أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-8-2019
5292
التاريخ: 9-8-2019
4898
التاريخ: 11-8-2019
13929
التاريخ: 10-8-2019
2913
|
قال تعالى : { اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة : 9 - 15] .
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :
قال تعالى : {اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [التوبة : 9-13] .
ثم بين سبحانه خصال القوم فقال : {اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا فصدوا عن سبيله} ومعناه : أعرضوا عن دين الله ، وصدوا الناس عنه بشيء يسير نالوه من الدنيا ، وأصل الاشتراء : استبدال ما كان من المتاع بالثمن ، ونقيضه البيع : وهو العقد على تسليم المتاع بالثمن . ومعنى الفاء هنا أن اشتراءهم هذا أداهم إلى الصد عن الاسلام ، وهذا ورد في قوم من العرب جمعهم أبو سفيان على طعامه ليستميلهم على عداوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، عن مجاهد . وقيل : ورد في اليهود الذين كانوا يأخذون الرشا من العوام على الحكم بالباطل ، عن الجبائي . (إنهم ساء ما كانوا يعملون} أي : بئس العمل عملهم . {لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة} سبق معناه . والفائدة في الإعادة أن الأول في صفة الناقضين للعهد ، والثاني في صفة الذين اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا . وقيل : إنما كرر تأكيدا .
{وأولئك هم المعتدون} أي : المجاوزون الحد في الكفر والطغيان . {فإن تابوا} أي : ندموا على ما كان منهم من الشرك ، وعزموا على ترك العود إليه ، وقبلوا الاسلام ، {وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة} أي : قبلوهما وأدوهما عند لزومهما ، (فإخوانكم في الدين} أي : فهم إخوانكم في الدين ، فعاملوهم معاملة إخوانكم من المؤمنين . {ونفصل الآيات} أي : نبينها ، ونميزها بخاصة لكل واحدة منها تتميز بها من غيرها ، حتى يظهر مدلولها على أتم ما يكون من الظهور فيها {لقوم يعلمون} ذلك ، ويتبينونه دون الجهال الذين لا يتفكرون .
{وإن نكثوا} أي : نقضوا {أيمانهم} أي : عهودهم ، وما حلفوا عليه {من بعد عهدهم} أي : من بعد أن عقدوه {وطعنوا في دينكم} أي : عابوه ، وقدحوا فيه {فقاتلوا أئمة الكفر} أي : رؤساء الكفر والضلالة ، وخصهم بالأمر بقتالهم ، لأنهم يضلون أتباعهم . قال الحسن : وأراد به جماعة الكفار ، وكل كافر إمام لنفسه في الكفر ، ولغيره في الدعاء إليه . وقال ابن عباس ، وقتادة : أراد به رؤساء قريش مثل الحرث بن هشام ، وأبي سفيان بن حرب ، وعكرمة بن أبي جهل ، وسائر رؤساء قريش الذين نقضوا العهد ، وكان حذيفة بن اليمان يقول : لم يأت أهل هذه الآية بعد . وقال مجاهد : هم أهل فارس والروم . وقرأ علي عليه السلام ، هذه الآية يوم البصرة ، ثم قال : أما والله! لقد عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال لي : يا علي لتقاتلن الفئة الناكثة ، والفئة الباغية ، والفئة المارقة! {إنهم لا أيمان لهم} من قرأ بفتح الهمزة فمعناه أنهم لا يحفظون العهد واليمين ، كما يقال : فلان لا عهد له ، أي : لا وفاء له بالعهد . ومن قرأ بالكسر فمعناه : لا تؤمنوهم بعد نكثهم العهد ، ويحتمل أن يكون معناه أنهم إذا آمنوا إنسانا لا يفون به ، ويحتمل أن يكون معناه أنهم كفروا فلا إيمان لهم .
