضوا عن قبوله . وقيل : معناه فإن تولوا عنك ، وعن الإقرار بنبوتك .
{فقل حسي الله} أي : كافي الله فإنه القادر على كل شيء {لا إله إلا هو عليه توكلت} وبه وثقت ، وعليه اعتمدت ، وأموري إليه فوضت {وهو رب العرش العظيم} خص العرش بالذكر تفخيما لشأنه ، ولأنه إذا كان رب العرش مع عظمه كان رب ما دونه في العظم . وقيل : إن العرش عبارة عن الملك والسلطان ، فمعناه : رب الملك العظيم في السماوات والأرض ، عن أبي مسلم . وقيل : إن هذه الآية آخر آية نزلت من السماء ، وآخر سورة كاملة نزلت سورة براءة . وقال قتادة : آخر القرآن عهدا بالسماء هاتان الآيتان خاتمة براءة .
_______________________
1. تفسير مجمع البيان ، ج5 ، ص 148-149 .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هاتين الآيتين (1) :
{ لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ } هذا الخطاب موجه لكل آدمي يبحث عن الحقيقة ، ويريد الهداية إليها ، والرسول هو محمد بن عبد اللَّه ( صلى الله عليه وآله ) بعثه اللَّه للبشرية جمعاء ، لينقذها من الجهالة والضلالة ، ويرشدها إلى طريق الحق والخير ، وما على من يبتغيهما الا ان ينظر بوعي وتجرد إلى سيرة محمد ( صلى الله عليه وآله ) وسنته والكتاب الذي جاء به من عند اللَّه ، فلقد آمن به مئات الملايين قديما وحديثا ، وفيهم العلماء والفلاسفة الذين تركوا دين الآباء والأجداد واعتنقوا الإسلام بعد ان ارتاحت إليه عقولهم وقلوبهم ، وبعد أن رأوا نبيه الأكرم كما وصفه اللَّه بقوله :
{ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ } . عزيز عليه ان يلقى كائن على وجه الأرض مكروها ، حتى ولو كان حيوانا ، حريص على هداية كل الناس وسعادتهم وصلاح شأنهم ، أما رأفته ورحمته فقد عمت الناس أجمعين :
{ وما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ } [الأنبياء - 107] . ومن أحاديثه : « أنا رجمة مهداة . . الراحمون يرحمهم اللَّه . . ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء » .
وتسأل : قال سبحانه في هذه الآية : { بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ } وقال في سورة الأنبياء : { وما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ } أي المؤمنين وغير المؤمنين ، فما هو وجه الجمع بين الآيتين ؟ .
الجواب : ان المراد بقوله : { وما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ } ان دين محمد هو دين الإنسانية ، وشريعته رحمة بكل الناس لو اتبعوها وعملوا بها لملأت الأرض خيرا وعدلا ، أما قوله : { بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ } فمعناه انه شديد الرأفة والرحمة بمن آمن بالحق ، وكف أذاه عن الناس ، أما من يعتدي عليهم ، ويعبث بحق من حقوقهم فإنه يقسو عليه قسوته على الباطل والفساد ، ولا تأخذه فيه هوادة ورأفة ، وهذا هو دين الإنسانية والرحمة ، فقد نهى سبحانه عن الرأفة في إقامة الحدود على المجرمين ، قال تعالى : « فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ ولا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ - 2 النور » .
وقال ابن العربي في الجزء الرابع من « الفتوحات المكية » : المراد بالمؤمنين من آمن بالحق وبالباطل ، لا خصوص من آمن بالحق . . وهذه شطحة صوفية .
{ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهً إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } . هذه هي مهمة الرسول : التبليغ ، وكفى . فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ، وكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) على يقين قاطع بأن اللَّه كافيه ومقويه بنصره وعنايته ، لأنه توكل عليه وحده لا إله إلا هو . . ونختم هذه السورة بما ختمها صاحب تفسير المنار ، قال :
« أما اصطفاؤه تعالى لبني هاشم على قريش فقد كان بما امتازوا به من الفضائل والمكارم ، فهاشم هو صاحب إيلاف قريش الذي أخذ لهم العهد من قيصر الروم على حمايتهم في رحلة الصيف إلى الشام ، ومن حكومة اليمن في رحلة الشتاء ، وهو أول من هشم الثريد للفقراء من قومه ولأهل موسم الحج كافة ، وقد أربى عليه بالسخاء والكرم ولده عبد المطلب . وجملة القول إن بني هاشم كانوا أكرم قريش أخلاقا ، وأبعدهم عن الكبر والأثرة ، لا ينازعهم أحد في ذلك » .
وفي بعض الروايات ان آخر آية نزلت من السماء قوله تعالى : { حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهً إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } .
_______________________
1. تفسير الكاشف ، ج4 ، ص 124-125 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هاتين الآيتين (1) :
قوله تعالى : ﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم﴾ العنت هو الضرر والهلاك ، وما في قوله : ﴿ما عنتم﴾ مصدرية التأويل عنتكم ، والمراد بالرسول على ما يشهد سياق الآيتين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقد وصفه بأنه من أنفسهم والظاهر أن المراد به أنه بشر مثلكم ومن نوعكم إذ لا دليل يدل على تخصيص الخطاب بالعرب أو بقريش خاصة ، وخاصة بالنظر إلى وجود رجال من الروم وفارس والحبشة بين المسلمين في حال الخطاب .
والمعنى لقد جاءكم أيها الناس رسول من أنفسكم ، من أوصافه أنه يشق عليه ضركم أو هلاككم وأنه حريص عليكم جميعا من مؤمن أو غير مؤمن ، وأنه رءوف رحيم بالمؤمنين منكم خاصة فيحق عليكم أن تطيعوا أمره لأنه رسول لا يصدع إلا عن أمر الله ، وطاعته طاعة الله ، وأن تأنسوا به وتحنوا إليه لأنه من أنفسكم ، وأن تجيبوا دعوته وتصغوا إليه كما ينصح لكم .
ومن هنا يظهر أن القيود المأخوذة في الكلام من الأوصاف أعني قوله ﴿رسول﴾ و ﴿من أنفسكم﴾ و ﴿عزيز عليه ما عنتم﴾ إلخ ، جميعها مسوقة لتأكيد الندب إلى إجابته وقبول دعوته ، ويدل عليه قوله في الآية التالية : ﴿فإن تولوا فقل حسبي الله﴾ .
قوله تعالى : ﴿فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم﴾ أي وإن تولوا عنك وأعرضوا عن قبول دعوتك فقل حسبي الله لا إله إلا هو أي هو كافي لا إله إلا هو .
فقوله : ﴿لا إله إلا هو﴾ في مقام التعليل لانقطاعه من الأسباب واعتصامه بربه فهو كاف لا كافي سواه لأنه الله لا إله غيره ، ومن المحتمل أن تكون كلمة التوحيد جيء بها للتعظيم نظير قوله : ﴿وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه﴾ [البقرة : 116] .
وقوله : ﴿عليه توكلت﴾ وفيه معنى الحصر تفسير يفسر به قوله : ﴿حسبي الله﴾ الدال على معنى التوكل بالالتزام ، وقد تقدم في بعض الأبحاث السابقة أن معنى التوكل هو اتخاذ العبد ربه وكيلا يحل محل نفسه ويتولى تدبير أموره أي انصرافه عن التسبب بذيل ما يعرفه من الأسباب ، ولا محالة هو بعض الأسباب الذي هو علة ناقصة والاعتصام بالسبب الحقيقي الذي إليه ينتهي جميع الأسباب .
ومن هنا يظهر وجه تذليل الكلام بقوله : ﴿وهو رب العرش العظيم﴾ أي الملك والسلطان الذي يحكم به على كل شيء ويدبر به كل أمر .
وإنما قال تعالى : ﴿فقل حسبي الله﴾ الآية ولم يقل : فتوكل على الله لإرشاده إلى أن يتوكل على ربه وهو ذاكر هذه الحقائق التي تنور حقيقة معنى التوكل ، وأن النظر المصيب هو أن لا يثق الإنسان بما يدركه من الأسباب الظاهرة التي هي لا محالة بعض الأسباب بل يأخذ بما يعلمه منها على ما طبعه الله عليه ويثق بربه ويتوكل عليه في حصول بغيته وغرضه .