{لعلهم ينتهون} معناه : قاتلوهم لينتهوا عن الكفر ، فإنهم لا ينتهون عنه بدون القتال . وقيل : معناه ليكن قصدكم في قتالكم انتهاؤهم عن الشرك . فإن قيل : كيف نفى بقوله {لا أيمان لهم} ما أثبته بقوله {وان نكثوا أيمانهم}؟ قيل له : إن الأيمان التي أثبتها ، هي ما حلفوا بها ، وعقدوا عليها ، وإنما نفاها من بعد ، لأنهم لم يفوا بها ، ولم يتمسكوا بموجبها {ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا باخراج الرسول} : الألف للاستفهام ، والمراد به التحضيض والإيجاب ، ومعناه : هلا تقاتلونهم ، وقد نقضوا عهودهم التي عقدوها . واختلف في هؤلاء ، فقيل : هم اليهود الذين نقضوا العهد ، وخرجوا مع الأحزاب ، وهموا باخراج الرسول من المدينة ، كما أخرجه المشركون من مكة ، عن الجبائي ، والقاضي . وقيل : هم مشركو قريش ، وأهل مكة {وهم بدؤوكم أول مرة} أي : بدؤوكم بنقض العهد ، عن ابن إسحاق والجبائي . وقيل : بدؤوكم بقتال حلفاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن خزاعة ، عن الزجاج .
وقيل : بدؤوكم بالقتال يوم بدر ، وقالوا حين سلم العير : لا ننصرف حتى نستأصل محمدا ، ومن معه {أتخشونهم} أي : أتخافون أن ينالكم من قتالكم مكروه ، لفظه استفهام والمراد به تشجيع المؤمنين ، وفي ذلك غاية الفصاحة ، لأنه جمع بين التقريع والتشجيع . {فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين} المعنى : لا تخشوهم ، ولا تتركوا قتالهم خوفا على أنفسكم منهم ، فإنه سبحانه أحق أن تخافوا عقابه في ترك أمره بقتالهم ، إن كنتم مصدقين بعقاب الله وثوابه ، أي : إن كنتم مؤمنين فخشية الله أحق بكم من خشية غيره ، والله أعلم وأحكم .
- {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة : 14-15] .
ثم أكد سبحانه ما تقدم بأن أمر المسلمين بقتالهم ، وبشرهم بالنصر والظفر عليهم ، فقال : {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم} قتلا وأسرا {ويخزهم} أي :
ويذلهم {وينصركم عليهم} أي : ويعنكم أيها المؤمنون عليهم ، {ويشف صدور قوم مؤمنين} يعني : صدور بني خزاعة الذين بيت عليهم بنو بكر ، عن مجاهد ، والسدي ، لأنهم كانوا حلفاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم {ويذهب غيظ قلوبهم} معناه : ويكون ذلك النصر شفاء لقلوب المؤمنين التي امتلأت غيظا لكثرة ما نالهم من الأذى من جهتهم ، ثم استأنف سبحانه ، فقال : {ويتوب الله على من يشاء} أي : ويقبل توبة من تاب منهم مع فرط تعديهم ، رحمة وفضلا {والله عليم حكيم} : عليم بتوبتهم إذا تابوا ، حكيم في أمركم بقتالهم إذا نكثوا قبل أن يتوبوا ويرجعوا ، لأن أفعاله كلها صواب وحكمة ، وفي هذا دلالة على نبوة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم لأنه وافق خبره المخبر .
_____________________________
1 . تفسير مجمع البيان ، ج5 ، ص 20-23 .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :
{ اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ } .
الضمير يعود إلى المشركين الذين أمر اللَّه بقتلهم ، والمعنى ان هؤلاء رفضوا الإسلام وحاربوه وصدوا عنه خوفا على مصالحهم التي آثروها على ما جاءهم من آيات اللَّه وبيناته . . ولا تختص هذه الآية بالمشركين وأهل الكتاب ، بل تشمل الذين يحرفوّن الدين وفقا لأهواء المستعمرين والمستغلين ، وسبق نظير هذه الآية في سورة آل عمران الآية 187 ج 2 ص 226 .
{ لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا ولا ذِمَّةً وأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ } . وتسأل : ان هذه الآية نظير الآية السابقة 8 ، وهي { وإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا ولا ذِمَّةً } فلما ذا أعاد ؟ .
الجواب : خاطب اللَّه سبحانه في الآية السابقة صحابة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وقال لهم : لو ظفر المشركون بكم لفعلوا الأعاجيب . . وربما توهم متوهم ان المشركين يضمرون الحقد والعداء للنبي والصحابة بالخصوص ، أي لأشخاصهم فقط ، فدفع سبحانه هذا التوهم بأن عداء المشركين للمسلمين آنذاك هو عداء مبدأي لا شخصي ، انه عداء الكفر للإيمان ، والباطل للحق : { وما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } [البروج : 8] .
{فَإِنْ تابُوا وأَقامُوا الصَّلاةَ وآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ ونُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} . تتفق هذه الآية مع الآية الخامسة من هذه السورة في فعل الشرط ، وهو { فَإِنْ تابُوا وأَقامُوا الصَّلاةَ وآتَوُا الزَّكاةَ } وتفترق في جواب الشرط ، فالجواب في السابقة { فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ } أي دعوهم وشأنهم ولا تتعرضوا لهم بسوء ، والجواب في هذه الآية {فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ} أي أنتم وهم سواء في الحقوق ، لا سيد ومسود ، وآكل ومأكول ، كما كانت الحال بين المشركين . ومع الاختلاف في جواب الشرط ينتفي التكرار ، على أن التكرار في القرآن غير عزيز .
{ وإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ } . الايمان بفتح الهمزة العهود والمواثيق ، والإمام هو السيد والقائد ، وعبّر سبحانه عن قتال أهل الكفر بقتال أئمتهم لأنهم هم الذين يقودونهم إلى الحرب ، وينكثون العهد ، ويطعنون ويجرّؤون أتباعهم على الطعن في النبي والقرآن ، وقوله تعالى : { لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ } يشير إلى أن القصد من القتال هو ردع المشركين عن الإصرار على قتال المسلمين : { ولا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا} [البقرة - 217] .
{ أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وهُمْ بَدَأوُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } ألا أداة طلب مثل هلا ، والخطاب موجه للمسلمين ، وضمير نكثوا وهموا وبدأوا عائد إلى كفار قريش لأنهم عاهدوا رسول اللَّه ( صلى الله عليه وآله ) على ترك القتال عشر سنين ، يأمن فيها الفريقان على أنفسهم وحلفائهم ، وكان ذلك سنة ست للهجرة ولكنهم لم يلبثوا ان نكثوا العهد ، وأيضا هم الذين هموا بقتل الرسول حتى اضطروه إلى الهجرة ، وهم الذين بدأوا القتال يوم بدر .
وبعد ان ذكّر سبحانه المسلمين بما فعل المشركون من نكث العهد ، وإخراج الرسول وبدء القتال - حثهم على الجهاد والقتال ، حيث لا رادع سواه ، ثم أذهب سبحانه الخوف من قلوب المسلمين بقوله : {أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} . وقوله : { إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } يشير إلى أن الخوف من اللَّه حقا وواقعا لا يكون ولن يكون إلا ممن يؤمن باللَّه حقا وواقعا ، اما غيره فإنه لا يخاف اللَّه إطلاقا ، وان خافه فخوفه خيال عابر . قال الإمام علي ( عليه السلام ) : « كل خوف محقق إلا خوف اللَّه فإنه معلول » أي ان خوف الإنسان من غير اللَّه له واقع ملموس ، أما خوفه من اللَّه فلا واقع له ، وانما هو مجرد خيال يعبر ويزول بأدنى شاغل .
{ قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ ويُخْزِهِمْ ويَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ ويَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ويُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ } . هذه الأوصاف تناسب فتح مكة ، لأن اللَّه أذل وأخزى به صناديد قريش ، ونصر المسلمين ، وشفى صدور المؤمنين الذين استضعفهم جبابرة الشرك قبل الهجرة ، وأذاقوهم ألوانا من العذاب والتنكيل .
{ ويَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } . كانت مكة عاصمة الحجاز ، ومركز كل نشاط في الجزيرة العربية ، وكان سادتها يشهرون سيف البغي والإرهاب على كل من تحدثه نفسه بالانضمام إلى محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، وبعد أن فتحها انتشرت عليها ظلال الإسلام واستسلم أولئك السادة الطغاة ، بل إن بعضهم أسلم طوعا ، لا خوفا ، وظاهرا وواقعا ، وهؤلاء هم الذين تاب اللَّه عليهم ، وأثابهم على إخلاصهم وصدق ايمانهم .
وبعد ، فإن كل حكم تضمنته هذه الآيات فهو خاص بمشركي العرب آنذاك ، لأنهم هم الذين أخرجوا الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وحاربوه وخانوا عهده . . وعلى افتراض انها توجب جهاد المشركين في كل زمان ومكان : فإن هذا الجهاد لا يجوز إلا بقيادة دولة اسلامية برئاسة المعصوم أو من ينوب عنه . . فأين هي الآن ؟ . وقد دعا إليها من دعا ، وألَّف حزبا من أجلها بزعمه ، ثم تبين انه عميل ، فحوكم على عمالته وخيانته للأمة والوطن ، وتخلى عنه من خدع به من المغفلين ، ولم يعرف أين مكانه الآن . . أجل ، ان جهاد الإنسان ودفاعه عن حريته وماله ووطنه لا يتوقف على وجود دولة اسلامية ، ولا يحتاج إلى الإذن من المعصوم ، وغير المعصوم ، لأن الدفاع عن النفس والوطن ، ونضال المستعمرين والمستثمرين حق تقدسه جميع الشرائع والقوانين ، وأشرنا إلى ذلك في ج 1 ص 299 وج 2 ص 90 ، وعند تفسير الآية 49 من الأنفال ، فقرة : هل الفدائيون مخربون ؟ .
___________________________
1. تفسير الكاشف ، ج4 ، ص 15-17 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :
قوله تعالى : ﴿اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا﴾ إلى آخر الآيتين ، بيان وتفسير لقوله في الآية السابقة : ﴿وأكثرهم فاسقون﴾ وكان قوله : ﴿اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا﴾ إلى آخر الآية توطئة وتمهيد لقوله في الآية الثانية : ﴿لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة﴾ .
وبذلك يظهر أن الأقرب أن المراد بالفسق الخروج عن العهد والذمة دون الفسق بمعنى الخروج عن زي عبودية الله سبحانه وإن كان الأمر كذلك .
وقوله : ﴿وأولئك هم المعتدون﴾ كالتفسير لجميع ما مر من أحوالهم الروحية وأعمالهم الجسمية ، وتفيد الجملة مع ذلك جوابا عن سؤال مقدر أو ما يجري مجراه والمعنى : إذا كان هذا حالهم وهذه أفعالهم فلا تحسبوا أن لو نقضتم عهدهم اعتديتم عليهم فأولئك هم المعتدون عليكم لما أضمروه من العداوة والبغضاء ولما أظهره أكثرهم في مقام العمل من الصد عن سبيل الله ، وعدم رعاية قرابة ولا عهد في المؤمنين .
قوله تعالى : ﴿فإن تابوا وأقاموا الصلاة﴾ إلى آخر الآيتين ، الآيتان بيان تفصيلي لقوله فيما تقدم : ﴿فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله﴾ .
والمراد بالتوبة بدلالة السياق الرجوع إلى الإيمان بالله وآياته ، ولذلك لم يقتصر على التوبة فقط بل عطف عليها إقامة الصلاة التي هي أظهر مظاهر عبادة الله ، وإيتاء الزكاة الذي هو أقوى أركان المجتمع الديني ، وقد أشير بهما إلى نوع الوظائف الدينية التي بإتيانها يتم الإيمان بآيات الله بعد الإيمان بالله عز اسمه فهذا معنى قوله : ﴿تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة﴾ .
وأما قوله : ﴿فإخوانكم في الدين﴾ فالمراد به بيان التساوي بينهم وبين سائر المؤمنين في الحقوق التي يعتبرها الإسلام في المجتمع الإسلامي : لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين .
وقد عبر في الآية عن ذلك بالأخوة في الدين ، وقال في موضع آخر : ﴿إنما المؤمنون إخوة﴾ الحجرات : 10 اعتبارا بما بينهم من التساوي في الحقوق الدينية فإن الأخوين شقيقان اشتقا من مادة واحدة وهما لذلك متساويان في الشئون الراجعة إلى ذلك في مجتمع المنزل عند والدهما الذي هو رب البيت ، وفي مجتمع القرابة عند الأقرباء والعشيرة .
وإذ كان لهذا المعنى المسمى بلسان الدين أخوة أحكام وآثار شرعية اعتنى بها قانون الإسلام فهو اعتبار حقيقة لنوع من الأخوة بين أفراد المجتمع الإسلامي لها آثار مترتبة كما أن الأخوة الطبيعية فيما اعتبرها الإسلام لها آثار مترتبة عقلائية ودينية وليست تسمية ذلك أخوة مجرد استعارة لفظية عن عناية مجازية ، وفيما نقل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : قوله : ﴿المؤمنون إخوة يسعى بذمتهم أدناهم ، وهم يد واحدة على من سواهم﴾ .
وقوله : ﴿وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم﴾ الآية يدل السياق أنهم غير المشركين الذين أمر الله سبحانه في الآية السابقة بنقض عهدهم وذكر أنهم هم المعتدون لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة فإنهم ناكثون للأيمان ناقضون للعهد ، فلا يستقيم فيهم الاشتراط الذي ذكره الله سبحانه بقوله : ﴿وإن نكثوا أيمانهم﴾ الآية .
فهؤلاء قوم آخرون لهم مع ولي الأمر من المسلمين عهود وأيمان ينكثون أيمانهم من بعد عهدهم ، أي ينقضون عهودهم من بعد عقدها فأمر الله سبحانه بقتالهم وألغى أيمانهم وسماهم أئمة الكفر لأنهم السابقون في الكفر بآيات الله يتبعهم غيرهم ممن يليهم ، يقاتلون جميعا لعلهم ينتهون عن نكث الأيمان ونقض العهود .
قوله تعالى : ﴿ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول﴾ الآية وما بعدها إلى تمام أربع آيات تحريض للمؤمنين وتهييج لهم على قتال المشركين ببيان ما أجرموا به في جنب الله وخانوا به الحق والحقيقة ، وعد خطاياهم وطغياناتهم من نكث الأيمان والهم بإخراج الرسول والبدء بالقتال أول مرة .
ثم بتعريف المؤمنين أن لازم إيمانهم بالله الذي يملك كل خير وشر ونفع وضر أن لا يخشوا إلا إياه إن كانوا مؤمنين به ففي ذلك تقوية لقلوبهم وتشجيعهم عليهم ، وينتهي إلى بيان أنهم ممتحنون من عند الله بإخلاص الإيمان له والقطع من المشركين حتى يؤجروا بما يؤجر به المؤمن المتحقق في إيمانه .
قوله تعالى : ﴿قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم﴾ إلى آخر الآيتين أعاد الأمر بالقتال لأنه صار من جهة ما تقدم من التحريض والتحضيض أوقع في القبول فإن الأمر الأول كان ابتدائيا غير مسبوق بتمهيد وتوطئة بخلاف الأمر الثاني الوارد بعد اشتداد الاستعداد وكمال التهيؤ من المأمورين .
على أن ما اتبع به الأمر من قوله : ﴿يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم﴾ إلى قوله : ﴿ويذهب غيظ قلوبهم﴾ يؤكد الأمر ويغري المأمورين على امتثاله وإجرائه على المشركين فإن تذكرهم إن قتل المشركين عذاب إلهي لهم بأيدي المؤمنين ، وإن المؤمنين أياد مجرية لله سبحانه وإن في ذلك خزيا للمشركين ونصرة من الله للمؤمنين عليهم وشفاء لصدور قوم مؤمنين وإذهابا لغيظ قلوبهم ، يجرئهم للعمل وينشطهم ويصفي إرادتهم .