وفي الآية من الدلالة على عجيب اهتمامه (صلى الله عليه وآله وسلم) باهتداء الناس ما ليس يخفى فإنه تعالى يأمره بالتوكل على ربه فيما يهتم به من الأمر وهو ما تبينه الآية السابقة من شدة رغبته وحرصه في اهتداء الناس وفوزهم بالسعادة فافهم ذلك .
_______________________
1 . تفسير الميزان ، ج9 ، ص 344-345 .
تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هاتين الآيتين (1) :
آخر آيات القرآن المجيد :
إنّ هذه الآيات برأي بعض المفسّرين ، هي آخر الآيات التي نزلت على النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم ، وبها تنتهي سورة براءة ، فهي في الواقع إشارة إلى كل المسائل التي مرّت في هذه السورة ، لأنّها تبيّن من جهة لجميع الناس ، سواء المؤمنون منهم أم الكافرون والمنافقون ، أنّ جميع الضغوط والتكاليف التي فرضها النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم والقرآن الكريم ، والتي ذكرت نماذج منها في هذه السورة ، كانت كلها بسبب عشق النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم لهداية الناس وتربيتهم وتكاملهم .
ومن جهة أخرى فإنّها تخبر النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم أن لا يقلق ولا يتحرق لعصيان وتمرد الناس ، والذي ذكرت منه- أيضا- نماذج كثيرة في هذه السورة ، وليعلم أنّ اللّه سبحانه حافظه ومعينه على كل حال .
ومن هنا فإنّ خطاب الآية الأولى موجه للناس ، فهي تقول : {لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} ، خاصّة وأنّه قد وردت لفظة {مِنْ أَنْفُسِكُمْ} بدل منكم ، وهي تشير إلى شدة ارتباط النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم بالناس ، حتى كأنّ قطعة من روح الناس والمجتمع قد ظهرت بشكل النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم ، ولهذا السبب فإنّه يعلم كل آلامهم ، ومطلع على مشاكلهم ، وشريكهم في غمومهم وهمومهم ، وبالتالي لا يمكن أن يتصور صدور كلام منه إلّا في مصلحتهم ، ولا يخطو خطوة إلّا في سبيلهم ، وهذا في الواقع أوّل وصف للنّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم ذكر في هذه الآية .
ومن العجيب أنّ جماعة من المفسّرين الذين وقعوا تحت تأثير العصبية القومية والعربية قالوا: إنّ المخاطب في هذه الآية هم العرب! أي أنّ النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم قد جاءكم من هذا الأصل! .
إنّنا نعتقد أن هذا هو أسوأ تفسير ذكر لهذه الآية ، لأنا نعلم أنّ الشيء الذي لم يجر له ذكر في القرآن الكريم هو مسألة الأصل والعرق ، ففي كل مكان تبدأ خطابات القرآن ب {يا أَيُّهَا النَّاسُ ويا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} وأمثالها ، ولا يوجد في أي مورد «يا أيّها العرب» و«يا قريش» وأمثال ذلك .
إضافة الى أنّ ذيل الآية الذي يقول : {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ} ينفي هذا التّفسير بوضوح ، لأنّ الكلام فيه عن كل المؤمنين ، من أي قومية أو عرق كانوا .
وممّا يثير الأسف أنّ بعض العلماء المتعصبين قد حجّموا عالمية القرآن وعموميته لكل البشر ، وحاولوا حصره في حدود القومية والعرق المحدودة .
وعلى كل حال ، فبعد ذكر هذه الصفة {مِنْ أَنْفُسِكُمْ} أشارت الآية إلى أربع صفات أخرى من صفات النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم السامية ، والتي لها الأثر العميق في إثارة عواطف الناس وجلب انتباههم وتحريك أحاسيسهم .
ففي البداية تقول : {عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ} أي أن الأمر لا ينتهي في أنّه لا يفرح لأذاكم ومصاعبكم ، بل إنّه لا يقف موقف المتفرج تجاه هذا الأذى ، فهو يتألم لألمكم ، وإذا كان يصرّ على هدايتكم ويتحمل الحروب المضنية الرهيبة ، فإنّ ذلك لنجاتكم أيضا ، ولتخليصكم من قبضة الظلم والاستبداد والمعاصي والتعاسة .
ثمّ تضيف أنّه {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} ويتحمس لهدايتكم .
«الحرص» في اللغة بمعنى قوة وشدة العلاقة بالشيء ، واللطيف هنا أن الآية أطلقت القول وقالت : {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} فلم يرد حديث عن الهداية ، ولا عن أي شيء آخر ، وهي تشير إلى عشقه صلى اللّه عليه وآله وسلّم لكل خير وسعادة ورقي لكم . وكما يقال: إن حذف المتعلق دليل على العموم .
وعلى هذا ، فإنّه إذا دعاكم وسار بكم إلى ساحات الجهاد المريرة ، وإذا شدّد النكير على المنافقين ، فإنّ كل ذلك من أجل عشقه لحريتكم وشرفكم وعزتكم .
وهدايتكم وتطهير مجتمعكم .
ثمّ تشير إلى الصفتين الثّالثة والرّابعة وتقول : {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ} وعلى هذا فإنّ كل الأوامر الصعبة التي يصدرها ، (حتى المسير عبر الصحاري المحرقة في فصل الصيف المقرون بالجوع والعطش لمواجهة عدو قوي في غزوة تبوك) فإنّ ذلك نوع من محبته ولطفه .
وهناك بحث بين المفسّرين في الفرق بين «الرؤوف» و«الرحيم» ، إلّا أنّ الذي يبدو أن أفضل تفسير لهما هو أنّ الرؤوف إشارة إلى محبّة خاصّة في حقّ المطيعين ، في حين أنّ الرحيم إشارة إلى الرحمة تجاه العاصين ، إلّا أنّه يجب أن لا يغفل عن أن هاتين الكلمتين عند ما تفصلان يمكن أن تستعملا في معنى واحد ، أمّا إذا اجتمعتا فتعطيان معنى مختلفا أحيانا .
وفي الآية التي تليها ، وهي آخر آية في هذه السورة ، وصف للنّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم بأنّه شجاع وصلب في طريق الحق ، ولا ييأس بسبب عصيان الناس وتمردهم ، بل يستمر في دعوتهم إلى دين الحق : {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ} فهو حصنه الوحيد . . أجل لا حصن لي إلّا اللّه ، فإليه استندت {وعَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} .
إنّ الذي بيده العرش والعالم العلوي وما وراء الطبيعة بكل عظمتها ، وهي تحت حمايته ورعايته ، كيف يتركني وحيدا ولا يعينني على الأعداء؟ فهل توجد قدرة لها قابلية مقاومة قدرته؟ أم يمكن تصور رحمة وعطف أشد من رحمته وعطفه ؟
إلهنا ، الآن وقد أنهينا تفسير هذه السورة ، ونحن نكتب هذه الأسطر ، فإن أعداءنا قد أحاطوا بنا ، وقد ثارت أمتنا الرشيدة لقلع جذور الظلم والفساد والاستبداد ، بوحدة لا نظير لها ، واتحاد بين كل الصفوف والطبقات بدون استثناء حتى الأطفال والرضع ساهموا في هذا الجهاد والمقارعة ، ولم يتوان أي فرد عن القيام بأي نوع من التضحية والفداء .
ربّاه ، إنّك تعلم كل ذلك وتراه ، وأنت منبع الرحمة والحنان ، وقد وعدت المجاهدين بالنصر ، فعجل النصر وأنزله علينا ، وارو هؤلاء العطاشى والعشاق من زلال الإيمان والعدل والحرية ، إنّك على كل شيء قدير .
______________________
1. تفسير الأمثل ، ج5 ، ص 415-417 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
العتبة العباسية تستقبل وفدًا من الملتقى الثقافي للسجناء السياسيين في محافظة واسط
|
|
|