وقوله : ﴿ويتوب الله على من يشاء﴾ الآية بمنزلة الاستثناء لئلا يجري حكم القتال على إطلاقه .
___________________________
1 . تفسير الميزان ، ج9 ، ص 130-132 .
تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :
قال تعالى : { اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ} [التوبة : 9-10] .
في هذه الآيات بيان لبعض علائم فسقهم وعصيانهم ، إذ أعربت الآية عن ذلك على النحو التالي {اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ} .
وقد جاء في بعض الرّوايات أن أبا سفيان أقام مأدبة ودعا إليها جماعة من الناس ، ليثير حفيظتهم وعداوتهم بوجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عن هذا الطريق.
ويعتقد بعض المفسّرين أنّ الآية محل البحث تشير إلى هذه القصة ، إلّا أن الظاهر أن الآية ذات مفهوم واسع يشمل هذه القصّة وما شاكلها حيث أغمضوا أعينهم وصدوا عن سبيل اللّه وآياته من أجل منافعهم المادية التي لا تدوم طويلا.
ثمّ تعقب الآية بالقول : {إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} فقد خسروا طريق السعادة وضيعوها ، وحرّموا الهداية ، وهم في الوقت ذاته أو صدوا الطريق بوجه الآخرين ، وأي عمل أسوأ من أن يحمل الإنسان وزره ووزر سواه! أمّا في آخر آية من الآيات- محل البحث- فهي تأكيد آخر على ما ورد في الآيات المتقدمة ، إذ تقول الآية : {لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا ولا ذِمَّةً} .
وهذه الخصلة فيهم لم يبتل بها المؤمنون فحسب بل يعتدون على كل من تناله أيديهم {وأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ} .
وبالرغم من أنّ مضمون هذه الآية تأكيد لما سبق من الآيات المتقدمة ، إلّا أنّ هناك فرقا بينهما ، حيث كان الكلام في ما سبق على عدم رعاية المشركين حرمة لخصوص النّبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأصحابه المتقّين حوله {كَيْفَ وإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا ولا ذِمَّةً} أمّا الآية محل البحث فالكلام فيها عن عدم رعايتهم حرمة لكل مؤمن {لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا ولا ذِمَّةً} .
أي إن المشركين لا ينظرون إليكم (النّبي والخواص من الصحابة) نظرة تمتاز عن سواكم بل هذه النظرة- نظرة العداء والبغضاء- ينظر بها المشركون إلى كلّ مؤمن ، ولا يكترثون بكل شيء ولا يرعون حرمة ولا عهدا ، فهم في الحقيقة أعداء الإيمان والحقّ ، وهم مصداق ما ذكره القرآن في شأن أقوام سابقين أيضا حيث يقول : {وما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج - 8] .
- {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة : 11 - 15] .
لم تخشون مقاتلة العدوّ ؟!
إنّ أحد أساليب الفصاحة والبلاغة أن يكرر المتحدّث المطلب المهم بتعابير مختلفة للتأكيد على أهمية ، وليكون له أثر في النفوس. ولما كانت مسألة تطهير المحيط الإسلامي من الوثنية وعبادة الأصنام وإزالة آثارها ، من المسائل ذات الأهميّة القصوى ، فإنّ القرآن يكرر هذه المطالب بعبارات جديدة- في الآيات محل البحث- ويورد القرآن كذلك لطائف تخرج المطلب- عن صورة التكرار ، ولو التكرار المجازي.
فتقول الآية الأولى من هذا الآيات محل البحث : {فَإِنْ تابُوا وأَقامُوا الصَّلاةَ وآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ} .
وتضيف معقبة {ونُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} .
وكان التعبير في الآيات المتقدمة أنّهم إذا أدّوا وظيفتهم الإسلامية ، أي تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزّكاة فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ أمّا التعبير في هذه الآية {فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ} أي لا فارق بينهم وبين أحد من المسلمين من حيث الاحترام والمحبّة ، كما لا فارق بين الإخوان.
وهذه التعابير تؤثر من الناحية النفسية في أفكار المشركين وعواطفهم لتقبل الإسلام ، إذ تقول في حقّهم تارة {فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} وتارة {فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ} إلخ ...
ولكن لو استمر المشركون في نقض العهود ، فتقول الآية التالية : {وإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ} .
صحيح أنّهم عاهدوكم على عدم المخاصمة والمقاتلة ، إلّا أن هذه المعاهدة- بنقضها مرارا ، وكونها قابلة للنقض في المستقبل- لا اعتبار لها أصلا ولا قيمة لها.
وتعقّب الآية مضيفة {لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ} وفي الآية الأخرى خطاب للمسلمين لإثارة هممهم ، وإبعاد روح الضعف والخوف والتردد عنهم في هذا الأمر الخطير ، إذ تقول الآية : {أَ لا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ} .
فعلام تقلقون وأنتم لم تبدأوهم بالقتال وإلغاء العهد من قبلكم {وهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} ؟
وإذا كان بعضكم يتردد في مقاتلتهم خشية ، منهم ، فإنّ هذه الخشية لا محل لها {أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} .
وفي الآية التالية وعد بالنصر الحاسم للمسلمين ، إذ تقول {قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} .
وليس ذلك فحسب ، بل ، {ويُخْزِهِمْ ويَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ} .
وبهذا يشعر المؤمنون بالراحة والطمأنينة بعد أن كانوا يقاسون الألم والعذاب تحت وطأة هؤلاء المجرمين ، ويزيل اللّه تعالى عن قلوبهم آلام المحنة بهذا النصر {ويَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} .
قال بعض المفسّرين : إنّ المراد من {قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} هم جماعة المؤمنين من بني خزاعة ، وقد استغفلهم عبدة الأوثان من بني بكر فهجموا عليهم غدرا .
وقال بعض المفسّرين : إنّ المراد من هذا التعبير هم جماعة من أهل اليمن استجابوا لدعوة الإسلام ، ولما وصلوا مكّة عذّبوا وأوذوا من قبل عبدة الأصنام.
إلّا أنّه لا يبعد أن تشمل هذه العبارة جميع أولئك الذين تعرّضوا لأذى المشركين وعبدة الأصنام وتعذيبهم فكانت قلوبهم تغلي دما منهم.
أمّا الآية التالية فتضيف : إنّ في انتصار المؤمنين وهزيمة الكافرين سرورا للمؤمنين ، وإنّ اللّه يسدّدهم {ويُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ} .
ويحتمل أن تكون هذه الجملة تأكيدا للجملة السابقة {ويَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} كما يحتمل أن تكون مستقلة عنها. وأن تكون الجملة السابقة إشارة إلى أنّ القلوب التي مرضت وتألمت سنين طوالا من أجل الإسلام والنّبي الكريم ، شفيت بانتصار الإسلام .
وأمّا الجملة الثّانية {ويُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ} فهي إشارة أن أولئك الذين فقدوا أعزّتهم وأحبّتهم بما لا قوه من تعذيب وحشي من قبل المشركين فأغاظوهم ، سيقّر اللّه عيونهم بهلاك المشركين {ويُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ} .
وتختتم الآية بالقول : {ويَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} .
كما تشير العبارة الأخيرة ضمنا إلى امكانية أن يلج بعضهم باب التوبة ، فينبغي على المسلمين أن يعرفوا أن اللّه يقبل توبتهم ، فلا يعاملوهم بشدة وقسوة فلا يجوز ذلك. كما أن الجمل بنفسها تحمل البشرى بأنّ مثل هؤلاء سيميلون نحو الإسلام ويشملهم توفيق اللّه ، لما لديهم من التهيؤ الروحي والقابليّة.
وقد ذهب بعض المفسّرين أنّ الآيات الأخيرة- بصورة عامّة من قبيل الإخبار القراني بالمغيبات ، وهي من دلائل صدق دعوة النّبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لأنّ ما أخبر عنه القرآن قد تحقق فعلاً .
__________________________________
1. تفسير الأمثل ، ج5 ، ص 158-163 .
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|